فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب بر الوالدين وصلة الأرحام

رقم الحديث 322 ( وعنه عن النبيّ قال: ليس الواصل) أي الكامل الوصل ( بالمكافىء) وقال الطيبي: أي ليست حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته الذي يكافىء صاحبه بمثل فعله ويعطيه نظير ما أعطاه.
قلت: وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر موقوفاً: «ليس الواصل أن تصل من وصلك، ولكن الواصل أن تصل من قطعك» ( ولكن) قال الطيبي: الرواية فيه بالتشديد ويجوز التخفيف ( الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها) أي الذي إذا منع أعطى ( رواه البخاري) وأحمد وأبو داود والنسائي كلهم من حديث ابن عمر كما في الجامع الصغير( وقطعت بفتح القاف والطاء) والعين المهملتين ( ورحمه مرفوع) على الفاعلية.
قال العلقمي: ضبط هكذا في أكثر الروايات، وفي بعضها بالبناء للمجهول.
قال السيوطي في شرح الترمذي: المراد بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة، بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعاً بإعراضه عن ذلك، وهو من قبيل «ليس الشديد بالصرعة» و «ليس الغنيّ عن كثرة العرض» اهـ.
وتعقبه العلقمي بأنه لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع.
فهم ثلاث درجات: مواصل ومكافىء وقاطع: فالواصل من يبدأ بالفضل، والمكافىء من لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ، والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل.
وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ فواصل فإن جازى فمكافىء وإلا فقاطع اهـ.


رقم الحديث 323 ( وعن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ قال: الرحم) بفتح الراء وكسر الحاء المهملة ( معلقة بالعرش) الظاهر الحقيقية، ويحتمل أن المعنى أنها لائذة بربّ العرش كما تقدم حديث بذلك في الباب ( تقول) استئناف بياني ( من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه ا) قال المصنف قال عياض: الرحم التي توصل وتقطع معنى من المعاني ليست بجسم إنما هي قرابة ونسب، فيكون ذكر قيامها وتعلقها ضرب مثل وحسن استعارة على عادة العرب في استعمال ذلك والمراد تعظيم شأنها وفضيلة وصلها وعظيم إثم قطعها.
قال ويجوز أن يكون المراد قيام ملك من الملائكة يتعلق بالعرش ويتكلم على لسانها بأمر الله تعالى ( متفق عليه) اقتصر في «الجامع الصغير» على عزوه لمسلم.


رقم الحديث 324 ( وعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث) الهلالية ( رضي الله عنها أنه أعتقت وليدة) أي أمة.
قال في المصباح: الوليد الصبيّ المولود والجمع ولدان بالكسر والصبية والأمة وليدة والجمع ولائد اهـ.
( ولم تستأذن النبيّ) فيؤخذ منه صحة تصرف الزوجة مطلقاً بغير إذن زوجها خلافاً للإمام مالك حيث منعه فيما زاد على الثلث إلا بإذنه ( فلما كان يومها) بالرفع وكان تامة ( الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت) بفتح العين من باب قتل كما في المصباح أي أعلمت ( يا رسول الله أني أعتقت وليدة) كأن التنكير فيه لتحقيرها وتصغير شأنها من حيث إنها من عملها، وفي نسخة وليدتي بالإضافة للياء ( قال: أو فعلت) أي أعتقتها وفعلت فالواو وعاطفة على مقدر بعد الهمزة، هذا ما مشى عليه في مواضع كثيرة من «الكشاف» و «البيضاوي» ، فالاستفهام داخل على المتعاطفين، وجعل ابن مالك الهمزة مقدمة من تأخير وأن العاطف كان داخلاً عليها، وأن الأصل أو فعلت فصدرت الهمزة لصدارتها، وتقدم التنبيه على هذا في باب تغليظ عقوبة من أمر بمعروف وخالف قوله فعله ( قالت نعم، قال أما) بتخفيف الميم أداة استفتاح ( إنك لو أعطيتها) بكسر التاء ( أخوالك) أي قرابتك من جهة الأم، قال المصنف: كذا وقعت هذه اللفظة في مسلم باللام، ووقعت في رواية الأصيلي أخواتك بالتاء، قال القاضي: ولعله أصح بدليل رواية الموطأ أعطيتها أختك.
