فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الوصية بالنساء

رقم الحديث 273 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: استوصوا بالنساء خيراً) أي تواصوا بهن والباء للتعدية، والاستفعال بمعنى الإفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة.
وقال الطيبي: السين للطلب وهو للمبالغة: أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن، أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن، وقيل معناه: اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن.
قال العلقمي: وهذا الوجه أوجه في نظري وليس مخالفاً لما قال الطيبي.
قلت: لأن المعنى اطلبوا وصيتي واقبلوها واعملوا بها ( فإن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول: أي أخرجت ( من ضلع) بكسر المعجمة وفتح اللام، ويجوز تسكينها وهي مؤنثة كما في «القاموس» و «المصباح» ، قال في «الفتح» : فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، وقيل من ضلعه القصير، أخرجه ابن إسحاق في المبتدأ عن ابن عباس وكذا أخرجه ابن أبي حاتم وغيره من حديث مجاهد، وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو لبعضهم اهـ.
وهذا لا يختلف الحديث الذي فيه تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وأنها عوجاء مثله لكون أصلها منه.
وقال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع ( وإن أعوج ما) أي شيء كما في رواية أخرى ( في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها، وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها، أو أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله، ولذا قال ( فإن ذهبت تقيمه) أي أعلاه عن الاعوجاج الذي هو شأنه ( كسرته) لعدم قابليته له ( وإن تركته) غير آخذ في إقامته ( لم يزل أعوج) لأنه وضعه وشأنه، وكذا المرأة إن أردت إقامتها على الجادة، وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق، وهو كسرها وإن صبرت على سوء حالها وضعف معقولها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة، والفاء في قوله: ( فاستوصوا بالنساء) الفاء الفصيحة: أي فاعرفوا ذلك فاستوصوا بهن ( خيراً) بالصبر على ما يقع منهن، فيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه وما قررت من أن الفاء الفصيحة هي العاطفة على مقدر هو ما في النهر لأبي حيان وردّ ما في «الكشاف» ، وتبعه البيضاوي من أنها الواقعة جواباً لشرط مقدر حذف هو وفعله بأن النحاة أجمعوا على عدم جواز حذف الأداة والفعل في مثل ذلك ( متفق عليه) رواه البخاري في بدء الخلق وفي النكاح، ورواه مسلم في النكاح، ورواه النسائي في عشرة النساء وابن أبي شيبة، وزاد «من كان يؤمن با واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت» .
( وفي رواية في الصحيحين) في هذا الحديث عن أبي هريرة لكن اقتصر المزيّ على عزوه بهذا اللفظ إلى مسلم في النكاح.
قال: ورواه الترمذي فيه وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه ( المرأة) اللام فيها للحقيقة ( كالضلع) في الاعوجاج وعدم قابلية الإقامة ( إن أقمتها) أي الضلع وهي مؤنثة، ويحتملأن يكون ضمير المؤنث هنا للمرأة، ويؤيده قوله بعد ( وإن استمتعت بها كسرتها) لعدم قابليتها للإقامة ويحتمل أن المراد بكسرها طلاقها، وقد وقع ذلك صريحاً كما سيأتي، وكسرها طلاقها ( وإن استمتعت بها) لقضاء الوطر وطلب الولد الصالح والإعفاف ( استمتعت بها) وجملة ( وفيها عوج) جملة إسمية حالية.
( وفي رواية لمسلم) في النكاح ( إن المرأة) الإتيان بالمؤكد لاقتضاء المقام له، وكأنه لكثرة الشكاية من الأزواج من عدم استقامتهن، وذلك يقتضي منهم أنهم توهموا إمكان استقامتهن أو ترددوا فيه، فأتى دفعاً لذلك بذلك ( خلقت من ضلع لن تستقيم لك) أي تدوم ( على طريقة) ترضاها، والجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً كأن سائلاً يقول: ماذا ينشأ من كونها خلقت من ذلك؟ فقال: لن تستقيم ( فإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها) إقامة تامة مرضية لك ( كسرتها) لأنه خلاف شأنها، وليس في وسعها واستعدادها ( وكسرها) المدلول عليه بقوله كسرتها ( طلاقها.
قوله)
في الحديث ( هو عوج بفتح العين) المهملة ( والواو) قال الفيومي في «المصباح» : العوج بفتحتين في الأجساد: خلاف الاعتدال، وهو مصدر من باب تعب، يقال عوج العود ونحوه فهو أعوج والأنثى عوجاء من باب أحمر، والعوج بكسر العين في المعاني، يقال: في الأمر عوج وفي الدين عوج.
قال أبو زيد في الفرق بكل ما رأيته بعينك فهو مفتوح، وما لم تره فهو مكسور.
وقال بعض العرب: يقول في الطريق عوج بالكسر اهـ.
وفي «التهذيب» للمصنف اختلف في ضبط عوج في هذا الحيث، فضبطه كثيرون بفتح العين، وضبطه الحافظ أبو القاسم وآخرون من المحققين بالكسر وهو الصواب الجاري على ما ذكره أهل اللغة اهـ.
ومنه يعلم أنه تبع في ضبطه هنا الكثيرين والصواب خلافه، إلا أن يدعي أن تلك الأخلاق منهن لما تكررت صارت كالمحسوس فاستعمل فيها ما يستعمل فيه، فيكون صحيحاً أيضاً إلا أنه تكلف.


رقم الحديث 274 ( وعن عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي وإسكان الميم، ابن الأسود بنالمطلب بن أسد بن عبد العزي بن قصيّ القرشي الأسدي ( رضي الله عنه) أمه قرينة بنت أمية بن المغيرة أخته أم سلمة أم المؤمنين، كان من أشراف قريش، وكان يأذن على النبي روى عنه أبو بكر بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير، وقتل زمعة يوم بدر كافراً، وكان الأسود من المستهزئين الذين قال تعالى في حقهم: { إنا كفيناك المستهزئين} ( الحجر: 95) وقتل عبد الله مع عثمان يوم الدار، قاله أبو أحمد العسكري عن أبي حسان الزيادي، وكان لعبد الله ابن اسمه يزيد قُتل يوم الحرة صبراً، قتله مسلم بن عقبة المري اهـ.
ملخصاً من «أسد الغابة» .
قال ابن حزم في آخر كتابه «مختصر التاريخ» : روي له عن النبي حديث واحد.
قلت: وذكر المزي في الأطراف له حديثين أحدهما حديث الباب والثاني عند أبي داود ( أنه سمع النبي يخطب وذكر الناقة) التي كانت معجزة لسيدنا صالح على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام، والواو عاطفة على محذوف تقديره خطب فذكر كذا وذكر الناقة ( والذي عقرها) وهو قذار بضم القاف وبالذال المعجمة آخره راء، ابن سالف أحيمر ثمود ( فقال) مبيناً لوصفه ( إذا انبعث أشقاها) أشقى قبيلة ثمود، وهو أشقى الأولين ( انبعث لها) أي للناقة ( رجل عزيز) بالمهملة وزاءين معجمتين بوزن رحيم: أي قليل المثل ( عارم) بالمهملتين كما سيأتي في تفسيره ( منيع) أي قوي ذو متعة ( في رهطه) يمنعونه من الضيم، زاد البخاري في رواية «مثل أبي زمعة» وفي أخرى «مثل أبي زمعة عم الزبير بن العوام» وهو عمه مجازاً لأنه ابن عم أبيه فكأنه أخر أبيه فأطلق عليه عم بهذا الاعتبار قال القرطبي في «المفهم» : يحتمل أن المراد بأبي زمعة الصحابي الذي بايع تحت الشجرة، يعني وهو عبيد البلوى، قال: ووجه تشبيهه به أنه كان في عز ومنعة في قومه كما كان ذلك الكافر، قال: ويحتمل أن يريد غيره من الكفار ممن يكنى بأبي زمعة.
