فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر

رقم الحديث 194 ( الحادي عشر: عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي قال: أفضل الجهاد) من الفضل زيادة الثواب ( كلمة عدل) أي: حق ( عند سلطان) أي: ذي أمر ( جائر) سيأتي شرحه في الحديث بعده ( رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن) قال السيوطي في «الجامع الصغير» : ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني والبيهقي من حديث أبي أمامة وأحمد والترمذي والبيهقي في الشعب أيضاً عن طارقبن شهاب.


رقم الحديث 195 ( الثاني عشر: عن أبي عبد الله طارق) بمهملة أوله وبعد الألف راء مهملة بعدها قاف ( ابن شهاب) بكسر المعجمة أوله وآخره موحدة، ابن عبد شمس أو عبد الله ( البجلي) بفتحتيننسبة إلى بجيلة، وتقدم بيانها في ترجمة جرير البجلي في باب النهي عن البدع ( الأحمسي) بالمهملتين نسبة لأحمسبن الغوثبن أنماربن أرءاسبن عمروبن الغوثبن كهلان.
قال الحازمي: وإلى أحمس هذا ينسب جماعة من الصحابة والتابعين ( رضي الله عنه) أدرك الجاهلية وصحب النبي، وغزا في زمن أبي بكر وعمر ثلاثاً وثلاثين أو ثلاثاً وأربعين غزوة.
روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة، سكن الكوفة.
وتوفي سنة اثنتين وقيل: سنة ثلاث وثمانين.
روي له في أبي داود والنسائي أحاديث عن النبي عد منها الحافظ المزي في «الأطراف» خمسة، وسادساً رواه ابن مسعود عن النبي ( أن رجلاً سأل النبي وقد وضع رجله في الغرز) جملة حالية من مفعول سأل كما هو المتبادر ( أيّ الجهاد أفضل؟) أي: أكثر ثواباً ( قال كملة حق) وفي نسخة «كلمة عدل» أي: من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ردّ عن محترم من نفس أو مال أو نحو ذلك ( عند سلطان جائر) وإنما كان أفضل الجهاد لأنه يدل على كمال يقين فاعله وقوة إيمانه وشدة إيقانه حيث تكلم بتلك الكلمة عند ذلك الأمير الجائر المهلك عادة بجوره وظلمه ولم يخف منه ولا من جوره وبطشه، بل باع نفسه من الله وقدم أمر الله وحقه على حق نفسه، وهذا بخلاف المجاهد للقرن فإنه ليس في المخاطرة كمخاطرة من تكلم بكلمة حق عند سلطان جائر ( رواه النسائي) في البيعة والمنشط ( بإسناد صحيح) رواه عن إسحاقبن منصور عن ابن مهدي عن سفيان عن علقمةبن مرثد عنه به قاله المزي في «الأطراف» ( الغرز) المذكور في الحديث ( بغين معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي وهو) لغة ( ركاب كور الجمل) أي: محل الركوب من الكور.
في «الصحاح» : الكور بالضم الرحل بأداته جمعه أكوار وكيران ( إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختص بجلد وخشب) بل هو الكور مطلقاً مثل الركاب للسرج.