> قلت: الجميع صحيح ولا تعارض ولعله قال ذلك كله ( كان أعظم لأجرك) لما فيه من الصدقة مع صلة الرحم، قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: فيه أن هبة ذي الرحم أفضل من العتق، ويؤيده ما رواه الترمذي والنسائي وأحمد وصححه، وابن حبان من حديث سلمان بن عامر الضبي مرفوعاً «الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة» لكن لا يلزم من ذلك أن تكون هبة ذي الرحم أفضل مطلقاً لاحتمال أن يكون المسكين محتاجاً ونفعه متعدياً والآخر بالعكس، وقد وقع في رواية النسائي المذكورة «فقال: أفلا فديت بها بنت أخيك من رعاية الغنم» فتبين وجه الأولوية المذكورة وهو احتياج القريب إلى الخدمة، وليس في الحديث حجة على أن الصلة أفضل من العتق لأنها واقعة عين، فالحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما قدرته اهـ ( متفق عليه) .


رقم الحديث 325 ( وعن أسماء) بالمهملة والألف الممدودة ( بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) اسم أمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية قاله ابن ماكولا وغيره، قالوا: ويقال أيضاً قتيلة بقاف ثم فوقية ثم تحتية مصغراً.
قال في فتح الباري: وقول الداودي اسمها أم بكر: قال ابن التين: لعله أراد كنيتها بنت عبد العزّى، ضبطه في «تاريخ دمشق» بخط الحافظ أبي محمد وعلَّم عليه صورة «راء» وفي مواضع بالزاي كما هنا.
ابن سعد بن نضر بن مالك بن حسل بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية بن عامر بن لؤي بن غالب، وكانت أسماء أسن من عائشة وهي أختها لأبيها، وكان عبد الله ابن أبي بكر شقيقها، سماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات النطاقين لأنها صنعت للنبيّ ولأبيها سفرة لما هاجرا، فلم تجد ما تشدها به فشقت نطاقها وشدت به السفرة فسماها النبيّ ذات النطاقين.
هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بعد الهجرة، فكان أوّل مولود من المهاجرين ولد في الإسلام بعد الهجرة.
قال عروة: بلغت أسماء مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر من عقلها شيء، روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قيل ستة وخمسون حديثاً.
قلت: وذكر ابن الجوزي في «مختصر التلقيح» أن لها ثمانية وخمسين حديثاً، قال: ولها في الصحيحين اثنان وعشرون حديثاً، اتفقا على ثلاثة عشر منها، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بأربعة اهـ، روى عنها عبد الله بن عباس وابناها عبد الله وعروة وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم، توفيت بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، ولم تبق بعد إنزاله من الخشبة إلا ليالي يسيرة، قيل ثلاث وقيل عشر وقيل عشرون وقيل بضع وعشرون.
وفي «تاريخ دمشق» عن ابن أبي الزناد: كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر سنين، وعن الحافظ أبي نعيم قال: ولدت أسماء قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، وكان لأبيها أبي بكر حين ولدت له إحدى وعشرون سنة.
وفي «تاريخ دمشق» أنها شهدت غزوة اليرموك مع زوجها الزبير، وفيه عن خليفة بن خياط أنها ولدت للزبير عبد الله وعروة وعاصماً والمنذر والمهاجر وخديجة وأم حسن وعائشة.
وفي «طبقات» ابن سعد بإسناد الصحيحين عن فاطمة بنت المنذر «أن أسماء كانت تمرض المرضة فتعتق كل مملوك لها» وفيها عن الواقدي: كان ابن المسيب من أعبر الناس للرؤيا أخذه عن أسماء وأخذته عن أبيها.
وفي «تاريخ دمشق» عن مصعب بنالزبير قال: «فرض عمر رضي الله عنه الأعطية، ففرض لأسماء ألف درهم» وفي رواية «ففرض للمهاجرين ألفاً ألفاً منهن أم عبد وأسماء» اهـ من «التهذيب» للمصنف ملخصاً ( قالت: قدمت) بكسر الدال المهملة ( عليّ) أي من مكة إلى المدينة ( أمي) وتقدم ذكر اسمها ونسبها في ترجمة بنتها أسماء آنفا ( وهي مشركة) قال المصنف في التهذيب: وذكر ابن الأثير اختلاف العلماء والروايات في إسلامها، وأكثر الروايات أنها لم تسلم، ومثله في شرح مسلم ( في عهد رسول الله) أي معاهدته مع المشركين وتأمينه لهم في الحديبية كما في الحديث الآتي في كلام الحافظ وغيره، وأرادت ما بين الحديبية والفتح.
وقد جاء عن ابن سعد وأبي داود الطيالسي «أنها قدمت على ابنتها بهدايا زبيب وسمن وقرط، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، فأرسلت إلى عائشة: سلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لتدخلها» الحديث ( فاستفتيت رسول الله) هذا مجمل بينته بقولها ( قلت: قدمت عليّ أمي) زاد بعض رواية الحديث «مع أبيها» وهو كذلك في البخاري في الجزية والأدب.