قال الحافظ في «الفتح» : وهذا الثاني هو المعتمد والغير المذكور هو الأسود، وهو جد عبد الله بن زمعة راوي الخبر لقوله في نفس الخبر عم الزبير، وليس بين البلوى والزبير نسب اهـ.
( ثم ذكر) يعني النبي في خطبته تلك ( النساء) استطراداً ( فوعظ فيهن) فاستطرد إلى ما يقع منأزواجهن ( فقال يعمد) بكسر الميم ( أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد) بالنصب أي مثل ضربه في كونه مبرّحاً مؤذياً.
وعند مسلم في رواية «ضرب الأمة» وللنسائي «كما يضرب العبد أو الأمة» .
وفي البخاري في الأدب من رواية ابن عيينة «ضرب الفحل» والمراد منه البعير.
وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود «ولا تضرب ظعينتك ضربك» ، أمتك «فلعله يضاجعها» .
وفي رواية البخاري في النكاح «يجامعها» ( من آخر يومه) وعند النسائي «من آخر النهار» ورواية ابن نمير والأكثر «آخر يومه» ورواية وكيع «آخر الليل أو من آخر الليل» وكلها متقاربة وفي الحديث جواز تأديب الرقيق بالضرب الشديد، والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك، وفي سياق الحديث استبعاد وقوع الأمرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع الميل والرغبة في العشرة والمجلود غالباً ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إذا كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير بحيث لا يحصل معه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب ( ثم وعظهم) استطراداً: أي حذرهم ( في ضحكهم من الضرطة) وذلك لأنه خلاف المروءة، ولما فيه من هتك الحرمة ( وقال) في تقبيح ذلك ( لم) بكسر اللام ( يضحك أحدكم مما يفعل) وذلك لأن الضحك إنما يكون من الأمر العجيب والشأن الغريب يبدو أثره على البشرة فيكون التبسم، فإن قوي وحصل معه الصوت كان الضحك، فإن ارتقى على ذلك كانت القهقهة، وإذا كان هذا الأمر معتاداً من كل إنسان فما وجه الضحك من وقوع ذلك ممن وقع منه ( متفق عليه) رواه البخاري في التفسير بجملته، وروى قصة النساء فقط في النكاح أيضاً، وقصة النكاح والضرطة في الأدب أيضاً، ورواه بجملته مسلم في باب صفة النار، ورواه الترمذي في «التفسير» وقال: حسن صحيح، ورواه النسائي في «التفسير» وفي عشرة النساء بالقصة الثالثة، كذا قاله المزي في «الأطراف» .
قال الحافظ التقي ابن فهد: بل الثانية وابن ماجه في النكاح ( والعارم بالعين المهملة والراء) لم يحتج لتقييد الراء بالمهملة لأن تلك زاي بالياء في اللغة المشهورة فلا تلتبس بالراء ( هو الشرير) بكسر المعجمة وتشديد الراء الأولى ( المفسد) .
وفي «النهاية» ، أي خبيث شرير وقد عرم بالضم والفتح والكسر، والعرام: القوة والشدة والشراسة.
وفي «الصحاح» : وصبيّ عارم بين العرام: أي شرس.
وقد عرم يعرم ويعرم أي بضم عين المضارعوكسرها عرامة بالفتح، ( وقوله) في الحديث ( انبعث) انفعل من البعث ( أي قام بسرعة) وجعله في «الصحاح» مطاوع بعثه وابتعته وذلك يؤذن بالسرعة.


رقم الحديث 275 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لا يفرك) أتى ضبطه ومعناه ( مؤمن مؤمنة) نكرهما للتعميم: أي لا تبغض المؤمنة على كل حالها به شأن المؤمن معها ( إن كره فيها خلقاً) بضم الخاء المعجمة كسوء الخلق مثلاً ( رضي منها) خلقاً ( آخر) كالعفاف ( أو) شك من الراوي ( قال) يعني النبي ( غيره) بدل قوله آخر.
