فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب استحباب الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع

رقم الحديث 750 ( وعن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله أمر بلعق الأصابع والصحفة) أي ومن النهي عن قرينه السابق في أول الباب، فإن النهي عن الشيء أمر بضده ( وقال) مبيناً حكمة الأمر بذلك ( إنكم) بكسر الهمزة على الاستئناف البياني ويجوز فتحها على تقدير لام التعليل قبلها ( لا تدرون) أي لا تعلمون ( في أي طعامكم) أي في أي جزء من أجزائه ( البركة) أهي في المأكول أو الباقي بالأصبع أو الباقي بالقصعة ونحوها من اللقمة الساقطة ومن ثم استحب التقاطها كما تقدم، ويأتي دليله في الحديث عقب هذا، والبركة هنا والله أعلم ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى ويقوي على الطاعة وغير ذلك كما قال المصنف في «شرح مسلم» ، ثم ما علل به من الأمر باللعق في الحديث لا يمنع أن يكون له علة أخرى كما قال الحافظ ابن حجر، فقد تكون العلة هنا أيضاً كما قال عياض: ألا يتهاون بقليل الطعام: أي الباقي في آخر القصعة أو الساقط، وقد تكون العلة أيضاً كما قال ابندقيق العيد أن مسحها قبل لعقها فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق ( رواه مسلم) وأحمد والنسائي وابن ماجه كما في «الجامع الصغير» .


رقم الحديث 751 ( وعنه أن رسول الله قال: إذا وقعت) سقطت ( لقمة أحدكم) بضم اللام قال في «المصباح» : هو اسم لما يلقم في مرة كالجرعة اسم لما يجرع في مرة ( فليأخذها) من الذي سقطت فيه ندباً ( فليمط) بضم التحتية وكسر الميم وبالطاء المهملة، قال المصنف في «شرح مسلم» : حكى أبو عبيدة ماطه وأماطه: نحاه، وقال الأصمعي: أماطه لا غير، ومنه إماطة الأذى ومطت عنه: أي تنحيت ( ما كان بها من أذى) الظرف بيان لإبهام مَّا، والمراد بالأذى هنا المستقذر من غبار وتراب ونحوه ( وليأكلها) ندباً تحرصاً على البركة وحمل النفس على التواضع ومعاملة الشيطان بنقيض قصده كما قال ( ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده بالمنديل) يكسر الميم وهو معروف، قال ابن فارس في «المجمل» : لعله مأخوذ من الندل وهو النقل.
وقال غيره: من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به، قال أهل اللغة يقال تندلت بالمنديل، قال الجوهري: ويقال أيضاً تمندلت، وأنكرها الكسائي وتقدم هذا ( حتى يلعق أصابعه) اقتصر عليه لأنه الأعم الأغلب فلا ينافي ما تقدم من قوله «حتى يلعق أصابعه أو يلعقها» لأن ذلك لمن له تبع لا يستقذر منه كما تقدم ( فإنه لا يدري في أي طعامه البركة.
رواه مسلم)
في كتاب الأطعمة، ورواه ابن ماجه في الأطعمة من «سننه» ولم يذكر في الحديث لعق الأصابع.


رقم الحديث 752 ( وعنه أن رسول الله قال: إن الشيطان) أل فيه للجنس، ويحتمل كونها للعهد: أي كبيرهم وهو إبليس ( يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) قال المصنف: فيه التحذير منه والتنبيه على ملازمته الإنسان في سائر تصرفاته، فينبغي أن يتأهب ويحترزه منه ولا يغترّبما يزينه له ( حتى يحضره عند طعامه) ليلهيه عن ذكر الله تعالى فيستحل الطعام ويضرب على اللقمة بيده لتقع ( فإذا سقطت لقمة أحدكم فليأخذها فليمط ما كان بها من أذى) الفاء الأول للتفريع والثانية رابطة للجواب بالشرط والثالثة للعطف، والإتيان بثم في قوله ( ثم ليأكلها) لتراخي ما بين الأكل وسقوط اللقمة ( ولا يدعها للشيطان، فإذا فرغ) أي من أكله ( فليلعق أصابعه) أي واحداً بعد واحد كما تقدم سند الطبراني ( فإنه لا يدري في أي طعامه البركة) وبفعله لما ذكر واستيعاب الطعام قدر حاجته استوعب ما هو مظنة لها ( رواه مسلم) بل جعله المزي في «الأطراف» مع ما قبله حديثاً واحداً إلا أن الإسناد إلى جابر مختلف فيه وعبارته.
وزاد جرير في أول حديثه «إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه حتى يحضره عند طعامه» وحديثا جابر تقدم الكلام عليهما في باب اتباع السنة.


رقم الحديث 753 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله إذا أكل طعاماً لعق) بكسر العين ( أصابعه الثلاث) أي إذا اقتصر عليها كما هو غالب فعله في أكله، أما إذا أكل نحو مائع فكان بالخمس كما تقدم فيلعق الجميع ( وقال: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى) لتقبل عليها النفس ( وليأكلها ولا يدعها للشيطان، وأمرنا) معطوف على كان ومعمولها ( أن نسلت) بفتح النون وضم اللام أي نمسح ( القصعة) ونتبع ما فيها من الطعام ومنه سلت الدم ( وقال) معللاً للأثر بما ذكر في الحديث على طريق الاستئناف البياني النحوي ( إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة.
رواه مسلم)
وهذه الأحاديث سبقت مشروحة في باب الأمربالمحافظة على السنة وفيما هنا بسط زائد على ما ذكر ثمة، وسبق حديث أنس في باب التواضع.