قال الحافظ: واسم أبيها الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمرو بن مخزوم ولم أرد له ذكراً في الصحابة وكأنه مات مشركاً اهـ.
وما ذكره في نسب أمها مخالف لما تقدم عن «التهذيب» للمصنف في ترجمة أسماء ( وهي راغبة) جملة حالية: أي راغبة عن الإسلام وكارهة له، وقيل معناه: طامعة فيما أعطيها حريصة عليه، وفي رواية أبي ذرّ «قدمت عليّ أمي راغبة في عهد قريش وهي راغمة مشركة» فالأوّل بالباء: أي طالبة صلتي، والثاني بالميم: أي كارهة للإسلام ساخطته، وفي «فتح الباري» : نقل المستغفري أن بعضهم أوله فقال: وهي راغبة في الإسلام، فذكرها لذلك في الصحابة.
ورده أبو موسى بأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على إسلامها ( أفاصل أمي) أي أتصدق عليها فأصلها مع كفرها ولا يكون ذلك من موادة الكفار وموالاتهم ( قال: نعم) وهو كاف عن قوله ( صلي أمك) وأتى به تأكيداً واهتماماً، زاد البخاري في «الأدب» : «فأنزل الله عزّ وجل فيها { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} ( الممتحنة: 8) » قال الحافظ في «الفتح» : روى ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين جانباً للمسلمين وأحسن أخلاقاً.
قال الحافظ: قلت ولا منافاة بينهما، فإن السبب خاص واللفظ عام، فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء اهـ.
وفي الحديث جواز صلة القريب المشرك ( متفق عليه) ورواه البخاري في الهبة والجزية والأدب، ومسلم في الزكاةوأبو داود فيها أيضاً كذا لخص من «الأطراف» للمزي ( وقولها) أي أسماء واصفة لأمها ( راغبة) بالغين المعجمة والموحدة ( أي طامعة فيما عندي تسألني شيئاً) من الإحسان ( قيل كانت أمها من النسب، وقيل من الرضاعة، والصحيح الأوّل) حكاية هذا الخلاف هنا مما فات شراح مسلم التنبيه عليه.
قال الحافظ في «الفتح» : أخرج ابن سعد وأبو دادو الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير قال: «قدمت قتيلة، بالقاف والمثناة مصغرة، بنت عبد العزّى بن سعد بن نضر بن مالك بن حسل، بكسر الحاء وسكون السين المهملتين، على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة، وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية، بهدايا زبيب وسمن قرط، فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها، وأسسلت إلى عائشة سلى لي رسول الله، فقال لتدخلها» الحديث، وعرف منه تسمية أم أسماء وأنها أمها حقيقة، ومن قال إنها أمها من الرضاعة فقد وهم، وأما قول الداودي إن اسمها أم بكر فقد قال ابن التين: لعله كنيتها كما تقدم.


رقم الحديث 326 ( وعن زينب الثقفية) بمثلثة وقاف مفتوحتين وفاء مكسورة منسوبة إلى ثقيف بوزن رغيف ( امرأة) بهمزة وصل، ويقال مرأة بحذفها، ويقال مرة بنقل حركة الهمزة إلى الراء: زوجة ( عبد الله بن مسعود) الهذلي ( رضي الله عنه وعنها) عدل عن قوله عنهما مع أنه أخصر لما يوهمه من عوده لابن مسعود وأبيه لكونهما أقرب مذكور، وفي تقديمه عليها مع تأخر ذكره إشارة إلى شرف الذكورية ومجدها.
قال المصنف في «التهذيب» : اختلف في اسم امرأة ابن مسعود فقال جماعة: اسمها زينب، ولعله قول الأكثرين، وهي زينب بنت عبد الله ابن معاوية الثقفي؟، وقيل اسمها رايطة وقيل ريطة بنت عبد اهكذا ذكر هذه الأقوال جماعة من العلماء منهم الخطيب البغدادي في المبهمات، وجعل ابن سعد في «الطبقات» زينب ورايطة امرأتين لابن مسعود.
قلت: وبعض أهل اللغة ينكر وجود رايطة في كلام العرب.
وذكر أبو عمر الزاهد في آخر شرح الفيح عن ابن الأعرابي قال: يقال ريطة لا غير ولم يحك عن العرب رايطة: وأفصح اللغات عائشة، وقد يقال عيشة لغة فصيحة اهـ ملخصاً.
قلت: قال الحافظ في «الفتح» : زينب الثقفية يقال لها رايطة أيضاً، وقعذلك في صحيح ابن حبان، ويقال هما اثنتان عند الأكثر وممن جزم به ابن سعد.
