فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب المنثورات والملح

رقم الحديث 1809 ( وعن ربعيّ) بكسر الراء وسكون الموحدة وبالمهملة ( بن حراش) بكسر المهملة وتخفيف الراء آخره شين معجمة، وتقدم أنه تابعي ( قال: انطلقت مع أبي مسعود الأنصاري) هو البدري لشهوده وقعتها أو سكناه بها، على الخلاف المتقدم فيه، ( إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم فقال له أبو مسعود حدثني بما) أي: الذي ( سمعت) بحذف العائد، ويحتمل كون ما مصدرية والمصدر المنسبك بمعنى المفعول، ولا يخفى ما فيه من البعد ( عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدجال قال:) أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدل له قول أبي مسعود آخراً وأنا قد سمعته، وحذف العائد على حذيفة فلم يكتبه اكتفاء بدلالة المقام عليه ( أن الدجال يخرج) أي: في أواخر الدنيا ( وأن معه ماء وناراً) جملة معطوفة على الجملة المحكية قبلها أو حال من فاعل يخرج ( فأما الذي يراه الناس) أي يبصرونه حال كونه ( ماء فنار تحرق) بضم التحتية من الاحراق ( وأما الذي يراه الناس ناراً فماء عذب) أي: حلو ( طيب) ضد الكدر.
قال المصنف: قال العلماء: من جملة فتنه التي امتحن الله بها عباده ليحق الحق ويبطل الباطل، ثم يفضحه بعد، ويظهر عجزه وقال الحافظ: هذا كله يرجع إلى اختلاف المرء بالنسبة إلى الراءي، فإما أن يكون الدجال ساحراً فيخيل الشيء بصورة عكسه، وإما أن يجعل الله بأرض الجنة التي يسخرها للدجال ناراً وباطن النار جنة، وهذا هو الراجح وإما أن يكون ذلك كناية عن الرحمة والنعمة بالجنة، وعن المحنة والنقمة بالنار، فمن أطاعه فأنعم عليه بجنته يؤول أمره إلى دخول نار الآخرة وبالعكس، ويحتمل أن يكون ذلك من جملة المحنة والفتنة فيرى الناظر ذلك من دهشته فيظنها جنة وبالعكس اهـ.
( فقال أبو مسعود وأنا قد سمعته متفق عليه) رواه البخاري في ذكر بني إسرائيل وفي الفتن.
ورواه مسلم في الفتن.
ورواه أيضاً أبو داود في الملاحم من سننه عن حذيفة موقوفاً.
وعن أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً.


رقم الحديث 1810 (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين.
لا أدري أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو أربعين عاماً.
قال في فتح الباري: والجزم بأنها أربعون يوماً مقدم على هذا الترديد (فيبعث الله عيسى ابن مريم) أي: من السماء إلى الأرض (- صلى الله عليه وسلم - فيطلبه) أي: فيدركه بالشام (فيهلكه) أي: بأن يقتله ولا ينافيه من أنه يذوب حينئذ كذوبان الملح، لأن ذلك لعله يكون ابتداء اللقي، ثم يسارعه عيسى بالقتل زيادة في الإِهانة (ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة) يحتمل أنها المدة الخالصة من الأكدار البتة في زمن عيسى عليه السلام، وإلا فذكر الشيخ جلال الدين السيوطي أنه يمكث بعد نزوله أربعين سنة ولفظه في حاشية تفسير البيضاوي قوله في هذا الحديث: ويمكث في الأرض أربعين سنة.
قال الحافظ عماد الدين ابن كثير: يشكل عليه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عمرو: أنه يمكث في الأرض سبع سنين، قال: اللهم إلا أن يحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله.
وتلك مضافاً إلى مكثه فيها قبل رفعه إلى السماء وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين على المشهور.
والله أعلم.
أقول وقد أقمت سنين أجمع بذلك ثم رأيت البيهقي قال في كتاب البعث والنشور هكذا في الحديث: إن عيسى يمكث في الأرض أربعين سنة.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمرو فيبعث الله عيسى ابن مريم، فيطلبه فيهلكه ثم تلبث الناس بعده سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة.
