فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فَضلِ الذِّكْرِ والحثِّ عليه

رقم الحديث -242 بفتح المهملة وتشديد المثلثة، أي: الحض ( عليه) المراد بذكر الله هنا: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب فيها، وطلب الإِكثار منها.
وقيل: الذكر شرعاً قول سيق لثناء أو دعاء، وقد يستعمل لكل قول يثاب قائله.
قال الحافظ في الفتح: ويطلق ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه الله أو ندب إليه.
وقال الرازي: المراد بذكر اللسان الألفاظ الدالة على التسبيح والتحميد والتمجيد، والذكر بالقلب التفكر في أدلة الذات والصفات وفي أدلة التكاليف من الأمر والنهي حتى يطلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله تعالى.
والذكر بالجوارح هو أن تصير مستغرقة في الطاعات.
( قال الله تعالى: ولذكر الله أكبر) أي: ذكر العبد ربه أفضل من كل شيء، والصلاة لما كانت مشتملة على ذكره كانت أكبر من غيرها من الطاعات.
وقيل: المراد ذكر الله عبيده برحمته أكبر من ذكرهم إياه بطاعته، وهذا هو المنقول عن كثير من السلف.
وقال التوربشتى: الذكر من الله هو حسن قبوله منه والمجازاة له بالحسنى اهـ ( وقال تعالى: فاذكروني) أي: بالطاعات أو في الرخاء ( أذكركم) بالمغفرة أو في الشدة.
وقد تقدم ذكر هذا في أول باب الحمد ( وقال تعالى: واذكر ربك في نفسك) أي: سراً ( تضرعاً) أي: تذللاً ( وخيفة) أي: خوفاً منه، فالنصب على العلة، ويصح كونه على الحال، أي: متضرعاً وخائفاً ( ودون الجهر من القول) أي: قصداً بينهما، وهو كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن تسمع نفسك دون غيرك ( بالغدو والآصال) أوائل النهار وأواخره، وخصا بطلب الذكر فيهما دون غيرهما؛ لفضلهما ولأن بدء اليوم وختمه بالبر والعمل الصالح مقتض لغفران ما يقع بينهما من المخالفات كما في حديث ( ولا تكن من الغافلين) عن ذكر الله ( وقال تعالى: واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) جملة الترجي في محل الحال من فاعل، اذكروا أي: ائتوا بعمل البر راجين الفلاح من الله تعالى، فإن الأعمال أمارات ظنية وليست بدلالات قطعية، ففيه إيماء إلى نهي العامل عن الركون إلى عمله دون الله تعالى، وتنبيه على أن المطلوب كون الظاهر مستعملاً في أعمال البر مع عدم النظر لذلك بالقلب ( وقال تعالى إن المسلمين والمسلمات) أتى بذلك توطئة لقوله ( إلى قوله تعالى والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) المناسب للترجمة إذ لو بدأ به لتوهم أن الثواب المذكور بعده مرتب عليه بانفراده، وإنما هو جزء للمرتب عليه ذلك ( أعد الله لهم) أي: هيأ لهم ( مغفرة) لذنوبهم عظيمة كما يومىء إليه إسناد ذلك إليه سبحانه، مع ما في ذلك من الإيماء إلى مزيد العناية وكمال الرعاية ( وأجراً عظيماً) على الطاعات ( وقال تعالى يأيها الذين أمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً) في الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات" هذا حديث مشهور رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهما.
وفي الحديث "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون"، وفى الأذكار للمصنف: سئل ابن الصلاح عن القدر ( خفيفتان على اللسان) قال الطيبي: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يخف على الحامل من بعض المحمولات ولا يشق عليه، فذكر المشبه به وأراد المشبه ( ثقيلتان في الميزان) الثقل فيه على حقيقته؛ لأن الأعمال تتجسم عند الميزان، والميزان هو ما يوزن به أعمال العباد يوم القيامة.
وفي كيفيته أقوال الأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين، والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة أو توزن صحف الأعمال.
وسئل بعضهم عن سبب ثقل الحسنة على الإِنسان، وخفة السيئة عنه فقال: إن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فخفت فلا يحملنك خفتها على ارتكابها ( حبيبتان إلى الرحمن) أي: محبوب قائلهما وخص الرحمن بالذكر؛ لأن القصد من الحديث بيان سعة رحمة الله بعباده، حيث يجزي على العمل القليل بالثواب الكثير الجزيل.
قال العيني: ويجوز أن يكون لأجل السجع، وهو من محسنات الكلام، وإنما نهى عن سجع الكهانة لكونه متضمناً لباطل ( سبحان الله وبحمده) الواو للحال، أي: أسبحه متلبساً بحمدي له من أجل توفيقه لي، وقيل: عاطفة أي: وأتلبس بحمده.
وقدم التسبيح؛ لأنه من باب التخلية بالمعجمة، والحمد من باب التحلية بالمهملة.
قال الكرماني: التسبيح إشارة للصفات السلبية، والحمد إشارة إلى الصفات الوجودية ( سبحان الله العظيم) كرر التسبيح تأكيداً للاعتناء بشأن التنزيه من جهة كثرة المخالفين الواصفين له بما لا يليق به بخلاف صفة الكمال فلم ينازع في ثبوتها له أحد، ثم سبحان فيهما منصوب على المصدرية بإضمار فعل واجب الحذف على المرضي، أتى لقصد الدوام واللزوم بحذف ما هو موضوع للتجدد والحدوث، ثم صار علم جنس للتسبيح، وأضيف إلى الله في نحو سبحان الله أولاً وأريد بهما اللفظ، فلذا كان ابتدائين.
قال الدماميني في المصابيح: إن قلت المبتدأ مرفوع وسبحان منصوب فكيف وقع مبتدأ مع ذلك؟ قلت: المراد لفظهما محكياً، فإن قلت الخبر مثنى والمخبر عنه غير متعدد ضرورة، أنه ليس ثم حرف عطف يجمعهما، ألا ترى أنه لا يصح زيد عمرو قائمان، قلت هو على حذف العاطف أي: سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم كلمتان الخ ( متفق عليه) ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه وهو آخر حديث في صحيح البخاري.


رقم الحديث 1410 ( وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال لا إله إلا الله وحده) بالنصب على الحالية، وجازت مع تعريفه لفظاً لتأويله بمنفرد ( لا شريك له) جملة حالية، حذف معمولها؛ ليعم أي: فلا شريك له في شيء من صفاته ولا في شيء من أفعاله ولا في شيء من ملكه ( له الملك) بضم الميم، أي: السلطنة والقهر له دون غيره قال تعالى: ( وهو القاهر فوق عباده) ( وله الحمد) فالحمد حقيقة مختصة أفراده كلها به تعالى، فلا فرد منه لما عداه إلا باعتبار ظاهر الأمر، إذ الحمد تابع للمثنى عليه، وهو خلق الله تعالى ( وهو على كل شيء قدير) قدم معمول الصفة المشبهة عليها، لكونه ظرفاً والممنوع تقديمه عليها في قولهم، والعبارة للخلاصة، وسبق ما تعمل فيه مجتنب.
هو إذا كان عملها من حيث كونها صفة مشبهة وعملها في الظرف ليس لذلك، بل لتضمن معنى الفعل، وبه يندفع اعتراض المحقق بدر الدين بن مالك على أبيه فيما ذكرناه بالآية السابقة ( في يوم) هو شرعاً ما بين طلوع الفجر الصادق وغروب الشمس ( مائة مرة) كتب الألف فيه، دفعاً لاشتباهه بمن الجارة لضمير الغائب، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في ترتب الثواب الآتي عليه بين ما إذا والاها أو أتى بها مفرقة ( كانت له عدل عشر رقاب) أي: في ثواب عتقها.
قال ابن التين: قرأناه بفتح العين، وقال في المصباح: عدل الشيء بالكسر مثله من جنسه أو مقداره.
قال ابن فارس: والعدل بالكسر الذي يعادل في الوزن والقدر اهـ.
وعدله بالفتح ما يقوم مقامه من غير جنسه ومنه قوله تعالى: ( أو عدل ذلك صياماً) وهو في الأصل مصدر يقال: عدلت هذا بهذا عدلاً، من باب ضرب إذا جعلته مثله قائماً مقامه اهـ ( وكتبت له مائة حسنة) بالنصب ثاني مفعولي كتب المبني للمفعول؛ لتضمنه معنى جعل، والمفعول الأول نائب الفاعل المستكن في الفعل، وفي رواية الكشميهني: وكتب بالتذكير.
قال العيني: أي: القول المذكور.
قلت: ولو روي بالرفع لكان نائب فاعل الفعل فيناسب قوله: ( ومحيت عنه مائة سيئة) أي: رفعت من ديوان الحفظة أو محي عنه المؤاخذة بها فلم يعذب بها ( وكانت له حرزاً) بكسر المهملة وسكون الراء وبالزاي الموضع الحصين والعوذة ( من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي) غاية للجملة الأخيرة أي: إنه يكون في عوذة من الشيطان مدة بقاء النهار ( ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به) من الأذكار المأثورة ( إلا رجل) بالرجع بدل من أحد ( عمل أكثر منه) بأن زاد على المائة من التهليل فكلما زاد منه زاد الثواب.
وسمي ذلك عملاً؛ لأنه عمل اللسان ( ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة) مفعول مطلق نحو قوله تعالى: ( فاجلدوهم ثمانين جلدة) وفي المصباح فعلت الشيء مرة، أي: تارة اهـ.