قال الكلاباذى: رايطة هي المعروفة بزينب، وبه جزم الطحاوي فقال: رايطة هي زينب لا نعلم لعبد الله امرأة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيرها، روي لها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية أحاديث منها في الصحيحين حديثان، اتفقا على أحدهما وهو حديث الباب، وانفرد مسلم بحديث آخر، كذا في «مختصر التلقيح» ( قالت: قال رسول الله: تصدقن) أمر لجماعة النسوة كما قال ( يا معشر النساء) أي جماعة النساء، ومقتضى قول المصباح المعشر، والقوم، والرهط، والنفر لجماعة الرجال دون النساء اهـ.
استعمل في غير موضوعه وكأنه لأنهن لما أمرن بالتصدق وإنما يبعث عليه الإيقان الذي هو وصف كمل الرجال كما قال: والصدقة برهان، خوطبن بذلك، ثم رأيت في «التحفة» للشيخ زكريا: المعشر كل جماعة أمرهم واحد، وفيه رد على ثعلب حيث خصه بالرجال، إلا إن أراد بالتخصيص حالة الإطلاق لا حالة تقييده ( ولو من حليكن) قلت: يحتمل أن يكون مفرداً فيكون بفتح المهملة وسكون اللام، وأن يكون جمعاً فيكون بضم المهملة وكسر اللام وتشديد الياء وأصله على وزن فعول كفلس وفلوس فأعل كما في «المصباح» : وفي «المشارق» للقاضي عياض «تصدقن ولو من حليكن» وهو ما تتحلى به المرأة وتتزين به، يقال بفتح الحاء وسكون اللام وبضم الحاء وكسرها وكسر اللام، وقد قرىء بهما جميعاً اهـ.
واختصره صاحب «المطالع» ولم أقف على من ضبط الرواية فيه، وفي «فتح الإله» : كأن وجه جعله غاية أن النساء لا يسمحن بالتفريط فيه إلا لمهم انحصر الخلاص فيه كأنه يقول: الصدقة أمر مهم جداً، فكما تسمحن بإخراج حليكن في الأمر المهم عند فقد غيره فاسمحن بإخراجه فيها إذا لم تجدن غيره ( قالت: فرجعت) بتاء المتكلم، ويحتمل أن يكون بتاء التأنيث فيكون فيه التفات على طريق السكاكي ( إلى عبد الله بن مسعود، فقلت: إنك رجل خفيف ذات) زائدة للتأكيد ( اليد) أي قليل المال، ولم تقله تعييراً له ولا استخفافاً بحقه، بل توطئة لقولها ( وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بالصدقة) أي أمر ندب بدليل الحلي فإنه لا زكاة فيه، نعم جاء أنه كان زكوياً ثم نسخت منه، فإن كان قبله فيحتمل كونه أمر إيجاب، وعلى كل فالامتثال مطلوب، ولا يشكل على الوجه الثاني صرفه لأولادها لأنه يجوز للمزي صرف زكاته إلى أولاده الذين تلزمه نفقتهم، وكذا أصوله كذلك ( فأته فاسأله) هل يجزىء عني التصدق عليك وعلى أولادي فأصرفها عليكم أولاً؟ وأفاد هذا قولها عاطفة بالفاء المفيدة لتفصيل المسؤول ( فإن كان ذلك يجزىء) أي يسقطالفرض ( عني) إن قلنا إنها زكاة، أو يجزىء في الوقاية من النار لحصول الصدقة المأمور بها إن قلنا إنها تطوع، أشار إليه الحافظ في «الفتح» ، وجواب الشرط محذوف لدلالة المقام عليه: أي دفعتها لكم ( وإلا صرفتها إلى غيركم) قالت ( فقال عبد الله: بل ائتيه أنت) لعل ذلك منه استحياء أو بيان أنها الأولى بالسؤال لأنه أمر يتعلق بها ( فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار) قال الحافظ في «الفتح» : أخرج النسائي عن ابن مسعود قال: «انطلقت امرأة عبد الله: يعني ابن مسعود، وزينب امرأة أبي مسعود: يعني عقبة بن عمرو الأنصارية» قلت: لم يذكر ابن سعد لأبي مسعود امرأة أنصارية سوى هذيلة بنت ثابت بن ثعلبة الأنصارية فلعل لها اسمين، أو وهم من سماها زينب انتقالاً من اسم امرأة عبد الله إلى اسمها اهـ.
وإذا للمفاجأة، والمفاجأة حضور الشيء معك في وصف من أوصافه الفعلية كخرجت فإذا الأسد بالباب، معناه حضور الأسد معك في زمان أو مكان وصفك بالخروج، وتقدير المكان أولى لأنه الذي يخصك فهو ألصق بك من الزمان، وكلما كان ألصق كانت المفاجأة فيه أقوى.