قال البيهقي: يحتمل أن يكون قوله: ثم يلبث الناس أي: بعد موته فلا يكون مخالفاً للأول، فترجح عندي هذا التأويل، لأن الحديث ليس نصاً في الإِخبار عن مدة لبث عيسى، وذاك نص فيها لأن ثم يؤيد هذا التأويل.
وكذا قوله يلبث الناس بعده فيتجه أن الضمير فيه لعيسى، لأنه أقرب مذكور؛ ولأنه لم يرد في ذلك سوى الحديث المحتمل ولا ثاني له.
وورد مكث عيسى أربعين سنة في عدة أحاديث، من طرق مختلفة: منها الحديث المذكور.
وهو صحيح.
ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الأرض أربعين سنة، لو يقول للبطحاء سيلي عسلاً لسألت".
ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده عن عائشة مرفوعاً في حديث الدجال: "فينزل عيسى ابن مريم فيقتله، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة، إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً" وورد أيضاً من حديث ابن مسعود عند الطبراني فهذه الأحاديث المتعددة أولى من ذلك الحديث الواحد المحتمل اهـ.
(ثم يرسل الله عز وجل ريحاً باردة) تقدم في حديث النواس بدل باردة قوله طيبة فلعل طيبها بردها وبين جهة مهبها بقوله: (من قبل الشام فلا يبقى) بالتحتية (على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضت) من الإِسناد إلى السبب كما تقدم (حتى لو أن أحدكم) الخطاب للمؤمنين الموجود بعضهم حاله (دخل في كبد) بفتح فكسر على الأفصح أي: وسط وداخل (جبل لدخلته عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس) بكسر المعجمة (في خفة الطير) بكسر المعجمة وتشديد الفاء، والطير يجوز أن يكون اسم جمع طائر، وأن يكون واحد الطيور (وأحلام) بالمهملة (السباع) بكسر المهملة وبالموحدة وبعد الألف مهملة أيضاً.
قال المصنف: قال العلماء: معناه يكونون في سرعتهم إلى الشر وقضاء الشهوة والفساد: كطيران الطير، وفي العدو خلف بعضهم بعضاً أحلام السباع العادية (لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً) لشدة الجهل (فيتمثل لهم الشيطان) أي: يتصور لهم على مثال شخص فيخاطبهم (فيقول ألا تستجيبون فيقولون.
فما تأمرنا فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار) بتشديد الراء (رزقهم) أي: ما ينتفعون به (حسن عيشهم) أي: ما يعيشون به من الطعام والشراب والملبس: والجملة خبر بعد خبر وجملة وهم الخ حال، أتى بها لبيان ما ترتب على ضلالهم من رفاهية العيش وخصوبته.
وفي الكلام حذف، أي: فيجيبونه لذلك كما جاء ما يدل لذلك.
(ثم ينفخ في الصور) نفخة الصعق (فلا يسمعه) أي: النفخ المدلول عليه بالفعل.
(أحد إلا أصغى ليتاً) بالصاد المهملة وبالغين المعجمة أي: مال (ورفع ليتاً وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله) أي: يطينه ويصلحه (فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطراً كأنه الطل) بالمهملة (أو) شك من الراوي (الظل) بالمعجمة قال المصنف: والأصح بالمهملة، وهو الموافق للرواية الأخرى كمني الرجال (فتنبت منه) أي: بسببه أو من معدية للفعل (أجساد الناس من عجب الذنب) الباقي من جسد الإِنسان في القبر وهي عظم في أصل العصعص قدر الخردل (ثم ينفخ فيه) أي: الصور (أخرى) للبعث (فإذا هم قيام) من قبورهم (ينظرون) أو ينظر بعضهم بعضاً أو ينتظرون أمر الله فيهم (ثم يقال يا أيها الناس هلموا) كذا في نسخة بضمير الجماعة، وهي لغة تميم.
