فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتِحْبَابِ الضَّحِيَّةِ ، وَذَبْحِهَا مُبَاشَرَةً بِلَا تَوْكِيلٍ ، وَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ

باب اسْتِحْبَابِ الضَّحِيَّةِ وَذَبْحِهَا مُبَاشَرَةً بِلَا تَوْكِيلٍ وَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ
[ سـ :3749 ... بـ :1966]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا

قَوْلُهُ : ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ) قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ : الْأَمْلَحُ هُوَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ الْبَيَاضِ ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : هُوَ الْأَبْيَضُ وَيَشُوبُهُ شَيْءٌ مِنَ السَّوَادِ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : هُوَ الَّذِي يُخَالِطُ بَيَاضَهُ حُمْرَةٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ الْأَسْوَدُ يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ ، وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : هُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : هُوَ الْمُتَغَيِّرُ الشَّعْرِ بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ .

وَقَوْلُهُ : ( أَقْرَنَيْنِ ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَرْنَانِ حَسَنَانِ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : فَيُسْتَحَبُّ الْأَقْرَنُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَضْحِيَةِ الْإِنْسَانِ بِعَدَدٍ مِنَ الْحَيَوَانِ ، وَاسْتِحْبَابُ الْأَقْرَنِ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّضْحِيَةِ بِالْأَجْمِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ لَهُ قَرْنَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَكْسُورِ الْقَرْنِ فَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ ، سَوَاءٌ كَانَ يُدْمِي أَمْ لَا ، وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَ يُدْمِي ، وَجَعَلَهُ عَيْبًا .

وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِحْسَانِهَا وَاخْتِيَارِ أَكْمَلِهَا ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ ، وَهُوَ : الْمَرَضُ ، وَالْعَجَفُ ، وَالْعَوْرَةُ ، وَالْعَرَجُ الْبَيِّنُ لَا تُجْزِي التَّضْحِيَةُ بِهَا ، وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا ، أَوْ أَقْبَحَ ؛ كَالْعَمَى ، وَقَطْعِ الرِّجْلِ ، وَشِبْهِهِ . وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَحَسَنَةٍ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : مَا أَحْسَنَهُ مِنْ حَدِيثٍ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( أَمْلَحَيْنِ ) فَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ اسْتِحْسَانِ لَوْنِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : أَفْضَلُهَا الْبَيْضَاءُ ، ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ، ثُمَّ الْغَبْرَاءُ ؛ وَهِيَ الَّتِي لَا يَصْفُو بَيَاضُهَا ، ثُمَّ الْبَلْقَاءُ ؛ وَهِيَ الَّتِي بَعْضُهَا أَبْيَضُ وَبَعْضُهَا أَسْوَدُ ، ثُمَّ السَّوْدَاءُ .




[ سـ :3751 ... بـ :1967]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ

أما قَوْلُهُ فِي الْحِديثِ الآخَرِ : ( يَطَأُ فِي سَوَادٍ ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوَائِمَهُ وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ ذَبْحَ أُضْحِيَّتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَلَا يُوَكِّلَ فِي ذَبْحِهَا إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْهَدَ ذَبْحَهَا ، وَإِنِ اسْتَنَابَ فِيهَا مُسْلِمًا جَازَ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنِ اسْتَنَابَ كِتَابِيًّا كُرِهَ كَرَاهِيَةَ تَنْزِيهٍ وَأَجْزَأَهُ وَوَقَعَتِ التَّضْحِيَةُ عَنِ الْمُوَكِّلِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَالِكًا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِيبَ صَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً حَائِضًا ، لَكِنْ يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الصَّبِيِّ ، وَفِي كَرَاهَةِ تَوْكِيلِ الْحَائِضِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا : الْحَائِضُ أَوْلَى بِالِاسْتِنَابَةِ مِنَ الصَّبِيِّ ، وَالصَّبِيُّ أَوْلَى مِنَ الْكِتَابِيِّ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ وَكَّلَ أَنْ يُوَكِّلَ مُسْلِمًا فَقِيهًا بِبَابِ الذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا ؛ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِشُرُوطِهَا وَسُنَنِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَسَمَّى ) فِيهِ إِثْبَاتُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الضَّحِيَّةِ وَسَائِرِ الذَّبَائِحِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ هَلْ هُوَ شَرْطٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ ، قَوْلُهُ : ( وَكَبَّرَ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَيَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ .

قَوْلُهُ : ( وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا ) أَيْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ وَهِيَ جَانِبُهُ ، وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِيَكُونَ أَثْبَتَ لَهُ وَأَمْكَنَ ؛ لِئَلَّا تَضْطَرِبَ الذَّبِيحَةُ بِرَأْسِهَا فَتَمْنَعُهُ مِنْ إِكْمَالِ الذَّبْحِ أَوْ تُؤْذِيهِ ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ بِالنَّهْيِ عَنْ هَذَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ) أَيْ هَاتِيهَا ، وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهِيَ السِّكِّينُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَدِّدِيهَا ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالذَّبْحِ وَإِحْدَادِ الشَّفْرَةِ .

قَوْلُهُ : ( وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ ضَحَّى بِهِ ) هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ، وَتَقْدِيرُهُ : فَأَضْجَعَهُ ، وَأَخَذَ فِي ذَبْحِهِ قَائِلًا : بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ ، مُضَحِّيًا بِهِ ، وَلَفْظَةُ ( ثُمَّ ) هُنَا مُتَأَوَّلَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ بِلَا شَكٍّ .

وَفِيهِ : اسْتِحْبَابُ إِضْجَاعِ الْغَنَمِ فِي الذَّبْحِ ، وَأَنَّهَا لَا تُذْبَحُ قَائِمَةً وَلَا بَارِكَةً بَلْ مُضْجَعَةً ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهَا ، وَبِهَذَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ ، وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ ، وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ ، وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ) فِيهِ : دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ قَوْلِ الْمُضَحِّي حَالَ الذَّبْحِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ : ( اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي ) قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ : ( اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ تَقَبَّلْ مِنِّي ) فَهَذَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ ، وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ ( اللَّهُمَّ مِنْكَ ، وَإِلَيْكَ ) وَقَالَ : هِيَ بِدْعَةٌ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ جَوَّزَ تَضْحِيَةَ الرَّجُلِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَاشْتِرَاكَهُمْ مَعَهُ فِي الثَّوَابِ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ أَوْ مَخْصُوصٌ ، وَغَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ النَّسْخَ وَالتَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتَانِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى .