فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم تصوير الحيوان في بسَاط أوحجر أو ثوب أو درهم أو مخدَّة أو دينار أو وسادة وغير ذلك وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وستر وعمامة وثوب ونحوها والأمر بإتلاف الصور

رقم الحديث 1678 ( عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الذين يصنعون هذه الصور) أي: صور ذات الروح، كما يدل عليه قوله ( يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم) والجملة الثاني يحتمل كونها تفسيراً للتعذيب، أي: يبكتون ويلزمون بإحياء ما صوروه، ولا قدرة لهم على ذلك البتة، ويحتمل أن يكون خبراً بعد خبر، أو حالاً من مرفوع الفعل قبله ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1679 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت سهوة لي) جملة حالية ( بقرام فيه تماثيل) أي: أمثال ذي روح ( فلما رآه) أي: أبصره ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلون وجهه وقال: يا عائشة أشد الناس) أي: من أشد الموحدين عذاباً، أو أشد الكفار، لجمعه بين الكفر والتصوير، ( عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله) أي: بما يكون بتصويرهم خلق الله ( قالت: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين) أي: وزال به الصورة المحرمة، إن كان بقاؤها مطلقاً، يمنع من دخول ملائكة الرحمة، لأن ذلك لا يرضى به - صلى الله عليه وسلم -، وإن كان لا تحريم باستعمال الصورة في ممتهن، وإن كان المانع من دخولهم، اتخاذ الصورة على الوجه المحرم، بأن ترفع ما هي فيه على جدار.
أو سقف، فلا يحتاج إلى أن يقيد حديثها بإزالة الصورة المحرمة، لأنها حينئذ اتخذت للامتهان.
واتخاذ الصور كذلك جائز.
والحديث سبق بطوله في باب الغضب إذا انتهكت حرمات الشرع ( متفق عليه.
القرام بكسر القاف)
وتخفيف الراء ( وهو الستر والسهوة بفتح السين المهملة) وسكون الهاء ( وهي الصفة) بضم المهملة وتشديد الفاء: البيت أمام البيت.
كما قال المصنف ( تكون بين يدي البيت وقيل: هي الطاق النافذ في الحائط) فإن لم يكن نافذاً فهي المشكاة.


رقم الحديث 1680 ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: كل مصور في النار) أي: إن استحل ذلك، مع علمه بتحريمه والإجماع عليه، وإنه من المعلوم من الدين بالضرورة.
أو هذا جزاؤه إن لم يكن كذلك، وهو كغيره من سائر الكبائر، تحت خطر المشيئة ( يجعل له بكل صورة) أي: بسببها أو بدلها ( صورها نفس فيعذبه) أي: الله ( في جهنم) الظاهر أن المراد بإيراد النار، الشامل لسائر طباقها، لا خصوص الطبقة الأخرى المعدة للمنافقين، هذا على أن يعذب بالتحتية، ويحتمل أن يكون بالفوقية، وإسناد التعذيب إلى النفس مجاز عقلي ( قال ابن عباس) لمن قال له إنه لا يعرف من الحرف غير التصوير ( فإن كنت لا بد) أي: لا محالة ( فاعلاً) أي: التصوير ( فاصنع الشجر وما لا روح فيه) كالجبال والأرض والأمكنة ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1681 ( وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: من صور صورة في الدنيا) أي: من ذوات الروح ( كلف) تعجيزاً له ( أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة) ولما كان تكليفه بذلك، ربما يوهم إمكان ذلك منه، نفاه مؤكداً للنفي بالباء المزيدة، فقال: ( وليس بنافخ متفق عليه) .


رقم الحديث 1682 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أشد الناس عذاباً) أتى بالمؤكد هنا تأكيداً لمضمونه عند السامع، وتركه من حديث عائشة، كأنه كان ذلك أول ما أعلمهم به، فكان ابتداء، ولما اقتضى المقام التأكيد، لوجود من وقع منه سبب الوعيد السابق، وكان حاله كالمنكر، أتى به والله أعلم.
( يوم القيامة) ظرف لعذابا ( عند الله) كذلك، والعندية للمكانة لا للمكان، ففيه إيماء إلى عظم ذلك العذاب ( المصورون) أي: لذي روح ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1683 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى ومن أظلم) أي: لا أظلم ( ممن ذهب يخلق كخلقي) أي: باعتبار التصوير والتقدير وإلا فالخلق الذي هو الإِيجاد، لا يكون من غيره تعالى أصلاً ( فليخلقوا ذرة) بفتح المعجمة وتشديد الراء: أي نملة، وصحفه بعض الرواة فضم المعجمة وخف الراء وغير قوله بعد ( أو ليخلقوا حبة) أي: من القمح ( أو ليخلقوا شعيرة) لأنها من أنواع الحبوب وأو: فيه للتنويع واللام بعد الفاء يجوز إسكانها تخفيفاً، وكسرها وهو الأصل، وفي هذه المواضع، اللام على سبيل التعجيز والتبكيت، تارة بتكليفهم خلق حيوان وهذا أشد، وأخرى في تكليفهم بخلق جماد، وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم على ذلك ( متفق عليه) ورواه أحمد.


