فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ مَطْلِ الْغَنِيِّ ، وَصِحَّةِ الْحَوَالَةِ ، وَاسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا إِذَا

باب تَحْرِيمِ مَطْلِ الْغَنِيِّ وَصِحَّةِ الْحَوَالَةِ وَاسْتِحْبَابِ قَبُولِهَا إِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيٍّ
[ سـ :3024 ... بـ :1564]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَا جَمِيعًا حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : الْمَطْلُ مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ . فَمَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ وَحَرَامٌ ، وَمَطْلُ غَيْرِ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِظُلْمٍ وَلَا حَرَامٍ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ، وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا مِنَ الْأَدَاءِ لِغَيْبَةِ الْمَالِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْإِمْكَانِ ، وَهَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ مَطْلِ الْغَنِيِّ . أَوْ يُقَالُ : الْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الْأَدَاءِ ، فَلَا يَدْخُلُ هَذَا فِيهِ . قَالَ بَعْضُهُمْ : وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُعْسِرَ لَا يَحِلُّ حَبْسُهُ ، وَلَا مُلَازَمَتُهُ ، وَلَا مُطَالَبَتُهُ حَتَّى يُوسِرَ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمُفْلِسِ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ فِي أَنَّ الْمُمَاطِلَ هَلْ يَفْسُقُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً ، أَمْ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرَ عَادَةً ؟ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ . لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ . ( اللَّيُّ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ الْمَطْلُ ، ( وَالْوَاجِدُ ) بِالْجِيمِ الْمُوسِرُ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : يُحِلُّ عِرْضَهُ بِأَنْ يَقُولَ : ظَلَمَنِي وَمَطَلَنِي ، وَعُقُوبَتُهُ الْحَبْسُ وَالتَّعْزِيرُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ هُوَ بِإِسْكَانِ التَّاءِ فِي ( أُتْبِع ) وَفِي ( فَلْيَتْبَعْ ) مِثْلَ أَخْرَجَ فَلْيَخْرُجْ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ ، وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَكُتُبِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ ، وَنَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُشَدِّدُهَا فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، وَمَعْنَاهُ : وَإِذَا أُحِيلَ بِالدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى مُوسِرٍ فَلْيَحْتَلْ . يُقَالُ مِنْهُ : تَبِعْتُ الرَّجُلَ لِحَقِّي أَتَّبِعُهُ تَبَاعَةً فَأَنَا تَبَعٌ : إِذَا طَلَبْتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ثُمَّ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ إِذَا أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ اسْتُحِبَّ لَهُ قَبُولُ الْحَوَالَةِ ، وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى النَّدْبِ . وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْقَبُولُ مُبَاحٌ لَا مَنْدُوبٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : وَاجِبٌ لِظَاهِرِ الْأَمْرِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَغَيْرِهِ .