فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منهاوفضل الفقر

رقم الحديث 477 ( وعن سهل بن سعد) الأنصاري ( الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح) بفتح الجيم ( بعوضة) فعول من البعض وهو القطع، غلب على هذا النوع من الحيوان المضروب به المثل في الحقارة وجناحها في غايتها ومنتهاها.
قال النيسابوري في تفسيره: ومن عجائب البعوض أن خرطومه مع كونه في غاية الصغر مجوف، ومع كونه كذلك يغوص في جلد الجاموس كما يغوص الأصبع في الخبيص، وذلك لما ركب الله في رأس خرطومه من السم اهـ.
( ما سقى كافراً منها شربة ماء) لهوانه عليه وسقوطه.
قال العاقولي: أي لو كان لها عنده تعالى أدنى قدر ما تمتع فيها كافر أدنى تمتع.
وفي «الديباجة» : هو أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسها بل جعلها طريقاً موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه، وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار انتقال وارتحال، وأنه تعالى ملّكها في الغالب للكفار والفساق، وحمى منها الأنبياء ووراثهم، ويكفيك حديث الباب في هوانها عند الله وصغرها وحقرها وذمها وبغضها وبغض أهلها والمحبين لها، وليس من الدنيا ما يوجد فيها من الأنبياء والصديقين والعلماء العاملين والطاعة الموصلة لمرضاة رب العالمين ويدل له الاستثناء في الحديث الآتي لأنه من قوله فيه «وما فيها» ومع كون الدنيا بهذا المقام عند الله سبحانه، فهو يوم القيامة يستوفي لذي الظلامة منها ظلامته منظالمه ولو كان كافراً من مؤمن إظهاراً لمزيد العدل ( رواه الترمذي) في الزهد وانفرد...... به عن باقي الكتب الستة ( وقال حديث صحيح) غريب من هذا الوجه، وكأن سكوت المصنف عن هذا لكون الغرابة نسبية فلا تنافي التصحيح.


رقم الحديث 478 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح يؤتى به لتأكيد ما بعده وليتوجه السامع له ( إن الدنيا ملعونة) أي مبغوضة ساقطة فعبر عنه بذلك لأن من لازم المبغوض الساقط الإبعاد ( ملعون ما فيها) أي من الأموال الدنيوية المخدّجة الفانية من شهوات وغيرها: أي الاشتغال بذلك مبعد عن حضرة الحق فقد جاء «حبّ الدنيا رأس كل خطيئة» ( إلاّ ذكر الله وما والاه) أي وما أدناه مما أحبه الله تعالى، والولي: القرب والدنو، والمعنى: الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما قاربه من الطاعة الموصلة لمرضاته ( وعالماً ومعلماً) كذا هو فيما وقفت عليه من نسخ الرياض بالألف فيهما وهو ظاهر، لأنهما معطوفان على المستثنى المنصوب وجوباً لكونه من كلام تام موجب، لكنهما في نسخ الترمذي من غير ألف.
قال الحافظ السيوطي في حواشيه عليه: منصوبان لأن الاستثناء من كلام تام موجب وكتبا بلا ألف على طريق كثير من المحدثين ( رواه الترمذي) في الزهد من «جامعه» ، ورواه ابن ماجه في المشكاة ( وقال) أي الترمذي ( حديث حسن) قال القرطبي: لا يفهم من هذا الحديث سب الدنيا مطلقاً ولعنها، فقد جاء من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعاً «لا تسبوا الدنيا فنعم مطية المؤمن، عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشرّ، وإذا قال العبد: لعن الله الدنيا قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربه» أخرجه الشريف أبو القاسم زيد بن عبد الله الهاشمي، والجمع بين ذلك بحمل الأحاديث الواردة في إباحة لعن الدنيا على ما يبعد منها عن الله تعالى ويشغل عنه، وحملالوارد بالمنع على ما قرّب إلى الله تعالى أو أعان على عبادته سبحانه، كما يومىء إليه الاستثناء في حديث الباب بقوله: إلا ذكر الله وما والاه الخ.......


رقم الحديث 479 (وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال) قال رسول الله: لا تتخذوا الضيعة) بالضاد المعجمة: العقار، والجمع ضيع وضياع بكسر ففتح قاله في «الصحاح» .
وفي «النهاية» : ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك، والمراد لا تتوغلوا في اتخاذ الضيعة فترغبوا عن صلاح آخرتكم كما قال (فترغبوا في الدنيا) أي في صلاحها وتشتغلوا به عن صلاح دار القرار: قال صاحب «المفاتيح» : وذلك لأن بأخذها تحصل الرغبة في طلب الدنيا فلا تشبعون حينئذٍ منها (رواه الترمذي: وقال: حديث حسن) ورواه أحمد والحاكم في «المستدرك» .


رقم الحديث 480 ( وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: مر علينا) لعل الإتيان بعلى لعلوّ محل مروره على محل الخص، أو كان راكباً، وإلا فمرّ يعدّى بالباء ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نعالج خصاً لنا) بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة قال في «النهاية» : هو بيت يعمل من خشب وقصب، وجمعه خصاص وأخصاص، سمي به لما فيه من الخصاص وهي الفرج والأثقاب.
وفي «الصحاح» : الخص البيت من القصب اهـ.
وهو محتمل لتخصيص القصب بذلك فيخالف كلام «النهاية» ، ويحتمل أن يراد من ذلك وغيره مثلاً فيوافقه، والله أعلم ( فقال: ما هذا) أي المعالج ( فقلنا: قد وهى) بفتحتين: أي ضعف وهم بالسقوط كما في «الصحاح» ( فنحن نصلحه) بإدعامه بما يذهب به ويدوم به قوامه ( فقال ما أرى) يحتمل أن يكون بضم الهمزة بمعنى أظن، وأن يكون بفتحها بمعنى أعلم ( الأمر) أي الأجل ( إلا أعجل) أي أسرع ( من ذلك) أي الإصلاح المذكور، وعبر به مع أنالمقام «لهذا» الموضوع للقريب، إيماء بأن الاشتغال بالبناء بعيد من شأنهم مع توقع الأجل ساعة فساعة ولحظة فلحظة ( رواه أبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم) أي برجال روياً عنهم، فهو على شرطهما ( وقال الترمذي: حسن صحيح) .......


رقم الحديث 481 ( وعن كعب) بفتح الكاف وسكون العين المهملة بعدها موحدة ( ابن عياض) بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره ضاد معجمة، الأشعري معدود في الشاميين روى عنه جابر بن عبد الله، وقيل روت عنه أم الدرداء ( رضي الله عنه) خرّج عنه الترمذي والنسائي ( قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن لك أمة فتنة) بكسر الفاء: أي ما يمتحنون ويختبرون: أي يعاملون به معاملة المختبر للجاهل بحاله.
قال الراغب في «مفرداته» : جعلت الفتنة كالبلاء يستعمل في الخير والشر.
وهما في الشدّة أظهر معنى وأكثر استعمالاً، قال تعالى: { ونبلوكم بالشر والخير فتنة} ( الأنبياء: 35) اهـ.
( وفتنة أمتي) ما تمتحن به في دنياها ( المال) كما قال: «إن هذا المال حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون» ( رواه الترمذي) في الزهد من «جامعه» ، ورواه النسائي في الرقاق من «سننه» ، ورواه ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم في كتاب «معرفة الصحابة» كما في «أسد الغابة» ( وقال) أي الترمذي ( حديث حسن صحيح) .......


رقم الحديث 482 ( وعن أبي عمرو) بفتح العين كني باسم أحد أولاده ( ويقال) بالبناء للمجهول: أي ويقال في كنيته ( أبو عبد ا) قال في «أسد الغابة» : يكنى أبا عبد الله ويقال أبو عمرو وقيل كان يكنى أولاً بابنه عبد الله، وأمه رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم كني بابنه عمرو اهـ.
( ويقال أبو ليلى) بفتح اللامين بينهما تحتية ساكنة ( عثمان بن عفان) بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المكي ثم المدني أميرالمؤمنين ( رضي الله عنه) أمه أروى بنت كريز بضم الكاف وفتح الراء ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن مناف، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله.
أسلم عثمان قديماً، دعاه أبو بكر إلى الإسلام وأسلم، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة، فهاجر بزوجته رقية بنت النبي إلى الحبشة الهجرتين الأولى والثانية، ويقال لعثمان ذو النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما بعد الأخرى، قالوا: ولا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره، روي لعثمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة حديث وستة وأربعون حديثاً، اتفق الشيخان منها على ثلاثة، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة.
روى عنه جمع من الصحابة منهم زيد بن خالد الجهني وابن الزبير وغيرهم وخلق من التابعين، ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وقتل شهيداً يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن تسعين سنة، وقيل ثمان، وقيل ثنتين وثمانين سنة، وقيل غير ذلك.
وهو رضي الله عنه أحد السابقين إلى الإسلام كما تقدم، وأحد العشرة المبشرة بالجنة الذين مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض، وأحد الستة أصحاب الشورى، بويع بالخلافة غرة محرم سنة أربع وعشرين وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليال.
وقال ابن عبد البرّ: بويع بعد دفن عمر بثلاث ليال، وحج بالناس في خلافته عشر سنين متوالية، وصلى عليه جبير بن مطعم وقيل غيره،...... ودفن بالبقيع ليلاً وأخفي قبره ذلك الوقت ثم أظهر.
وقيل دفن بحش كوكب.
قال ابن قتيبة: وهي أرض اشتراها عثمان وزادها في البقيع.
والحش: البستان، وكوكب اسم رجل من الأنصار، والأحاديث الواردة في فضله وعلوّ مقامه كثيرة شهيرة رضي الله عنه ( أن النبيّ قال: ليس لابن آدم حق) قال العاقولي: أراد بالحق ما يستحقه الإنسان لاحتياجه إليه في كنه من الحرّ والبرد وستر بدنه وسد جوعته، وهذا هو المراد...... الحقيقي من المال.
وقيل أراد ما لم يكن معه حساب إذا كان مكتسباً من وجه حلال طيب، ويؤيد القول الثاني ما قال ابن كثير: أخرج الإمام أحمد بسنده إلى أبي عسيب مولى النبي قال خرج النبي ليلاً فمرّ بي فدعاني فخرجت إليه، ثم مرّ بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مرّ بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى أتى حائطاً لبعض الأنصار فقال لصاحب الحائط أطعمنا» الحديث وفي آخره، فأخذ عمر العذق الذي جاء به الأنصاري فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله إنا مسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال نعم، إلا من ثلاثة: خرقة كفى بها الرجل عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحرّ والبرد» وقال ابن كثير: تفرد به أحمد ( في سوى هذه الخصال) ظاهره استعمال سوى غير ظرف فيكون متصرفاً بوجوه الإعراب كغير، وهذا ما ذهب إليه ابن مالك وصححه في أكثركتبه وبالغ في نصرته في «شرح التسهيل» ، لكن قال أبو حيان: لا سلف له في ذلك إلا الزجاجي.
واستدل ابن مالك بشواهد من الحديث وغيره شعراً ونثراً، ونازعه أبو حيان بأنه لا حجة له في ذلك، ومذهب سيبويه والبصريين أنها لا تخرج عن الظرفية المكانية إلا في الشعر، وصححه ابن الحاج في «سبك المنظوم» وجرى عليه العاقولي هنا فقال موصوف سوى محذوف: أي شيء سوى هذه الخصال، والمراد هنا ما يحصل للرجل ويسعى في تحصيله ( بيت) رأيته مضبوطاً بالقلم في أصل مصحح بالرفع على القطع بإضمار مبتدأ: أي هي، ويجوز إن لم تصدّ عنه الرواية نصبه بإضمار أعني، ويجوز جرّه على الإتباع، وهذه الأوجه جارية في بدل المفصل من المجمل إذا استوفى العدة، وجملة ( يسكنه) في محل الصفة احترازاً عن بيت يعده للكراء فإن ذلك من اتخاذ الضيعة المنهيّ عنه بما تقدم في حديث ابن مسعود ( وثوب يواري) أي يستر ( عورته) يجوز أن يراد من العورة ما يجب ستره في نحو الصلاة، فلا يدخل فيه ستر ما عدا ما بين السرّة والركبة من...... الرجل والأمة وأن يراد به ما يجب ستره في الرجال عن النساء الأجانب فيشمل ذلك ولعل الثاني أقرب سيما إن كان تركه مخلاً بالمروءة فلا يكون لبسه من حظوظ النفس بل من حقوقها، ويؤيده أنهم أوجبوا على المعتمد في كفن الميت ساتر جميع بدنه لا العورة فقط وأصل العورة الخلل، ومنه أعور المكان ورجل أعور ( وجلف) بكسر الجيم وسكون اللام، وقال في «النهاية» : ويروى بفتح اللام جمع جلف: وهي الكسرة من الخبز.
قلت: وعليه يكون كحلق بكسر ففتح في جمع حلقة بفتح فسكون ( الخبز والماء: رواه الترمذي وقال: حديث صحيح) قال في «الجامع الصغير» : ورواه الحاكم في «مستدركه» .
وفي «النهاية» حديث عثمان «إن كل شيء سوى جلف الطعام وظل وثوب وبيت يستر فضل» ( قال الترمذي: وسمعت أبا داود سليمان) بصيغة التصغير ( ابن أسلم) بفتح الهمزة فسكون المهملة ( البلخي) بفتح الموحدة فسكون اللام بعدها معجمة نسبة إلى بلخ: بلد معروف، ويقال له المصاحفي نسبة إلى عمل المصاحف، والترمذي تارة بصفة بتلك وتارة بهذه كما بينته في باب الكنى من حرف الدال من كتابي في «أسماء رجال الشمائل» ( يقول سمعت النضر) بإعجام الضاد في مقدمة «فتح الباري» ما كانبهذه الصورة معرّفاً بالإعجام ومنكرّاً بالإهمال ( ابن شميل) بضم المعجمة وفتح الميم وسكون التحتية.
والنضر هو الإمام الكبير الشأن، في علوم العربية، وقد ذكرت ترجمته في كتابي المذكور آنفاً ( يقول: الجلف) أي بكسر فسكون اسم مفرد ( الخبز ليس معه إدام.
وقال غيره: هو غليظ الخبز)
أي وإن كا معه إدام وهذا الغير هو الليث كما في «تكملة الصحاح» للصغاني، وعبارته قال: قال الليث: الجلف فحال النخل، والجلف أيضاً من الخبز الغليظ اليابس اهـ.
ويحتمل أن يكون غيره لأن المحكي هنا أعم مما حكي عنه، لأنه اعتبر فيه أمرين: الغلظ واليبس، والمحكي عن الغير هو الأول فقط ( وقال الهروي) صاحب كتاب الغريبين ( المراد به هنا وعاء الخبز كالجوالق) بضم الجيم، قال في...... «الصحاح» : الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب إلا أن تكون معربة أو حكاية صوت نحو الجردقة وهي الرغيف، وذكر ألفاظاً إلى أن قال: والجوالق بضم الجيم: وعاء، والجمع الجوالق بالفتح والجواليق بالياء أيضاً اهـ.
( والخرج) بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبالجيم قال في «المصباح» : وعاء معروف عربي صحيح والجمع خرجة نحو عنبة اهـ.
وفيه أيضاً قبل الجلف: كل ظرف ووعاء، وهذا القول الذي حكاه المصنف أعرض عن ذكره العاقولي في «شرح المصابيح» والحافظ السيوطي في «حاشية الترمذي» والعلقمي في حاشية «الجامع الصغير» ، وكأنه لبعده عن مقام الحديث لأن المراد به التحريض على الزهد وأخذ الوعاء لنحو الخبز إنما يكون عادة عند نحو ادخار واهتمام به، وذلك خلاف المقصود والله أعلم.
وكأن من حمل الحديث عليه يمنع كون ذلك عادة عند الادخار بل يكون لنحو ما يحفظ لوقت آخر من اليوم مثلاً، والله أعلم.......


رقم الحديث 483 ( وعن عبد الله بن الشخير بالشين والخاء المشددة المعجمتين) كأنه وجه إفراد المشددة وتثنية ما بعده مع أن الوصفين سيان الاكتفاء بكون الشين لا ينطق بها إلا كذلك لأن اللام تبدل منها وتدغم فيها، وليس في الخاء ما يدل على وجوب ذلك فيها فنبه على ما يحتاج إلى التنبيه.
وأيضاً فتشديد الشين عارض عند دخول أل فيه بخلاف تشديد الخاء، وعبارة «تبصير المنتبه في تحرير المشتبه» للحافظ ابن حجر: شخيّر بالكسر وتشديد الخاء المعجمة بعدها ياء ثم راء عبد الله بن الشخير له صحبة وأولاده اهـ.
والظاهر أن أل فيهمقارنة النقل فتكون لازمة والله أعلم.
وعبد الله ( رضي الله عنه) تقدمت ترجمته في باب فضل البكاء من خشية الله تعالى ( أنه قال) بفتح الهمز مبتدأ خبره الظرف قبله: أي وعنه قوله ( أتيت النبي وهو يقرأ) جملة في محل الحال من المفعول ( ألهاكم التكاثر) أي السورة المسماة بما ذكر لكونه صدرها ( قال) أي النبيّ بعد إتمامها كما عند النسائي حتى ختمها ( يقول ابن آدم) أتى بصيغة المضارع إيماء إلى أن هذا القول ديدنه ودأبه بحسب طبعه ( مالي مالي) أي مالي هو الذي أعتني به وأهتم، فالتكرار لفظاً للتعظيم والاهتمام: قال الحافظ في «الفتح» : لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد به بعض اللوازم ( وهل لك) المعطوف عليه مخاطب مقدر: أي أتقول ذلك ( يا ابن آدم) وتهتم بأمره وهل لك ( من دنياك) التي اهتممت بأمرها واحتفلت بشأنها والاستفهام فيه للإنكار: أي مالك منها على الحقيقة ( إلا ما أكلت فأفنيت) فوصل نفع ذلك إلى أجزاء البدن واستقام به أمرها ( أو لبست) بكسر الموحدة ( فأبليت) من الإبلاء: إخلاق الجديد ( أو تصدقت) على محتاج قاصداً وجه الله تعالى ( فأمضيت) قال في «المصباح» : أمضيت الأمر أنفذته اهـ.
والمراد أمضيت التصدق ونجزته فأبقيت ثوابه مدخراً لك عند المولى.
وملخصه: ما لك من دنياك إلا ما انتفعت به في دنياك بأن أكلت أو لبست أو أخرت بأن تصدقت، وما...... عدا ذلك من باقي المال فإنما أنت فيه بمنزلة الخادم الخازن لغيره كما تقدم في حديث «أيكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله» ففيه تحريض على الزهد عن جمع الدنيا والعروض عنها وتحرض على الاقتصار على ما تدعو إليه ضرورة الحياة وادخار ما عداه عندالله، وما أحسن قول بعضهم: اجعل ما عندك ذخيرة لك عند الله واجعل الله ذخيرة لأولادك، ( رواه مسلم) في «صحيحه» ، ورواه الترمذي في الزهد وقال: حسن صحيح، والنسائي في الوصايا وفي التفسير.......


