فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الدعاء

رقم الحديث 1483 ( وعن شكل) بفتح المعجمة والكاف باللام ( ابن حميد) بضم المهملة العبسي بالمهملتين بينهما موحدة الصحابي ( رضي الله عنه) قال في التقريب: له حديث واحد، كما ذكره ابن الجوزي وغيره، وقال في السلاح وليس لشكل في الكتب الستة إلا في هذا الحديث ( قال: قلت: يا رسول الله علمني دعاء) أي: ذا شأن كما يدل عليه طلبه لذلك من عين الرحمة من أوتي جوامع الكلم ( قال: قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي) أي: بأن أسمع كلام الزور والبهتان، وغيره من العصيان، أو بأن لا أسمع به حقاً ( ومن شر بصري) أعاد الجار والمجرور، مع أن العاطف يقوم مقامهما اهتماماً بالمعطوف، وإيماء إلى أنه جنس غير ما قبله، وذلك بأن أنظر إلى محرم، ومنه النظر على وجه الاحتقار لأحد من العباد، أو أهمل النظر والاعتبار في مصنوعات مولانا سبحانه ( ومن شر لساني) بأن أتكلم فيما لا يعنيني، أو أسكت عما يعنيني ( ومن شر قلبي) بأن أشغله بغير الله، وبغير أمره ( ومن شر مني) بأن أوقعه في غير محله، أو يوقعني في مقدمات الزنى من النظر، واللمس، والمشي، والعزم، وأمثال ذلك، وقال في السلاح: أراد به فرجه، ووقع في رواية أبي: داود يعني فرجه، وقيل: هي جمع منية وهي طول الأمل ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) ورواه النسائي، والحاكم في المستدرك.


رقم الحديث 1484 ( وعن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من البرص) هو إنسداد المسام، وانحباس الدم فيتولد عنه ذلك ( والجنون) أي: زوال العقل أي: التمييز به أو بغيره ( والجذام) قال في القاموس: هو كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الأعضاء، وهيئتها وربما انتهى إلى أكل الأعضاء، وسقوطها عن تقرح.
اهـ واستعاذ - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأمراض مع أن في الصبر عليها مزيد الأجر خشية من ضعف الطاقة عن الصبر، والوقوع في الضجر، فيفوت به الأجر، وعم بعد تخصيص المذكورات الاستعاذة فقال: ( وسيىء الأسقام) أي: قبيحها كالفالج والعمى، وإنما قيد بسيئها لأن الأمراض مطهرة للآثام مرقاة للأنام مع الصبر، فأراد ألا يسد باب الأجر خصوصاً، وقد جاء: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء، فالنفوذ من جميع الأسقام، ليس من دأب الكرام، وقال ميرك: لأن منها ما إذا تحامل الإِنسان فيه على نفسه بالصبر خفت مؤنته، مع عدم إزمانه كالحمى والصداع والرمد ولا كذلك المرض المزمن، فإنه ينتهي بصاحبه إلى حالة يعرض عنه منها الحميم، ويقل دونها المداوي مع ما يورثه من الشين ( رواه أبو داود بإسناد صحيح) وروي بزيادة عند ابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك والطبراني في المعجم الصغير.