قال ابن مالك: هي حرف، وقال المبرد وغيره: هي ظرف مكان، وقال الزمخشري كالزجاج: ظرف زمان وناصبها فاجأه، وردّ أن ناصبها الخبر المذكور أو المقدر ولم تذكر في القرآن إلا وخبر المبتدأ بعدها مذكوراً ( بباب رسول الله) أي واقفة به ( حاجتها حاجتي) من التعبير البليغ ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ألقيت عليه المهابة) بفتح الميم مصدر ميمي: أي الهيبة وهي الإجلال وكان فيه للاستمرار: أي إنه مهاب موقر مع ما كان عليه من عظيم حسن الخلق وبديع التواضع حتى كان أصحابه في مجلسه يعتريهم من ذلك ما يصيرون به خاضعين خافضين رؤوسهم كأن على رؤوسهم الطير ( فخرج علينا بلال فقلنا له: ائت رسول الله) لا ينافي ذلك أنه لم يكن له حاجب ولا بواب، لأن بلالاً لم يكن موقفاً لذلك، وإنما صادف وقوفهما وجوده عند النبيّ، فأخرجه إليهما ليسألهما عن حاجتهما ( فأخبره بأن) الباء زائدة في المفعول الثاني للتأكيد ( امرأتين) واقفتان ( بالباب يسألانك أيجزىء) بضم الياء والهمزة من الإجزاء بمعنى الإسقاط، وبفتح الياء وترك الهمزة آخرهبمعنى يكفي ( الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما) أي ولايتهما وتربيتهما ( ولا تخبره) أي إذا لم يسألك عنا ( من نحن) أي فإننا نستحيي من ذلك ( قالت: فدخل بلال على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال له رسول الله: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد ا) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض، وفيه حذف، ولفظ مسلم الذي ساق المصنف الحديث بلفظه «فسأله فقال له رسول الله: من هما؟ قال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال له رسول الله: أي الزيانب؟ فقال: امرأة عبد ا» ولفظ البخاري «فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله هذه زينب فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود» ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها) كذا فيما رأيت بإفراد الضمير وكأنه لتعيينها وحكم صاحبتها معلوم من ذكر حكمها لأن المادة واحدة، والذي في مسلم لهما بضمير التثنية.
وحاصل الجواب أن ذلك يجزىء عنهما، ولهما عليه ( أجران: أجر القرابة) في الأولاد: أي أجر صلة الرحم التي تكفل الله لمن وصلها بأن يصله بما لا يقدر غيره سبحانه قدره ( وأجر الصدقة) فيهم وفي الزوج.
وفي الحديث تغليب، فإن ابن مسعود كان زوجاً فقط، وفي الحديث «إن أحق الناس بصرف صدقة التطوّع والزكاة والنذر والكفارة والوقف والوصية وسائر وجوه البرّ الأقارب» وبه أخذ أئمتنا ( متفق عليه) واللفظ لمسلم أخرجاه في الزكاة وأخرجه النسائي في عشرة النساء وابن ماجه في الزكاة.


رقم الحديث 327 ( وعن أبي سفيان) بتثليث سينه المهملة والضم أشهر ( صخر) بفتح المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها راء ( ابن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها موحدة ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي ( رضي الله عنه) وسبقت ترجمته والكلام على حديث في باب الصدق ( في حديثه الطويل) المذكور في «صحيح البخاري» في كتاب بدءالوحي، وفي «صحيح مسلم» في أثناء كتاب الجهاد ( في قصة هرقل) بمنع الصرف للعلمية والعجمة ( أن هرقل قال لأبي سفيان: فماذا) أي فما الذي ( يأمركم به، يعني) أي هرقل بمرجع الضمير المستتر في أمركم ( النبيّ) وهذه الجملة من كلام المصنف احتاج إلها، لأنه ذكر هذه القطعة المشتملة على ضمير لم يصرح بذكر مرجعه في باقي الخبر ( قال: قلت يقول اعبدوا الله وحده) أي وحدوه ( ولا تشركوا به شيئاً) بيان للتوحيد المأمور به وتنكير شيء للعمم، فيشمل الشرك الأكبر وهو الكفر، والأصغر وهو الرياء، فالعبادة الكاملة ما قصد بها لتقرّب لوجه الله سبحانه وتعالى دون ما سواه مطلقاً ( واتركوا ما يقول آباؤكم) من الكفر ( ويأمرنا) من عطف الرديف باعتبار المعنى: إذ التوحيد وترك الكفر من جملة ما أمر به النبيّ، وكأنه خالف بين العبارتين تفنناً ولاختلاف نوعهما إذ مدخول القول هو الأصول وما بعد الأمر هو الأخلاق المبنية عليها الملاحظة بعد ما تقدمها ( بالصلاة والصدق) في الأقوال والأفعال ( والعفاف) عن المحارم ( والصلة) للأرحام ( متفق عليه) .