رقم الحديث 484 ( وعن عبد الله بن مغفل) بصيغة اسم المفعول من التغفيل بالغين المعجمة والفاء،قال المصنف في «التهذيب» : هو أبو سعيد، وقيل أبو عبد الرحمن وأبو زياد عبد الله بن مغفل بن عبد غنم، وقيل ابن عبد نهم بن عفيف بن أسحم بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، المزني البصري ( رضي الله عنه) ومزينة امرأة عثمان بن عمرو نسبوا إليها، وهي مزينة بنت وهب بن وبرة، فولد عثمان يقال لهم مزنيون، وكان عبد الله من أهل بيعة الرضوان قال: إني لمن رفع أغصان الشجرة عن رسول الله، سكن المدينة ثم تحول إلى البصرة وابتنى بها داراً قرب الجامع قال الحسن: ما نزل البصرة أشرف منه، وقد تقدمت ترجمته وذكر بعض مناقبه وعدة ماله من الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في باب المحافظة على السنة وقد ذكرت زيادة على ذلك في ترجمته في كتابي في «رجال الشمائل» ( قال: قال رجل) قال ابن أقبرس في «شرح الشفاء» : هذا الرجل من المجاهيل.
قلت: ويجوز أن يكون أبا سعيد الخدري، ففي «الشفاء» وقد قال لأبي سعيد «إن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل من أعلى الوادي أو الجبل إلى أسفله» ثم أورد حديث ابن مغفل المذكور وقال بعد ذكره إلى قوله تجفافاً، ثم ذكر نحو حديث أبي سعيد بمعناه، ثم رأيت الحافظ السيوطي في تخريج أحاديث «الشفاء» جزم بأن حديث أبي سعيد بعض حديث ابن مغفل فهو يقوي ما فهمناه من تفسير المبهم بأبي سعيد، والله أعلم.
( للنبي) اللام فيه للتبليغ ( يا رسول الله وا إني لأحبك) لعل ذكر المؤكدات لزيادة تثبيت مضمون الخبر عنده خصوصاً إن قلنا: إنه أبو سعيد أو غيره من خلّص المؤمنين، وإن كان من المنافقين ثم صدق في إيمانه فلإذهاب ما توهم من حاله السابق ( فقال: انظر ما تقول) يرد منه الاستكشاف عن حقيقة قوله، ولذا علقه بالشرط الآتي، وفي الاصطفاء انظر ماذا تقول: أي تأمله، وتذكر فيه فإنك رمت خطة عظيمة ومشقة وخيمة تورثك خطراً يجعلك هدفاً لبلايا فظيعة ورزايا...... وجيعة، فأمره بالنظر ليوطن نفسه على ما يرهقه عسراً أو يكلفه أمراً إصراً اهـ.
ولا يخفى ما فيه ( قال: وا إني لأحبك) وقال الدلجى مؤكداً بالقسم والتكرير ( ثلاث مرات) وهو ظرف لقال ( فقال: إن كنت تحبني) أتى بإن الدالة على عدم الجزم مع تأكيد المتكلم بالمؤكدات السابقة، إما لعدم علمه بحال القائل عند معرفته بثمرة المحبة بعد ذكرها له، فلعله يرجع عن ذلك لعدم ثباته كما قال تعالى: { ومن الناس من يعبد الله على حرف} ( الحج: 11) الآية، أو تحريضاً علىالصبر على نتائج دعواه كقول الوالد لابنه: إن كنت ولدي فأطعني ( فأعد) بتشديد الدال أمر من الإعداد: أي فهيء ( للفقر تجفافاً) قال ابن أقبرس: المعنى أن يرفض الدنيا ويزهد فيها ويستتر عن استنمائها بمثل التجفاف كما يستتر بالترس في الحرب عن آثار السلاح التي هي آلة الجراح اهـ.