قال المصنف: قال القاضي عياض: ليس هذا على النهي بل هو خبر: أي لا يقع منه بغض تام لها، قال: وبغض الرجال للنساء بخلاف بغضهن لهم، قال: ولهذا قال: إن كره منها خلقاً رضي منها آخر اهـ.
وهو ضعيف أو غلط، بل الصواب أنه نهي: أي ينبغي أن لا يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقاً يكره وجد فيها خلقاً مرضياً، وهذا الذي ذكرته من أنه نهي يتعين بوجهين: أحدهما أن المعروف في الروايات لا يفرك بإسكان الكاف لا برفعها وهذا يتعين فيه النهي، ولو روي مرفوعاً لكان نهياً لفظ الخبر.
الثاني: أنه قد وقع خلافه فبغض الناس يبغض زوجته بغضاً شديداً ولو كان خبراً لم يقع خلافه وهذا وقع خلافه، وما أدري ما حمل القاضي على هذا التعبير اهـ.
( رواه مسلم) في كتاب النكاح ( قوله: يفرك هو بفتح الياء) التحتية ( وإسكان الفاء) هذا مستغنى عنه أتى به زيادة في الإيضاح ( وفتح الراء) فهو من باب فرح يفرح ( ومعناه يبغض) بضمالتحتية وكسر المعجمة مضارع من الإبغاض ( يقال: فركت المرأة زوجها وفركها زوجها بكسر الراء) في الماضي ( يفركها بفتحها) في المضارع ( أي أبغضها) قال في «المصباح» : أبغضت الشيء إبغاضاً فهو مبغض والاسم البغض، ولا يقال بغضه بغير ألف، والمراد من الحديث أن شأن المؤمن أن لا يبغض المؤمنة بغضاً كلياً يحمله على فراقها: أي ينبغي له أن يغفر سيئتها لحسنتها ويتغاضى عما يكره بما يحبّ.
قال القرطبي: وأصل الفرك إنما يقال في النساء يقال فركت المرأة زوجها وأبغض الرجل امرأته، وقد استعمل الفرك في الرجل قليلاً وتجوّزاً، منه ما في هذا الحديث اهـ.
( والله أعلم) .


رقم الحديث 276 ( وعن عمرو بن الأحوص) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وبعد الواو مهملة ثانية ابن جعفر بن كلاب ( الجشمي) الكلابي قاله أبو عمرو، وأما ابن منده وأبو نعيم فلم ينسباه إنما قالا: عمرو بن الأحوص الجشمي.
قال ابن الأثير: قول أبي عمرو إنه جشمي كلابي لا أعرفه فإنه ليس في نسبته إلى كلاب جشم ولا فيما بعد كلاب وإنما الأحوص بن جعفر بن كلاب نسب معروف ولعله له حلف في جشم فنسب إليه اهـ.
( رضي الله عنه) .
قال ابن حزم: روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثان ( أنه سمع النبي في حجة الوداع) بفتح الواو لأن النبي ودّع الناس ولم يحج بعدها، ويقال بكسرها وتقدم فيها مزيد في باب النية في حديث سعد بن أبي وقاص ( يقول بعد أن حمد الله تعالى) بالأوصاف الجميلة ( وأثنى عليه) بتنزيهه عما لا يليق به ( وذكر) بتخفيف الكاف: أي أتى بذكر الله تعالى من التكبير والتهليل، أو بتشديدها من التذكير با والتخويف من عقابه، ويؤيد هذا قوله ( ووعظ ثم) أي بعد أن أطال في ذلك لاستدعاء المقام له ( قال) مستطرداً للوصية بالنساء ( ألا) بتخفيف اللام: أداة استفتاح يؤتى بها أول الكلام إذا كان المقام يهتم به ( واستوصوا بالنساء خيراً) المعطوف عليه محذوف اختصاراً مدلول عليه بما قبله ( فإنما هن عوان) جمع واحدة عانية وإعرابه مقدر لثقل الضمة على الياء المحذوفةلالتقاء الساكنين.