رقم الحديث 328 ( وعن أبي ذرّ) جندب بن جنادة وسبقت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب المراقبة، ( قال: قال رسول الله) هو من الإخبار بالمغيبات، فهو من جملة الإعجاز، وقد وقع كما أخبر به النبيّ والحمد ( إنكم ستفتحون) السين لتأكيد الوعد، قال البيضاوي: لن يفعل نفي سيفعل، وما يفعل نفي يفعل اهـ.
وفي «المغني» : زعم الزمخشري أنها: أي السين إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة ولم أر من فهم وجه ذلك، ووجهه أنها تفيد الوعد بحصول الفعل فدخولها على ما يفيد الوعد والوعيد مقتض للتوكيد اهـ.
( أرضاً يذكر) بالبناء للمجهول ( فيها القيراط) قال في المصباح: أصله قراطلكنه أبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف كما في دينار ونحوه، ولهذا يرد في الجمع والتصغير إلى أصله فيقال قراريط وقريرط.
قال بعض الحسَّاب: القيراط في لغة اليونان حبة خرنوب، وهو نصف دانق، والدانق عندهم اثنا عشر حبة، والحسَّاب يقسمون الأشياء أربعة وعشرين قيراطاً لأنه أول عدد له ربع وثمن ونصف وثلث صحيحات من غير كسر اهـ.
وقال المصنف: قال العلماء: القيراط جزء من الدينار والدرهم وغيرهما، وكان أهل مصر يكثرون من استعماله والتكلم به ( وفي رواية) هي لمسلم أيضاً ( ستفتحون مصر) بمنع الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار إرادة البقعة؛ سميت باسم أول من سكنها وهو مصر بن بنصر بن سام بن نوح.
وحدّها طولاً من برقة التي في جنوب البحر الرومي إلى أيلة، ومسافة ذلك قريب من أربعين يوماً، وعرضاً من مدينة أسوان وما سامتها من الصعيد الأعلى إلى رشيد وما حاذاها من مساقط النيل في البحر الرومي، ومسافة ذلك قريب من ثلاثين يوماً ( وهي أرض يسمى) أي يذكر كثيراً ( فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً) يحتمل أن تكون معطوفة على جملة ستفتحون بناء على جواز عطف الإنشاء على الخبر، ويحتمل الاستئناف وتنكير خيراً للتعميم والتكثير ( فإن) الفاء فيه للسببية: أي بسبب أن ( لهم ذمة) أي ذماماً: أي حقاً وحرمة ( ورحماً) .
( وفي رواية فإذا) أتى بها لأنها تستعمل في المحقق وقوعه بخلاف إن الشرطية ( افتتحتموها فأحسنوا إلى أهلها) بأنواع الإحسان كما يؤذن به حذف المعمول، ويومىء إليه قوله في الرواية السابقة خيراً ( فإن لهم ذمة ورحماً، أو قال ذمة وصهراً.
رواه مسلم)
في الفضائل، أو قال: يعني النبيّ، وهو شك من الراوي ( ذمة وصهراً) بدل قوله «ورحماً» قال في «المصباح» : قال الخليل: الصهر أهل بيت المرأة، قال: ومن العرب من يجعل الأحماء والأختان جميعاً أصهاراً.
وقال الأزهري: الصهر يشتمل على قرابات النساء ذوي المحارم وذوات الأرحام، ومن كان من قبل الزوج من ذوي قرابة المحارم فهم أصهار المرأة أيضاً.
وقال ابن السكيت: كل من كان من قبل الزوج من أبيه وأخيه وعمه فالأحماء، ومن كان من قبل المرأة فالأختان، ويجمع الصنفين الأصهار.
اهـ ملخصاً.
( قال العلماء: الرحم التي لهم) أي في الحديث ( كون هاجر) بفتح الجيم وتبدل الهاء همزة وهو ممنوع الصرف للعلمية والعجمة، أو والتأنيث المعنوي ( أم إسماعيل) بن إبراهيم ( صلى الله عليه) وعليه ( وسلم منهم) أي من مصر، لأنها أعطاها الجبار لسارة امرأة إبراهيمعلي السلام لما منعته يد القدرة عنها فأعطتها سارة إبراهيم فحملت منه إسماعيل ( والصهر كون مارية أم إبراهيم ابن) سيدنا وسيد الخلق أجمعين ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم) لأن المقوقس صاحب مصر لما كاتبه النبيّ يدعوه إلى الإسلام لم يسلم، وأرسل بهدية إلى النبيّ منها مارية وسيرين فحملت مارية بإبراهيم، وأعطى سيرين لحسان بن ثابت الأنصاري.
