فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الأمر بالمحافظة عَلَى الصلوات المكتوبات والنهي الأكيد والوعيد الشديد في تركهنَّ

رقم الحديث 1074 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله أي الأعمال أفضل) أي أكثر ثواباً عند الله تعالى ( قال الصلاة على وقتها) أي أداؤها فيه، وعبر بعلى إيماء إلى استعلاء استحقاقها الوقت إذ لا يجوز إخلاؤه عنها بغير عذر، والتفضيل فيه بالنسبة لما بعده كما يدل عليه قوله ( قلت: ثم أي) بالتنوين قيل وبتركه ( قال بر الوالدين) أي الإلطاف معهما حسب الإمكان ( قلت: ثم أي) بالتنوين قيل وبتركه ( قال بر الوالدين) أي الإلطاف معهما حسب الإمكان ( قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله طلباً لمرضاته، والحديث صريح في تقديم بر الوالدين على الجهاد، وأصرح منه ما في حديث مسلم وغيره «أن رجلا جاء إلى رسول الله يستأدنه في الجهاد فقال: أحيّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد» ( متفق عليه) وقد تقدم بشرحه في باب بر الوالدين.


رقم الحديث 1075 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: بني الإسلام على خمس) أي أعمدة أو دعائم كما زاده عبد الرزاق، وفي رواية لمسلم على خمسة بتاء التأنيث وكلاهما جائز عند حذف المميز فإن ذكر أنث أو ذكر بحسب حاله كما قاله المصنف في حديث «من صام رمضان وستاً من شوال» في «شرح مسلم» ، وفعل وعلى فيه بمعنى الباء عند من قال الإسلام قول، ومنه حديث «بني الإسلام على خمس» وفعل واعتقاد، والإلزام أن يكون غيرها ضرورة كون المبني غير المبني عليه أو بمعنى من كما في «إلا على أزواجهم» أي إلا من أزواجهم.
وأما عند من قال هو التصديق فبناؤه على الأربعة ظاهر، والشهادة قطبها الذي تدور هي عليه.
وفي الحديث على هذا استعارة تمثيلية شبهت حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة فقطبها التي تدور عليه الأركان وهو الشهادة بمنزلة العمود الذي في وسط الخباء وبقية شعبه بمنزلة الأوتاد، فتكون مغايرته لهذه الأركان كمغايرة الخباء للأعمدة، قاله الكازوني، وخالفه الدلجي فقال: وفي الحديث استعارة مكنية فتشبيهه به استعارة مكنية، وتشبيه الخمس بالأعمدة تشبيه بليغ بشهادة زيادة عبد الرزاق «خمس أعمدة» وهو قرينة المكنية، وقولهم قرينتها تكون تخييلية جرى على الغالب، وإلا فقد تكون تحقيقية كما في { الذين ينقضون عهد الله} ( ) وإسناد البناء إليه ترشيح وليس استعارة تمثيلية وإن زعم، إذ لم يذكر المشبه به الذي هو من شرطها كما في مالي أراك تقدم رجل وتؤخر أخرى.
فإن الوليد بن يزيد شبه حال تردد مروان بن الحكم في البيعة له بالخلافة بحالة من قام لأمر فتارة يعزم فيقدم رجلاً وتارة يحجم فيؤخر أخرى فهي تمثيلية، وفي جعله استعارة تبعية تكلف لا يخفى اهـ.
وفي «الفتح المبين» لابن حجر الهيتمي: واستعمال البناء الموضوع للمحسوسات في المعاني مجاز علاقته المشابهة، شبه الإسلام ببناء عظيم محكم وأركانه الآتية بقواعد ثابتة محكمة حاملة لذلك البناء، فتشبيه الإسلام بالبناء استعارة مكنية، وإثبات البناء له استعارة ترشيحية اهـ.
فتوافقا في المكنية وافترقا في قرينتها، فجعل ابن حجر في قرينتها الترشيحية وجعلها شيخه الدلجي التشبيه البليغ ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) بالجر عطف بيان أو بدل كل من كل إن اعتبر العطفسابقاً على الإبدال، وبدل بعض من كل إن اعتبر العطف متأخراً عنه، وعلى هذا يحمل إطلاق الدلجي في «شرح الأربعين» أنه بدل بعض وبالرفع خبر مبتدأ محذوف وبالنصب مفعول، أعني قال الكازروني في «شرح الأربعين» : لكن الرواية على الأول ( وإقام الصلاة) حذف التاء من إقامة لأن المضاف إليه عوض منها، قاله الزجاج، وقيل هما مصدران، وقال الدلجى: التعويض عن المحذوف منه لازم إما بالتاء أو بالمضاف إليه اهـ، فتحصل فيه ثلاثة أوجه أشهرها الأول وإقامتها الإتيان بها جامعة الأركان والشروط ( وإيتاء الزكاة) أي إعطائها مستحقها ( وحج البيت) بفتح الحاء لغة الحجاز وكسرها لغة تميم نجد وكلاهما مصدر، وقيل المكسور هو الاسم منه، قال ابن حجر الهيتمي: وفي كونه بالفتح اسم مصدر نظر ( وصوم رمضان) وجاء في بعض الروايات تقديمه على الحج والواو لا تقتضي الترتيب وإلا فالصوم فرض قبل الحج إجماعاً، وهذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده فإنه قد جمع أركانه ( متفق عليه) .
ورواه أحمد والترمذي والنسائي.


رقم الحديث 1076 ( وعنه قال: قال رسول الله: أمرت) بالبناء للمجهول للعلم بالفاعل: أي أمرني الله ( أن أقاتل الناس) أي غير أهل الكتاب ومن ألحق بهم من المجوس ( حتى) أي إلى أن ( يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) أي يقروا بذلك وينطقوا بمضمونه ( ويقيموا الصلاة) أي يأتوا بها جامعة الأركان والشرائط ( ويؤتوا) أي يعطوا ( الزكاة) الواجبة عليهم، أما أهل الكتاب فيقاتلون حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ( فإذا فعلوا ذلك) أي ما ذكر ( عصموا) أي منعوا ( مني دماءهم) فلا يجوز قتلهم ( وأموالهم) فلا يجوز أخذها منهم ( إلا بحق الإسلام) وذلك في الدماء بالقصاص وزنى المحصن وارتداد المسلم، وفي الأموال بالزكوات والكفارات والنفقات الواجبة عليهم لممونهم ( وحسابهم على الله) أي إن الشارع عليه السلام إنما أمر بإجراء الأحكام على الظواهر وتفويض أمر البواطن إلى عالمالسرائر فيحاسبهم على ذلك ( متفق عليه) ورواه أصحاب السنن الأربعة، وقد تقدم في باب إجراء أحكام الناس على ظواهرهم.


رقم الحديث 1077 ( وعن معاذ) هو ابن جبل الأنصاري ( رضي الله عنه قال: بعثني) أي أرسلني ( النبي إلى اليمن) أي أميراً على بعض أعماله ( فقال: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب) لأنهم كانوا يهوداً ( فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) أي إلى الإقرار بذلك لساناً مع الصديق به جناناً، وقدمها لأنها الأساس لسائر الأعمال ( فإن هم) فاعل محذوف دل على تعيينه قوله ( أطاعوا لذلك) أي انقادوا له ( فأعلمهم أن الله افترض) أي فرض.
والتعبير بالافتعال إشارة إلى مزيد الاعتناء بذلك الفرض فينبغي مزاولته والاهتمام به ( عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك) بالتصديق والعمل به ( فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة) هي زكاة الأموال والأبدان ( تؤخذ) بالبناء للمفعول ( من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم) في محل الصفة لصدقة أو الحال منه لتخصيصه بتقديم الظرف فهو كما في حديث «وصلى وراءه رجال قياماً» أو أنه مستأنف استئنافاً بيانياً كأنه قيل: ماذا يفعل بهذه الصدقة؟ فقال: تؤخذ الخ ( فإن أطاعوا لذلك) بالانقياد والبذل ( فإياك) منصوب على التحذير بعامل محذوف وجوباً ( وكرائم) جمع كريمة: أي نفائس ( أموالهم) بل خذ من الوسط من المال فلا تؤخذ من الخيار لئلا يجحف بالمالك، ولا من الأرداء لئلا يجحف بالفقراء ( واتق) أي احذر ( دعوة المظلوم) حذر من المرة من دعواته ليحذر من دعواته المتكررة بالأحرى، وعلل ذلك بقوله ( فإنه) أي الشأن ( ليسبينها وبين الله حجاب) كناية عن سرعة إجابتها ونفوذ أثرها وقضيتها ( متفق عليه) وسبق مشروحاً في باب تحريم الظلم.