وفيه التارة المرة فإن ريد مرة من الزمان، كان النصب على الظرفية ( حطت خطاياه) ببناء الفعل للمجهول؛ لأن من المعلوم أن هذا الفعل لا يقدر عليه غيره تعالى فهو نظير قوله تعالى: ( وغيض الماء) إذ لا يتصور كما قال: أو ( تملأ) أي: كل واحدة بانفرادها ( ما بين السموات والأرض) أي: أنهما لعظم مدلولهما لو كانا جسمين لملأ ما ذكر أو لملأه أحدهما، ففيه عظم فضلهما وعلو مقامهما ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1415 ( وعن ثوبان) بفتح المثلثة وسكون الواو، وبالموحدة هو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من الصلاة) انصرافاً معنوياً بالتحلل منها بالتسليم ( استغفر) الله ( ثلاثاً) إيماءً إلى أنه ينبغي عدم النظر لما يأتي به العبد من الطاعة، فذلك أقرب للقبول، والتكرار للمبالغة في رؤية النقص فيما جاء به، وأنه لشدته محتاج في العدول عن تنوينه على قول البغداديين إرادة التنصيص على الاستغراق؛ لأنه مع التنوين يكون الاستغراق ظاهراً لا نصاً لقولهم أن لا العاملة عمل إن لنفي الجنس مطلقاً، فيحصل نفيه ظاهراً مع التنوين، ونصاً مع عدمه.
وقيل: إنه مخصوص عند بعضهم بما إذا بني اسمها من جهة تضمن معنى من الاستغراقية.
وبتسليم الإِطلاق فبني ليكون نصاً على الاستغراق إذ مع التنوين يحتمل كون النصب بفعل محذوف، أي: لا نجد أو لا نرى مانعاً ولا معطياً فعدل إلى البناء لسلامته من هذا الاحتمال.
اهـ قلت: هو مع وجاهته يبعده ما يلزم عليه من حذف متعلق الظرِف مع وجود متعلقه، نعم.
الثاني: أقرب من الأول: وأنه غير متعلق بالاسم فصار مفرداً.
والله أعلم ( ولا ينفع ذا الجد) بفتح الجيم الحظ والغنى ( منك) أي: عندك ( الجد) أي: غناه إنما ينفعه عنايتك وما قدمه من صالح العمل قال تعالى: ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ( 88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) وروي بكسر الجيم بمعنى الجد في الطاعة، أي: لا ينفع ذا الجد فيها جده إنما ينفعه رحمتك كما في الحديث الصحيح "لن ينجي أحداً عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1421 ( وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان) تعليماً وتشريعاً ( يتعوذ دبر الصلوات) في نسخة كل صلاة ( بهؤلاء الكلمات) وعطف عليها عطف بيان، بناء على مجيئه في الجمل، وهو الصحيح كما بينته في شرح نظم قواعد ابن هشام قوله ( اللهم إني أعوذ) أي: أعتصم وألتجىء ( بك من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة، مصدر جبن بضم الموحدة، مثل قرب قرباً وهو ضد الشجاعة، قال في المصباح: هو ضعف القلب ( والبخل) بضم فسكون وبفتحتين، جاء من بابي قرب وتعب، وهو شرعاً منع الواجب، وعند العرب منع السائل مما يفضل عنه اهـ ( وأعوذ بك) أعاده لأن هذا نوع غير ما قبله ( من أن أرد) بالبناء للمفعول ( إلى أرذل العمر) أي: أخسه وهو الهرم، وعن علي رضي الله عنه أنه خمس وسبعون سنة، ففيه ضعف القوى، وسوء الحفظ، وقلة العلم ( وأعوذ بك من فتنة الدنيا) بأن أبتلى بالغنى أو الفقر المشغل عن الله تعالى المبعد عن ساحات فضله ( وأعوذ بك من فتنة القبر) الناشىء عن سؤال الفتنين فيه فإن المؤمن يثبت والمنافق بضده ( رواه البخاري) .
بالآخر، إشارة إلى أن الآخرة وشهودها، وما يؤدي إليها هو المقصود بداية ونهاية اهـ ملخصاً.
وعطف وحسن عبادتك على الشكر عطف خاص على عام، إذ الشكر أداء العبودية لما تقدم من أنه شرعاً صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله، لكن منه ما هو حسن وهو ما صحب بالحضور والخضوع والخشوع، فيكون أقرب إلى القبول، ومنه ما ليس كذلك ( رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه النسائي أيضاً وسند أبي داود عبيد الله بن عمر القواريري عن أبي عبد الرحمن المقرىء عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن الصنابحي عن معاذ، زاد أبو داود: وأوصى معاذ الصنابحي بذلك وأوصى بذلك الصنابحى الحبلي.


رقم الحديث 1423 (وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا تشهد أحدكم) أي: أتم للتشهد أي: التحيات الخ سمي تشهداً لاشتماله عليه (فليستعذ بالله) الأمر للندب عند الجمهور (من أربع) حذف التاء لحذف المعدود والأصل من أربعة أشياء وهي في الحقيقة خمسة، لكنه عد فتنة الحياة والموت واحدة، لتقابلهما ولذا لم يعد لفظ فتنة في الممات (يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم) اسم أعجمي فمنع صرفه للعلمية والعجمة، ْأو عربي مشتق من قولهم بئر جهنام لبعيدة القعر، فمنع صرفه للعلمية والتأنيث المعنوي، وهي مشتركة بين طبقة من الطباق التي للنار، وبين ما يعم جميع طباقها والمراد الأخير (ومن عذاب القبر) أي: الكائن فيه لمن لم يثبت عند السؤال من الملكين له (ومن فتنة المحيا والممات) أي: من جميع البلايا والمحن الواقعة في الحياة، مما يضر ببدن أو دين أو دنيا للداعي، ولمن له به تعلق، لا سيما مع عدم الصبر.
وفي الموت قبيله عند الاحتضار من تسويل الشيطان الكفر حينئذ بطرائق جاءت في الأخبار وبعده من سؤال الملكين له مع الخوف والانزعاج وأهوال القبر وشدائده (ومن شر فتنة المسيح) بالحاء المهملة على المعروف، بل الصواب أي: الممسوح إحدى عينيه أو الماسح للأرض فإنه يقطعها كلها إلا الحرمين في أقصر مدة، وحمى الله منه الحرمين لفضلهما (الدجال) أي: المبالغ في الكذب ْبإدعائه الإِحياء والإِماتة وغيرهما، مما يقطع كل عاقل فضلاً عن المؤمن بكذبه فيه، لكنه لما سخر له طاعة بعض الجوامد عظمت فتنته، واشتدت بليته، حتى أنذر منه كل نبي أمته، وحتى أمرنا - صلى الله عليه وسلم - بالاستعاذة منها فإنه لا يسلم منها إلا الفذ النادر أعاذنا الله منها بمنه، وحكمة تقديم عذاب القبر على هذه مع أنها أفظع وأخوف، لطول زمنه وأبلغية نكايته، وفظاعة موقعه، واستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من هذه الأربع للتشريع، وتحريض الأمة عليها وإلا فهو - صلى الله عليه وسلم - آمن من ذلك كله (رواه مسلم) .
1422- وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكون من) أي: بعض (آخر ما يقول فيها بين التشهد) أي: وما هو كالجزء منه، وهو الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت) أي: أخفيت (وما أعلنت) وعطف عليه عطف عام على خاص قوله: (وما أسرفت) وزاد في التعميم بقوله: (وما أنت أعلم به مني) وتقدم أن هذا خضوع منه - صلى الله عليه وسلم - لربه، وأداء لحق مقام العبودية، وحث للأمة على الاستغفار، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى بهذا الكلام وما فيه من الإطناب، مع استحالة صدور ذنب منه فمن هو محل صدور الآثام أجدر بالدوام عليه والدأب فيه والملازمة عليه (أنت المقدم وأنت المؤخر) قال البيهقي: قدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين، وأخر من شاء عن مراتبهم وثبطهم بمحنها، وأخر الشيء عن حين توقعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة.
وقيل: قدم من أحب من أوليائه، وأخر من أبغض من أعدائه، فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم، ويكون المؤخر والمقدم بمعنى المضل والهادي، قدم من شاء لطاعته بفضله لسعادته، وأخر من شاء بقضائه لشقاوته اهـ (لا إله إلا أنت.
رواه مسلم) .


رقم الحديث 1430 (وعن عائشة رضي الله عنها قالت: افتقدت) أي: فقدت كما في رواية فزيادة الألف والتاء.
للمبالغة في المدلول (النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة) لعلها كانت ليلة النصف من شعبان، ففي جزء ابن الأخضر في فضائل شعبان "عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال لها: أي ليلة هذه؟ قالت: الله ورسوله أعلم! قال: هي ليلة النصف من شعبان، قالت: فقام وصلى، فخفف القيام فقرأ الحمد لله وسورة خفيفة، وسجد إلى شطر الليل، وقام في الركعة الثانية فقرأ فيها نحو قراءته الأولى، وكان في سجوده إلى الفجر.
قالت عائشة: فكنت أنتظره قائمة أراوح بين قدمي فلما طال علي ظننت أن الله عز وجل قد قبض رسوله فدنوت منه حتى مسست أخمص قدميه فتحرك فسمعته يقول في سجوده: أعوذ بعفوك من عقوبتك وبرضاك من سخطك الخ، فقلت: يا رسول الله لقد سمعتك تقول في سجودك الليلة شيئاً ما سمعتك تذكره قط؟ قال: وعلمت ذلك؟ قلت: نعم.
قال: تعلميهن وعلميهن، فإن جبريل أمرني أن أكررهن في السجود" وأخرجه محمد بن عيسى بن حبان من حديث أبي سعيد الخدري عن عائشة فذكره كذلك (فتحسست) بالمهملة أي: تطلبته (فإذا) فجائية (هو راكع أو) شك من الراوي (ساجد يقول) أي: في الركن الذي كان فيه منهما (سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت وفي رواية) أي: لمسلم أيضاً (فوقعت يدي على بطن قدميه) يحتمل أنه كان من وراء حائل فلا دليل فيه لعدم النقض بلمس الأجنبية؛ لأن وقائع الأحوال متى طرقها الاحتمال سقط بها الاستدلال (وهو في المسجد وهما منصوبتان) فيه سن نصب القدمين، ويجب أن يكون رءوس أصابعهما للقبلة (وهو يقول) أي: في سجوده (اللهم إني أعوذ) أي: أعتصم وأتحفظ (برضاك) عني ففيه تضمن لسؤال الرضا عنه (من) وقوع (سخطك) بفتحتين وبضم فسكون الانتقام (و) أعوذ (بمعافاتك) أي: بعفوك وأتى بالمفاعلة مبالغة، وصرحّ بهذا مع تضمن الأول له؛ لأن الإِطناب في مقام الدعاء محمود، ولأن المطابقة أقوى من التضمن، على أن الراضي قد يعاقب لمصلحة أو لحق الغير، فكان التصريح بذلك لا بد منه (من عقوبتك) لي وهذا باب التدلي من صفات الذات أيعجز) بكسر الجيم على الأفصح (أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل) لم أقف على من سماه (من جلسائه كيف يكسب ألف حسنة قال: يسبح مائة تسبيحة) أي: كأن يقول سبحان الله مائة مرة (فيكتب) بالتحتية وفي أخرى بالفوقية وبكل منهما جاء القرآن ففي آية (من بعد ما جاءتهم البينات) (1) وفي أخرى: (وجاءهم البينات) (2) والفعل مبني للمفعول، وترك ذكر الفاعل للعلم به وهو الله تعالى واللام في (له) للنفع كهي في قوله تعالى: (من عمل صالحاً فلنفسه) (3) والظرف في محل الحال قدم من تأخير ونائب الفاعل (ألف حسنة أو) يحتمل أن تكون بمعنى الواو كما في قول الشاعر: جاء الخلافة أو كانت له قدراً ويؤيده مجيئه بها في اللفظ الثاني ويحتمل أنها للتنويع فنوع يكتب له بالتسبيح مائة ألف حسنة، لأنه حسنة، وقد قال تعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (4) وآخر يحط عنه بذلك ألف خطيئة من الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى، ويحتمل أنها للشك من الراوي (يحط عنه ألف خطيئة رواه مسلم) في الدعوات وكذا رواه فيها الترمذي.
وقال: حسن صحيح، والنسائي في اليوم والليلة (قال) الحافظ أبو عبد الله محمد بن نصر (الحميدي) بضم المهملة وفتح الميم وسكون التحتية، نسبة لجده الأعلى الأندلسي صاحب كتاب الجمع بين الصحيحين (كذا هو في كتاب مسلم) ثم بين المشار إليه بقوله: (أو يحط) أي: بالهمزة قبل الواو (قال) الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب المحدث الصالح (البرقاني) بفتح الموحدة وبكسرها، نسبة لقرية كانت بنواحي خوارزم خربت كذا في لب اللباب.
قال الحافظ في فتاويه التي جمعها تلميذه السخاوي: كل ما ينقله البرقاني إنما هو من كتابه المستخرج على الصحيحين، فإنه جمع كتاباً جمع فيه بين الصحيحين، ورتبه على أسماء الصحابة، وعليه عول الحميدي في الجمع بين الصحيحين اهـ (ورواه شعبة) أي: ابن الورد العتكي وهو أول من قيل له أمير المؤمنين في الحديث.
قال الحافظ في فتاويه: وهو كما قال البرقاني والحميدي، لكن وجدته في مسند أحمد من طريق شعبة وغيره، بالواو تارة وبأو تارة، وكان الإِمام أحمد شديد الحرص على ألفاظ الرواية اهـ (أبو عوانة) بفتح المهملة وبالنون، الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة متقن (ويحيى) بن سعيد (القطان) البصري قال أحمد: ما رأيت مثله وقال بندار وهو إمام أهل زمانه واختلفت إليه عشرين سنة، فما أظن أنه عصى الله قط، وكان رأساً في العلم والعمل (عن موسى الذي رواه مسلم) في صحيحه (من جهته) أي: من طريقه، وهو موسى الجهني وعليه مدار الحديث، وهو يرويه عن مصعب بن سعد عن أبيه (فقالوا ويحط بغير ألف) وحديث يحيى بن سعيد رواه الترمذي في الدعوات من جامعه.
وقال: هذا حديث حسن صحيح، أي: والروايات يفسر بعضها بعضاً وهذا من المصنف، للتنبيه على أن أو ليست للشك، وإن كان محتملاً، بل عاطفة وظاهر كلامه أنها بمعنى الواو.
وتقدم أيضاً احتمال أنها على بابها للتنويع، وقد بسطت الكلام في ذلك في شرح الأذكار.


رقم الحديث 1432 ( وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يصبح على كل سلامى) بضم المهملة وباللام والميم أي: عضو ( من أحدكم صدقة) أي: عظيمة شكراً لله تعالى على عظيم منته بسلامة ذلك ( فكل تسبيحة) أي: كقول سبحان الله ( صدقة وكل تحميدة) أي: ثناء على الله بأوصافه العلية نحو الحمد لله ( صدقة وكل تهليلة) أي: قول لا إله إلا الله ( صدقة وكل تكبيرة) أي: قول الله أكبر ( صدقة وأمر) بالرفع وغير النظم لاختلاف النوع ( بالمعروف) أي: ما عرف شرعاً من واجب أو مندوب ( صدقة ونهي عن المنكر) أي: من محرم أو مكروه ( صدقة ويجزي) بفتح التحتية بلا همز وبالضم معه ( من ذلك) أي: بدل المذكور من القول والعمل، في أداء شكر النعم التي على كل سلامى ( ركعتان يركعهما) واقتصر عليه العاقولي أي: تسبيحاً عدد خلقه ويجري هذان في قوله: ( ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، رواه مسلم، وفي رواية له، سبحان الله عدد خلقه سبحان الله رضا نفسه) أي: ذاته العلية ( سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته) بكسر الميم مصدر كالمد، بمعنى المدد، وهو ما كثرت به الشيء يقال مددت الشيء أمده، ويحتمل أنه جمع مد بالضم للمكيال المعروف فإنه يجمع كذلك، وكلمات الله قيل: كلامه القديم المنزه عن أوصاف الكلام الحادث، وقيل: علمه، وقيل: القرآن، ثم قيل: معناه مثلها في العدد أو في عدم التقدير، أو في الكثرة أي: كل من التسبيح وما معه بمقدار هذه أو عددها لو فرض حصره، فذكر القدر والعدد مجاز عن المبالغة في الكثرة، وإلا فكلماته لا تعد ولا تحصى، ولذا ختم بها إيماءً إلى أن تسبيحه وحمده لا يحدان بعد ولا مقدار، وقيل: فيه ترق، لكن لا يتم ذلك في الكل؛ لأن رضا النفس أبلغ من زنة العرش، ولعله مراد المصنف بقوله والمراد المبالغة في الكثرة؛ لأنه ذكر أولاً ما يحصره العدد الكثير من عدد الخلق، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وهو رضا النفس، ثم زنة العرش، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وعبر عنه بقوله ومداد كلماته، أي: لا يحصيه عدد، كما لا تحصي كلمات الله تعالى، وصرّح في الأولى بالعدد، وفي الثالثة بالزنة، ولم يصرح في الآخرين بشيء منهما إيذاناً بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون، ولا يحصرهما المقدار لا حقيقة ولا مجازاً، فحصل الترقي من عدد الخلق إلى رضا النفس، ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات ( وفي رواية الترمذي: ألا أعلمك) بكسر الكاف ( كلمات تقولينها: سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه سبحان الله عدد خلقه) التكرير لزيادة التفخيم والتعظيم "وقد سأل" المحقق جلال الدين المحلي الحافظ ابن حجر عما ورد من نحو هذا الخبر فقال: ما المراد منه حتى ارتفع فضل التسبيح الأقل زمناً على الأكثر زمناً "فأجاب" قد قيل: في الجواب إن في ألفاظ الخبر سراً تفضل به على لفظ غيره، فمن ثم أطلق على اللفظ القليل أنه أفضل من اللفظ الكثير، ويحتمل أن يكون سببه أن اللفظ القليل مشتمل على عددٍ لا يمكن حصره، فما كان منها من الذكر بالنسبة إلى عدد ما ذكر في الخبر قليل جداً فكان أفضل من هذه الحيثية اهـ.
وقد بسطت الكلام في هذا المقام في شرح الأذكار في باب فضل الذكر بنقل أجوبة الأئمة وكلامهم في ذلك بما تغني مراجعته ( سبحان الله رضا نفسه) فيه إطلاق النفس على الله تعالى من غير مشاكلة، واختلف في ذلك فمن منع قال: لتوهم أنه مأخوذ من النفس المستحيل في حقه تعالى ومن أجاز ذلك، لما ورد كذلك قال: إنه مأخوذ من الشيء النفيس، ثم كرر لما تقدم فقال: ( سبحان الله رضا نفسه سبحان الله رضا نفسه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته سبحان الله مداد كلماته) فيه شرف هذا الذكر بأي صيغة من صيغه المذكورة.
في هذه الأحاديث، وكذا ما يؤدي مؤداها وأن الأجر ليس على قدر النصب، بل لله أن يأجر على العمل القليل بالأجر الجزيل.


رقم الحديث 1436 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سبق المفردون) أي: إلى مرضات المولى، والدرجات العلا، والشهود الأكمل، والحال الأفضل ( قالوا وما المفردون) أتى بما لان المسؤول عنه الوصف، فهو كقول ( فرعون وما رب العالمين) لأنه سؤال عن صفة الربوبية لا عن ذات الرب وقوله تعالى: ( فانكحوا ما طاب لكم) ( يا رسول اللهّ) أي: ما صفتهم حتى نتأسى بهم فنسبق إلى ما سبقوا إليه ( قال) صفتهم أنهم ( الذاكرون الله كثيراً) تقدم ما يندرج به العبد في الموصوفين بذلك ( والذاكرات) أي: الله كثيراً، كما دل عليه السياق فلذا حذف ( رواه مسلم، روى المفردون بتشديد الراء وتخفيفها، والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد) قال التوربشتي: روي المفردون بتشديد الراء وكسرها وبفتحها والتخفيف، واللفظان وإن اختلفا في الصيغة، فإن كل واحد منهما في المعنى قريب من المائة، لكن تقدم في التهليل ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به.
فيحتمل الجمع بكون التهليل أفضل، وأنه مما زيد فيه من رفع الدرجات، وكتب الحسنات، ثم ما جعل مع ذلك من عتق الرقاب قد يزيد على فضل التسبيح وتكفيره جميع الخطايا، لأنه جاء "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار" فيحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عموماً بعدما عدد منها خصوصاً مع زيادة رفع الدرجات، ويؤيده حديث "أفضل الذكر لا إله إلا الله" وأنها أفضل ما قاله والنبيون من قبله، وأنها كلمة التوحيد والإِخلاص.
وقيل: إنها اسم الله الأعظم.
ولا يعارض حديث فضل التهليل حديث أبي ذر "قلت يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله؟ قال: إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده" أخرجه مسلم، وفي لفظ سئل "أي الكلام أفضل؟ قال: ما اصطفاه الله لملائكته، سبحان الله وبحمده" قال الطيبي: ويمكن أن يكون قوله سبحان الله وبحمده مختصراً من الكلمات الأربع وهي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لأن سبحان الله تنزيه عما لا يليق بجلاله، وتقديس لصفاته عن النقائص فيندرج فيه معنى لا إله إلا الله، وقوله: وبحمده، صريح في معنى الحمد لله لأن الإِضافة في وبحمده بمعنى اللام ويستلزم ذلك معنى الله أكبر لأنه إذا كان كل الفضل والإِفضال له تعالى ومنه لا من شيء غيره فلا أكبر منه، ومع ذلك كله فلا يلزم فضل التسبيح على التهليل، لصراحة التهليل في التوحيد وتضمن التسبيح له، ولأن نفي الألوهية في قول لا إله نفي لما في ضمنها من الخلق والرزق والإِثابة والعقوبة، وقول إلا الله إثبات لذلك، ويلزم منه نفي ما يضاده ويخالفه من النقائض فمنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد، ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه، يعني فيكون لا إله إلا الله أفضل، لأن التوحيد أفضل والتنزيه ينشأ عنه.
وقد جمع القرطبي بأن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل، أو أحب إلى الله تعالى فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم "أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت" الحديث، ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضها كفي، لأن حاصلها التعظيم والتنزيه، ومن عظمه فقد نزهه، وبالعكس.
قال الحافظ في الفتح: ويمكن الجمع بأن من مضمرة في قوله "أفضل الذكر لا إله إلا الله، وفي قوله: "إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله"، بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان، لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله، لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة، وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل لها الفضل تنصيصاً وانضماماً اهـ ملخصاً، وقال الطيبي: قال بعض المحققين: إنما جعل التهليل أفضل الذكر، لأن لها تأثيراً في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودة في الظاهر.
قال تعالى: ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) فيفيد نفي عموم الإِلهية بقوله " لا إله وإثبات الوحدانية بقوله إلا الله، ويعود الذكر من ظاهر اللسان إلى باطن الجنان، فيتمكن فيه ويستولي على جوارحه، ويجد حلاوة هذا من ذاق.
اهـ ( رواه الترمذي) بزيادة: وأفضل الدعاء الحمد لله ( وقال: حديث حسن) قال الحافظ في الفتح: ورواه النسائي، وصححه ابن حبان والحاكم.