وهذا التفسير عزاه هنا للعلماء لعدم الخلاف فيه ولم يعزه إلى أحد في شرح مسلم لأن المتفق عليه لا يحتاج إلى العزو، والله أعلم.


رقم الحديث 329 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية) المبينة بقوله: ( وأنذر عشيرتك الأقربين) أي قرابتك الأدنين ( دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً) هم ولد النضر بن كنانة على الصحيح ( فاجتمعوا فعم) أي دعاهم بما يعمهم ( وخص) أي خصيص بعضاً بالنداء وبين كيفية التعميم والتخصيص بقوله: ( فقال: يا بني كعب بن لؤي) بحذف تنوين كعب لفظاً وألف ابن خطاً، ومثله كان ابن وقع بين علمين ما لم يقع في ابتداء سطر ( أنقذوا أنفسكم) أي خلصوها ( من النار) المترتبة على الكفر والعصيان بالإيمان با تعالى وطاعته وأداء عبوديته ( يا بني عبد مناف) بكسر دال عبد لأنه مركب إضافي ومناف محول عن منات اسم لصنم.
قال السهيلي في «الروض الأنف» : كانت أمه قد أخدمته منات وكان صنماً عظيماً لهم وكان يسمى عبد منات، ثم نظر قصيّ فرآه يوافق عبد مناف بن كنانة فحوله عبد مناف.
ذكره البرقي والزبير ( انقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم) لقب به لهشمه الثريد لقومه، واسمه عمرو ( أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب) قاله المطلب جدالإمام الشافعي لما جاء به من المدينة مردفاً له على راحلته وعليه ثياب بذلة، فكان إذا سئل عنه يقول عبدي، حتى ألبسه قال ابن أخي، فغلب عليه ذلك، واسمه كما قال السهيلي شيبة ( أنقذوا أنفسكم من النار) وهذا آخر ما عمم فيه وقال مخصصاً ( يا فاطمة) بالضم، قال المصنف: كذا وقع في بعض الأصول وفي بعضها أو أكثرها يا فاطم بحذف الهاء على الترخيم وعليه فيجوز ضم الميم وفتحها كما عرف في نظائره: أي من الانتظار وعدمه ( أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً) قال المصنف: معناه لا تتكلوا على قرابتي فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم ( غير) استثناء منقطع، وترادفها في هذا المعنى والاستعمال بيد، ومنه حديث «نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا» والمعنى هنا لكن حصل ( أن لكم رحماً سأبلها ببلالها.
رواه مسلم)
في كتاب الإيمان والنسائي في الوصايا، وذكر الحافظ في «النكت الظراف» أن البخاري أخرجه عقب حديث شعيب عن الزهري فقال: تابعه أصبغ عن ابن وهب اهـ.
( قوله: ببلالها هو بفتح الباء الثانية) أي التي هي أول الكلمة، أما الأولى الجارة فمكسورة لا غير ( وكسرها) قال في شرح مسلم: ضبطناه بهما وهما وجهان مشهوران ذكرهما جماعة من العلماء.
وقال عياض: رويناه بالكسر قال: ورأيت في الخطابي أنه بالفتح، وقال صاحب «المطالع» : رويناه بكسر الباء وفتحها من بل يبله ( والبلال الماء) وفي «المصباح» : وقيل البلال ما يبل به الحلق من ماء ولبن ( ومعنى الحديث سأصلها، شبه قطيعتها بالحرارة) تشبيهاً مضمراً في النفس وأثبت لازم المشبه وهو ما تضمنه قوله ( تطفأ) بالبناء للمجهول ( بالماء وهذه تبرد بالصلة) قال المصنف: ومنه حديث «بلوا الأرحام» أي صلوها، من البلل المذهب حرارتها فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات البلال تخييل.


رقم الحديث 330 ( وعن أبي عبد الله عمرو بن العاص) تقدمت ترجمته ( رضي الله عنه) في باب بيانكثرة طرق الخير ( قال: سمعت النبيّ جهاراً) منصوب على الحال: أي حال كونه مجاهراً بالقول ( غير مسر) ووقوع المصدر حالاً كثير لكن مع ذلك هو سماعي وابن العاص من العرب الذين لهم ذلك فيه، أو مفعول مطلق: أي يجهر جهراً به، وقوله غي مسر صفة مؤكدة ( يقول: إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء) هذا لفظ مسلم، والذي في البخاري «إن آل أبي» قال عمرو: يعني ابن عباس شيخ البخاري «في كتاب محمد بن جعفر - أي شيخ عمرو - بياض» قال السيوطي: أي موضع أبيض بغير كتابة اسم للمضاف إليه قال الشيخ زكريا في «التحفة» : المراد بفلان أبو طالب أو أبو العاص بن أمية، والمراد من آله من لم يسلم منهم اهـ.
وقال السيوطي: وفي «مستخرج» أبي نعيم «إن آل أبي طالب» فقيل الراوي له عنبسة بن عبد الواحد أموي من الناصبة المنحرفين على عليّ فلا يقبل منه هذا التعبير، وقيل هو محمول على غير المؤمنين، وعلى كونه العاص فإنما أبهمه الراوي لخوف مفسدة تترتب على ذكره.
قال الدلجي: لأن الأمر حينئذٍ كان في ذويه اهـ.
وفي «تعليق المصابيح» للدماميني قال ابن العربي في «سراج المريدين» : معنى الحديث آل أبي طالب، قال: ومعناه إني لست أخصّ قرابتي ولا فصيلتي الأدنين بولاية دون المسلمين وإنما رحمهم معي في الطالبية فسأبلها ببلالها: أي أعطيها حقها فإن المنع عند العرب يبس والصلة بلّ ( إنما وليي) أي ناصري والذي أتولاه في جميع الأمر ( اوصالح المؤمنين) كذا رأيته بحذف الواو من صالح على أنه مفرد مضاف اكتفى بعمومه، ويؤيده آية { فإن تظاهرا عليه فإن اهو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} ( التحريم: 4) فالحديث على طبق الآية، فإنها دلت على حصر أوليائه فيمن ذكر.
قال الكواشي في التفسير: المراد بصالح المؤمنين: أبو بكر أو عمر أو هما أو عليّ أو كل من برىء من المؤمنين من النفاق أو هم الأنبياء، وصالح المؤمنين مفرد يراد به الجمع كقوله: { السارق والسارقة} ( المائدة: 38) وزعم بعضهم أنه يجوز أن يكون أصله صالحو فيكتب بغير واو إتباعاً للفظ ( ولكن) استدراك لما قد يتوهم من عدم مواصلتهم بإثباتها بقوله: ( لهم رحم أبلها ببلالها.
متفق عليه)
رواه البخاري في الأدب ومسلم في الإيمان ( واللفظ للبخاري) ورواه البزار.


رقم الحديث 331 ( وعن أبي أيوب خالد بن زيد) بن كليب بن ثعلبة بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار ( الأنصاري) الخزرجي النجاريّ المدني الصحابي الجليل ( رضي الله عنه) شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وجميع المشاهد مع رسول الله، ونزل عنده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة مهاجراً وأقام عنده أشهراً حتى بنيت مساكنه ومسجده.
روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة وخمسون حديثاً، اتفقا على سبعة منها، وانفرد البخاري بحديث، ومسلم بآخر، وروى عنه البراء بن عازب وجابر بن سمرة وأبو أمامة الباهلي وزيد بن خالد الجهني وابن عباس وكلهم صحابة رضي الله عنهم وخلائق من التابعين.
توفي بأرض الروم غازياً سنة خمسين، وقيل سنة إحدى وقيل اثنين وخمسين وقبره بالقسطنطينية حرسها الله بمنه ( أن رجلاً) قال الشيخ زكريا: هو أبو أيوب الراوي كما قال ابن قتيبة، ولا مانع أن يبهم الراوي نفسه لغرض له.
وأما تسميته في حديث آخر عن أبي هريرة عند البخاري بأعرابي فلا ينافي ذلك لجواز التعدد، وذلك الأعرابي هو ابن المنتفق، قيل: واسمه لقيط بن صبرة اهـ.
( قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة) برفع يدخلني عل أنه صفة عمل وجواب الأمر محذوف: أي يثبكالله، ويجوز أن يجزم على أنه جواب الأمر، وعليه فتنوين عمل للتعظيم والتفخيم ليكون بوصف مقيداً ( فقال النبيّ: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً) عطف على ما قبله مفيد لبيان العبادة المعتدّ بها، أو حال بإضمار مبتدأ كما تقدم في الباب نظيره ( وتقيم الصلاة) أي تأتي بها مستجمعة لأركانها وشرائطها وسننها ( وتؤتي) أي تعطي ( الزكاة، وتصل الرحم) وخص الرحم بالذكر لقربها من السائل أو نظراً لحاله كأنه كان قاطعاً لها فأمر بصلتها لأنها المهمّ بالنسبة إليه، وعطف الصلاة وما بعدها على العبادة من عطف الخاص على العام ( متفق عليه) رواه البخاري في الزكاة، ومسلم في الإيمان، ورواه النسائي في كتاب الصلاة وكتاب العلم، قاله الحافظ المزي.