وفي أخرى صحيحة بحذفها وهي لغة الحجاز، وبها جاء التنزيل قال الله تعالى: (قل هلم شهداءكم) (إلى ربكم وقفوهم) أي: في عرصات القيامة (إنهم مسئولون) عن ما عملوه في الدنيا وتلبسوا به (ثم يقال) أي: للملائكة الموكلين بالناس يومئذ كما يدل عليه قوله (أخرجوا بعث النار) بضمير الجماعة وهو لا ينافي الحديث الصحيح عند البخاري، يقال لآدم اخرج بعث النار من ذريتك (الحديث) لجواز أمر كل منه ومنهم بذلك زيادة في التهويل والتفظيع، وبعث مصدر بمعنى المفعول، أي: المبعوث إليها (فيقال من كم فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فالباقي من الألف للجنة واحد (فذاك يوم) بالرفع خبر اسم الإِشارة، ويجوز نصبه على الظرفية.
والخبر محذوف وهو بالتنوين موصوف بقوله: (يجعل الولدان شيبا) الإِسناد إلى اليوم من الإِسناد إلى السبب (وذاك يوم يكشف عن ساق) أي: يكشف عن حقائق الأمور وشدائد الأهوال وكشف الساق، مثل في ذلك.
وقيل يكشف عن ساق: أي: نور عظيم يخرون له سجداً.
جاء هذا التفسير مرفوعاً (رواه مسلم الليت) بكسر اللام وسكون التحتية وبالمثناة الفوقية (صفحة العنق) بضمتين وبسكون الثاني تخفيفاً.
(ومعناه يضع صفحة عنقه ويرفع صفحة الأخرى) أي: من عظم الهول وشدة الأمر.


رقم الحديث 1811 ( وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال) الاستثناء مرفوع، واسم ليس مجرور بمن: للتأكيد؛ وخبرها محذوف.
أي: ليس بلد موجودة إلا سيطأه الدجال ابتلاء لأهله؛ وزيادة في ثواب التائبين.
( إلا مكة والمدينة) والمسجد الأقصى ومسجد الطور، كما جاء ذلك في حديث رواه أحمد بسندٍ، رجاله ثقات أشار إليه الحافظ في الفتح ( وليس نقب) بفتح النون وسكون القاف آخره موحدة أي: خرق قال في المصباح وهو في الأصل مصدر سمي به ( من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين) حال مقدرة من الظرف المستقر ( تحرسهما) استئناف بياني، أو حال بعد أخرى متداخلة أو مترادفة والمراد تحرسهما من الدجال ( فينزل بالسبخة) بفتح المهملة والموحدة وبالخاء المعجمة، وهي الأرض الرملة التي لا تنبت لملوحتها، وهذه الصفة خارج المدينة من غير جهة الحرة.
وجاء في رواية أنه "ينزل بسبخة الجرف" ( فترجف المدينة ثلاث رجفات) قال الحافظ: يجمع بينه وبين حديث لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال بأن الرعب المنفي الخوف والفزع، حتى لا يحصل لأحد فيها بسبب نزوله بها شيء منه، أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها والمراد بالرجفة الإِرفاق.
وهو إشاعة مجيئه وأنه لا طاقة لأحد به، فيسارع حينئذ إليه من يتصف بالنفاق أو الفسق، فظهر حينئذ تمام أنها تنفي خبثها اهـ.
( يخرج الله منها كل كافر ومنافق رواه مسلم) .


رقم الحديث 1815 ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يخرج الدجال) قال في فتح الباري: الذي يدعيه أنه يخرج أولاً فيدعي الإِيمان والصلاح، ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألوهية.
كما أخرجه الطبراني من طريق سليمان بن شهاب قال: نزل على عبد الله بن المغنم وكان صحابياً، فحدثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الدجال ليس به خفاء يجيء من قبل المشرق فيدعو إلى الدين فيتبع ويظهر، ولا يزال حتى يقدم الكوفة ويظهر الدين، ويعمل به ْثم يتبع ويحث على ذلك ثم يدعي أنه نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه فيمكث بعد ذلك ثم يقول أنا إله فتغشى عينه وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى ذلك على مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان" وسنده ضعيف.
( فيتوجه قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: جهته ( رجل من المؤمنين) قال المصنف: قال أبو ْإسحاق.
يقال إن هذا هو الخضر.
وأبو إسحاق هذا هو راوي صحيح مسلم عن مسلم وكذا قال معمر في جامعه في أثر هذا الحديث، كما ذكره أبو سفيان وهذا منهم تصريح بحياة الخضر وهو الصحيح اهـ.
( فتتلقاه المسالح) بالمهملتين ( مسالح الدجال) بدل كل مما قبله ( فيقولون له إلى أين تعمد) بكسر الميم أي: تقصد ( فيقول أعمد إلى هذا الذي خرج) ضمن أعمد معنى: اذهب والإِتيان بالمجرور اسم إشارة للتحقير والإِهانة، كالتعبير بقوله وخرج ( فيقولون له أو ما تؤمن بربنا فيقول) رداً لقولهم ربنا، الظاهر في عموم المتكلم وغيره ( ما بربنا خفاء) أي: أن أوصافه العلية ظاهرة لا خفاء فيها، والدجال منظره يدل على كذبه ( فيقولون) أي: لقول بعضهم لبعض ( اقتلوه فيقول بعضهم لبعض) عبر عنهم أولاً بيقولون، وثانياً بما ذكرنا، تفنناً في التعبير ودفعاً لثقل التكرير، وإيماء إلى أن ما وقع من بعض القوم ورضي به الباقون جازت نسبته للجميع ( أليس قد نهاكم ربكم) يعنون الدجال ( أن تقتلوا أحداً دونه فينطلقون به إلى الدجال) فيأتون إليه ( فإذا رآه المؤمن) أي: وقع بصره عليه ونظر ما بعينيه من العور وما بوجهه من كتابة كافر ( قال) عند رؤيته له ( يا أيها الناس هذا الدجال الذي ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) بحذف العائد اختصاراً لأن المقام له ( فيأمر الدجال به فيشبح) بضم التحتية وفتح المعجمة والموحدة بعدها مهملة أي: يمد على بطنه ( فيقول خذوه وشجوه) بالمعجمة والجيم من الشج قال المصنف: وهو الجرح في الرأس والوجه.
يقال شجه إذا شق جلده.
ويقال هو مأخوذ من شجت السفينة البحر إذا شقته جارية فيه كذا في المصباح.
وهذا أحد وجوه ثلاث في روايات ذكرها المصنف.
ثانيها أنها من التشبيح والشق معاً.
وثالثها أنها من الشبح كذا قال المصنف.
وصحح القاضي الوجه الثاني وهو الذي ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، والأصح عندنا الأول ( فيوسع) بالبناء للمفعول وهو بالتحتية والمهملة ( ظهره وبطنه ضرباً) بالنصب على التمييز ( فيقول أو ما تؤمن بي فيقول) صبراً على التعذيب في الله ( أنت المسيح الكذاب) هو بمعنى الدجال على أحد الأقوال ( فيؤمر به فيؤشر بالمئشار) قال المصنف: هكذا الرواية بالهمز فيهما وهو الأفصح ويجوز تخفيفاً إبدالها واوا في الفعل وياء في الثاني، ويجوز المنشار بالنون كما تقدم ذلك مراراً ( من مفرقه) بفتح الميم وكسر الراء أي: وسطه ( حتى يفرق بين رجليه) غاية للفعل ( ثم يمشي الدجال بين القطعتين) زيادة في الفتنة ( ثم يقول له قم فيستوي قائماً) أي: فيحيى فيستوي قائماً ( ثم يقول له أتؤمن بي فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة) أي: استبصاراً أو تعرفاً أنك الدجال ( ثم يقول) أي: المؤمن ( يا أيها الناس إنه لا يفعل) أي: الفعل المدلول عليه بالمقام ( بعدى بأحد من الناس فيأخذه الدجال ليذبحه) إذ لم يؤمن به ( فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته) بفتح الفوقية وضم القاف وسكون الراء: وهي العظم الذي بين نقرة النحر والعاتق من الجانبين.
قال بعضهم: ولا تكون الترقوة لشيء من الحيوان غير الإِنسان.