رقم الحديث 1078 ( وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: إن بين الرجل) ذكر ليس للتخصيص فالمرأة مثله فيما يأتي ( وبين) أعيدت تأكيداً ( الشرك والكفر) من عطف العام على الخاص، فالشرك أن يعبد مع الله غيره من صنم أو نحوه، والكفر فعل ذلك وغيره من المكفرات ( ترك الصلاة) اسم إن قدم عليه الخبر وهو الظرف لإفادة التخصيص والقصر الإضافي، إذ تقديم المعمول يفيد ذلك غالباً، فالصلاة هي الحد الفاصل بين وجهي الإسلام والكفر، فمن اتصف بصفة الإسلام وصلى فقد أوجد الحاجز بينه وبين الكفر فلا يتطرق إليه الاتصاف به، ومن اتصف بها ولم يصل لم يوجد حاجز بينه وبين الاتصاف بالكفر، إذ لا واسطة بين الوصفين عند أهل السنة، فهذا ما يظهر في تقرير هذا الحديث من أن الحاجز من الاتصاف بالكفر هو الصلاة، وأن تركها بمثابة هدم الحاجز الذي بينك وبين عدوك فيتمكن منك بمجرد هدمه، إذ يصح أن يقال بيني وبين لقاء عدوي هذا الحاجز، فكذا هنا يصح أن يقال بين الإسلام والاتصاف بالكفر هدم الحاجز المانع له منه وهو الصلاة وهدمها تركها، قاله في «فتح الإله» وقال: هو أظهر مما قال الطيبي وغيره لما في قولهم من تأويل الحديث من غير حاجة ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1079 ( وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي قال: العهد الذي بيننا وبينهم) قال البيضاوي: الضمير للمنافقين، شبه الموجب لإبقائهم وحقن دماءهم بالعهد المقتضي بقاء المعاهد والكف عنه، والمعنى: أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبيههمبالمسلمين في حضور صلواتهم ولزوم جماعاتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا ذلك كانوا هم وسائر الكفار سواء: وقال الطيبي: يمكن أن يقال الضمير عام فيمن بايع رسول الله على الإسلام مؤمناً كان أو منافقاً ( الصلاة فمن تركها فقد كفر) لا يخفى ما فيه من تعظيم شأن الصلاة والحث على فعلها والحض على ملازمتها ( رواه الترمذي) ورواه أحمد وابن ماجه والنسائي وابن حبان والحاكم في «المستدرك» كما في «الجامع الصغير» ( وقال: حديث حسن صحيح) .