رقم الحديث 1439 ( وعن عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة المازني ( رضي الله عنه) نزل حمص وروى عنه جرير بن عثمان، وحسان بن نوح، وعاش أربعاً وتسعين سنة، خرّج حديثه الستة ( أن رجلاً) لم يتعرض السيوطي في قوت المغتذي لتسميته، وجاء في حديث آخر له: أن أعرابياً سأل أي الأعمال أفضل؟ فقال: أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله اهـ وبه يعلم أنه من البادية ( قال: يا رسول الله إن شرائع الإِسلام) جمع شريعة بمعنى مشروعة أي: مشروعاته من واجب، أو مندوب التي شرعها الله لعباده من الأحكام ( قد كثرت علي) أي غلبتني حتى عجزت عنها لضعفي وقلة جهدي ( فأخبرني بشيء أتشبث) بفتح الفوقية والمعجمة والموحدة وبالثاء المثلثة، أي: أتعلق وأعتصم ( به) ليكون مغنياً لي عن النوافل التي كثرت علي فعجزت عن استقصائها، ثم الفعل يجوز فيه الرفع على أن الجملة صفة شيء، والجزم على أنها جواب شرط مقدر؛ لكونها في جواب الطلب ( قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) قال الطيبي: رطوبة اللسان عبارة عن سهولة جريانه، كما أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إن جريان اللسان حينئذ عبارة عن مداومة الذكر فكأنه قال: دوام الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى: ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) وقال العاقولي: بعد وجهاد يخلص منه في زمان يسير، لأن الصبر على مضاضة القتل ساعة واحدة، والصبر على مداومة الحضور مع الذكر طويل، وفي فتح الباري: الجمع بحمل حديث الباب ونحوه مما يدل على أن الذكر أفضل من سائر الأعمال على الذكر الكامل، وهو ما اجتمع فيه ذكر اللسان والقلب والتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، فالذي يحصل له ذلك أفضل من المجاهد للكفار من غير استحضار لذلك، وإن أفضلية الجهاد بالنسبة لذكر اللسان المجرد فمن اجتمع له كل ذلك بأن ذكر الله بقلبه ولسانه واستحضر عظمته تعالى في كل حال، وقاتل الكفار مثلاً فهو الذي بلغ الغاية القصوى والعلم عند الله اهـ.
وفي فتح الاله: يمكن الجمع بحمل الخيرية هنا على أنها من وجه، هو امتلاء القلب بالذكر المستلزم لدفع الشيطان، وطرده عن ساحة القلب الذي بطهارته وصلاحه يطهر ويصلح البدن كله، فالذكر لتأثيره فيه ما لا يؤثره الإِنفاق وبذل النفس يكون خيراً منهما من هذه الحيثية، وإن كانا أفضل منه من سائر الحيثيات غير ذلك، فاعتبار قيد الحيثية يدفع التنافي فتأمله.
وقول ابن عبد السلام في قواعده يعني السابق عنه جارٍ على الأخذ بظاهر الحديث، مع قطع النظر عن مقتضى كلام أئمة المذهب اهـ.
ملخصاً ( رواه الترمذي) ومالك وأحمد وابن ماجه، إلا أن مالكاً وقفه على أبي الدرداء أي: وذلك غير ضار، لأن مثله لا يقال رأياً فهو مرفوع حكماً، ولأن الأصح تقديم الرفع على الوقف ( قال الحاكم أبو عبد الله) صاحب المستدرك ( إسناده صحيح) .


رقم الحديث 1409 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأن أقول) اللام فيه مؤذنة بالقسم المقدر قبلها، لتأكيد ما بعدها عند السامع؛ لأن المقام يدعو للتأكيد لما ركز في الطباع من عظم الدنيا فيستبعد أن تفضلها هذه الكلمات ( سبحان الله) أي: تنزيه الله عما لا يليق به ( والحمد لله) أي: ثناءً عليه بنعوت الكمال ( ولا إله) أي: لا إله مستغن عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه ( إلا الله) بالرفع بدل من محل لا مع اسمها وهو الرفع بالابتداء عند سيبويه ( والله أكبر) من أن يوصف بما لا يليق ( احب إلي مما طلعت عليه الشمس) كناية عن الدنيا، وذلك لأن هذه الأعمال من أعمال الآخرة وهي الباقيات الصالحات، وثوابها لا يبيد وأجرها لا ينقطع، والدنيا بمعرض الفناء والزوال والتغير والانتقال، ومقتضى ما ذكرناه من التعليل أن كل واحدة منهن أحب إليه من الدنيا لدوامه وانقطاعها ولا يخالفه الحديث، لأن إثبات الأمر المتعدد لا ينافي ثبوته لكل من أفراده ( رواه مسلم) ورواه النسائي.