رقم الحديث 1491 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألظوا بياذا الجلال) هي النعوت القهرية، كالانتقام والقهر والجبر، نحو المنتقم القهار الجبار العزيز ( والإكرام) هو النعوت الجمالية كالكريم الستار الرؤوف الرحيم الغفار ( الجلال والإكرام اسم الله الأعظم) وهو أحد ما قيل في تعيين الاسم الأعظم، ذكره الحافظ في الفتح وقال: أخرج الترمذي من حديث معاذ بن جبل قال: "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يقول يا ذا الجلال والإِكرام، فقال: قد استجيب لك فسل" واحتج له الفخر الرازي بأنه يشمل جميع الصفات المعتبرة في الألوهية، لأن في الجلال إشارة إلى جميع الصفات السلبية، وفي الإِكرام إشارة إلى جميع الصفات الثبوتية.
( رواه الترمذي ورواه النسائي) وكذا أحمد والحاكم في المستدرك ( من رواية) أي: من حديث ( ربيعة) بفتح الراء وكسر الموحدة، وبالعين المهملة ( ابن عامر) بن بجاد بموحدة وجيم ودال مهملة، بينهما ألف، وقيل: ابن الهادي الأزدي أو الديلي ( الصحابي) وسقط من النسخ ذكر الترضية، ولعله من النساخ.
قال الحافظ في التقريب: له حديث واحد خرج عنه النسائي، وقال الزهري في الكاشف: روى عنه يحيى بن حبان ( قال الحاكم) في المستدرك في حديث ربيعة ( حديث صحيح الإِسناد: ألظوا) بفتح الهمزة و ( بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة معناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها) هو تقدير معنى، وأما تقدير الإعراب لازموا الدعاء، أو ابدءوه بياذا الجلال والإِكرام، وإطلاق الدعاء عليه على الوجه الأول، لأنه يفتتح به الدعاء كإطلاقه في حديث "أفضل الدعاء يوم عرفة لا إله إلا الله" الحديث.


رقم الحديث 1492 ( وعن أبي إمامة رضي الله عنه قال: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كثير) بالمثلثة ( لم نحفظ منه شيئاً قلنا: يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً فقال: ألا) بتخفيف اللام ( أدلكم على ما يجمع ذلك) أي: مقصوده ومطلوبه ( كله) وسكت عن جوابهم أي: قالوا بلى إما نسياناً، أو لكونهم لم يأتوا به اكتفاء بظهور حاجتهم إليه عن بيانه ( تقول: اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه نبيك) من للتبعيض فيهما وعطف على نبيك عطف بيان أو أبدل منه قول: ( محمد - صلى الله عليه وسلم - وأعوذ) وفي نسخة "ونعوذ" بالنون ( بك من شر ما استعاذ منه نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -) أي: من الشرور الدنيوية بدناً أو أهلاً أو مالاً، والدينية حالاً أو مآلاً ( وأنت المستعان) أي: المطلوب منه الإِعانة ( وعليك البلاغ) أي: الكفاية أو ما يبلغ إلى المطلوب من خير الدارين ( ولا حول ولا قوة إلا بالله رواه الترمذي وقال: حديث حسن) غريب.


رقم الحديث 1493 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان من) أي: بعض ( دعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: الجامع للخير كما جاء أنه كان يحب الجوامع من الأدعية ( اللهم إني أسألك موجبات رحمتك) أي: ما يوجبها مما رتبتها عليه من الأعمال بالوعد الصادق كقوله تعالى: ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) الآية ( وعزائم مغفرتك) أي: موجبات غفرانك.
قال المصنف: جمع عزيمة وهي ما عزم الله على العباد أن يعطوه، ليغفر لهم، قاله ابن الجزري.
قيل: وصوابه أن يطيعوه.
قلت، ويمكن رد الأول إليه أي: يعطوه من الطاعة ( والسلامة من كل إثم) أي: معصية ( والغنيمة) أي: الإِكثار ( من كل بر) بكسر الموحدة أي: طاعة ( والفوز) أي: الظفر ( بالجنة والنجاة) أي: الخلاص ( من النار.
رواه الحاكم أبو عبد الله)
ابن البيع في المستدرك ( وقال: حديث صحيح على شرط مسلم) وفي ختم المصنف الباب بهذا الدعاء، إيماء إلى أن المطلوب من الأدعية كغيرها من الأعمال، وهو بعد أداء العبودية لحق الربوبية، طلب النجاة من النار، ودخول الجنة.
قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وقال الشاعر: إن ختم الله برضوانه ... فكل ما لاقيته سهل .