ففيه استعارة كما يأتي، وعلل ما ذكره بقوله على سبيل الاستئناف البياني ( فإن الفقر) أتى به ظاهراً والمقام للضمير زيادة لتمكينه عند سامعه ( أسرع إلى من يحبني) زاد في حديث أبي سعيد المذكور آنفاً قوله: منكم، فيحتمل أن يكون له مفهوم، ويحتمل أن لا، لأن خطابه لما كان معهم ذكره لا لتخصيصهم بذلك والثاني أقرب ( من السيل إلى منتهاه) أي من مكان وصول السيل إلى الجبل، أو أعلى الوادي إلى منتهاه من أسفل الجبل أو آخر الوادي، وإنما كان كذلك لأن الناس على دين ملوكهم.
ولما كان أزهد الناس في الدنيا بشهادة حديث ملك الجبال إن شئت جعل الله لك الأخشين ذهباً فأبى» وحديث «عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهباً فقال: لا يا رب، ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» كان المحب التابع له أسرع إلى اتصافه بما هو متصف به من السيل كما قال لقوة الرغبة وصدق المحبة، ولأن المحب يجب أن يتصف بصفات المحبوب، فالمرء مع من أحب، ومولى القوم منهم في الخير والشر، فمن أحب...... أن يكون معهم في نعيم الآخرة فليصبر كما صبروا في الدنيا عن شهواتها، لكن هذا مقام عال شريف لا يقدر عليه إلا الأفراد، فلذا قال له انظر ماذا تقول: أي إنك قد ادعيت أمراً عظيماً يستدعي الصبر على أمر عظيم قال تعالى: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ( آل عمران: 142) ( رواه الترمذي وقال حديث حسن) وفيه بعد قوله حسن: غريب.
وأسقطه المصنف لأن الغرابة النسبية لا تضر في الحكم بالحسن.
( التجفاف بكسر التاء المثناة فوق وإسكان الجيم وبالفاء المكررة، وهي) أنث الضمير باعتبار المعنى فإنها في معنى السترة ( شيء يلبسه) بالبناء للمجهول من ألبس ومفعوله الثاني الضمير، قدم لكونه ضميراً متصلاً على مفعوله الأول الذي أقيم مقام الفاعل وهو ( الفرس) ويجوز أن يقرأ بفتح التحتية وبالموحدة مبنياً للفاعل منلبس بكسر الموحدة ( ليتقي به الأذى) أي أن يصيبه من السلاح شيء من الجراح، وقد يلبسه الإنسان، ظاهره أن التجفاف معدّ لثوب يلبسه الفرس ( وقد يلبسه الإنسان) وعلى ذلك جرى العاقولي فقال: وقد يلبسه الإنسان أيضاً ولعله تبع فيه المصنف، والذي في «المصباح» : التجفاف تفعال بالكسر شيء يلبسه الفرس عند الحرب كأنه درع والجمع تجافيف، قيل سمي به لما فيه من الصلابة واليبوسة.
وقال ابن الجواليقي: التجفاف معرب ومعناه ثوب البدن، وهو الذي يسمى في عصرنا بركصطوان اهـ.
وفي «شرح الشفاء» لابن أقبرس قال أبو عليّ: التاء زائدة، وأشار العاقولي إلى أن في الحديث استعارة مكنية تتبعها استعارة تخييلية بقوله شبه الفقر بالسهم الصائب والسيف القاطع والرمح النافذ، وشبه صبره عليه بالتجفاف الذي يلبسه الإنسان أو يلبسه فرسه ليقيه ذلك: أي فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات التجفاف استعارة تخييلية.......


رقم الحديث 485 ( وعن كعب بن مالك) الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا فنزلت توبتهم في آية آخر سورة التوبة وتقدمت ترجمته ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ما) نافيه حجازية كما اقتصر عليه الطيبي ويجوز كونها تميمية لأن الباء تزاد في خبر كل منهما خلافاً لأبي علي والزمخشري زعما اختصاص الباء بلغة الحجاز، قال ابن هشام في «المغني» : أوجب الفارسي والزمخشري في نحو { ما الله بغافل} كون ما حجازية ظناً أن المقتضى لزيادة الباء نصب الخبر، وإنما المقتضى نفيه لامتناعها في نحو كان زيد قائماً وجوازها في: لم أكن بأعجلهم.
وفي ما إن زيداً بقائم اهـ.
( ذئبان جائعان أرسلا) بالبناء للمجهول ( في غنم) متعلق به، وهذان وصفان لذئبان مفرد وجملة فهو كقوله تعالى: { وهذا كتاب مبارك أنزلناه} ( الأنعام: 155) ( بأفسد لها) أي بأكثر فساداً للغنم وأنث ضميرها لاعتبار الجنسية فيها ( من) فساد ( حرص المرء على المال) متعلق بحرص ومن فساد هو المفضل عليه ( والشرف) أي الجاه معطوف على المال واللام، في قوله ( لدينه) لام البيان كهي في قوله تعالى: { لمن أراد أن يتم الرضاعة} ( البقرة: 233) كأنه قيل لمن؟ قال لمن أراد.
وكذا هنا كأنه قيل بأفسد لأي شيء فقيللدينه ولا يصح جعلها متعلقة بأفسد لأنه لا يجوز تعلق حرفي جرّ بلفظ واحد ومعنى واحد بعامل واحد إلا على سبل البدل ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) قال في «الجامع الصغير» : ورواه أحمد من حديث كعب أيضاً.......


رقم الحديث 486 ( وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حصير) قال في «المصباح» : هو البارية وجمعه حصر مثل بريد وبرد وتأنيثه بالتاء عامي اهـ: وفي «الشفاء» من حديث، عن حفصة «وكان ينام أحياناً على سرير مومول بشريط حتى يؤثر في جنبه» قال السيوطي في تخريجه: رواه الشيخان من حديث طويل عن عمر والترمذي وابن ماجه ( فقام) أي استيقظ واستوى جالساً ( وقد أثر) أي الحصير ( في جنبه) فإن بدنه الشريف كان ألين من الحرير.
وفي الحديث عن أنس «ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله؟ والجملة في محل الحال من فاعل قام ( فقلنا) أي الحاضرون الذين منهم ابن مسعود، ويبعد أن يريد نفسه فقط، ولا يشهد له ما سيأتي عن ابن ماجه من قول ابن مسعود «فقلت» كما هو ظاهر ( لو اتخذنا لك وطاء) بكسر الواو وبالمد بوزن كتاب قال في «المصباح» هو الوطىء وقد وطؤ الفرش بالضم فهو وطىء كقرب فهو قريب.
وجواب لو محذوف: أي لا استراح بذلك أو نحو ذلك، وعند ابن ماجه «فقلت: يا رسول الله لو كنت آذنتنا ففرشنا لك شيئاً يقيك» ( فقال مالي وللدنيا) قال الأنطاكي في حواشي «الشفاء» : قيل يجوز أن تكون «ما» نافية: أي ليس لي ألفة ومحبة لي وللدنيا حتى أرغب فيها، ويجوز أن يكون التقدير: أي شيء حالي مع الميل للدنيا اهـ: أي فتكون ما استفهامية والمعنى: أي شيء لي ولها: أي جامع فأشتغل بها.
وقال الدلجي: هو استفهام بمعنى النفي: أي لا أرب فيها ( ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها) وذلك لأن الدنيا ليست دار قرار ولا منزل استقرار إنما هي دار عبور يقطعها السائر إلى ميادين الآخرة، فالإنسان فيها بمثابةالمسافر النازل في أثناء سفره تحت شجرة يطلب ظلالها من حرّ الشمس، ثم إذا ذهبت الشمس وإذا جلس تحت الشجرة منها راح عن الشجرة: أي سار بعد الزوال وتركها، ففيه أتم إرشاد إلى ترك الاهتمام بعمارة الدنيا والاشتغال...... بتحصيلها وحث وحض على الاعتناء بعمارة منزل العبد من الدار الآخرة وتحصينه، وبا التوفيق ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) قال في «الجامع الصغير» بعد إيراد الحديث المرفوع: رواه أحمد وابن ماجه والحاكم والضياء كلهم عن ابن مسعود.