فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب فضل يوم الجمعَة ووُجوبها والاغتِسال لَهَا والتطيّب والتبكير إِلَيْهَا

رقم الحديث 1156 ( وعنه أن رسول الله ذكر يوم الجمعة) أي بالثناء عليه وبيان فضله ( فقال: فيها ساعة لا يوافقها) أي يصادفها ( عبد مسلم وهو قائم) جملة حالية من ضمير وافق المستكن فيه وهو خارج مخرج الغالب فلا يعمل بمفهومه ( يصلي) جملة حالية من ضمير قائم، أو جملة تفسيرية لقائم أو بدل منه ( يسأل) حال مترادفة أو متداخلة ( الله شيئاً) عند البخاري في رواية ( خيراً) .
ولابن ماجه «ما لم يسأل حراماً» ولأحمد «ما لم يسأل إثماً أو قطيعة رحم» ( إلا أعطاه إياه وأشار) أي رسول الله كما في «الموطأ» من رواية أبي مصعب ( بيده يقللها) أي يبين أنها لحظة لطيفة خفيفة، وزاد مسلم «وهي ساعة خفيفة» وقد اختلف العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم هل هذه الساعة باقية أو رفعت؟ وعلى الأول هل هي في كل جمعة أو جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول هل هي في وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما اتبداؤه وما انتهاؤه وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق الوقت أو بعضه؟ وحاصله أن الأقوال فيها خمسة وأربعون قولاً بينها الحافظ في «فتح الباري» والسيوطي في «شرح الموطأ» ، وقد بينتها بدلائلها في كتابي «سطوع البدر في فضائل ليلة القدر» ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1157 ( وعن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهملتين فهاء تأنيث كنية ( ابن أبي موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري رضي الله عنه) واسم أبي بردة قيل الحارث وقيل عامر، كان قاضي الكوفة يروي عن أبيه وعلي والزبير وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وحفيده بريد بن عبد الله، وكان من نبلاء العلماء توفي سنة أربع ومائة، وقيل غير ذلك جاوز الثمانين اهـ ملخصاً من «كاشف الذهبي» و «تقريب الحافظ» بن حجر ( قال:قال عبد الله بن رسول الله) أي مخاطباً لأبي بردة ( أسمعت أباك يحدث) جملة حالية من المفعول ( عن رضي الله عنه في شأن) أي بيان ( ساعة الجمعة؟ قال: قلت نعم) حصل به الجواب وزاد لزيادة البيان قوله ( سمعته يقول: سمعت رسول الله يقول: هي) أي ساعة الإجابة فيها ( ما) أي الوقت الذي ( بين أن يجلس الإمام) أي على المنبر ( إلى أن تقضى الصلاة.
رواه مسلم)
قال المصنف في «شرحه» : هذا الحديث مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى رضي الله عنه عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة وتابعه وأصل الأحدب ومجالد، روياه عن أبي بردة من قوله، وقال النعمان بن عبد السلام: عن الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه موقوف ولا يثبت قوله عن أبيه.
وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن حماد بن خالد «قلت لمخرمة: سمعت عن أبيك شيئاً؟ قال لا» هذا كلام الدارقطني وهذا الذي استدركه بناه على القاعدة المعروفة له ولأكثر المحدثين أنه إذا تعارض في رواية الحديث وقف ورفع، أو إرسال واتصال حكموا بالوقف والإرسال وهي قاعدة ضعيفة ممنوعة.
والصحيح طريقة الأصوليين والفقهاء والبخاري ومسلم ومحققي المحدثين أنه يحكم بالرفع والاتصال لأنها زيادة ثقة اهـ.
قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وأشهر الأقوال قول عبد الله بن سلام: إنها آخر ساعة بعد العصر، زاد الحافظ ابن حجر: وما عداهما إما ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف.
ثم اختلف السلف في أي القولين أرجح فرجح كلاً مرجحون فمن رجح الأول البيهقي وابن العربي والقرطبي، وقال المصنف: إنه الصحيح أو الصواب، ورجح الثاني أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وابن عبد البر وابن الزملكاني من الشافعية، قال القاضي عياض: وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لها بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك لقوله «وأشار بيده يقللها» والحكمة في إبهامها ألا يقتصر على إحيائها،بل يعمم بالطاعات سائر أوقات الجمعة كإخفاء ليلة القدر بين الليالي، ولا يشكل على كل من القولين قوله في الحديث يصلي، لأن المراد منه عليهما أنه منتظرها وهو في حكم المصلي كما أجاب به ابن سلام رضي الله عنه لمَّا أورد عليه ذلك وهو جار على الوجه الثاني كما في «التوشيح» .


رقم الحديث 1158 ( وعن أوس) بفتح فسكون وآخره سين مهملة ( ابن أوس) بضبط ما قبله، قال المصنف في «التهذيب» : هو الثقفي، وقال يحيى بن معين: يقال له أوس بن أوس، ويقال له أوس بن أبي أوس، وقال البخاري: أوس بن أوس وأوس بن أبي أويس وأوس بن حذيفة الثلاثة اسم لرجل واحد، ووافقه جماعة وخالفه بعضهم.
قلت: ممن خالفه الحافظ ابن حجر في «التقريب» فقال: أوس بن أوس الثقفي صحابي سكن دمشق وأوس بن أبي أوس، واسم أبي أوس حذيفة الثقفي صحابي أيضاً، وهو غير الذي قبله على الصحيح اهـ.
قال المصنف: نزل أوس هذا دمشق ومسجده ودراه بها في درب العلي وقبره بها، روى حديثين في الجمعة حديث «من غسل واغتسل» وحديث «أكثروا من الصلاة عليّ» وحديثاً في الصيام اهـ.
وفي «تقريب الحافظ» : خرج عنه الترمذي وابن ماجه، وفي «محتضر التلقيح» : أوس بن أوس له أربعة وعشرون حديثاً وليس له في الصحيح شيء ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إن من أفضل أيامكم) فيه دليل لأن أفضل أيام السنة يوم عرفة كما جاء «سيد الأيام يوم عرفة» ( يوم الجمعة) ويوم الجمعة من الأفضل وهو أفضل أيام الأسبوع ( فأكثروا عليّ من الصلاة فيه) ليزكوا ثوابها وينمو فضلها، لأن العمل الصالح يشرف بشرف زمانه ومكانه، وقوله ( فإن صلاتكم معروضة عليّ) يحتمل أن يراد عرض خاص وإلا فسائر الأعمال صالحها وفاسدها في سائر الأيام تعرض عليه كما جاء في السنة.
قال الشيخ ابن حجر الهيتمي وغيره: ويوم الجمعة كغيره في أن النبي يسمع بأذنيه الصلاة عليه إن كانت بحضرته بين يديه، وإلا فتبلغه الملائكة إياها، وما اشتهر من قول العامة أن النبي ليلة الجمعة يسمع بأذنيه الصلاة عليه محمول على ما ذكر، وللحديث تتمة تأتي في كتاب الصلاة على النبيّ ( رواه أبو داود بإسناد صحيح) ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبانوالحاكم في «المستدرك» .
211