رقم الحديث 196 ( الثالث عشر: عن) عبد الله ( بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن أول ما دخل النقص) ما مصدرية: أي: أول دخوله ( على بني إسرائيل) في دينهم ( أنه) أي: الشأن ( كان الرجل يلقى الرجل) الفاعل معصية ( فيقول) معطوف على يلقى ( يا هذا اتق ا) أي: اجعل امتثال أمره واجتناب نهيه وقاية لك من عذابه ( ودع) اترك ( ما تصنع) من المعاصي ( فإنه) أي: ما تصنعه ( لا يحل لك) لكونه من المحرمات ( ثم يلقاه من الغد وهو على حاله) في المعصية ( فلا يمنعه ذلك) أي: وجدان صاحبه ملازماً على المحرمات التي نهى عنها من ( أن يكون أكيله) أي: مواكله ( وشريبه) أي: مشاربه ( وقعيده) أي: مقاعده: أي لا يمنعه ملازمة صاحب لما نهاه الله عنه وحرمه عليه من مصاحبته ومداخلته ومباسطته وهو مأمور بمهاجرته حينئذٍ وترك ولائه إلا أن خاف محذوراً فيداريه ولا يباسطه ويداخله ( فلما فعلوا ذلك) المذكور، وأتى فيه باسم الإشارة الموضوع للبعيد تفخيماً لما أتوا به وتشيعاً له، أو لأن اللفظ لما لم يبق زمانين صار كالبعيد فأشير إليه بما يشار به إلى البعيد ( ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال) مستدلاً على عموم اللعنة لجميعهم بقوله تعالى: { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسىبن مريم} قال أبو حيان في «النهر» : قال ابن عباس: لعنوا بكل لسان على عهد موسى في التوراة وعلى عهد داود في الزبور وعلى عهد عيسى في الإنجيل ولعن مبنى للمفعول حذف فاعله فيجوز أن يكون الفاعل غيره تعالى كالأنبياء، والمراد باللسان الجارحة لا اللغة أي الناطق بلعنتهم هو لسان داود وعيسى ( ذلك) أي: اللعن كائن ( بما عصوا) أي: بسبب عصيانهم، وذكر هذا على سبيل التوكيد، وإلا فقد فهم سبب اللعنة بإسنادها إلى من تعلق بهذا الوصف الدالّ على العلية وهو { الذين كفروا} تقول كما رجم الزاني، فتعلم أن سبب رجمه الزنى، كذلك اللعن سببه الكفر، ولكن أكد بذكره ثانياً في قوله: { بما عصوا} أو ما مصدرية أي بعصيانهم( { وكانوا يعتدون} ) يجوز أن يكون معطوفاً على عصوا فيكون داخلاً في صلة «ما» أي: بعصيانهم وكونهم معتدين ويجوز أن يكون إخباراً من الله تعالى أن شأنهم الاعتداء ( { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} ) ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك: أي: لا ينهي بعضهم بعضاً، وذلك أنهم جمعوا بين فعل المنكر والتجاهر به وعدم النهي عنه والمعصية إذا فعلت وقدّرت على العبد ينبغي أن يسترها، فإذا فعلت جهرة وتواطئوا على عدم إنكارها أو ما في معناها مما ذكر عن بني إسرائيل في الخير كان ذلك تحريضاً على فعلها وسبباً مثيراً لإفشائها ( { لبئس ما كانوا يفعلون} ) تعجب من سوء فعالهم مؤكد باللام.
قال في «الكشاف» : يا حسرة على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المنكر وقلة عنايتهم به، كأنه ليس من خلة الإسلام مع ما يتلون من كتاب الله تعالى وما فيه من المبالغات في هذا الباب ( ترى) بصرية ويحتمل أن تكون قلبية ( { كثيراً منهم} ) أي: بني إسرائيل ( { يتولون الذين كفروا} ) قيل: المراد به كعببن الأشرف وأصحابه الذين استجاشوا المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( { لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} ) أي: لبئس سبباً قدموه ليردوا عليه يوم القيامة ( { أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون} ) هو المخصوص بالذم، والمعنى موجب سخط الله والخلود في العذاب أو علة الذم، والمخصوص محذوف: أي: لبئس شيئاً ذلك لأن كسبهم السخط والخلود كذا في البيضاوي تبعاً «للكشاف» .
وتعقبه في الإعراب الأول في «النهر» بأنه لا يأتي على مذهب سيبويه من أن «ما» معرفة تامة بمعنى الشيء فعليه فالجملة بعد صفة للمخصوص المحذوف والتقدير: ولبئس الشيء شيئاً قدمت لهم أنفسهم فيكون على هذا «أن سخط» في موضع رفع على البدل من المخصوص المحذوف أو على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي: هو أن سخط ( { ولو كانوا يؤمنون با والنبي} ) يعني نبيهم.
