فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الدُّخَانِ

باب الدُّخَانِ
[ سـ :5135 ... بـ :2798]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ وَيَزْعُمُ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ يَا أَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا فَقَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ قَالَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنْ الْجُوعِ وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكُمْ عَائِدُونَ قَالَ أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ ) هُوَ بَابٌ بِالْكُوفَةِ .

قَوْلُهُ : ( فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ ) السَّنَةُ الْقَحْطُ وَالْجَدْبُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ ( حَصَّتْ ) بِحَاءٍ وَصَادٍ مُشَدَّدَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ ، أَيْ : اسْتَأْصَلَتْهُ .

قَوْلُهُ : ( أَفَيَكْشِفُ عَذَابَ الْآخِرَةِ ) هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَى مَنْ يَقُولُ : إِنَّ الدُّخَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَشْفَ الْعَذَابِ ثُمَّ عَوْدَهُمْ لَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ ، إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا .




[ سـ :5136 ... بـ :2798]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ كُلُّهُمْ عَنْ الْأَعْمَشِ ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ فَقَالَ تَرَكْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ قَالَ يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَانٌ فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ حَتَّى يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ اللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّمَا كَانَ هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ وَحَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَقَالَ لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ قَالَ فَمُطِرُوا فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ قَالَ عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ قَالَ يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَسِنِي يُوسُفَ ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ .

قَوْلُهُ : ( فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ، أَيْ : مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ ، وَحُكِي ضَمُّهَا .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمِ ( اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ ) وَفِي الْبُخَارِيِّ : ( اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ ) قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضُهُمْ : ( اسْتَسْقِ ) هُوَ الصَّوَابُ اللَّائِقُ بِالْحَالِ ; لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ لَا يُدْعَى لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ ، قُلْتُ : كِلَاهُمَا صَحِيحٌ ، فَمَعْنَى ( اسْتَسْقِ ) اُطْلُبْ لَهُمُ الْمَطَرَ وَالسُّقْيَا ، وَمَعْنَى ( اسْتَغْفِرْ ) : ادْعُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الِاسْتِغْفَارُ .

قَوْلُهُ : ( مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ وَالْبَطْشَةِ وَاللِّزَامِ وَآيَةُ الرُّومِ ) وَفَسَّرَهَا كُلَّهَا فِي الْكِتَابِ إِلَّا اللِّزَامَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا أَيْ : يَكُونُ عَذَابُهُمْ لَازِمًا ، قَالُوا : وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ ، وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى .