فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ

باب بَيْعِ الطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ
[ سـ :3083 ... بـ :1592]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ فَلَمَّا جَاءَمَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ مَعْمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ لِيَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ شَعِيرًا ، فَبَاعَهُ بِصَاعٍ وَزِيَادَةٍ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ : رُدَّهُ وَلَا تَأْخُذْهُ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ ) وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ قَالَ : ( وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمئِذٍ الشَّعِيرَ ، فَقِيلَ لَهُ : إِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ فَقَالَ : إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ ) مَعْنَى يُضَارِعُ : يُشَابِهُ وَيُشَارِكُ ، وَمَعْنَاهُ : أَخَافُ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثِلِ ، فَيَكُونَ لَهُ حُكْمُهُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا . وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي كَوْنِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ صِنْفًا وَاحِدًا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا صِنْفَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَالْحِنْطَةِ مَعَ الْأَرُزِّ ، وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عِنْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ مَعَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرُ أَكْثَرُهُمَا يَدًا بِيَدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ هَذَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَإِنَّمَا خَافَ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَرَّعَ عَنْهُ احْتِيَاطًا .




[ سـ :3084 ... بـ :1593]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ

قَوْلُهُ : ( قَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَفْعَلُوا ، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ ) أَمَّا ( الْجَنِيبُ ) : فَبِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتُ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ مِنْ أَعْلَاهُ ، وَأَمَّا ( الْجَمْعُ ) فَبِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهُوَ تَمْرٌ رَدِيءٌ ، وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ الْخَلْطُ مِنَ التَّمْرِ ، وَمَعْنَاهُ : مَجْمُوعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَامِلَ الَّذِي بَاعَ صَاعًا بِصَاعَيْنِ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَ هَذَا ، لِكَوْنِهِ كَانَ فِي أَوَائِلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْحَابُنَا وَمُوَافِقُوهُمْ فِي أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ ، وَهِيَ الْحِيلَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا بَعْضُ النَّاسِ تَوَصُّلًا إِلَى مَقْصُودِ الرِّبَا بِأَنْ يُرِيدَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْنِ ، فَيَبِيعَهُ ثَوْبًا بِمِائَتَيْنِ ، ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْهُ بِمِائَةٍ ، وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرَوْا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ ، وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ : هُوَ حَرَامٌ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَكَذَا الْمِيزَانُ ) فَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَمُوَافِقُوهُمْ بِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ فِيمَا كَانَ رِبَوِيًّا مَوْزُونًا .




[ سـ :3086 ... بـ :1594]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُمَا جَمِيعًا عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ أَخْبَرَنِي يَحْيَى وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ جَاءَ بِلَالٌ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ هَذَا فَقَالَ بِلَالٌ تَمْرٌ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ سَهْلٍ فِي حَدِيثِهِ عِنْدَ ذَلِكَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هِيَ كَلِمَةُ تَوَجُّعٍ وَتَحَزُّنٍ . وَمَعْنَى عَيْنُ الرِّبَا : أَنَّهُ حَقِيقَةُ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ ، وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لُغَاتٌ . الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الرِّوَايَاتِ : ( أَوَّهْ ) بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ مُشَدَّدَةٍ ، وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ ، وَيُقَالُ : بِنَصَبِ الْهَاءِ مُنَوَّنَةً ، وَيُقَالُ ( أُوهِ ) بِإِسْكَانِ الْوَاو وَكَسْرِ الْهَاءِ مُنَوَّنَةً وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ ، وَيُقَالُ أَوٍّ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَكْسُورَةٍ مُنَوَّنَةٍ بِلَا هَاءٍ ، وَيُقَالُ ( آهْ ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَنْوِينِ الْهَاءِ سَاكِنَةً مِنْ غَيْرِ وَاوٍ .




[ سـ :3087 ... بـ :1594]
وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ فَقَالَ مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا.

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِمَنِ اشْتَرَى صَاعًا بِصَاعَيْنِ : ( هَذَا الرِّبَا فَرُدُّوهُ ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ، وَإِذَا رَدَّهُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ . فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِرَدِّهِ ، فَالْجَوَابُ : أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَأَمَرَ فِيهَا بِرَدِّهِ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ حَفِظَ ذَلِكَ ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَحْفَظْهُ ، فَقَبِلْنَا زِيَادَةَ الثِّقَةِ ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لَحُمِلَتِ الْأُولَى عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا أَمَرَ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْنَا ذَلِكَ ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ مَعَ أَنَّهُمَا [ ص: 205 ] قَضِيَّتَانِ لَحَمَلْنَاهَا عَلَى أَنَّهُ جَهِلَ بَائِعَهُ ، وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ ، فَصَارَ مَالًا ضَائِعًا لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقِيمَتِهِ وَهُوَ التَّمْرُ الَّذِي قَبَضَهُ عِوَضًا ، فَحَصَلَ أَنَّهُ لَا إِشْكَالَ فِي الْحَدِيثِ . وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.


[ سـ :3089 ... بـ :1594]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ أَيَدًا بِيَدٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ أَيَدًا بِيَدٍ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ أَوَ قَالَ ذَلِكَ إِنَّا سَنَكْتُبُ إِلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ قَالَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا قَالَ كَانَ فِي تَمْرِ أَرْضِنَا أَوْ فِي تَمْرِنَا الْعَامَ بَعْضُ الشَّيْءِ فَأَخَذْتُ هَذَا وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ أَضْعَفْتَ أَرْبَيْتَ لَا تَقْرَبَنَّ هَذَا إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيْءٌ فَبِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنْ التَّمْرِ

قَوْلُهُ : ( سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ : أَيَدًا بِيَدٍ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ قَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا قَالَ : فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ : مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا ، فَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ حَدِيثَ نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ ، وَذَكَرْتُ رُجُوعَ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ إِبَاحَتِهِ إِلَى مَنْعِهِ ) وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ ( أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ )

مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ ، وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ ، وَصَاعِ تَمْرٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ التَّمْرِ ، وَكَذَا الْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ ، كَانَا يَرَيَانِ جَوَازَ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا ، وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْرُمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا إِذَا كَانَ نَسِيئَةً ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : إِنَّهُ سَأَلَهُمَا عَنِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا ، يَعْنِي الصَّرْفَ مُتَفَاضِلًا كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ ، وَكَانَ مُعْتَمَدَهُمَا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ( إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ) ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَا بِتَحْرِيمِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا حِينَ بَلَغَهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رُجُوعِهِمَا صَرِيحًا .

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّفَاضُلِ فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ ، فَلَمَّا بَلَغَهُمَا رَجَعَا إِلَيْهِ .

وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ ( لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ ) فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ .

وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ تَأْوِيلَاتٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ ، وَهُوَ كَبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَهُ ثَوْبٌ مَوْصُوفٌ ، فَيَبِيعُهُ بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ مُؤَجَّلًا ، فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ حَالًّا جَازَ .

الثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ، فَإِنَّهُ لَا رِبًا فِيهَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُلِ ، بَلْ يَجُوزُ تَفَاضُلُهَا يَدًا بِيَدٍ .

الثَّالِثُ : أَنَّهُ مُجْمَلٌ ، وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا مُبَيِّنٌ ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُبَيِّنِ ، وَتَنْزِيلُ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ . هَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ .




[ سـ :3094 ... بـ :1596]
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِقْلٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي الصَّرْفِ أَشَيْئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ شَيْئًا وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَلَّا لَا أَقُولُ أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ فَلَا أَعْلَمُهُ وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا هِقْلٌ ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ .