فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبةً محرَّمة بردِّها، والإِنكار عَلَى قائلها

رقم الحديث 1528 ( وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من رد عن عرض أخيه) أي: في الإيمان وهو المسلم، أي: بأن يمنع من يريد اغتياب المؤمن عنها، إما قبل الوقوع بالزجر والردع عنها، وإما بعده لرد ما قاله عليه.
وإن كان ذلك الإِنسان بخلافه كما يأتي فيما بعد ( رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) وذلك: لأنه رد مريد الغيبة عن عذابها لو فعلها، فجوزي بردها عنه في الآخرة ورد عن المغتاب ما يلقاه مما رمى به ممن اغتابه، فردها الله عنه ( رواه الترمذي وقال حديث حسن) ورواه البيهقي في السنن من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أيضاً بلفظ من رد عن عرض أخيه، كان له حجاباً من النار.
وفي الجامع الكبير للسيوطي بعد إيراده باللفظ الذي أورده المصنف رواه أحمد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة.
وباللفظ الثاني رواه عبد بن حميد بن زنجويه والروياني والخرائطي في مكارم الأخلاق والطبراني وابن النجار في عمل يوم وليلة، ورواه الطبراني والخرائطي من حديث أبي الدرداء بلفظ: "من رد عن عرض أخيه كان له حجاباً من النار" وفي رواية: "كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة" ورواه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة من حديث أم الدرداء بلفظ: "من رد عن عرض أخيه كان حقاً على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة".
ورواه ابن أبي الدنيا، من حديث أسماء بنت يزيد بلفظ: "من رد عن عرض أخيه بالغيبة، كان حقاً على الله أن يعتقه من النار" اهـ.


رقم الحديث 1529 ( وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل المشهور) أي: بين الناس، وليس مراده المشهور اصطلاحاً ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه ( الذي تقدم في باب الرجاء) بجملته ( قال قام النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي فقال) أي: للحاضرين حينئذ ( أين مالك بن الدخشم فقال رجل ذلك) أتي به إيماء إلى تحقيره وإبعاده عن ذلك المجلس السامي، كما أخبر عنه بقوله ( رجل) توطئة لقوله ( منافق) وقوله: ( لا يحب الله ولا رسوله) صفة بعد صفة، أو حال، أو استئناف ( فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تقل ذلك) نهي تحريم.
وجاء باسم الاشارة المذكور إيماء إلى فخامة ما أتي به وعظمه في الإِثم ( ألا تراه) بفتح الفوقية أي: تبصره حال كونه ( قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه) أي: ذات ( الله) جملة حالية من فاعل، قال ولعل القائل ما تقدم في مالك المخاطب بذلك كان من أكمل الصحابة أرباب القلوب، وصدر منه ما صدر من فلتات اللسان، فإن إرادة وجه الله بالشهادة، لا يطلع عليها إلا من أطلعه الله على بعض المغيبات، وكشف له عما في القلوب، ( وإن الله) بكسر الهمزة والواو للاستئناف ( قد حرم على النار) أي: المعدة لعذاب الكفار أو على سبيل الخلود المؤبد، فلا ينافي ما ثبت من تعذيب بعض عصاة المؤمنين بها ( من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فيه تنبيه على أن العمل الصالح، لا ينفع منه إلا ما أريد به وجه الله تعالى، وأداء عبوديته، والتقرب به إليه ( متفق عليه.
وعتبان بكسر العين)
أي: المهملة ( على المشهور) ومقابله ما حكاه بقوله ( وحكي ضمها وبعدها تاء مثناة من فوق) بالضم لقطعه عن الإِضافة لفظاً، والتاء ساكنة ( ثم باء موحدة والدخشم بضم الدال) أي: المهملة واستغنى عنه المصنف، بوصف ما بعده بالإِعجام في قوله: ( وإسكان الخاء وضم الشين المعجمتين) .


رقم الحديث 1530 ( وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته) عن تخلفه في غزوة تبوك ( وقد سبق) أي: بجملتّه ( في باب التوبة قال) أي: كعب ( قال - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في القوم بتبوك) يجوز صرفه ومنعه لما تقدم فيهما ( ما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بني سلمة) بفتح فكسر ( يا رسول الله حبسه برداه) بضم الموحدة ( والنظر في عطفيه) بكسر المهملة الأولى ( فقال له) أي: لذلك المغتاب ( معاذ بن جبل) رداً عن كعب ( بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً) جواب القسم، وجملة النداء، معترضة للاهتمام والاعتناء ( فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي: مقراً لإِنكار معاذ على من فعل غيبة، أو تلبس بها، بالمهملة والنون ( على تغيير المنكر ورد العاصي) بالمهملتين ( إلى الصواب) شرعاً وهو إزالة المنكر في الأول، والطاعات في الثاني ( فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر) من حاكم، أو قادر على ذلك الفاعل للمنكر، ومن نحو الأب، ولا يقول ذلك لمن لا يرجو قدرته على إزالتها، إذ لا فائدة فيه إلا إن كان متجاهراً، وقصد بإشاعة ذلك عنه زجره: ليرتدع وينزجر ( فلان يعمل كذا) أي: المنكر الذي يراد إزالته ( فازجره عنه ونحو ذلك) من العبارات المؤدية إلى زجره ( ويكون مقصوده) أي: من ذلك الكلام الممنوع، لولا السبب المذكور ( التوصل إلى إزالة المنكر فإن لم يقصد ذلك) سواء قصد شفاء نفسه منه: لإِشاعة َقبيح فعله: لكونه عدوه، أو لم يقصد شيئا ( كان حراماً) : لما تقدم من تقرير ما أبيح لحاجة يقدر بقدرها.
( الثالث الاستفتاء) أي: طلب الفتيا، أي: ذكر حكم الحادثة التي يكره فاعلها ذكرها عنه ( فيقول للمفتي ظلمني أبي أو أخي أو زوجي أو فلان بكذا) فهذه غيبة جوزت للاستفتاء المذكور بقوله ( فهل له ذلك وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي ودفع الظلم ونحو ذلك فهذا جائز للحاجة) أي: إلى الاستفتاء ( ولكن الأحوط) قال في المصباح: احتاط للشيء افتعال، وهو طلب الاحظ والأخذ بأوثق الوجوه.
وبعضهم يجعل الاحتياط من الياء، وحاط الحمار عانته، والأمم الحيط حوطاً، في باب قال إذا ضمها وجمعها، ومنه قولهم إفعل الأحوط، والمعنى إفعل ما هو أجمع لأصول الأحكام، وأبعد عن شوائب التأويل، وليس مأخوذاً من الاحتياط: لأن أفعل التفضيل لا ينى من خماسي ( والأفضل) أي: الأكثر ثواباً ( أن يقول) أي: المستفتى ( ما تقول) بالفوقية ( في رجل أو شخص أو زوج كان من أمره كذا فإنه يحصل به الغرض) أي: بيان حكم الحادثة ( من غير تعيين) : لأن الأحكام لا تتوقف عليه ( ومع ذلك) أي: الحصول ( فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى) وتعييبها لأبي سفيان وإقراره - صلى الله عليه وسلم - لها وعدم إنكاره ( الرابع تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك) أي: المذكور ( من وجوه منها جرح المجروحين من الرواة) للحديث ( والشهود) على القضايا ( وذلك جائز بإجماع المسلمين) : لما فيه من المصلحة والمنفعة ( بل واجب) : لما في الأول من صون الشريعة، والذب عنها، وفي الثاني من حفظ الحقوق، ولذا قال المصنف: ( للحاجة ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان) أي: تزويجه موليته ( أو مشاركته) في المعاملة ( أو إيداعه أو معاملته) بمبايعة أو غيرها ( أو غير ذلك) من أمور الأموال كالارتهان أو المساقاة ( أو مجاورته) أي: السكنى بجواره ( ويجب على المشاور) بصيغة المفعول ( ألا يخفى حاله) أي: حال المسئول عنه، بل ذكر أصحابنا وجوب ذكر ذلك، لأحد هذه الأسباب، وإن لم يسأل عنه بذلاً للنصيحة ( بل) إن لم يحصل المقصود، بنحو تركه أو لا يصلح لذلك ( يذكر المساوي) التي يندفع بها، فإن لم يندفع إلا بالجميع ذكر المساوي ( التي فيه بنية النصيحة) لا بقصد إيذائه وتنقيصه.
قال في المصباح المساءة نقيض المسرة، وأصلها مسواة على مفعلة بفتح الميم والعين.
لذا ترد الواو في الجمع فيقال المساوي، لكن استعمل الجمع مخففاً، وبدت مساويه، أي: نقائصه ومعايبه ( ومنها إذا رأى متفقهاً) بتشديد القاف أي: أخذ الفقه بالتدريج ( يتردد إلى مبتدع أو فاسق) يخفي ذلك ( يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك) أي: بأن يزيغ عن اعتقاد الحق بتزيين الأول: أو يقع في الفسوق بتسويل الثاني، وكل قرين بالمقارن يقتدي ( فعليه نصيحته ببيان حاله بشرط أن يقصد النصيحة) لإِشفاء نفسه من المقول فيه: لكونه عدواً مثلاً، كما قال المصنف ( وهذا مما) أي: من الأمر الذي ( يغلط) بالبناء للمفعول ( فيه ويحمل) أي: يبعث المتكلم ( بذلك) أي القدح فيه اعتقاداً أو عملاً ( الحسد) أي: تمني زوال نعمة ذلك المتكلم فيه ( يُلبس) بتشديد الموحدة أي: يخلط ( الشيطان عليه ذلك) فيوهمه ( ويخيل إليه أنه نصيحة) : ليتأتى بها وفي نفس الأمر، إنما الباعث الحسد، والداعي البغض ( فليتفطن لذلك) : لئلا يقع في الغيبة المحرمة بإيهامه أنها من الجائزة، ومن حذر سلم، ومن اغتر ندم ( ومنها أن يكون له ولاية) بكسر الواو ( لا يقوم بها على وجهها) وفصل القيام المنفي بقوله ( إما بأن لا يكون صالحاً لها) أي: غير متأهل لها، فتكون ولايته باطلة ( وأما بأن) يكون صالحاً لها لكن ( يكون فاسقاً) لا يقف عند حد ولايته، ويجاوز ذلك ( أو مغفلاً) بتشديد الفاء بصيغة المفعول من الغفلة، أي: ليست له فطنة، فقد تفوته مقاصد تلك الولاية، التي لا يقوم بها على وجهها، ونفس المخلّ بالقيام بولايته ( فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولي من يصلح) حال كونه غير صالح لها ( أو) لا ليعزله في الثانية، ولكن ( يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله) وينزله منزلته، فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - بإنزال الناس منازلهم ( ولا يغتر به) ولئلا يغتر المولى.
له بظاهر حاله، فيظن صلاحه وفطنته لأعمال ولايته ( وأن يسعى) أي: يجتهد وهو عطف على مدخول لام الجر في قوله ليزيله ( في أن يحثه) بضم المهملة وتشديد المثلثة أي: يحرضه ( على الاستقامة) المطلوبة في تلك الولاية ( أو يستبدل به) من يصلح لها، وللقيام بها ( الخامس أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته) أي: مظهراً لذلك ( كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس) قال في القاموس صادره على كذا: أخذه به ( وأخذ المكس) في القاموس مكس في البيع يمكس، إذا جبى مالاً والمكس النقص أو الظلم، ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية، أو درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة.
وفي المصباح مكس في البيع مكساً من باب ضرب، نقص الثمن والمكس الجباية، وهو مصدر من باب ضرب أيضاً، وفاعله مكاس ثم سمي المأخوذ مكساً، تسمية بالمصدر وقد غلب استعمال المكس، فيما يأخذه أعوان السلطان ظلماً، عند البيع والشراء قال الشاعر: وفي كل أسواق العراق أتاوة ... وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم ( وجباية) بكسر الجيم وبالموحدة والتحتية أي: جمع ( الأموال ظلماً) هو كالتفسير للمكس، على أحد الأقوال فيه، أو عطف عام على خاص، وظلماً حال أو مفعول له، وتولي الأمور الباطلة من الوظائف المبتدعة الحادثة ( فيجوز ذكره بما يجاهر به) ولا غيبة بذلك ( ويحرم ذكره بغيره من العيوب) التي يجاهر بها: لأن ما جاز لسبب يقدر بقدره ( إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
السادس التعريف إذا كان الإِنسان معروفاً بسبب كالأعمش)
وممن لقب به: سليمان بن مهران المحدث ( والأعرج) بالمهملة وبالجيم قال الحافظ في الألقاب: لقب به جماعة أشهرهم: عبد الرحمن بن هرمز، وشيخ أبي الزناد تابعي ( والأصم) قال الحافظ لقب به جماعة: منهم مالك بن حبان الكلبي، ومطرف صاحب مالك بن أنس الفقيه ( والأعمى) لقب ولم يذكر الحافظ أحداً ممن لقب به ( والأحول بالمهملة لقب به جماعة) عاصم بن سليمان التابعي ( وغيرهم) من أولي الألقاب التي يكره ظاهرها ( جاز تعريفهم بذلك) اللقب المعروفين به، وإن كانوا يكرهونه لحاجة التعريف ( ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص وإذا أمكن تعريفه) أي: صاحب اللقب ( بغير ذلك) اللقب المكروه ( كان أولى) : لحصول المقصود، مع السلامة من الغيبة، وإنما جاز مع ْحصوله بذلك: لأن داعيهَ التعريف في الجملة، مصلحة يفتقر لها بذلك، بشرط أن يقصده بإطلاقها ( فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه) وقد جمعها الشيخ كمال الدين بن أبي شرف في قوله: القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعرف ومحذر ومجاهر بالفسق ثمت سائل ... ومن استعان على إزالة منكر ونظمتها في قولي يباح اغتياب للفتى إن تجاهرا ... بفسقٍ وللتعريف أو للتظلم كذاك لتحذير ومن جاء سائلا ... كذا من أتى يبغي زوال المحرم ( ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة) عند الفقهاء ( فمن ذلك) .