وإن كانت الآية في المنافقين فالمراد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ( { وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} ) إذ الإيمان الصحيح يمنع ذلك ( { ولكن كثيراً منهم} ) من ذلك الكثير ( { فاسقون} ) خارجون عن دينهم أو تمردوا في النفاق: أي: وقليل منهم قد آمن ( ثم قال) : ( كلا) حقا ( وا لتأمرنّ) بضم الراء ( بالمعروف) شرعاً ( ولتنهونّ) بفتح الهاء وضم واو الجمع الفاعل ( عن المنكر) شرعاً ( ولتأخذنّ) بضم الذالدليلاً على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين ( على يد الظالم) بمنعه باليد من الظلم، وإن عجزتم فباللسان ( ولتأطرنه) بكسر الطاء وضم الراء: أي: لتردنه ( على الحق) أداء وأخذاً ( أطرا) بفتح الهمزة وأصل الأطر العطف.
قال في «النهاية» : ومن غريب ما يحكى فيه عن نفطويه أنه قال بالظاء المعجمة من باب ظأر، ومنه الظئر المرضعة، وجعل الكلمة مقلوبة فقدم الهمزة على الظاء ( ولتقصرنه على الحق) أداء وأخذاً ( قصراً) أي: لتحبسنه عليه حبساً وتمنعنه من مجاوزته: أي: ليكونن منكم ما ذكر ( أو ليضربنّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم) فأو لأحد الأمرين: أي: ليكونن منكم ما أمرتم به، أو ليكونن منكم ما حذرتم منه عند عدم فعل ذلك ( رواه أبو داود) في «الملاحم» ( والترمذي) في «التفسير» وابن ماجه في «الفتن» ( وقال) أي: الترمذي ( حديث حسن هذا) اللفظ المذكور ( لفظ) رواية ( أبي داود) فالإضافة إليه للملابسة ( ولفظ) رواية ( الترمذي) من حديث ابن مسعود ( فقال) أي: ابن مسعود ( قال رسول الله: لما) وجودية ( وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم) عنها ( فلم ينتهوا) عنها فكان على العلماء هجرهم وبغضهم فيه فلم يفعلوا ذلك بل حالفوهم كما قال ( فجالسوهم في مجالسهم وآكلوهم بالمد وشاربوهم) أي: جلسوا معهم وأكلوا وشربوا ( فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم) أبعدهم ( على لسان داود) بن إيشا ( وعيسىبن مريم ذلك) المذكور من اللعنة وضرب القلوب بعضها ببعض ( بما عصوا وكانوا يعتدون) تقدم نظيره وظاهر جريانه هنا وظاهر أنه على تقدير كون «وكانوا» خارجاً عن صلة «ما» فيكون من كلام النبي لبيان أن الاعتداء وصفهم وشأنهم ( فجلس رسول الله) تعظيماً للأمر الصادر منهم وتنبيهاً على فخامة شأنه ليتوجه إليه السامع ( وكان متكئاً) يحتمل أن يكون على تكاة وأن يكون على مرفقه والجملة حالية بتقدير قد ( فقال لا) أي: لا يكفي مجرد النهي باللسان مع القدرة على المنع باليد والقصر على الحق ( والذينفسي بيده) أي: بقدرته ( حتى تأطروهم) أي: العصاة ( على الحق أطراً.
قوله تأطروهم)
بالهمز وكسر الطاء المهملة ( أي: تعطفوهم) وأصل: الأطر العطف ( ولتقصرنه) بضم الصاد المهملة ( أي لتحبسنه) والقصر: الحبس ومنه قوله تعالى: { حور مقصورات في الخيام} ( الرحمن: 72) .


