فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب ملاطفة اليتيم والبنات وسائر الضَّعَفة والمساكين والمنكسرين والإِحسان إليهم والشفقة عليهم والتواضع معهم وخفض الجناح لهم

رقم الحديث 270 ( وعن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء مهملة ( خويلد) بضم المعجمة وفتح الواو وسكون التحتية آخره دال مهملة ( ابن عمرو) بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترس بن عمرو بن مازن بن عمرو بن ربيعة ( الخزاعي) نسبة إلى خزاعة قبيلة، وما ذكره من أن اسمه ( رضي الله عنه) خويلد هو قول الأكثر وقيل اسمه كعب بن عمرو، وقيل عبد الرحمن بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل هانىء نزل المدينة وأسلم قبل الفتح، وتوفى بالمدينة سنة ثمان وستين كما قاله ابن سعد، وأخرج ابن الأثير في الكنى من «أسد الغابة» عن المقدام بن شريح بن هانىءعن أبيه قال: قدم هانىء على رسول الله في وفد بني الحارث بن كعب وكان يكنى أبا الحكم فقال: كانوا إذا كان بينهم شيء حكموني فرضوا لحكمي فكنوني أبا الحكم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيّ ولدك أكبر؟ فقلت: شريح؟ فقال: أنت أبو شريح.
قيل إن النبي دعا له ولولده وهو والد شريح بن هانىء صاحب علي بن أبي طالب يعد في أهل الكوفة، وما ذكر من أنه خزاعي هو أحد ما قيل فيه.
قيل كعبيّ، وقيل عدوي قال المصنف في «التهذيب» : كان يوم فتح مكة حاملاً أحد ألوية بني كعب، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرون حديثاً، اتفقا على حديثين منها، وانفرد البخاري بحديث واحد اهـ.
( قال قال رسول الله: اللهم) أصله كما تقدم يا أعلى الصحيح وهو قول البصريين، فحذف حرف النداء وعوض عنه الميم المشددة في الآخر، ولذا لا يجمع بينهما إلا ضرورة نحو: أقول يا اللهم يا اللهما ( إني أحرّج) بتشديد الراء تفعيل من الحرج: وهو الإثم والصيغة للمبالغة ( حق الضعيفين) أي ما يستحقانه بملك أو غيره كاختصاص ولذا عبر به دون مال وليشمل سائر الحقوق المالية وغيرها ( اليتيم) هو من بني آدم من لا أب له وهو دون البلوغ كما مرّ قريباً ( والمرأة) بوزن التمرة، وتقدم أنها لغة، وإنما حرّج حقهما وبالغ في المنع منه لأنهما لا جاه لهما يلتجئان إليه ويحاجّ عنهما سوى المولى سبحانه وتعالى/ فالمتعرض لهما كالمخفر في عهده فهو حقيق بأنواع الوبال، وهذا بخلاف الكامل من الرجال فإن الغالب منهم من يعتمد على قوته أو قوة من يركن إليه ويعول في أمره عليه من مخلوق ذي أمر صورى، ومن اعتزّ بغير الله ذلّ ( حديث حسن) هو مشارك للصحيح في اعتبار اتصال السند وعدالة الرواة وضبطهم وانتفاء الشذوذ والعلة القادحة كما تقدم أواخر شرح خطبة الكتاب، إلا أن المعتبر من هذه الأوصاف في الصحيح أعلاها، وفي الحسن مسماها، وهذا من المصنف بناء على ما مشى عليه هو والمتأخرون من إمكان التصحيح والتضعيف والتحسين من الأئمة المتأخرين وخالف فيه ابن الصلاح ( رواه النسائي بإسناد جيد) أراد من الإسناد الرواة وتارة يسمون ذلك بالسند ويطلقون الإسناد على رفع الحديث لقائله فلذا قال السيوطي: والسند الإخبار عن طريق متن والإسناد لذي فريق.
قال السيوطي في شرح ألفيته في علم الأثر نقلاً عن الحافظ ابن حجر.
قال بعد نقله الكلام عن ابن الصلاح: هذا يدل على أن ابن الصلاح يرى التسوية بين الجيد والصحيح.
وكذا قال البلقيني في محاسن الاصطلاح بعد أن نقل ذلك ومن ذلك يعلم أن الجودة يعبر بها عن الصحة، وكذا قال غيره لا مغايرة بين جيد وصحيح عندهم إلا أن الجيد منهم لا يعدلعن صحيح إلى جيد إلا لنكتة، كأن يرتقي الحديث عنده عن الحسن لذاته ويتردد في بلوغه الصحيح.
فالوصف به أنزل من الوصف بصحيح اهـ.
( ومعنى أحرج ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيع حقهما) فالتفعيل فيه للنسبة نحو فسقت زيداً: أي نسبته إليه وقوله ضيع حقهما يقتضي أنه لو ضاع بسكونه وكان لا مانع به من الكلام شرعاً دخل في الحرج وقوله: ( وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجر عنه زجراً أكيداً) ليس مدلول قوله أحرّج وإنما أخذه المصنف من دلالة السياق عليه وأكيد بمعنى متأكد.


رقم الحديث 271 ( وعن مصعب) بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح المهملة بعدها موحدة ( ابن سعد ابن أبي وقاص) بتشديد القاف وآخره صاد مهملة: وهو مالك بن وهيب ويقال أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن كعب بن لؤي القرشي الزهري التابعي المدني سمع أباه وعلي بن أبي طالب وابن عمر، روى عنه مجاهد وأبو إسحاق السبيعي وآخرون واتفقوا على توثيقه.
قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، توفي سنة مائة وثلاث ( قال: رأى) أي ظن وهي رواية النسائي كما في «فتح الباري» ( سعد) يعني أباه ( أن له فضلاً على من دونه) زاد النسائي من أصحاب رسول الله: أي بسبب شجاعته أو نحو ذلك ( فقال: النبي: هل تنصرون وترزقون) ببنائهما للمفعول ( إلا بضعفائكم؟) جمع ضعيف ويجمع على ضعاف أيضاً، وفي رواية النسائي «إنما نصر هذه الأمة بضعفتهم بدعواتهم وصلاتهم وإخلاصهم» وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد والنسائي بلفظ: «إنما تنصرون وترزقون بضعفاكم» قال ابن بطال: تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء وأكثر خشوعاً في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا.
وقال المهلب: أراد بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة.
وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال: «قال سعد: يا رسول الله أرأيت رجلاً يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟ فذكر الحديث، وعلى هذا فالمرادبالفضل الزيادة من الغنيمة، فأعلمه أن سهام المقاتلة سواء، فإن كان القويّ يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه ( رواه البخاري) في كتاب الجهاد ( هكذا) من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن أبيه عن مصعب ( مرسلاً) لعدم إدراك مصعب لزمن القصة كما قال ( فإن مصعب بن سعد تابعي) فحذف منه الصحابي ( ورواه الحافظ أبو بكر) أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب ( البرقاني) بفتح الموحدة والقاف بينهما راء ساكنة وبعد الألف نون نسبة إلى برقان: قرية بنواحي خوارزم كذا في «اللباب» للسيوطي، زاد الأصبهاني: وفي «لب اللباب» له البرقاني نسبة إلى قرية من قرى كانت بنواحي خوارزم خربت، والمشهور منها الإمام أبو بكر أحمد بن محمد البرقاني الخوارزمي الفقيه المحدث الأديب الصالح ( في صحيحه متصلاً عن مصعب عن أبيه) وكذا هو عند النسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه ظن أن له فضلاً الحديث.
قال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف على الأطراف» بعد أن بين اختلاف الرواة في ذكر لفظة «عن أبيه» وحذفها في طريق محمد بن طلحة أيضاً ما لفظه: قال الدارقطني: المحفوظ عن محمد بن طلحة مرسل كما عند البخاري، قال: ولم يسمع محمد بن طلحة من أبيه، والصواب رواية مسعر، يعني التي أخرجها النسائي، قال: وتابعه زبيد وليث على وصله اهـ.


رقم الحديث 272 ( وعن أبي الدرداء) بفتح الدالين المهملتين وسكون الراء بينهما وبالمد كنيته ( عويمر) بالمهملة تصغير عامر، وقيل إن اسمه مكبراً، ابن قيس بن زيد بن أمية بن مالك بن عامر بن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث الأنصاري ( رضي الله عنه) قال ابن قدامة في كتاب «أنساب الأنصار» : وقيل في نسبه غير هذا، تأخر إسلامه قليلاً، شهد ما بعد أحد من المشاهد، واختلف في شهوده أحداً، وكان فقيهاً عاقلاً حكيماً عالماً آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين سلمة كما تقدم في باب الاقتصاد من حديث أبي جحيفة بذلك عند البخاري.
روى عن النبي أنه قال: «عويمر حكيم أمتي» وعن أبي ذر قال: «ما حملت» ورقاء ولا أظلت خضراء أعلم منك يا أبا الدرداء» وعن خالد بن معدان قال: كان ابن المبارك يقول: حدثونا عن العالمين العاملين: معاذ، وأبي الدرداء.
وله حكم مشهورةتوفي في خلافة عثمان سنة نيف وثلاثين، وقبره في مقبرة الشهداء يزار.
قال المصنف روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وتسعة وسبعون حديثاً اتفقا على حديثين منها وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثمانية اهـ.
وقال المصنف في «التهذيب» روى عنه جماعة الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وخلائق من التابعين اهـ.
( قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ابغوني) بكسر همزة الوصل لأنه من فعل ثلاثي مكسور العين: أي اطلبوا لي ( الضعفاء) يعني صعاليك المسلمين أستعين بهم فإذا قلت: أبغني بهمزة القطع فمعناه أعني على الطلب.
وقال الحافظ: ابغني بالوصل من الثلاثي أي اطلب لي، يقال بغيتك الشيء: طلبته لك، وبالقطع: أي أعني والأول المراد بالحديث اهـ.
والحاصل أنه إن كان من الثلاثي فهمزته للوصل مكسورة والمراد به مطلق الطلب، وإن كان من الرباعي فهمزته للقطع والمراد به طلب الإعانة: أي أعينوني على طلب الضعفاء.
قال السيوطي: هو بإسقاط حرف الجرّ عند أبي داود والنسائي، وعند أحمد والطبراني «ابغوني ضعفاءكم» وعن الترمذي «ابغوني في ضعفائكم» قال صاحب «الفتح الكبير» لمعلق «الجامع الصغير» : وطلبهم ليكتبهم في ديوان المجاهدين ويستعين بهم.
ولحضورهم فوائد أشار إليها بقوله: ( فإنما ترزقون) بالبناء للمفعول وحذف المفعول الثاني المتعدى إليه لتضمنه معنى إعطاء للتعميم: أي ترزقون المطر والفيء وغيرهما مما تنتفعون به ( وتنصرون) على أعدائكم ( بضعفائكم) أي ببركة وجود صعاليك المسلمين فيكم ودعائهم لكم ( رواه أبو داود) في كتاب الجهاد ( بإسناد جيد) أي مقبول كما تقدم قريباً/ رواه الترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم في «المستدرك» وفي أحاديث الباب والانقطاع إلى الله سبحانه وإعانة الفقراء وإغاثة المنقطعين وعدم رؤية النفس وفضلها على أحد من العاملين والحذر من التعرض لإيذاء أحد من الضعفاء والمساكين الذين لا جار لهم ولا كهف سوى ربّ العالمين.. 34

رقم الحديث -34 هو صغير لا أب له.
قال ابن السكيت: اليتيم في الناس من قبل الأب وفي البهائم من قبل الأم.
قال ابن خالويه: وفي الطير بفقدهما لأنهما يحضنانه ويرزقانه.
قال شيخ الإسلام زكريا في «شرح التنقيح» بعد نقله وتعليله: لا يأتي في جميع الطيور اهـ.
( والبنات) أي بنات الإنسان نفسه ومثلهن فيما ذكر بنات غيره والتنصيص عليهن لأن بعض الناس يضجر منهن ويقسو عليهن والبنات جمع مؤنث سالم واحده بنت والتاء التي في المفرد حذفت كالتاء التي في مسلمة فهي غير التي في مسلمات فلذا نصب بالكسرة قال تعالى: { أصطفى البنات} ( الصافات: 153) ( وسائر الضعفة) من العبيد والإماء ( والمساكين) أي المحتاجين فالمراد منه ما يشمل الفقراء قال الشافعي رضي الله عنه: الفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
ثم المسكين مفعيل من الكسون.
قال القرطبي: وكأنه من قلة سكنت حركاته، قال تعالى: { أو مسكيناً ذا متربة} ( البلد: 16) أي لاصقاً بالتراب ( والمنكسرين) أي لطارق حل بهم ( والإحسان إليهم) ببذل الندى أو دفع الأذى أو كلمة طيبة: كأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو دعاء لهم قال تعالى: { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} ( البقرة: 195) ( والشفقة) أي الحنوّ ( عليهم) والرحمة لهم، قال تعالى في وصف نبيه: { وكان بالمؤمنين رحيماً} ( الأحزاب: 43) وعلامة ذلك النصح لهم وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه من وجوه الخير ( والتواضع) قال الجنيد: هو خفض الجناح ولين الجانب ( معهم وخفض الجناح لهم) هو عطف تفسيري إن عطف على التواضع وإن عطف على الملاطفة فمن عطف الخاص على العام، وخفض الجناح كناية عن التواضع قاله أبو حيان في «النهر» .
( قال الله تعالى) مخاطباً لنبيه ومحرضاً له على مكارم الأخلاق ومحاسنها ( { واخفض جناحك للمؤمنين} ) أي لين جانبك لم، مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحطّ.
( وقال الله تعالى: { واصبر نفسك} ) أي احبسها ( { مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} ) أي يعبدونه في سائر الأوقات فهما كناية عن الزمان الدائم ولا يراد بهما خصوص زمانهما، أو خص الزمان بالذكر لغلبة الشغل فيهما.
فإذا لم يغفلوا فيهما مع ذلك فأن لا يغفلوا في غيرهما أولى ( { يريدون وجهه} ) أي ذاته جملة في محل الحال من فاعل يدعون ( { ولا تعد عيناك عنهم} ) أي لا تجاوزهم ناظراً إلى غيرهم من ذوي الهيئات من رؤساء قريش ( { تريد زينة الحياة الدنيا} ) جملة في محل الحال من الضمير المجرور وجاز مجيئها منه لأن المضاف بعضه، وتقدم بيان سبب نزول الآية وبعض ما يتعلق بها في الباب السابق وسيأتي فيها فوائد في حديث سعد.
( وقال تعالى: { فأما اليتيم فلا تقهر} ) قال أبو حيان: أي لا تحقره وكأنه تفسير باللازم إذ يلزم منها قهره على ماله وغيره.
قال البيضاوي: أي لا تغلبه على ماله لضعفه.
وقرىء: «فلا تكهر» أي لا تعبس في وجهه ( { وأما السائل} ) ظاهره المستعطي ( { فلا تنهر} ) أي لا تزجره لكن أعطه أورده رداً جميلاً.
( وقال تعالى: { أرأيت} ) استفهام معناه التعجب كذا قال البيضاوي، وقال أبو حيان: الظاهر أن أرأيت هنا بمعنى أخبرني فيتعدى لمفعولين أحدهما الذي والآخر محذوف: أي أليس مستحقاً للعذاب اهـ.
( { الذي يكذب بالدين} ) بالجزاء أو الإسلام والذي يحتمل الجنس والعهد، ويؤيد الثاني قوله: ( { فذلك الذي يدع اليتيم} ) أي يدفعه دفعاً عنيفاً وهو أبو جهل كان وصياً ليتيم فجاءه عرياناً يسأله من مال نفسه فدفعه.
أو أبو سفيان نحر جزوراً فسأله يتيم لحماً فقرعه بعصاه أو الوليد بن المغيرة أو منافق بخيل وقرىء يدع أو يتركه ( { ولا يحض} ) أهله وغيرهم ( { على طعام المسكين} ) أي لا يفعل ذلك بنفسه ولا يحرض عليه غيره لعدم اعتقاده بالجزاء وفي إضافة الإطعام إلى المسكين دليل على أنه مستحقه.
ولما ذكر أولاً عموم الكفر وهو التكذيب ذكر ما يترتب عليه من الإيذاء والمنع من النفع وذلك بالنسبة إلى الخلق، ثم ذكر ما يترتب عليه من الخالق بقوله: { فويل للمصلين} إلى آخر السورة.