فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَخَوُّفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا

باب تَخَوُّفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا
[ سـ :1818 ... بـ :1052]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ قَالَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ كَيْفَ قُلْتَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا وَاللَّهِ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا ) فِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا ، وَالْمُفَاخَرَةِ بِهَا ، وَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ إِذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ فِي التَّوْكِيدِ وَالتَّفْخِيمِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ .

قَوْلُهُ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ ، إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ أَكَلَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ ثَلَطَتْ أَوْ بَالَتْ ثُمَّ اجْتَرَّتْ فَعَادَتْ فَأَكَلَتْ ، فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَ خَيْرٌ هُوَ ) فَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَ ( الْحَبَطُ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ التُّخَمَةُ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ يُلِمُّ ) مَعْنَاهُ أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مِنْ ( إِلَّا ) وَتَشْدِيدِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ( أَلَا ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى الِاسْتِفْتَاحِ وَ ( آكِلَةَ الْخَضِرِ ) بِهَمْزَةِ مَمْدُودَةٍ ، ( وَالْخَضِرِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ ، هَكَذَا رَوَاهُ الْجُمْهُورُ ، قَالَ الْقَاضِي : وَضَبْطَهُ بَعْضُهُمْ ( الْخُضَرِ ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ . وَقَوْلُهُ : ( ثَلَطَتْ ) هُوَ بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَلْقَتِ الثَّلْطَ ، وَهُوَ الرَّجِيعُ الرَّقِيقُ ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْفِيَلَةِ . قَوْلُهُ : ( اجْتَرَّتْ ) أَيْ مَضَغَتْ جِرَّتَهَا . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ( الْجِرَّةُ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ بَطْنِهِ لِيَمْضُغَهُ ثُمَّ يَبْلَعَهُ ، ( وَالْقَصْعُ ) شِدَّةُ الْمَضْغِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَّا مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ أَوَ خَيْرٌ هُوَ ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَّرَهُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَخَافَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا ، فَقَالَ هَذَا الرَّجُلُ : إِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لَنَا مِنْ جِهَةٍ مُبَاحَةٍ كَغَنِيمَةٍ وَغَيْرِهَا ، وَذَلِكَ خَيْرٌ ، وَهَلْ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَاسْتِبْعَادٍ ، أَيْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ خَيْرًا ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَرٌّ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا الْخَيْرُ الْحَقِيقِيُّ فَلَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ ، أَيْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرٌ ، ثُمَّ قَالَ : ( أَوَ خَيْرٌ هُوَ ) مَعْنَاهُ : أَنَّ هَذَا الَّذِي يَحْصُلُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا لَيْسَ بِخَيْرٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ فِتْنَةٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : الْخَيْرُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هَذِهِ الزَّهْرَةُ بِخَيْرٍ لِمَا تُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْمُنَافَسَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ كَمَالِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ ، ثُمَّ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلَ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ إِلَى آخِرِهِ ) وَمَعْنَاهُ : أَنَّ نَبَاتَ الرَّبِيعِ وَخَضِرَهُ يَقْتُلُ حَبَطًا بِالتُّخَمَةِ لِكَثْرَةِ الْأَكْلِ ، أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ إِلَّا إِذَا اقْتُصِرَ مِنْهُ عَلَى الْيَسِيرِ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ وَتَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ الْمُقْتَصَدَةُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ ، وَهَكَذَا الْمَالُ هُوَ كَنَبَاتِ الرَّبِيعِ مُسْتَحْسَنٌ تَطْلُبُهُ النُّفُوسُ وَتَمِيلُ إِلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنْهُ وَيَسْتَغْرِقُ فِيهِ غَيْرَ صَارِفٍ لَهُ فِي وُجُوهِهِ ، فَهَذَا يُهْلِكُهُ أَوْ يُقَارِبُ إِهْلَاكَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْتَصِدُ فِيهِ فَلَا يَأْخُذُ إِلَّا يَسِيرًا ، وَإِنْ أَخَذَ كَثِيرًا فَرَّقَهُ فِي وُجُوهِهِ كَمَا تَثْلِطُهُ الدَّابَّةُ فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ .

هَذَا مُخْتَصَرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : فِيهِ مَثَلَانِ أَحَدُهُمَا لِلْمُكْثِرِ مِنَ الْجَمْعِ الْمَانِعِ مِنَ الْحَقِّ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ ) ؛ لِأَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَجْرَارَ الْبُقُولِ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى تَهْلِكَ ، وَالثَّانِي لِلْمُقْتَصِدِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ ) ؛ لِأَنَّ الْخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَجْرَارِ الْبُقُولِ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : ضَرَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا بِحَالَتَيِ الْمُقْتَصِدِ وَالْمُكْثِرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ نَبَاتَ الرَّبِيعِ خَيْرٌ ، وَبِهِ قِوَامُ الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ مُطْلَقًا ، بَلْ مِنْهُ مَا يَقْتُلُ أَوْ يُقَارِبُ الْقَتْلَ ، فَحَالَةُ الْمَبْطُونِ الْمَتْخُومِ كَحَالَةِ مَنْ يَجْمَعُ الْمَالَ وَلَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِهِ ، فَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ وَالتَّوَسُّطَ فِي الْجَمْعِ أَحْسَنُ ، ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ يَنْفَعُهُ إِكْثَارُهُ وَهُوَ التَّشْبِيهُ بِآكِلَةِ الْخَضِرِ ، وَهَذَا التَّشْبِيهُ لِمَنْ صَرَفَهُ فِي وُجُوهِهِ الشَّرْعِيَّةِ . وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ تَأْكُلُ مِنَ الْخَضِرِ حَتَّى تَمْتَلِئَ خَاصِرَتُهَا ثُمَّ تَثْلِطُ ، وَهَكَذَا مِنْ يَجْمَعُهُ ثُمَّ يَصْرِفُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1820 ... بـ :1052]
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ إِنَّ مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَوَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُكَلِّمُكَ قَالَ وَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ وَقَالَ إِنَّ هَذَا السَّائِلَ وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ فَإِنَّهَا أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلَ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

قَوْلُهُ : ( فَأَفَاقَ يَمْسَحُ الرُّحَضَاءَ ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَمْدُودَةٍ أَيِ الْعَرَقَ مِنَ الشِّدَّةِ ، وَأَكْثَرُ مَا يُسَمَّى بِهِ عَرَقُ الْحُمَّى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ هَذَا السَّائِلَ ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَفِي بَعْضِهَا ( أَيْنَ ) ، وَفِي بَعْضِهَا ( أَنَّى ) وَفِي بَعْضِهَا ( أَيْ ) ، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ ، فَمَنْ قَالَ : ( أَنَّى ) أَوْ ( أَيْنَ ) فَهُمَا بِمَعْنًى ، وَمَنْ قَالَ : ( إِنَّ ) فَمَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنَّ هَذَا هُوَ السَّائِلُ الْمَمْدُوحُ الْحَاذِقُ الْفَطِنُ . وَلِهَذَا قَالَ : ( وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ ) وَمَنْ قَالَ : ( أَيٌّ ) فَمَعْنَاهُ أَيُّكُمْ ، فَحَذَفَ الْكَافَ وَالْمِيمَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنْ مِمَّا يَنْبُتُ الرَّبِيعُ ) وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ ( إِنَّ كُلَّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ ) أَوْ ( أَنْبَتَ الرَّبِيعُ ) وَرِوَايَةُ ( كُلَّ ) مَحْمُولَةٌ عَلَى رِوَايَةِ ( مِمَّا ) وَهُوَ مِنْ بَابِ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) ، فِيهِ : فَضِيلَةُ الْمَالِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَصَرَفَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يُرَجِّحُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .