فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب الصبر

رقم الحديث 45 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ليس الشديد) المحمودة شديديته شرعاً ( بالصرعة، إنما الشديد) الممدوحة شديديته شرعاً ( الذي يملك نفسه) من الوقوع في المنهيات ( عند) وجود ( الغضب) وقيامه به وذلك إنما يكون لمن راض نفسه بسياسة الاتباع واقتدى بالمصطفى في سائر الأحوال، فلم يحمله الغضب على الوقوع في أسباب الهلاك في دينه.
والغضب بالتحريك لغة: ضد الرضا.
وسببه حصول مخالف لمراد الإنسان ممن هو دونه وتحت يده فيحصل منه تلك الحالة المقتضية لفعل ما لا يجوز منقتل أو ضرب أو سب.
فمن حفظ نفسه عن ذلك وقادها بزمام الشريعة وكظم غيظه وعفا فاز بالدرجة العليا وكان محموداً شرعاً، وإن انتقم بقدر ما أذن فيه الشرع من التأديب فلا بأس ( متفق عليه) ورواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أيضاً ( الصرعة بضم الصاد وفتح الراء) المهملتين بعدهما مهملة مفتوحة ( وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيراً) فإن «فعلة» بضم ففتح لمن يكثر منه الفعل «وفعلة» بضم فسكون لمن يعتاد فعل ذلك الشيء به.
فضحكة بوزن همزة بمعنى الفاعل: لمن يكثر الضحك من الناس، وضحكة بوزن ركبة بمعنى المفعول: لمن يكثر ضحك الناس عليه وسخريتهم به ذكره الكرماني.
وقد بسطت ذلك في «شرح الأذكار» .
وفي الحديث: أن مجاهدة النفس أشدّ من مجاهدة العدو.
وقد ورد أن الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه لما عادوا من بعض الغزوات: «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» .


رقم الحديث 46 ( وعن سليمانبن صرد) زاد في الأذكار فقال «الصحابي» ( رضي الله عنه) وصرد بضم ففتح لأوليه وجميع حروفه مهملة، وهو خزاعي.
كان اسم سليمان في الجاهلية «يسار» فسماه «سليمان» وكان خيراً ديناً فاضلاً ذا دين وعبادة وشرف في قومه.
نزل للكوفة أول ما كوّفها سعد: وقتل في حرب بينت سببه في «شرح الأذكار» ، وحمل رأسه إلى مروانبن الحكم بالشام.
وكان عمره حين قتل ثلاثة وتسعين سنة.
روى له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة عشر حديثاً، اتفقا منها على هذا الحديث، وانفرد البخاري عنه بحديث واحد هو قوله: «اليوم نغزوهم ولا يغزونا» فليس له في «الصحيحين» سوى حديثين/ وخرّج عنه أصحاب السنن الأربع ( قال: كنت جالساً مع النبي ورجلان يستبان) بفتح التحتية وسكون المهملة.
وفتح الفوقية وتشديد الموحدة افتعال من السب: أي يسبّ كل منهما صاحبه ( وأحدهما) .
قال ابن حجر الهيثمي: قيل إنه معاذ، فإن صح وأنه ابن جبل تعين تأويل ما وقع منه من قوله: «هل بي من جنون» على أنه قاله من سورة الغضب من غير تأمل، قيل وهو الذي قال للنبي: «أوصني» الحديث الآتي، ففيه أن معاذاً كان عنده سورة من الغضب ( قد أحمرّ) بتشديد الراء ( وجهه وانتفخت أوداجه) في «النهاية» : الأوداج ما أحاط بالعتق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج، وقيل الودجان: عرفان غليظان على جانبي ثغرة النحر، ومنه الحديث اهـ.
( فقال رسول الله: إني لأعلم كلمة) المراد منها معناها اللغوي وهي الجمل المفيدة ( لو قالها) بصدق ويقين، ويحتمل أنه علم أن ذلك الرجل لو قالها مطلقاً ( لذهب عنه ما يجد) من شدة الغضب ببركة الكلمات وتأثير همته الشريفة في ذلك عنه.
ثم هذا الحديث الشريف مستمد من قوله تعالى: { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ با إنه سميع عليم} ( الأعراف: 2) ( لو قال أعوذ با من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد) من شدة الغضب وشره، والجملة بيان لما قبلها، وأعوذ: معناه ألجأ وأعتصم، والشيطان: العاتي المتمرّد، من شاط احترق، أو من شطن بعد، والرجيم فعيل بمعنى مفعول: أي المبعد من رحمةالله، واللام محذوفة من «لذهب» تفننا في التعبير ( فقالوا له) أي قال الصحابة لذلك الرجل المغضب ( إن النبي قال: تعوّذ با من الشيطان الرجيم) هذا منهم رواية للحديث بالمعنى، لا بخصوص اللفظ والمبنى، ففيه نص على جواز ذلك للعارف به.
وفي الحديث: تتمة سكت عنها المصنف هنا وهي أنه لما قيل له ذلك قال: «وهل بي من جنون؟» وفيه أن الغضب إنما يثير ناره، ويشعل لهبة الشيطان لما يترتب عليه من الضرائر في الدين والدنيا، فلذا كان دواؤه قطع سبب مادته وهو وسواس الشيطان الرجيم بالاستعاذة منه ( متفق عليه) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي، وفي رواية لأبي داود والترمذي والنسائي من حديث معاذ «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم» كذا في ( سلاح المؤمن) .


رقم الحديث 47 ( وعن معاذ) بضم الميم بعدها مهملة ( ابن أنس رضي الله عنه) هو الجهني؛ سكنمصر روى عنه ابنه سهل، له نسخة كبيرة عند ابنه سهل أورد منها أحمدبن حنبل في مسنده وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه والأئمة بعدهم في كتبهم، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثون حديثاً ( أن النبي قال: من كظم غيظاً) تجرعه واحتمل سببه وصبر عليه.
والغيظ: تغير الإنسان عند احتداده، وظاهر عموم تنكير غيظاً حصول الثواب على كظم الغيظ مع القدرة على إنفاذة وإن قلّ ( وهو قادر على أن ينفذه) بضم التحتية: أي يقضي ويعمل بما يدعوه إليه: من ضرب المغتاظ منه، أو قتله أو نحوه لسطوته على المغتاظ منه بملك أو نحوه وهو قيد في حصول ثواب كظم الغيظ المذكور ( دعاه الله سبحانه) تنزيهاً له عما لا يليق بشأنه ( وتعالى) عن ذلك فهو كالإطناب كما سبق ( على رؤوس الخلائق) تنويهاً بشأنه وإعلاماً بعلوّ مكانه ( يوم القيامة) ظرف لدعاه ( حتى يخيره) بضم التحتية الأولى وتشديد الثانية ( من الحور) بضم المهملة وسكون الواو آخره راء: أي شديدات سواد العيون وبياضها ( العين) ضخام العيون كسرت عينه بدل ضمها لمجانسة الياء/ مفرده عيناء كحمراء ( ما شاء) مفعول ثان ليخير ( رواه أبو داود والترمذي) ورواه ابن ماجه ( وقال) يعني: الترمذي ( حديث حسن) وعند ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب من حديث أبي هريرة مرفوعاً: «من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً» وعنده أيضاً من حديث ابن عمر «من كفّ غضبه ستر الله عورته» اهـ.
وقد روي أن الحسينبن علي رضي الله عنهما كان له عبد يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره فقرب إليه طهره ذات يوم في كوز، فلما فرغ الحسين من طهوره رفع العبد الكوز من بين يديه فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها فنظر إليه الحسين، فقال العبد: «والكاظمين الغيظ» قال: قد كظمت غيظي فقال: «والعافين عن الناس» قال: قد عفوت عنك، قال: «وا يحب المحسنين قال: اذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى، قال: وما جواز عتقي، قال: السيف والدرقة فإني لا أعلم في البيت غيرهما.


رقم الحديث 48 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً) قال الشيخ زكريا في «تحفة القارىء» هو جارية بالجيم ابن قدامة ومنه أخذ جمع أنه صحابي واعتمده الحافظ ابن حجر، وقيل: إنه تابعي.
وأن ما جاء في رواية خرّجها أحمد عنه أنه سأل النبي وهم.
وقيل: إنه سفيانبن عبد الله الثقفي، فقد ورد عنة أنه سأل النبي فأجابه بذلك، فرد عليه مراراً يسأله عن ذلك يقول له نبيّ الله: لا تغضب.
رواه العراقي في «أماليه» وقال: إنه حسن من هذا الوجه، قال: والحديث صحيح من وجه آخر يعني به حديث البخاري هذا.
قال: وإنما أوردته من حديث سفيان لفائدة كونه هو السائل، قال: وقد روينا في أحاديث عن ابن عمر وعبد ابن عمرو وأبي الدرداء وجاريةبن قدامة أن كلاً منهم سأل النبيّ عن ذلك فقال له: لا تغضب اهـ.
وجاء عن جابر وجارية كذلك، وتقدم عن «شرح المشكاة» لابن حجر أنه معاذبن جبل فلعله صدر من كل منهم ( قال للنبيّ: أوصني) توصية جامعة لخير الدارين كما يدل عليه التعميم بحذف المفعول.
وجاء في رواية عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: «أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ولا تكثر عليّ لعلي أعقله» ( قال لا تغضب) لما كان الغضب من نزغات الشيطان ولذا يخرج الإنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل ويفعل المذموم قال له لما قال أوصني: لا تغضب ( فردد) السائل قوله: أوصني ( مراراً قال) له في جواب كل مرة ( لا تغضب) ولم يزد عليه، ففيه دليل على عظم مفسدة الغضب وما ينشأ منه، وعند الخرائطي زيادة «قال الرجل السائل: ففكرت حين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فإذا الغضب يجمع الشرّ كله» .
( رواه البخاري) في «صحيحه» عن حديث أبي هريرة وكذا رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه: ورواه المحاملي عن أبي سعيد وأبي هريرة، ورواه ابن حبان في «روضة العقلاء» له عن أبي هريرة أو جابر، ورواية البخاري المذكور رافعة للشك.
ورواه مسدد في «مسنده» عن أبي سعيد من غير تردد، وحديث أبي هريرة صحيح، وهو من أفراد البخاري: أي بالنسبة لمسلم، وأصح من حديث أبي سعيد، وروى من حديث جابر وابن عمر وابن عمرو وأبي الدرداء وجاريةبن قدامة، وطرق الحديث استوعب جملة منها السخاوي في تخريج الأربعين التي جمعها المؤلف نفع الله به يأتي نقلها عنه ملخصاً في باب الحلم.


رقم الحديث 49 ( وعن أبي هريرة) الأخصر وعنه ( رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ما يزال البلاء) بالمصائب والمتاعب نازلاً ( بالمؤمن والمؤمنة في نفسه) بالمرض والفقر، والغربة، التي هي في الظاهر كربة، وإن نظرت إليها وأنها واردة إليك من أرحم الراحمين انقلبت من كونها محنة إلى كونها منحة ( وولده) بالموت والمرض أو عدم الاستقامة أو نحوه مما يؤلم الوالد بحسب الطبع البشري ( وماله) بالتلف ببعض الأسباب من حرق أو سرقة أو نحو ذلك ( حتى) غاية لنزول البلاء بأرباب الإيمان، أي إن البلاء لا يزال بالإنسان، أي: الصابر كما يدل عليه لفظ المؤمن والمؤمنة المحمول عن الفرد الكاملـ إلى أن يغفر الله له به الخطايا فـ ( ـــيلقى) أي المبتلي ليشمل كلاً منهما ( اتعالى) ولقاء الله كناية عن الموت ( وما عليه خطيئة) أي ذنب جملة حالية، وقوله خطيئة ظاهر عمومه شمول الكبائر والتبعات، فإن ثبت ذلك وأنه مراد فذلك من محض فضل الكريم الجواد، إذ صالح العمل ومنه الصبر والاحتساب إنما يكفر الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى ( رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) يحتمل أن يكون على تقدير واو العطف إن كان له إسنادان أحدهما صحيح والآخر حسن، وأن يكون على تقدير «أو» إن كان سنده فرداً.
واختلف في حاله وقد تقدم بسط هذا المقام في باب التوبة، والحديث رواه أيضاً مالك.


رقم الحديث 50 ( وعن) عبد الله ( بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم) بكسر الدال ( عيينة) بضم أوله المهمل وفتح التحتية الأولى ووسكون الثانية بعدها نون فهاء ( ابن حصين) بكسر فسكون للأوليه المهملتين الفزاري.
أسلم يوم الفتح وقيل قبله، وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة، ارتدّ وأتي به أسيراً إلى الصديق فأسلم فأطلقه، فقدم ابن حصين المدينة ( فنزل على ابن أخيه الحرّ) بضم الحاء وتشديد الراء المهملتين ( ابن قيس) بن حصن الفزاريصحابي، وهو الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إليه، فقال ابن عباس: هو الخضر، فسأل عنه أبياً فذكر فيه خبراً مرفوعاً كما قال ابن عباس، وقد أخرجه كذلك البخاري في كتاب العلم من «صحيحه» ( وكان) الحرّ ( من النفر) بفتح أوليه: الناس كلهم أو ما دون العشرة من الرجال وجمعه أنفار كذا في «مختصر القاموس» ( الذين يدنيهم) بضم أوله: أي يقربهم ( عمر) بن الخطاب ( رضي الله عنه) لكونه من الفقهاء القراء ( وكان القراء) جمع قارىء، والمراد منهم القارىء للقرآن المتفهم لمعانيه.
فإن عبادتهم حينئذٍ كانت كذلك حتى لقد قرأ عمر رضي الله عنه البقرة في سبع سنين لذلك ( أصحاب) أي ملازمي ( مجلس عمر رضي الله عنه) لينبهوه إذا سها ويذكروه إذا نسي ( ومشاوريه) يحتمل أن يكون بالفوقية بعد الراء المهملة فيكون معطوفاً على مجلس، ويحتمل أن يكون بالتحتية جمع مذكر سالم فيكون معطوفاً على أصحاب ( كهولاً كانوا أو شباناً) الكهل: الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب.
قال ابن فارس: قال المبرّد: هو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
وفي «تحفة القارىء» : سن الشباب خمس وثلاثون سنة، وسن الكهولة خمسون سنة، وسن الشيخوخة ستون سنة اهـ، وبه يعلم أن الثلاث والثلاثين ابتداء الكهولة وتستمرّ إلى الخمسين وما قبل ذلك من بعد البلوغ فسن الشباب.
والشبان بضم المعجمة وتشديد الموحدة آخره نون جمع شاب، وفي نسخة بفتح أوليه وآخره موحدة أيضاً ( فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه) أي: جاه ( عند هذا الأمير) أي: عمربن الخطاب رضي الله عنه ( فاستأذن لي) أمر: أي اسأل لي الإذن في الدخول ( عليه، فاستأذن) أي الحر لعيينة ( فأذن له عمر) أي: لعيينة في الوصول إليه ( فلما دخل) معطوف على مقدر: أي فدخل فلما دخل ( قال هي) بكسر الهاء وسكون التحتية كلمة تهديد، وقيل: هي ضمير وثم محذوف: أي: هي داهية.
وفي البخاري هيه بهاء السكت في آخره، وفي أخرى منه: إيه بالهمز بدل الهاء وهما بمعنى كما قال ابن الأثير، فمعناهما بلا تنوين زدني من الحديث المعهود وبالتنوين من أيّ حديث كان ( يا ابن الخطاب فوا ما تعطينا الجزل) بالنصب مفعول به أو مطلق: أي ما تعطينا الشيء الكثير أو العطاء الكثير وأصل الجزل ما عظم من الخطب.
وكأنه أراد أنهيستأثر به عن مستحقيه ( ولا تحكم فينا بالعدل) وهو ما جاء به الكتاب والسنة نصاً أو استنباطاً ( فغضب عمر رضي الله عنه) أي: لما رماه به من منع المال عن مستحقه من الأنام وعدم العدل في الأحكام ( حتى هم) بتشديد الميم: أي أراد ( أن يوقع به) بضم التحتية وكسر القاف والمفعول محذوف: أي شيئاً من العقوبة وذلك لجفائه وسوء أدبه معه ( فقال له) : أي لعمر، وقدمه على الفاعل اهتماماً به ( الحر: يا أمير المؤمنين) تقدم أوّل الكتاب أنه أوّل من لقب به من الخلفاء ( إن الله تعالى قال لنبيه) محرّضاً له على الحلم والصفح: أي ولكم في رسول الله أسوة حسنة ( خذ العفو) التيسير من أخلاق الناس ولا تبحث عنها.
وفي البخاري: عن عبد ابن الزبير «ما نزلت { خذ العفو وأمر بالعرف} ( الأعراف: 199) إلا في أخلاق الناس» .
وفي رواية قال: «أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من أخلاق الناس» وكذا في «جامع الأصول» ( { وأمر بالعرف} ) أي المعروف ( { وأعرض عن الجاهلين} ) فلا تقابلهم بسفههم.
روي أنه «لما نزلت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجبريل: ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل؛ ثم رجع فقال: إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك» ذكره البغوي في تفسيره بلا سند.
قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه ( وإن هذا من الجاهلين) المأمور بالصفح عنهم والتجاوز عن سوء فعلهم، والخطاب له يدخل في حكمه أمته إلا ما قام الدليل على اختصاصه به ( وا ما جاوزها) أي الآية ( عمر) أي ما خرج عما تضمنته من الصفح والتجاوز ( حين تلاها) الحر ( عليه) ( وكان وقافاً عند) حدود ( كتاب ا) كناية عن امتثاله لها والاهتمام بأمرها وعدم تجاوز ذلك، والوقاف بالتشديد للثاني من الوقوف كذا في «النهاية» ( رواه البخاري) في التفسير وفي الاعتصام.


رقم الحديث 51 ( وعن) عبد الله ( بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنها ستكون) تحصل ( بعدي) أي: بعد وفاتي بمدة كما يومىء إليه السين ( أثرة) بالمثلثة والراء اسم مصدر استأثر، أو اسم مصدر آثر يؤثر: أي يستأثر عليكم: أي يفضل غيركم في نصيبه من الفيء، والاستئثار الانفراد بالشيء ( وأمور تنكرونها) كما وقع من تأخير الصلوات وبعض المنكرات ( قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟) نفعله حينئذٍ ( قال: تؤدون) بضم الفوقية وفتح الهمزة وتشديد المهملة: أي تعطون ( الحق الذي) كتب ( عليكم) من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم ( وتسألون الله الذي لكم) من الحق في بيت مال المسملين: أي تطلبون منه ذلك وهو يسخر قلوبهم لأداء ذلك أو يعوّضكم عنه/ ولا يجوز لكم الخروج عليهم لمنع أداء الحق الواجب عليهم وما نقل عن بعض السلف من الخروج على ولاة زمنه فذاك اجتهاد له.
وفي الحديث الصبر على المقدور، والرضا بالقضاء حلوه ومرّه، والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم ( متفق عليه) رواه البخاري في علامات النبوّة وفي الفتن، ورواه مسلم في المغازي، ورواه الترمذي في «جامعه» وقال: حسن صحيح ( والأثرة) بفتح أوليه ويقال الأثرة بضم الهمزة وبالكسر وسكون المثلثة، وكالحسنى.
كذا في «مختصر القاموس» ( الانفراد بالشيء) أي: الاختصاص به أو ببعضه ( عمن له فيه حق) فهو منع المستحق من نصيبه مثلاً أو من بعضه.


رقم الحديث 52 ( وعن أبي يحيى) كني بابنه يحيى، وقيل: كنيته أبو عيسى كناه بها النبيّ، وقيل: أبو عتيك، وقيل: أبو حضير وقيل: أبو عمرو ( أسيدبن حضير) وسيأتي ضبط هذين الاسمين.
وأسيدبن حضير ( رضي الله عنه) أنصاري أوسي أشهلي، أسلم قبل سعدبن معاذ على يد مصعببن عمير بالمدينة بعد العقبة الأولى وقيل الثانية، وكان الصديق يكرمه ولا يقدم عليه أحداً ويقول إنه لا خلاف عنده، وشهد العقبة الثانية وكان نقيباً لبني عبد الأشهل، واختلف في شهوده بدراً، وشهد أحداً وما بعدها.
آخى بينه وبين زيد بنحارثة، وكان من أحسن الصحابة صوتاً بالقرآن، وكان أحد العقلاء الكمل أصحاب الرأي.
وأخرج في «أسد الغابة» عن أبي هريرة أن النبي قال: «نعم الرجل أسيدبن حضير» روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية عشر حديثاً؛ قاله ابن حزم في «سيرته» ، اتفقا منها على حديث واحد وهو هذا، وانفرد البخاري عنه بحديث آخر أخرجه تعليقاً.
توفي أسيد في شعبان سنة عشرين، وحمل عمر رضي الله عنه السرير حتى وضعه بالبقيع وصلى عليه، وكان قد أوصى إلى عمر في وفاء دينه فوجد عليه أربعة آلاف دينار فسده من ثمر نخله، باعه بذلك أربع سنين ( أن رجلاً من الأنصار) .
قال الشيخ زكريا: قيل هو أسيدبن حضير الراوي اهـ.
قال السيوطي: ولا بد أن الراوي يبهم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بالفاتحة ( قال: يا رسول الله ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام أداة عرض ( تستعملني) أي تصيرني عاملاً في بلاد ونحوها ( كما استعملت فلاناً) هو: عمروبن العاص ( وفلاناً) أي: استعمالاً كاستعمال فلان وفلان.
قال ابن السراج: لفظ فلان يكنى به عن اسم سمي به المحدّث عنه خاص بالناس غالباً، يقال في النداء يافل بحذف الألف والنون وقد يحذفان في غير النداء ضرورة، ويقال في غير الناس الفلان والفلانة بأن هذا ما ذكره الجوهري.
قال المصنف في «التهذيب» : ورد عن أبي يعلى في «مسنده» بإسناد على شرط مسلم عن ابن عباس قال: «ماتت شاة لسودة بنت زمعة فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة، تعني: الشاة» الحديث.
قال: كذا هو في النسخ المعتمدة فلانة من غير أل، وهذا تصريح بجوازه فهما لغتان اهـ.