قال في «النهاية» : أي أسراء أو كالأسراء، وأشار به إلى أنه محتمل لكونه من باب التشبيه البليغ أو أنه على ظاهره من غير تقدير لشيء ( عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك) المشار إليه محذوف مدلول عليه بباقي الكلام وهو الاستمتاع وحفظ الزوج في نفسها وماله ( إلا أن يأتين بفاحشة) كبيرة كنشوز وسوء عشرة ( مبينة) بكسر الياء اسم فاعل، لأنها تبين عدم انقيادها المفروض عليها، أو بفتحها اسم مفعول: أي إن سوء حالها يدل على تلك الفاحشة ويبينها ( فإن فعلن) ذلك أي النشوز بأن ظهرت مقدماته منها فعظوهن، فإن لم ينزجرن به ( فاهجروهنّ في المضاجع) في المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ( واضربوهنّ ضرباً غير مبرح) بكسر الراء المشددة، ولا شائن بأن لا يجرحها ولا يكسر لها عظماً ويجتنب الوجه والمهالك فيضربن مع الهجران عند تحقق النشوز والعصيان وهو ضرب تأديب وتعزير.
قال الروياني في «البحر» : ويضربها بمنديل ملفوف أو بيده لا بسوط ولا عصى، وإباحة الضرب في هذه الحالة ولاية من الشرع للزوج لأخذ حقه.
قال العز بن عبد السلام: ليس لنا موضع يضرب المستحق من منع حقه غير هذا، والعبد إذا منع حق سيده، لأن الحاجة ماسة إلى ذلك فيهما لتعذر إثبات ذلك بسبب عدم الاطلاع وإنما يجوز ضربها إن علم أو ظن أنه يصلحها فإن علم عدم إفادته لم يجز ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) بالتوبيخ والإيذاء؛ فالمعنى: فأزيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان فيهن كأن لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وهذه الجملة مقتبسة من معنى قوله تعالى: { واللاتي تخافون نشوزهن} ( النساء: 34) إلى قوله: { سبيلاً} ( ألا) أداة استفتاح أتى بها للتنبيه على ما بعدها لأنه حكم آخر ( إن لكم على نسائكم حقاً) أمراً واجباً ( ولنسائكم عليكم حقاً) هذا من عطف معمولين على معمولي عامل واحد، وهو جائز اتفاقاً ( فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون) قال المازري: قيل المراد بذلك أن لا يستخلين بالرجال.
قال القاضي عياض: كانت عادة العرب حديث الرجال مع النساء، ولم يكن ذلكعيباً ولا ريبة عندهم، فلما نزلت آية الحجاب نهوا عن ذلك اهـ.
قال المصنف: والمختار أن معناه لا يأذنّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحد محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك.
قلت: ولذا عقب بقوله: ( ولا يأذنّ في بيوتكم لمن تكرهون) أي تكرهون دخوله لمنزلكم من أنثى وذكر وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنه لا يحلّ لها أن تأذن لرجل ولا امرأة لا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن منه في ذلك أو ممن أذن له في الإذن في ذلك أو عرف رضاه به باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحلّ الدخول ولا الإذن، والله أعلم اهـ.
( ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) بإعطائهن ذلك بحسب اللائق بأحوالكم يساراً وإعساراً.
وفي الحديث وجوب نفقة الزوجة وكسوتها عند عدم نحو النشوز وهو واجب إجماعاً ( رواه الترمذي) في النكاح من جامعه ( وقال: حديث حسن صحيح) وتقدم أن الجمع بين الوصفين المذكورين إن كان في متعدد السند فهو على تقدير واو العطف والتقدير حسن وصحيح: أي حسن باعتبار أحد الإسنادين، وصحيح باعتبار الآخر، وإلا فهو عى تقدير أو التي للترديد: أي أنه حسن أو صحيح: أي إن المحدثين اختلفوا في رجال سنده هل بلغوا درجة الصحة أو هم قاصرون على درجة الحسن، ورواه النسائي وابن ماجه ( قوله: عوان) التنوين فيه للعوض عن الياء إن اعتبر الإعلال سابقاً على منع الصرف، أو عن الحركة إن اعتبر منع الصرف قبل اعتبار الإعلال، وقيل: إنه للصرف وهذا ضعيف جداً ( أي أسيرات جمع عانية.