رقم الحديث 1080 ( وعن شقيق) بالمعجمة والقافين بوزن رفيق ( ابن عبد الله التابعي) هو كما تقدم من اجتمع بالصحابي ولازمه مدة على الصحيح ( المتفق على جلالته رحمه الله قال: كان أصحاب محمد) جمع صاحب بمعنى الصحابي، والمراد معظمهم للخلاف الآتي في ذلك ( لا يرون) من الرأي ( شيئاً من الأعمال) الظرف في محل الصفة لما قبله، وكذا قوله ( تركه كفر) أو في محل المفعول الثاني ليرون ( غير الصلاة) مستثنى من ضمير شيء المضاف إليه ترك أو صفة أخرى لشيئاً ( رواه الترمذي في كتاب الإيمان) من «جامعه» ( بإسناد صحيح) خالف ابن حجر الهيتمي فقال في «شرح المشكاة» : وسنده حسن، وقول المصنف في مثل هذا هو المقام.
إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام واختلف العلماء في حكم هذه المسألة الوارد فيها هذه الأحاديث وأحاديث أخر بمضمونها أو قريب منه، فأخذ جماعة من الصحابة ومن بعدهم بظاهره من أن ترك إحدىالخمس كسلاً كفر حقيقي فيرتب عليه أحكام الردة.
وقال الأكثرون: ليس بكفر، وأولوه بحمله على المستحل لتركها إن لم يكن معذوراً بقرب عهد بإسلام أو بنشئه ببادية بعيدة عن العلماء، أو على أن تركها يؤدي إلى الكفر لأن المعاصي بريد الكفر، أو على الزجر والتغليظ ومن ثم قال الشافعي كبعض أئمة السلف من تركها كسلاً قتل مع الحكم بإسلامه.
وقال الزهري وجماعة: يحبس ويضرب حتى يصلي، أو على كفر النعمة إذ حقيقة العبودية أن يخضع العبد لربه ويشكر نعماءه الظاهرة والباطنة، وحقيقة المتصف بالكفر أن يستنكف عن ذلك، ولا شك أن الصلاة رأس الشكر قوامه، فكأنه قيل الفرق بين المؤمن والكافر ترك أداء شكر المنعم الحقيقي، فمن أقامها فهو المؤمن الكامل ومن تركها فهو الكافر لنعم مولاه المقصر في شكرها.


رقم الحديث 1081 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله أي المتعلق بحق الله تعالى (صلاته فإن صلحت) بفتح اللام وذلك باستجماع مصححاتها وفقد مفسداتها (فقد أفلح وأنجح) أي فاز وظفر بمطلوبه (وإن فسدت) لفقد ركن أو شرط أو وجود ما يفسدها من قول أو عمل (فقد خاب) أي لم يظفر بما طلب (وخسر) أي هلك أو خسر في تجارته الأخروية فلم يربح الثواب المرتب على عملها لو كانت صحيحة (فإن انتقص) أي نقص (من فريضته شيئاً) أي غير مفسد تركه لها ويحتمل مطلقاً (قال الرب عزّ وجل) في التعبير بالرب إيماء إلى أن ما ذكر بعده من مظهر التربية لما فيه من الترقية من دنس الإخلال إلى شرف التكميل (انظروا) الخطاب والله أعلم للملائكة الموكلين به (هل لعبدي) في إضافته من التشريف ما يذهب التدنيس (من تطوع) أي من نافلة من الصلاة (فيكمل) بالبناء للمجهول (بها) أي بالنافلة (ما انتقص من الفريضة) فتعود كاملة بعد نقصها (ثم تكون سائر أعماله) من صوم وحج (على هذا) أي فيكمل نقص فرائضة منها بنقلها، ولا منافاة بين حديث الباب وحديث «أول ما يقضي فيه يوم القيامة بين العباد الدماء» الحديث، لأن ذلك بالنسبة لحق العباد وهذا بالنسبة لحق اللهتعالى: (رواه الترمذي وقال: حديث حسن) وفي «شرح المشكاة» : إنه حديث صحيح، ففيه حث على إتقان الفرائض والاهتمام بمصححاتها وترك مفسداتها، وحض على إكثار النوافل لتكون جابرة لخلل الفرائض الذي لا يخلو منها إلا الفذّ النادر.
H 194

رقم الحديث -191 أي التي كتبها الله أي فرضها على عباده ( والنهي الأكيد) أي المتأكد ( والوعيد) ( وقال تعالى) : ( { فإن تابوا} ) أي من الكفر ( { وأقاموا الصلاة} ) من التقويم أي أتوا بها جامعة ما تتوق صحتها عليه لا من الإقامة المقابلة للأذان إذ هي سنة ( { وآتوا} ) أي أعطوا ( { الزكاة} ) المفروضة ( { فخلوا سبيلهم} ) كسائر المؤمنين.
ومن هذه الآية وحديث ابن عمر مرفوعاً «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها» أخذ إمامنا الشافعي أن من ترك الصلاة كسلاً حتى أخرجها عن وقت الضرورة يقتل حداً إن لم يتب.