رقم الحديث 754 ( وعن سعيد بن الحارث) تقدمت ترجمته ( إنه سأل جابراً) على تقدير القول قبله: أي قال إنه سأل جابراً ( رضي الله عنه عن الوضوء مما مست النار) من أكل ما مسته بخبز أو طبخ أو شتى أو قلى ( فقال لا) أي لا وضوء، ثم بين مستنده في ذلك بقوله ( قد) للتحقيق ( كنا في زمن النبي لا نجد مثل ذلك الطعام إلا قليلاً) وذلك لإعراضهم في عصره عن حظوظ النفوس واقتصارهم على أدائهم حقوقها ( فإذا نحن وجدناه) من الوجود بضم الواو ضد العدم ( لم يكن لنا مناديل) نمسح بها وضر الطعام ( إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا) استثناء منقطع، والأكفّ بفتح الهمزة وضم الكاف وبتشديد الفاء جمع كف وهي مؤنثة.
قال ابن الأنباري: وزعم من لا يوثق به أنها مذكرة ولا يعرف تذكيرها عمن يوثق بعلمه، وأما قولهم كف مخضب فعلى معنى قولهم ساعد مخضب، ويجمع في القلة على أكف كفلس وأفلس وفي الكثرة على كفوف كفلوس وهي الراحة مع الأصابع، سميت بذلك لأنها تكفّ الأذى عن البدن.
والسواعد جمع ساعد: وهي من الإنسان ما بين المرفق والكف، سمي ساعداً لأنه يساعد الكف في بطشها وعملها والأقدام جمع قدم وهي مؤنثة وهي معروفة اهـ ملخصاً من «المصباح» ، والمعنى: أن الصحابة كانوا يمسحون ما بقي في أصابعهم بعد لعقها من لزوجة الطعام بما ذكر ( ثم نصلي ولا نتوضأ) وهذا ناسخ لما جاء من الأمر بالوضوء عند أكل ما مست النار ( رواه البخاري) في الأطعمة، ورواه ابن ماجه في سننه اهـ.


رقم الحديث 748 ( عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله إذا أكل أحدكم طعاماً) أي فيه رطوبة تعلق بالأصابع ( فلا يمسح) ندباً ( أصابعه) بمنديل ونحوه ( حتى يلعقها) بفتح التحتية والمهملة: أي يلحسها هو اغتناماً للبركة وحرصاً عليها ( أو) للتنويع ( يلعقها) بضم التحتية وكسر المهملة: أي يلحسها من لا يقذر من ذلك منه من ولد وتلميذ ومريد ( متفق عليه) روياه في الأطعمة من «صحيحيهما» ، ورواه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه كلهم من حديث ابن عباس، قال الخطابي: عاب قوم أفسد عقلهم الترفه فزعموا أن لعق الأصابع أن يلعقها وبطن كفه إلى جهة وجهه مبتدئاً بالوسطى ثم السبابة ثم الإبهام.
فعند الطبراني من حديث كعب بن عجرة قال «رأيت النبي يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام» والسرّ في ذلك أن الوسطى أكثر تلوّثاً لأنها أول داخل في الطعام ثم المسبحة، أشار إليه في «الفتح» .


رقم الحديث 749 ( وعن كعب بن مالك) الأنصاري ( رضي الله عنه قال؛ رأيت رسول الله يأكل بثلاث أصابع) قال العلماء: فيستحب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليها الرابعة والخامسةإلا لضرورة، فقد قيل إنه ربما كان في الأكل يرابع أصابعه وكان لا يأكل بأصبعين وقال: إن الشيطان يأكل بهما.
وما أخرجه سعيد بن منصور من مرسل ابن شهاب «أن النبي إذا أكل يخمس» فمحمول على القليل النادر لبيان الجواز أو على المائع، فإن عادته في أكثر الأوقات هو الأكل بثلاث أصابع.
قيل وإنما اقتصر عليها لأنه الأنفع، إذ الأكل بأصبع واحدة مع أنه فعل المتكبرين لا يستلذّ به الآكل ولا يستمري به لضعف ما يناله منه كل مرة، فهو كمن أخذ حقه حبة حبة، وبالأصبعين مع أنه فعل الشيطان ليس فيه استلذاذ كامل مع أنه مفوّت الفردية، والله وتر يحبّ الوتر، والخمس مع أنه فعل الحريص الفجع يوجب ازدحام الطعام على مجراه من المعدة فربما أفسد مجراه فأوجب الموت فوراً وفجأة ( فإذا فرغ) أي من أكله ( لعقها) بكسر المهملة: أي لحسها لما تقدم ومبالغة في التنظيف ( رواه مسلم) في الأطعمة، ورواه أبو داود فيها من «سننه» ، ورواه الترمذي في «الشمائل» ، ورواه النسائي في الوليمة.