بالعين المهملة)
إن قلت: هذا القسم من جمع التكسير هو الذي ادعى النحاة فقده خارجاً ووجوده عقلاً وهو التغيير بالزيادة والنقص من غير تغيير الشكل.
قلنا: يمكن أن يقال: إنه ليس كذلك، فإن حركات الجمع غير حركات المفرد فضمة الفاء في فلك جمعاً كضمة همزة أسد وضمته مفرداً كضمة قاف قفل، وقد صرح بذلك شراح الكافية فكان ما ذكر كغلام وغلمان مما اجتع فيه التغيير بالنقص والزيادةوتغيير الشكل ( وهي الأسيرة والعاني: الأسير) ومنه حديث «أطعموا الجائع وفكوا العاني» قال في «النهاية» : العاني: الأسير وكل من ذلّ واستكان وخضع، يقال عنا يعنو فهو عان ( شبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة في دخولها تحت حكم الزوج) ووجوب طاعتها له ( بالأسير) فيكون قوله: «فإنما هن عوان» من التشبيه البليغ على حد زيد أسد ( والضرب المبرح) المنهيّ عنه ( هو الشاق الشديد) قال في «المصباح» : برح به الضرب تبريحاً: اشتد وعظم ( وقوله: فلا تبغوا عليهن سبيلاً: أي لا تطلبوا طريقاً تحتجون به عليهن) بعد توبتهن ورجوعهن إلى الطاعة ( وتؤذوهن به) أي ولا تؤذوهن به، ويجوز أن تكون الواو للمعية والنصب بأن مضمرة لكونه في جواب النهي، لكن يوهم أن الممنوع منه إنما هو طلب الطريق المذكور مع الإيذاء، أما طلبها من غير إيذاء فلا نهي عنه وليس كذلك، بل منهي عن التعرض لها بعد التوبة مطلقاً ( والله أعلم) .


رقم الحديث 277 ( وعن معاوية) بالعين المهملة وبالتحتية بعد الواو المكسورة ( ابن حيدة) بمهملة مفتوحة وسكون تحتية وفتح دال مهملة فهاء تأنيث كذا في «المغني» ، ابن معاوية بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري من أهل البصرة، غزا ( رضي الله عنه) خراسان ومات بها، وهو جدّ بهز بن حكيم بن معاوية، وروى عنه ابنه حكيم بن معاوية، وسئل يحيى بن معين عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز: ثقة ( قال: قلت يا رسول الله) ورواه ابن الأثير في «أسد الغابة» عنه «أن رجلاً سأل رسول الله: ما حقّ المرأة على الزوج؟» إلى آخر الحديث، ولا تنافي لاحتمال التعدد أو أنه أبهم نفسه في تلك الرواية إما نسياناً لعين السائل أو لغرض آخر ( ما حقّ زوجة أحدنا عليه) أي ما واجبها عليه ( قال: أن تطعمها) بضم الفوقية ( إذا طمعت) بكسر العين أيأكلت ( وتكسوها) بفتح التاء الفوقية والواو ( إذا اكتسيت) ومعنى كونه فرضاً عليه إذا كان لا يأكل زائداً على فرض القوت، أما لو كان مترفها في المطعم والملبس فما زاد على الواجب لها فنفل منه وإحسان عليها ( ولا تضرب الوجه) لأنه عضو لطيف والشين فيه شنيع ( ولا تقبح) بتشديد الباء الموحدة المكسورة: أي لا تقل قبح الله وجهك أو لا تقل ما أقبح هذا الخلق، فإن ذمّ الصنعة ذم لصانعها ( ولا تهجر) عند النشوز ( إلا في البيت) فاترك مضاجعتها ولا تترك كلامها عند حاجتها ( حديث حسن رواه أبو داود) في كتاب النكاح من سننه والنسائي وابن ماجه ( وقال) أي أبو داود ( معنى لا تقبح أي) تفسير لمعنى الجملة ( لا تقل قبحك ا) وهذا أحد احتمالين فيه.