رقم الحديث 197 ( الرابع عشر: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس) بضم السين إتباعاً للفظ: أي بتشديد الياء وهي وصلة لنداء ما فيه أل والناس اسم جنس وهو من ألفاظ العموم إذا حلى بأل كما هنا ( إنكم تقرءون هذه الآية) ثم بينها بقوله: ( { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم} ) أي: وتتوهمون منها أن الإنسان إذا فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه في نفسه ورأى غيره بضد ذلك فلم يأمره ولم ينهه لا حرج عليه وليس كذلك، وفي رواية زيادة «وتضعونها على غير موضعها» ( وإني سمعت رسول الله) كذا في النسخ بالواو وفي «المصابيح» : «فإني» بالفاء، قال العاقولي: الفاء فيه فصيحة تدل على محذوف كأنه قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتجزون على عمومها وليس كذلك، فإني سمعت رسول الله ( يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم) يفعل الظلم ومنه المعصية ( فلم يأخذوا على يديه) بأن يمنعوه من ذلك باليد إن قدروا وإلا فباللسان، فإن عجزوا بأن خافوا على نفس محرمة أو مال أو أن يقع المنكر عليه في منكر أشد مما أراد فعله فلا حرج عليهم؛ فقوله: ( أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) يقع على الظالم لظلمه وعلى غيره لإقراره عليه وقد قدر على منعه، أما المعذور فلا يتناوله بفضل اهذا المحذور { لا يكلف الله نفساً إلاوسعها} ( البقرة: 44) والجملة خبر إن، والآية على هذا البيان عامة شاملة جميع الناس فيجب العمل بذلك.
قال العاقولي: والقول الصحيح أن الآية ليست مخالفة لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ المعنى: لا يضركم تقصير غيركم بعد سماع ذلك منكم فقد أديتم الواجب عليكم اهـ ( رواه أبو داود) في «الملاحم» ( والترمذي) في «الفتن» ( والنسائي) في «التفسير» وابن ماجه في «الفتن» ( بأسانيد صحيحة) قال المزي: رواه أبو داود عن وهببن منبه عن خالد الطحان وعن عمروبن عوف عن هشيم كلاهما عن إسماعيلبن أبي خالد الطحان عن قيسبن أبي حازم عن الصديق، ورواه الترمذي في «الفتن» عن أحمدبن منيع ومحمدبن بشار فرفعهما كلاهما عن يزيدبن هارون عن إسماعيل نحوه وقال: هكذا روى غير واحد نحو حديث يزيد، ورفعه بعضهم ووقفه بعضهم، وأعاد حديث ابن منيع في «التفسير» عن عقبةبن عبد الله عن ابن المبارك وابن ماجه في «الفتن» عن أبي بكر ابن أبي شيبة عن عبد ابن نمير وأبي أسامة ثلاثتهم عن إسماعيل نحوه اهـ.
فمدار سند الحديث عند الثلاثة الذين ذكرهم المصنف على إسماعيل فإسناد الحديث واحد، ولعل قول المصنف الأسانيد بالنسبة لأصحاب الكتب الثلاثة إلى إسماعيل، والله أعلم.
24

رقم الحديث -24 حسنه، وهذا الشطر من الترجمة تقدمت الترجمة في معناه بباب الدلالة على الخير ( والنهي عن المنكر) ضد المعروف كترك واجبٍ أو فعل حرامٍ صغيرةً كان أو كبيرةً.
( قال الله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} ) كل ما يرغب فيه من الأفعال الحسنة وقيل: كناية عن الإسلام وتقدم الكلام على ما يتعلق بها في باب الدلالة على الخير والدعاء إليه ويزاد على ذلك.
قال الخازن «من» في قوله: { منكم} للبيان لا للتبعيض، لأن الله أوجب ذلك على كل الأمة في قوله له: { كنتم خير أمة} وعلى هذا فمعنى الآية: كونوا أمة دعاةً إلى الخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، ومن قال بهذا القول يقول: إن الأمر والنهي المذكورين فرض كفاية إذا قام بها واحد سقط عن الباقين.
وقيل من للتبعيض لأن في الأمة من لا يقدر على ذلك لعجز أو ضعف فحسن إدخال لفظة من، وقيل: إنهما يختصان بأهل العلم وولاة الأمر فعليه فالمعنى: ليكن بعضكم آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ( { وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} ) أي: الناجون الفائزون نجوا من النار وفازوا بالجنة، والمفلح: الظافر بالمطلوب الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه.
( وقال تعالى: { كنتم} ) يا أمة محمد في علم الله ( { خير أمة أخرجت للناس} ) وبين وجه شرفها على الأمم الماضين بقوله: ( تأمرون بالمعروف وتنون عن المنكر) فمن تحقق فيه هذا الوصف فهو من أفضل الأمة.