( فقال إنكم) أي: يا معشر الأنصار ( ستلقون بعدي أثرة) تقدم ما فيه من اللغات والمعنى المراد منه ( فاصبروا) على استئثارهم عليكم بما تستحقونه ( حتى تلقوني على الحوض) أي: إلى الموت الكائن بعد البعث منه لقاؤهم له على الحوض.
فإن قلت: ما وجه المناسبة بين قوله: «إنكم ستلقون الخ» وما سأله من العمل.
قلت: لعله أن من شأن العامل الاستئثار إلا من عصمالله، فأشفق عليه من أن يقع فيما يقع فيه بعض من يأتي بعده من الملوك/ فيستأثر على ذوي الحقوق ويمنعهم منه، وهذا من جملة معجزاته فقد وقع كما أخبر.
وفي الحديث إيماء إلى أن الخلافة بعده لا تكون فيهم؛ وقد أوصى عليهم ( متفق عليه وأسيد بضم الهمزة) وفتح السين المهملة وسكون التحتية آخره دال مهملة ( وحضير بالحاء المهملة المضمومة فضاد معجمة مفتوحة) عرفالحاء ونكر الضاد تفننا في التعبير، وبعد الضاد تحتية ساكنة فراء مهملة.


رقم الحديث 53 ( وعن أبي إبراهيم) وقيل: أبو معاوية، وقيل: أبو محمد ( عبد ابن أبي أوفى) واسم أبي أوفى علقمةبن خالدبن الحارثبن أبي أسيدبن رفاعةبن ثعلبةبن هوازنبن أسلم الأسلمي، هو وأبوه صحابيان ( رضي الله عنهما) بايع عبد الله بيعة الرضوان وشهد خيبر وما بعدها من المشاهد.
ولم يزل بالمدينة حتى قبض رسول الله، ثم تحوّل إلى الكوفة وهو آخر من توفي بها من أصحاب النبيّ.
أخرج ابن الأثير في «أسد الغابة» عنه «أنه سئل عن أكل الجراد فقال: غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ست غزوات نأكل الجراد» روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وتسعون حديثاً، اتفقا منها على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بواحد.
توفي عبد الله بالكوفة سنة ستّ وقيل: سبع وثمانين بعد ما كفّ بصره رضي الله عنه ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه) أي أيام غزواته وحروبه وهو متعلق بقوله الآتي «انتظر» ( التي لقي فيها العدو) وتقدم في باب التوبة أن عدد المغازي التي خرج لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنفسه سبع وعشرون، قاتل في تسع منها بنفسه تقدم بيانها ثمة.
والعدوّ بفتح العين فضم الدال المهملتين وتشديد الواو: يطلق على الواحد والجمع، والمراد منه الكفار ( انتظر) أي أخر قتالهم ( حتى إذا مالت الشمس) عن كبد السماء إلى جهة المغرب هو وقت الزوال، أي كان يؤخر القتال إلى ميل الشمس ليبرد الوقت على المقاتلة، ويخفّ عليهم حمل السلاح التي يؤلم حملها في شدّة الهاجرة، وقيل بل كان يفعل ذلك لانتظار هبوب ريح النصر التي نصر بها، وفي حديث عند أبي داود «كان ينتظر حتى تزول الشمس وتهب رياح النصر» ( قام فيهم) وحتى لبيان غاية الانتظار: أي ما زال منتظراً إلى ميل الشمس وقام جواب إذا والظرف حال من الضمير في قام أي قام فيهم منبهاً لهمعلى ما فيه صلاحهم ( فقال: يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدوّ) زاد في رواية «فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم» وحكمة النهي كما قاله ابن بطال أن المرء لا يعلم مآل أمره وهو نظير سؤال العافية في الفتن.
وقال للصديق «لأن أعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر» وقيل: إنما نهي عنه لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على القوّة والوثوق بها وقلة الاهتمام بأمر العدو، وكل ذلك مباين للاحتياط والأخذ بالحزم.
زاد المصنف: وهو نوع بغى وقد وعد الله من بغى عليه بالنصر.
وقيل: إن ذلك للخوف من إدالة العدوّ على المسلمين وظفره بهم، وقد جاء في هذا الحديث: «فإنهم ينصرون كما تنصرون» وفي هذا المحل بسط تام في «شرح الأذكار» فراجعه ( واسألوا الله العافية) قال المصنف: كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية وهي من الألفاظ المتناولة لدفع جميع الآفات في البدن في الظاهر والباطن في الدين والدنيا والآخرة ( فإذا لقيتموهم) أي: العدو ( فاصبروا) على قتالهم ولا تجبنو عن حربهم فإنه تعالى مع الصابرين بالمعونة وقد وعد جنده بالظفر فقال: { وإن جندنا لهم الغالبون} ( الصافات: 173) ففيه الحثّ على الصبر وهو من أهم المطلوب في الجهاد ( واعلموا أن الجنة تحت ظلال) بكسر الظاء المعجمة جمع ظل ( السيوف) أي حاصلة بها.
قال التوربشتي: معناه ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف ومشي المجاهد في سبيل الله فاحضروا بصدق نية واثبتوا.
وقال القرطبي: هذا من الكلام النفيس البديع الذي جمع ضروب البلاغة من جزالة اللفظ وعذوبته وحسن استعارته وشمول المعاني الكثيرة مع الألفاظ المقبولة الوجيزة بحيث تعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إيراد مثله وأن يأتوا بنظيره وشكله.
فإنه استفيد منه مع وجازته الحضّ على الجهاد والإخبار بالثواب عليه، والحضّ على مقاربة العدو واستعمال السيوف والاعتماد عليها، واجتماع المقاتلين حين الزحف بعضهم ببعض حتى تكون سيوفهم بعضها يقع على العدو ويرتفع عليهم حتى كأن السيوف أظلت الضاربين بها، ويعني: أن الضارب بالسيف في سبيل الله يدخل الجنة بذلك، وهذا كما قال في الحديث الآخر: «الجنة تحت أقدام الأمهات» ويعني: أن من بر أمه وقام بحقها دخل الجنة ( ثم قال) : داعياً بالنصر، وقدم الثناء عليه تعليماً للأدب فيه، وهو أن يقدم الداعي أمام دعائه ذكر بعض أسمائه تعالى وأوصافه مما يناسب حاجته ومطلوبه،لأنه ( ) مطلوبه هنا النصرة وهي من آثار القدرة، والمذكور يناسبها: أي مناسبة ( اللهم) يا ( منزل الكتاب) أل فيه للجنس والكتب المنزلة إلى الدنيا بتخفيف الزاي ويجوز تشديدها مائة وأربعة: ستون صحف شيث، وثلاثون صحف إبراهيم، وعشر صحف موسى قبل التوراة، والتوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.
ويجوز أن تكون أل للعهد؛ والمراد به القرآن، وفي ذكره إيماء إلى وعده بنحو قوله: { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} ( الأنبياء: 15) ولذا جاء عنه «لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده» ( ومجرى السحاب) بإثبات واو العطف، ووقع في بعض نسخ الحصن حذفها، والذي في الصحيح إثباتها ( وهازم الأحزاب) الطوائف من الكفار الذين تحزّبوا على رسول الله، واحده حزب بالكسر.
وكانت وقعة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة، وقيل في الرابعة منها، وإنما خصت بالذكر لأن هزمهم فيها مع كثرة عددهم وعددهم إنما كان بحض القدرة الإلهية، لا دخل فيه لمباشرة الأسباب، بخلاف باقي الحروب فإنه كان عقب مقابلتهم، بل وأعجب من ذلك أن هزمهم كان بما يستراح به الشيء عادة، وهي ريح الصبا التي تستريح بها النفوس ويرتاح بها المأنوس، فكان ذلك لهم دافعاً ولكيدهم مانعاًـ { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً} ( الأحزاب: 25) ، ( اهزمهم) أي: القوم المحاربين حينئذٍ، أي اغلبهم ( وانصرنا عليهم) أي: عجل به، وإلا فرسل اهم المنصورون، وجند اهم الغالبون، وخص الدعاء عليهم بما ذكر دون الإهلاك لأن فيه سلامة نفوسهم، وقد يكون فيها رجاء لإسلامهم بخلاف الإهلاك.
وفي الحديث استعمال السجع في الدعاء.
وقال المصنف وغيره: والسجع المذموم في الدعاء هو المتكلف؛ لأنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص، ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب.
أما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال فصاحة الداعي ونحو ذلك، أو لكونه محفوظاً فلا بأس به، بل هو حسن اهـ.
وفي الحديث الدعاء حال الشدائد والخروج من الحول والقوّة وذلك من أعظم الأسباب لبلوغ المآرب ونيل المطالب.
وفي الحديث: «لا حول ولا قوّة إلا با دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهم» والله أعلم.
وفي فعله جمع بين الحقيقة والشريعة، فالشريعة أخذه العدة من السلاح وغيره والخروج للقتال وتحريض الصحابة على ذلك، والحقيقة هي دعاؤه وإظهاره للافتقار وتعلقه بربه، وكذا كان عليه الصلاة والسلام يفعلفي جميع أموره يبالغ في امتثال الحكمة ثم بعد ذلك يرجع إلى الحقيقة فيتعلق با تعالى ويردّ الأمر إليه ( متفق عليه) ورواه أحمد وأبو داود وقال العارف با ابن أبي جمرة: قيل في الحديث دليل للصوفية في المجاهدة التي يأخذون بها أنفسهم في كل ممكن يمكنهم بالمال وبالأيدي وبالألسنة، لأنه إذا فعل ذلك في الجهاد الأصغر فكيف به في الجهاد الأكبر؟ وكيفيته في الجهاد الأكبر ألا يتصرّف في شيء من ذلك إلا باتباع أمر الله تعالى واجتناب نهيه.
وفيه أيضاً دليل لهم في كونهم يطلبون العافية لأنفسهم ولا يعرضون بأنفسهم إلى المجاهدة التي لا قدرة لهم عليها إلا أن يضطروا إلى ذلك فيفعلونه للاضطرار، لأنه نهى عن تمني لقاء العدوّ في الجهاد الأصغر، وأمر بطلب العافية، فكيف به في الجهاد الأكبر فعلى هذا فشأن المرء أن يطلب العافية في كل الأشياء ولا يعرض نفسه لشيء وهو لا يقدر عليه اللهم إلا إن أتاه أمر وفاجأه فوظيفته إذ ذاك الصبر والتثبت والأدب فيما أقيم فيه اهـ.
4

رقم الحديث -1 أي: هذا باب بيان فضائل الصبر من الآيات والأحاديث.
قال الراغب في «مفرداته» : الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع، أو على العبد عما يقتضيان حبسها عنه اهـ.
وقال ذو النون: هو التباعد عن المخالفات والسكوت من تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى عند حلول الفقر بساحة المعيشة.
قال الراغب: وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس بمصيبة سمي صبراً لا غير ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتماناً ويضاده الهذر، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبراً، قال تعالى: { اصبروا وصابروا} أي: احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا هواكم اهـ.
( قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا} ) على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ( وصابروا) الكفار، أي: غالبوهم بالصبر فلا يكونوا أشد منكم ( ورابطوا) أي: أقيموا على الجهاد.
وفي تفسير الكواشي: قال: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها» قال أبو سلمة: لم يكن في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو يرابط فيه ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة.
( وقال تعالى: { إنما يوفى الصابرون} ) على الطاعة وما يبتلون به، وترك ذكر الفاعل للعلم به سبحانه ( أجرهم بغير حساب) أي: بغير مكيال ولا وزن.
قال أبو عثمان المغربي: لا جزاء فوق جزاء الصبر.
قال الكواشي في «التفسير الكبير» : المراد كل صابر على ترك أهل ووطن وعلى كل مكروه يعرض له لأجلالله.
قال علي رضي الله عنه: كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرون فإنه يحثى لهم حثياً.
( وقال تعالى: { ولمن صبر} ) فلم ينتصر لنفسه بعد ظلمها ( { وغفر} ) تجاوز عن ظالمه ( { إن ذلك} ) المذكور من الصبر والغفر ( { لمن عزم الأمور} ) أي: منه فحذف للعلم به كحذفه من قولهم: السمن منوان بدرهم، والمعنى: من الأمور التي أمر الله تعالى بها.
وقال بعضهم: الصبر على المكاره من علامات الأنبياء، فمن صبر على مكروه أو مصيبة ولم يجزع أورثة الله حالة الرضى، وهي من أجلّ الأحوال، ومن جزع من المصائب وشكا وكله الله إلى نفسه ولم تنفعه شكواه.
( وقال تعالى: { واستعينوا} ) أي: اطلبوا المعونة على أموركم ( بالصبر) أي: الحبس للنفس على ما تكره ( والصلاة) أفردها بالذكر تعظيماً لشأنها، وفي الحديث «كان إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة» وقيل الخطاب لليهود لما عاقهم عن الإيمان الشره وحب الرياسه أمروا بالصبر وهو مصوم، لأنه يكسر الشهوة، والصلاة لأنها تورث الخشوع وتنفي الكبر.
( وقال تعالى: { ولنبلونكم} ) اللام فيه مؤذنة بقسم قلبه، أي وا لنختبرنكم بأن نأمركم بالجهاد ومشاق الدين فيظهر لنا منكم الطائع والعاصي ( حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) المراد بالعلم هنا لازمه من الوجود، والمعنى حتى نتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره/ أو حتى نعلم علم ظهور.
( والآيات) القرآنية ( في الأمر بالصبر، و) في ( بيان فضله كثيرة) اهتماماً بشأنه ( معروفة) .