رقم الحديث 278 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: أكمل المؤمنين) أي من أكملهم ( إيماناً) منصوب على التمييز عن أفعل التفضيل وهو فاعله من حديث المعنى ( أحسنهم خلقاً) بضم الخاء المعجمة واللام وسكونها، وتقدم أنه ملكة تبعث النفس على أفعال حميدة واكتساب شيم شريفة.
وقال الحسن البصري: حقيقة حسن الخلق بذل المعروف وكفّ الأذى وطلاقة الوجه.
قال الباجي: وتحسين الخلق أن يظهر منه لمن يجالسه أو يردّ عليه البشر والحلم والإشفاق والصبر على التعليم والتودد إلى الصغير والكبير.
وقد اختلف فيه هل هو مكتسب أو غريزي، وجمع بين القولين بأنه غريزي باعتبار أصله ويقوى وينمو بالكسب.
قال الحافظ في «الفتح» : ومحصل ما أجاب العلماء عن الأحاديث المختلف فيها الأجوبة بأن أفضل الأعمال كذا أن اختلاف الجواب لاختلاف حال السائلين بأن أعلم كلا بما يحتاج إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو اللائق، أو أن اختلافه باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره - فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن منها، وقدتظافرت الأدلة على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل، أو أن أفضل ليس على بابه بل المراد الفضل المطلق، أو أن المراد من أفضل فحذفت من وهي مرادة كما ورد «خيركم خيركم لأهله» ومعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس مطلقاً، فعلى هذا فأفضل الأعمال على الإطلاق الإيمان والباقيات متساوية في كونها من أفضلها وإن تفاوتت درجاتها بما ورد فيها اهـ.
ملخصاً ( وخياركم خياركم لنسائهم) .
وفي رواية «خيركم خيركم لأهله» قال في «النهاية» : هو إشارة إلى صلة الرحم والحثّ عليها.
قيل: ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكفّ الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها.
قلت: ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبيّ، والمراد أنا خيركم لأهلي، وقد كان أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم ( رواه الترمذي وقال: حسن صحيح) وكذا رواه ابن حبان.


رقم الحديث 279 ( وعن إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية وبعد الألف سين مهملة ( ابن عبد الله بن أبي ذباب) بضم المعجمة وخفة الموحدة الأولى كما في «المغني» .
الدوسي وقيل المزني والأوّل أكثر ( رضي الله عنه) سكن مكة، قال أبو عمرو: له صحبة، وقال ابن منده وأبو نعيم: اختلف في صحبته، كذا في «أسد الغابة» ، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث.
( قال: قال رسول الله: لا تضربوا إماء ا) الإماء بكسر الهمزة وبالمد بوزن كتاب جمع أمة وهي محذوفة اللام والهاء عوض عنها والأصل أموة بفتحات، ولذا يرد في التصغير فيقال أمية والأصل أميوة، ويجمع أيضاً على آإم بوزن قاض وعلى إموان بوزن إسلام، وقد يجمع على أموات بوزن سنوات، والمراد بإماء الله النساء: أي لا تضربوهن ظاهره على كل حال ( فـ) ـلذا ( جاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء) سيأتي ضبطه ومعناه وهو على لغة أكلوني البراغيث، والفصيح تجريد الفعل من علامة الجمع بأن يقال ذئر أو ذئرت بالتاء، والثاني أفصح لأن المسند لجمع التكسير الأفصح إلحاق التاء آخره، ورأيته في أصل آخر من «سنن أبي داود» ذئر النساء بحذفالنون ( على أزواجهن) لما سمعن المنع عن ضربهن مطلقاً ( فرخص في ضربهن) من الرخصة، وهي تغيير الحكم من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام سبب حكم الأصل، وسبب المنع الرفق بهن وهو قائم حال إباحته للعذر وهو دوام الزوجية والقيام بحقوقها عند حقوقهن من ترك ذلك ( فأطاف بآل رسول الله) أي بأزواجه وسراريه، وليس المراد بالآل من تحرم عليهم الزكاة ( نساء كثير) من صيغ جمع الكثرة ( يشكون أزواجهن) أي ضربهم.
( فقال رسول الله: لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك) أي الضاربون لأزواجهم ( بخياركم) وذلك لأنه يؤذن بحرج الصدر وضيق النفس، ذلك خلاف حسن الخلق الذي هو من أوصاف الخيار.
( رواه أبو داود) في كتاب النكاح ( بإسناد صحيح) ورواه النسائي وابن ماجه.
( قوله) في الحديث ( ذئرن هو بذال معجمة مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم راء ساكنة ثم نون: أي اجترأن) عليهم ونشزن ( قوله أطاف: أي أحاط) وهو متعد بالباء أيضاً، يقال أطاف بالشيء: أي أحاط به.


رقم الحديث 280 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص) بإثبات الياء كما هو الفصيح، وتقدم تحقيق ذلك في باب الاقتصاد وتقدمت ترجمته في باب بيان كثرة طرق الخير ( رضي الله عنهما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: الدنيا متاع) أي شيء يتمتع به حيناً كما قال تعالى: { قل متاع الدنيا قليل} ( النساء: 33) ( وخير متاع الدنيا) أتى بالاسم الظاهر موضع الضمير لزيادة الإيضاح ( المرأة الصالحة) قال القرطبي: فسرت في الحديث بقوله: «التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله» ( رواه مسلم) في كتاب النكاح وأحمد والنسائي.


رقم الحديث -35 بكسر النون وبالمد، جمع لامرأة من غير لفظها، وتجمع على نسوة بكسر النون كما تقدم عن «المصباح» ، والمراد الوصية بالرفق بهن والإحسان إليهن لضعفهن واحتياجهن لمن يقوم بأمرهن.
( قال الله تعالى) شأنه عما لا يليق به ( { وعاشروهن بالمعروف} ) أمر يعم الأزواج والأولياء ولكن المتلبس في الأغلب بهذا الأمر الأزواج والمعاشرة المخالطة والممازجة.
قال السلمي: «وعاشروهن بالمعروف» قيل علموهن الفرائض والسنن.
وقال أبو جعفر: المعاشرة بالمعروف حسن الخلق مع العيال.
( وقال تعالى: { ولن تستطيعوا أن تعدلوا} ) العدل التام على الإطلاق: المستوى في الأقوال والأفعال والمحبة والجماع وغير ذلك ( { بين النساء ولو حرصتم} ) «كان يقسم بين نسائه ثم يقول: اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» فأخبر عزّ وجلّ عن حال البشر أنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض الأزواج دون بعض ( { فلا تميلوا كل الميل} ) بأن يفعل فعلاً يقصد به التفضيل، وهو يقدر أن لا يفعله فهذا هو كل الميل وإن كان في أمر حقير ( فتذورها) أي الزوجة التي ميل عليها كل الميل ( { كالمعلقة} ) لا هي أيم ولا هي ذات زوج ( وإن تصلحوا) ما أفسدتم بالميل التام ( وتتقوا) بالعدل في القسم وترك خلافه ( { فإن الله كان} ) فيما مضى وبالاستمرار ( { غفوراً} ) لما عدا الشرك من المعاصي إن شاء ذلك ( { رحيماً} ) مفيضاً للنعم على عباده، ومناسبة هذين الاسمين لما قبلهما أن الميل السابق إثم ودواءه الغفران، وأن الداعي إلى عدم التقوى من المساواة بالمواساة بين الأزواج ما يعد لهم الشيطان من الفقر فدواؤه استحضار ما للمولى سبحانه وتعالى من النعم الحسان.