رقم الحديث 1684 ( وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تدخل الملائكة) أي: ملائكة الرحمة، إذ الحفظة لا يفارقون بسبب ذلك ( بيتاً) ومثله باقي الأمكنة غير البيت ( فيه كلب) قال الشيخ ولي الدين العراقي، قيل: حكمته أنه لما نهى عن اتخاذها ثم اتخذها، عوقب بتجنب الملائكة صحبته، غضباً عليه لمخالفة الشرع، فحرم بركتها واستغفارها وإعانتها له على طاعة الله تعالى، وعلى هذا فلا تمتنع الملائكة من دخول بيت فيه كلب، أذن في اتخاذه بناء على أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه.
وقيل: ذلك لنجاستها، وهم المطهرون المقدسون على مقاربتها.
وقيل: لأنها من الشياطين على ما ورد، والملائكة أعداؤهم في كل حال.
وقيل: لقبح رائحتها وهم يكرهون الرائحة الخبيثة، ويحبون الرائحة الطيبة ( ولا صورة) ظاهر عمومه متناول للصورة المحرمة وغيرها، ولاتخاذ المحرم وغيره، ويحتمل التخصيص بالمحرم منها، على أن العلة في عدم دخولها عصيان المخالف بالاتخاذ لها بعد النهي عنه ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1685 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) قدم المفعول به على فاعله، اهتماماً ( جبريل عليه السلام أن يأتيه) أي: في وقت معين ( فراث عليه) وأطال التأخر ( حتى اشتد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: نفس تأخره أو ما لحقه لذلك من الهم ( فخرج فلقيه جبريل) أي: عقب خروجه كما يومىء إليه ( فشكا) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لقي من تأخره، عن الوقت الذي وعد المجيء فيه ( إليه فقال إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) يؤخذ من، حديث القرام السابق، ما يزيد تخصيص امتناعها بالاتخاذ المحرم للصورة المحرمة عقوبة له، إذا فعل ذلك، بمنعهم من بركتهم ( رواه البخاري) في أبواب الملائكة ( راث أبطأ) وألفه منقلبة عن ياء وهو من باب باع ( وهو بالمثلثة) أي: ومصدره: ريث بفتح فسكون للتحتية.


رقم الحديث 1686 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبريل عليه السلام) فاعل، مؤخر عن المفعول المقدم للاهتمام ( أن يأتيه في ساعة فجاءت تلك الساعة ولم يأته قالت: وكان بيده عصا) جملة معطوفة على واعد أو حال من فاعله ( فطرحها) أي: ألقاها ( من يده وهو يقول) جملة حالية من الضمير المضاف إليه بعضه ( ما يخلف الله وعده) أي: لأحد من خلقه.
ثم هو مخصوص بالخير، ويقال في الشر وعيد ( ولا رسله) ويسكن الثاني تخفيفاً، جمع رسول ودخل فيهم الملائكة.
قال تعالى: ( جاعل الملائكة رسلاً) ( ثم التفت فإذا جرو) بالجيم والراء بوزن قنو ( كلب) قال في المصباح: الجرو بالكسر ولد الكلب والسباع.
والفتح والضم لغة فيه.
قال ابن السكيت: والفتح أفصح.
قال في البارع: الجرو الصغير من كل شيء ( تحت سريره فقال متى دخل هذا الكلب فقلت والله ما دريت به) هو ظاهر في أن ذلك كان في بيتها ( فأمر به) بالبناء للفاعل ( فأخرج) بالبناء للمفعول وحذف المفعول به في الأولى، والفاعل في الثانية، لعدم تعلق العناية بقصته؛ ( فجاءه جبريل فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعدتني) أي: الساعة المعينة ( فجلست لك) أي: منتظراً لك أو لأجلك؛ فالظرف على الأول مستقر حال، وعلى الثاني صلة جلس ( ولم تأتني فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك) هذا يؤيد الاحتمال الثاني السابق، في كلام الولي العراقي" من أنهم لا يدخلون البيت الذي فيه كلب، وإن لم يعص أهله باتخاذه، لأنه إذا منع وجوده من دخولهم البيت، مع ولوجه عن غير علم، فلأن يمنع منه مع العلم بالأولى.
وإن كان نقص الثواب الآتي في حديث الباب بعده مقيداً باتخاذه، في غير ما أذن فيه، لأن ذلك أقوى من هذا؛ فاعتبر فيه قوة المخالفة عن قصد.
والله أعلم ( إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة) أي يحرم تصويرها، أو اتخذت على وجه يحرم اتخاذها لما تقدم ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1687 ( وعن أبي التياح) بفتح الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة ( حيان) بفتح المهملة وتشديد التحتية ( ابن حصين) بضم المهملة الأولى، وفتح الثانية، وسكون التحتية، آخره نون.
أبو الهياج بالتحتية والجيم: الأسدي الكوفي.
قال الحافظ: ثقة من أوساط التابعين ( قال قال لي علي) بن أبي طالب ( رضي الله عنه ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح ( أبعثك على ما) أي: الذي ( بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ثم أبدل من الموصول قوله ( ألا تدع صورة) أي: على عدم ترك صوره محرمة ( إلا طمستها) أي: أزلتها إزالة للنكر باليد ( ولا قبراً مشرفاً) بصيغة المفعول ( إلا سويته) أي: بالأرض ( رواه مسلم) ففيه أن التصوير للصورة المحرمة من المنكرات، الذي على ولاة الأمور إزالتها.
والله أعلم.
باب تحريم اتخاذ الكلب إلا لصيد أو ماشية أو زرع أي: لحراسة، ومثله حراسة الدار لمن احتاج إليه لها، ويشملها قوله في رواية مسلم الآتية ولا أرض.