( وقال تعالى: { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ) تقدم الكلام فيها في قصة عينيةبن حصن مع عمر رضي الله عنه في أواخر باب الصبر، وسيأتي فيها مزيد إن شاء الله تعالى في باب توقير العلماء في قصة الحر نفسها ذكرها المصنف ثانياً ثمة.
( وقال تعالى: { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} ) قال السلمي في «الحقائق» : أي: أنصار يتعاونون على العبادة ويتبادرون إليها، وكل واحد منهم يشد ظهر صاحبه ويعينه على سبيل نجاته: ألا ترى النبيّ يقول: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا» وقال: «المؤمنون كالجسد الواحد» وقال أبو بكر الوراق: المؤمن يوالي المؤمن طبعاً وسخية اهـ.
وقال الخازن: لما كان نفاق الأتباع وكفرهم حصل بتقليد المتبوعين به وبمقتضى الطبيعة قال فيهم «بعضم من بعض» ولما كانت الموافقة الحاصلة بين المؤمنين بتسديد الله وتوفيقه لا بمقتضى الطبيعة وهوى النفس وصفهم بأن بعضهم أولياء بعض ( { يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ) ضد وصف المنافقين، والجملة محتملة للحالية والوصفية لأن أل في الموضعين للجنس ومحتملة لكونها خبراً بعد خبر.
( وقال تعالى) : ( { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} ) قال في الخازن: قال أكثر المفسرين: هم أصحاب السبت لما اعتدوا واصطادوا في السبت فقال داود: اللهم العنهم واجعلهم قردة فمسخوا كذلك، وقصتهم في سورة الأعراف ( { وعيسى ابن مريم} ) قال: وهم كفار أصحاب المائدة لما أكلوا وادخروا ولم يؤمنوا قال: اللهم العنهم واجعلهم خنازير فمسخوا كذلك.
وقيل: إن داود وعيسى بشراً بمحمد ولعنا من يكفر به ( { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ) أي: اللعن بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثم فسر الاعتداء بقوله: ( { كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} ) أي: لا ينهي بعضهم بعضاً عن المنكر، وقيل: عن معاودة منكر فعلوه ولا عن الإصرار فيه ( لبئس ما كانوا يفعلون) اللام فيه لام القسم: أي: أقسم لبئس ما كانوا يفعلون، يعني من ارتكاب المعاصي والعدوان.
( وقال تعالى) : ( { وقل الحق من ربكم} ) الحق ما يكون من جهة الله تعالى إلا ما يقتضيه الهوى، ويجوز أن يكون الحق خبر مبتدأ محذوف ومن ربكم حال أو صفة ( { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} ) أي: لا أبالي بإيمان من آمن وكفر من كفر.
وفي «الحقائق» للسلمي قال ابن عطاء الله: أظهر الحق للخلق سبيل الحق وطريق الحقيقة، فمن سألك فيه بالتوفيق ومعرض عنه بالخذلان.
فمن شاء الحق له الهداية هداه لطريق الإيمان، ومن شاء له الإضلال سلك به مسلك الكفر والضلال البعيد.
( وقال تعالى) : ( { فاصدع} ) أي: اجهر ( { بما تؤمر} ) .
( وقال تعالى) ( { أنجينا} ) كذا في نسخة مصححة منه بزيادة الفاء في أوله والتلاوة بحذفها، ورأيتها مكشوطة من أصل فلا أدري ذلك من المصنف أو من التعرض للأصول بتغييرها، وقد وقع مثل ذلك في «صحيح البخاري» وحق مثله أن يقال فيه كذا وصوابه أو والتلاوة كذا و { أنجينا الذين} جواب لما من قوله: { لما نسوا ما ذكروا به أنجينا} ( { الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا} ) بالاعتداء ( { بعذاب بئيس} ) شديد فعيل من بؤس يبؤس: إذا اشتد وفيه قراءة أخرى ( { بما كانوا يفسقون} ) بسبب فسقهم ( والآيات في الباب) أي: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( كثيرة معلومة) .