فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ كَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ

باب كَوْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
[ سـ :356 ... بـ :221]
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مَالِكٌ ، وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

قَوْلُهُ : ( قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ : أَمَّا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) أَمَّا تَكْبِيرُهُمْ فَلِسُرُورِهِمْ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ الشَّطْرَ ، وَلَمْ يَقُلْ أَوَّلًا ( شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) فَلِفَائِدَةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ : أَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهِمْ ، فَإِنَّ إِعْطَاءَ الْإِنْسَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَدَوَامِ مُلَاحَظَتِهِ ، وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى هِيَ تَكْرِيرُهُ الْبِشَارَةَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، وَفِيهِ أَيْضًا حَمْلُهُمْ عَلَى تَجْدِيدِ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَحَمْدِهِ عَلَى كَثْرَةِ نِعَمِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ هَذِهِ الْأُمَّةُ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَدِيثِ الشَّطْرِ ، ثُمَّ تَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالزِّيَادَةِ ، فَأُعْلِمَ بِحَدِيثِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ مَعْرُوفَةٌ كَحَدِيثِ : ( الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ، وَبِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ) عَلَى إِحْدَى التَّأْوِيلَاتِ فِيهِ ، وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ وَصَلْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْلًا ، وَهَذَا النَّصُّ عَلَى عُمُومِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ) مَعْنَاهُ : أَنَّ التَّبْلِيغَ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَقَدْ بَلَّغْتُ فَاشْهَدْ لِي بِهِ .




[ سـ :358 ... بـ :221]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مَالِكٌ وَهُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةِ أَدَمٍ فَقَالَ أَلَا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ أَتُحِبُّونَ أَنَّكُمْ رُبُعُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَتُحِبُّونَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَا أَنْتُمْ فِي سِوَاكُمْ مِنْ الْأُمَمِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ ) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ ) مَعْنَى ( فِي يَدَيْكَ ) : عِنْدَكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِآدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ ) الْبَعْثُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَبْعُوثِ الْمُوَجَّهِ إِلَيْهَا وَمَعْنَاهُ مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرِهِمْ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) مَعْنَاهُ مُوَافَقَةُ آيَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ إِلَى آخِرِهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَقْتِ وَضْعِ كُلِّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَذْكُورِ ، فَقِيلَ : عِنْدَ زَلْزَلَةِ السَّاعَةِ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ مِنَ الدُّنْيَا ، وَقِيلَ : هُوَ فِي الْقِيَامَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مَجَازًا ; لِأَنَّ الْقِيَامَةَ لَيْسَ فِيهَا حَمْلٌ وَلَا وِلَادَةٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : يَنْتَهِي بِهِ الْأَهْوَالُ وَالشَّدَائِدُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ تُصُوِّرَتِ الْحَوَامِلُ هُنَاكَ لَوَضَعْنَ أَحْمَالَهُنَّ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : ( أَصَابَنَا أَمْرٌ يَشِيبُ مِنْهُ الْوَلِيدُ ) يُرِيدُونَ شِدَّتَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ ( أَلْفٌ وَرَجُلٌ ) بِالرَّفْعِ فِيهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّهُ بِالْهَاءِ الَّتِي هِيَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَحُذِفَتِ الْهَاءُ وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ . وَأَمَّا ( يَاجُوجُ وَمَاجُوجُ ) فَهُمَا غَيْرُ مَهْمُوزَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْقُرَّاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْهَمْزِ فِيهِمَا وَأَصْلُهُ مِنْ أَجِيجِ النَّارِ وَهُوَ صَوْتُهَا وَشَرَرُهَا ، شُبِّهُوا بِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ وَاضْطِرَابِهِمْ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ . قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ : هُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ : هُمْ جِيلٌ مِنَ التُّرْكِ ، وَقَالَ كَعْبٌ : هُمْ بَادِرَةٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ مِنْ غَيْرِ حَوَّاءَ ، قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَلَمَ فَامْتَزَجَتْ نُطْفَتُهُ بِالتُّرَابِ فَخَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ ) هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الرَّقْمَتَانِ فِي الْحِمَارِ هُمَا الْأَثَرَانِ فِي بَاطِنِ عَضُدَيْهِ ، وَقِيلَ : هِيَ الدَّائِرَةُ فِي ذِرَاعَيْهِ ، وَقِيلَ : هِيَ الْهَنَةُ النَّاتِئَةُ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ مِنْ دَاخِلٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .