فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الأمر بالمحافظة عَلَى السُّنَّة وآدابِها

رقم الحديث 166 ( الحادي عشر: عن أبي سعيد) وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو زياد ( عبد ابن مغفل) بضمالميم وفتح المعجمة وتشديد الفاء ابن عبد غنم، وقيل: ابن عبدنهمبن عفيفبن أسحمبن ربيعةبن عذار، وقيل: ابن عديبن ثعلبةبن ذؤيب، وقيل: زويدبن سعدبن عدابن عثمانبن عمروبن أدّبن طابخةبن إلياسبن مضربن نزال المزني البصري «ومزينة» امرأة عثمان بن عمرو ونسبوا إليها، وعبد الله ( رضي الله عنه) من أهل بيعة الرضوان، قال عبد الله: إني لممن رفع أغصان الشجرة عن رسول الله.
سكن المدينة ثم تحول إلى البصرة وكان أحد البكائين الذين نزل فيهم قوله تعالى: { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} ( التوبة: 92) الآية، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة وأربعون حديثاً، اتفقا على أربعة، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بآخر.
توفي بالبصرة سنة ستين، وقيل: سنة تسع وخمسين، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي لوصيته بذلك ( قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخذف) بفتح المعجمة الأولى وسكون الثانية وبالفاء: رمى الحصى بالسبابة والإبهام بأن يضعها على أحدهما ويرميها بالآخر وقال على سبيل الاستئناف لبيان سبب النهي ( إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ) بالهمزة: أي لا يقتل ( العدو) ولا يجرحه ( وإنه يفقأ) بالفاء والقاف والهمزة: أي يقلع ( العين) قال المصنف: قال القاضي: كذا رويناه.
قال: وفي بعض الروايات «ينكى» بفتح التحتية وكسر الكاف غير مهموز.
قال القاضي: وهو أوجه هنا لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه إلا على تجوّز وإنما هذه النكاية، يقال نكيت العدو وأنكيته نكاية ونكأت بالهمز لغة فيه، قال: فعلى هذه اللغة تتوجه رواية شيوخنا ( ويكسر السن) أي: إنه ضرر لا نفع فيه ( متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: أن قريباً لابن مغفل خذف فنهاه)
عنه ( وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف وقال: إنها لا تصيد صيداً) أي: الخذفة لا يحصل في الصيد كما لا يحصل منها مصلحة في الحرب ( ثم أعاد) القريب الخذف بعد سماع ذلك ( فقال: أحدثك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه ثم عدت تخذف) وتخالف السنة ( لا أكلمك أبداً) قال المصنف، فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم وأنه يجوز هجرانه دائماً، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام إنما هو فيمن هجر لحظ نفسه ومعايش الدنيا.
أما أهل البدع ونحوهم فهجرانهم دائم، وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له كحديث كعببن مالك السابق.


رقم الحديث 167 ( الثاني عشر: عن عابس) بموحدة مكسورة ثم مهملة ( ابن ربيعة) النخعي الكوفي ثقة مخضرم من كبار التابعين كذا في «التقريب» للحافظ ( قال: رأيت عمربن الخطاب رضي الله عنه يقبل الحجر الأسود ويقول: إني أعلم) في رواية أخرى للبخاري «أما وا إني لأعلم» ( أنك حجر لا تضرّ ولا تنفع) أي: إلا بإذنالله.
قال في «فتح الباري» : وقد روى الحاكم من حديث أبي سعيد «أن عمر لما قال هذا قال له عليّبن أبي طالب: إنه يضر وينفع، وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رقّ وألقمه الحجر» وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتي يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد» وفي إسناده راو ضعيف جداً.
وقد روي أن عمر رفع قوله ذلك إلى النبي أخرجه ابن عباس قال: «رأيت عمر قبَّل الحجر ثلاثاً ثم قال: إنك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك، ثم قال عمر: رأيت النبي فعل مثل ذلك» قال الطبراني: إنما فعل ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان ( ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك) في قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيه، وهي قاعدة عظيمة في اتباع النبي فيما يفعلهولو لم نعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر خاصية ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ( متفق عليه) زاد مسلم في رواية له «ولكن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بك حفياً» ولم يذكر «يقبلك» .
كذا في «تجريد الأصول» للبارزي.
باب في وجوب الانقياد أي: الاستسلام ظاهراً والرضا باطناً ( لحكم الله وما يقوله من دعى) بالبناء للمفعول ( إلى ذلك) أتى باسم الإشارة الموضوع للبعيد موضع الضمير تفخيماً لشأنه ( وأمر بمعروف أو نهى) بالبناء لذلك أيضاً ( عن منكر) .
( قال الله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} ) تقدم الكلام على ما يتعلق بمعناها في أول الباب قبله، وقد حكى السيوطي في «أسباب النزول» له خلافاً في سبب نزولها، فقيل في تخاصم الزبير والأنصاري في سراح الحرة: فأمر الزبير أن يسقي ثم يرسل الماء إلى جاره، فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك؟ الحديث.
قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلاّ نزلت في ذلك { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} .
أخرجهالأئمة الستة وقيل: في تخاصم الزبير وحاطببن أبي بلتعة في ماء، فقضى أن سقى الأعلى ثم الأسفل.
أخرجه ابن أبي حاتم.
وقيل: سببه اختصام رجلين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردّنا إلى عمر، فأتيا إليه فقال الرجل: قضى لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذا فقال ردنا إلى عمر، فقال أكذلك؟ قال: نعم، قال نعم: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضى بينكما، فخرج إليهما مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال ردّنا إلى عمر فقتله، فأنزل الله الآية.
قال السيوطي: أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي الأسود مرسلاً، وهو غريب في إسناده ابن لهيعة، وله شاهد أخرجه رحيم في «تفسيره» عن ضمرة اهـ ملخصاً.
( وقال تعالى: { إنما كان قول المؤمنين} ) أي: القول اللائق لهم ( { إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا} ) بالإجابة ( { وأولئك} ) حينئذٍ ( { هم المفلحون} ) الناجون ( وفيه من الأحاديث) النبوية ( حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور في أول الباب قبله) هو قوله: «دعوني ما تركتكم» الخ ( وغيره من الأحاديث فيه) أي: في معنى الحديث المذكور من طاعة الله ورسوله ظاهراً وباطناً.


رقم الحديث -15 أي ما جاء به من أقوال وأفعال وأحوال (وآدابها) تقدم معنى الآداب أول الكتاب، والأدب كالسنة في أصل الطلب إلا أنه دونها في التأكد، ذكره المصنف في «الروضة» .
(قال الله تعالى) : ( { وما آتاكم} ) أعطاكم ( { الرسول} ) من الفيء وغيره ( { فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} ) قال السيوطي في «الإكليل» : في الآية وجوب امتثال أوامره ونواهيه، قال العلماء: وكل ما ثبت عنه يصح أن يقال فيه إنه في القرآن أخذاً من هذه الآية: (وقال تعالى: { وما ينطق} ) بما يأتيكم به ( { عن الهوى} ) هوى نفسه ( { إن} ) ما ( { هو إلا وحي يوحى} ) إليه.
(وقال تعالى) : ( { قل} ) أي: للكافرين القائلين ما نعبد الأصنام إلا حباً ليقرّبونا إليه ( { إن كنتم تحبون افاتبعوني يحببكم ا} ) بمعنى أن يثيبكم ( { ويغفر لكم ذنوبكم} ) تقدم في باب المجاهد في حديث: «أعني على نفسك بكثرة السجود» أن محبة الله ملازمة لحبّ رسوله وبالعكس، وأنهما متوقفتان على اتباع الرسول.
(وقال تعالى) : ( { لقد كان لكم في رسول الله أسوة} ) بضم الهمزة وكسرها ( { حسنة} ) أي اقتداء به ( { لمن} ) بدل من لكم ( { كان يرجو ا} ) يخافه ( { واليوم الآخر} ) يوم القيامة، وتقدم وجه لتسميته بالآخر في حديث جبريل في الإسلام والإيمان والإحسان.
(وقال تعالى) : ( { فلا وربك} ) لا زائدة ( { لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر} ) اختلط ( { بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً} ) ضيقاً أو شكاً ( { مما قضيت} ) به ( { ويسلموا} ) ينقادوا لحكمك ( { تسليماً} ) من غير معارض، وسيأتي فيها مزيد في باب وجوب الانقياد لحكم الله تعالى.
(وقال تعالى) : { فإن تنازعتم} ) اختلفتم ( { في شيء فردوه إلى الله والرسول} .
(قال العلماء: معناه إلى الكتاب والسنة) لفّ ونشر مرتب، وكون المراد من قوله والرسوله سنته وهو بعد وفاته، أما في حياته فعلى ظاهر الآية كما في الجلالين وغيره.
(وقال تعالى) : { من يطع الرسول} ) فيما أمر به ( { فقد أطاع ا} ) لأن الله أمر بطاعته واتباعه.
(وقال تعالى) : { وإنك لتهدي} ) لتدعو بالوحي إليك ( { إلى صراط} ) طريق ( { مستقيم} ) دين الإسلام.
(وقال تعالى) : { فليحذر الذين يخالفون عن أمره} ) أي: الله فإن الأمر له في الحقيقة أو لارسول فإنه المقصود بالذكر، وعلى الوجه الثاني فيه مناسبة الآية للباب ( { أن تصيبهم فتنة} ) محنة في الدنيا ( { أو يصيبهم عذاب أليم} ) في الآخرة.
(وقال تعالى:) مخاطباً لأمهات المؤمنين ( { واذكرن ما يتلى في بيوتكم من آيات ا} ) القرآن ( { والحكمة} ) السنةـ (والآيات في الباب) أي: في باب المحافظة على السنة والاقتداء به واتباعه كثيرة.