فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب بيان مَا أعدَّ اللهُ تَعَالَى للمؤمنين في الجنة

رقم الحديث 1891 ( وعنه رضي الله عنه قال: شهدت) أي: حضرت ( مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ظرف للفعل قبله ويصح كونه مستقراً حالاً من قوله ( مجلساً) وهو مفعول به للفعل قبله لأنه المشهود لا ما فيه ( وصف فيه الجنة حتى انتهى) أي: فرغ من وصفها وهو غاية لمقدر أي واستمر يصفها إلى انتهائه ( ثم) هي للترتيب في الإِخبار ( قال في آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) تقدم أن لا فيهما نافية للجنس نصاً، فهي لاستغراق كل فرد من أفراد المنفي والرفع كما هو الرواية لإِهمالها لتكرارها وإلا فيجوز فيه من حيث صناعة العربية الأوجه في نحو لا حول ولا قوة إلا بالله ( ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ) شاهداً لما ذكره بقوله فيها الخ ْ ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع) لصلاة التهجد ( يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) يحتمل الحالية والنصب على العلة والمصدر ( ومما رزقناهم ينفقون) فيه إيماء للاقتصاد وترك الإِسراف ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) أي: مما تقربه أعينهم من النعيم الأبدي والفيض السرمدي، الذي يضيق عن بيانه البيان ( رواه البخاري) .


رقم الحديث 1892 ( وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة) أي: تكاملوا فيها ويحتمل أن ذلك مع بقاء العصاة في النار زيادة في تشريف المتقين وكرامتهم ( ينادي مناد إن لكم) بكسر الهمزة بإضمار قول وبفتحها مفعول ينادي بإضمار الجار أي: بأن وحذف الجار مع أن وأن وكي المصدريات قياس مطرد ( أن تحيوا ولا تموتوا) معطوف على ما قبله مصرح به زيادة مع أن ما قبله يستلزمه تأكيداً ودفعاً له مع توهم أن الموت أصل الحياة لا مع انتفاء ضدها، ولذا قيد نفي الموت بالتأبيد بقوله ( أبداً) ثم العدول عن المصدر إلى أن والفعل لعله للدلالة على إمكان الفعل دون وجوبه واستحالته أو للدلالة على تحقق وقوعه.
نقله بعض المتأخرين عن صاحب البسيط من النحاة.
واعترضه الزركشي في البحر بأن صاحب البسيط إنما فرق بذلك بين المصدر وأن المشددة ومعمولها أورده على كلام البسيط مخالفة لفرع ذكره أصحابنا في الظهار، يدل على أن المصدر كأن ومعمولها في الوقوع.
وذكر الزركشي في البحر وجوهاً يفترق فيها المصدر وما بمعناه من أن والفعل ( وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تشبوا) بكسر المعجمة ( فلا تهرموا أبدا) الهرم هو الحالة الحاصلة عند الكبر، وهو كالموت داء طبعي لا دواء له ( وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً) وتبأسوا بفتح الهمزة من البؤس، وهو بضم الموحدة وسكون الهمزة الضر ويجوز التخفيف ويقال بئس كعلم إذا نزل به الضر كذا في المصباح ثم لعل الحكمة في عطف الأخيرات بالفاء دون الأولى بتسبب ما بعد العاطف عما قبله في الجمل الثلاث الأخيرة لا في الأولى ( رواه مسلم) .


رقم الحديث 1893 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة أن يقول) أي: الله أو ملك يأمره ( له) أي: للأحد ( تمن) من التمني قال في المصباح: تمنيت كذا قيل مأخوذ من المني وهو القدر لأن صاحبه يقدر حصوله والاسم منه المنية والأمنية، وجمع الأولى: مني كغرفة وغرف، وجمع الثانية أماني اهـ.
( فيتمنى ويتمنى) الإِتيان بالثاني لبيان تعدد تمنيه وكثرة متمناه فليس القصد منه الثانية فقط بل التكرار والتكثير ( فيقول له) أي: الآمر بالتمني أولاً ( هل تمنيت) أي: استوفيت ما تتمناه أو الاستفهام تقريري ( فيقول نعم فيقول له فإن لك ما تمنيت ومثله معه) يجوز نصب مثله عطف على ما ومعه حال منه وكذا هو مضبوط في أصل مصحح، ويجوز رفعه عطفاً على موضع اسم إن أو مبتدأ والظرف بعده خبر فيكون من عطف الجملة على الخبر.
ثم لا مخالفة بين ما في هذا الحديث وما تقدم من حديث المغيرة أن له مثل ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله، وما تقدم من حديث ابن مسعود أن له مثل الدنيا وعشرة أمثالها لجواز أن يلهم تمني عشرة أمثال ملك ملك من ملوكها أو لأن ما في هذا الحديث، اطلع عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أولاً، فأخبر به ثم أخبره الله تعالى بزيادة ذلك، مما سكت عنه في هذا الحديث، وهو ما في حديثي المغيرة وابن مسعود فأخبر به والله أعلم ( رواه مسلم) .