ثم إن "إلى" يحتمل أنها بمعنى الواو، لأن "بين" لا تضاف إلا إلى متعدد، ويحتمل أن يقال في الكلام مضاف مقدر أي أخر رقبته، ولعل هذا أقرب ( نحاساً) بضم النون على الأفصح وبالمهملتين يحتمل إجرائه على ظاهره وحقيقته وأن الله يجعل الجلدة أو عليها النحاس ويحتمل أنه مجاز أو كناية عن الحيلولة عنه وعدم التمكن منه كما قال ( فلا يستطيع الوصول إليه) أي: بالقتل وفي نسخة فلا يستطيع إليه سبيلاً أي بالقتل ( فيأخذ بيديه ورجليه) الباء مزيدة في المفعول للتأكيد كقوله تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ( فيقذف) بكسر الذال المعجمة أي: يرمى ( به فيحسب الناس) أي: يظنون ( أنه قذف في النار) لكونها بصورتها ( وإنما ألقي) بالبناء للمجهول ( في الجنة) حقيقة لأن ناره جنة، وبالعكس كما تقدم ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) لأنه قال: الحق عند الظالم الكاذب الجائر، وإن ثبت ما تقدم من أنه الخضر فيكون فيه بيان وقت وفاته، وأنه لا يبقى إلى انقراض الدنيا، بل لا يلقى عيسى عليه السلام ( رواه مسلم وروى البخاري) في كتاب الفتن ( بعضه بمعناه) من حديث أبي سعيد ولفظه "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فيدخل بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس أو من خير الناس، فيقول أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثه، فيقول: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته.
هل تشكون في الأمر؟ فيقولون لا فيقتله ثم يحييه فيقول والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه".
( المسالح) بالمهملتين ( هم الخفراء) بضم المعجمة وبالفاء ( والطلايع جمع) طليعة وهو من يتقدم القوم ويتطلع لهم الأخبار.
وقال بعضهم، المسالح: الرجل المسلم جمع مسلحة.
وهم قوم ذو سلاح.
ولعل المراد به هنا: مقدمة الجيش.
أصله موضع السلاح ثم استعمل للثغر فإنه تعد فيه الأسلحة، ثم للجند المترصدين ثم لمقدم الجيش، فإنهم كأصحاب الثغور لمن وراءهم من المسلمين.


رقم الحديث 1816 ( وعن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال ما سأل أحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما سألته) أي: عنه أو من سؤالي وهذا لفظ البخاري.
ولفظ مسلم أكثر ما سألته بحذف من ( وأنه قال لي ما يضرك) وفي رواية مسلم وما ينصبك منه بنون وصاد مهملة ثم موحدة من النصب يعني التعب ( قلت أنهم) بفتح الهمزة وبتقدير اللام المصرح بها في رواية البخاري قال الحافظ والظرف متعلق بمحذوف أي: الخشية أو نحوها لأنهم ( يقولون أن معه جبل خبز) بضم المعجمة ولسكون الموحدة بعدها زاي أي: معه من الخبز قدر الجبل.
أو أطلق الخبز وأريد به أصله: وهو القمح مثلاً.
وفي رواية لمسلم معه جبال من خبز، ولحم ونهر من ماء وفي رواية "أن معه الطعام والأنهار" وفي رواية "أن معه الطعام والشراب" ( ونهر ماء) بإسكان الهاء وبفتحها ( قال: هو أهون على الله من ذلك) زاد مسلم.
بل فقال هو أهون إلخ قال عياض: معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلاً للمؤمنين، ومشككاً لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيماناً ويرتاب الذين في قلوبهم مرض.
لا أن المراد بذلك: أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد: أهون من أن يجعل شيئاً من ذلك آية على صدقه، سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره، يقرؤها من يقرأ ومن لا يقرأ، زائدة على شواهد كذبه من حديثه ونقصه.
قال الحافظ في الفتح: وإنما أوله بذلك لصحة الأحاديث، بأن معه ما ذكر من الطعام والشراب.
وقال ابن العربي: ويحتمل أن يكون المراد: هو أهون من أن يجعل ذلك له حقيقة، إنما هو تخييل وشبه على الأبصار، فيثبت المؤمن ويزل الكافر.
ومال ابن حبان في صحيحه إلى ذلك ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1819 ( وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر الدجال بين ظهراني الناس) الظرف لغو متعلق "بذكر" وبين ظهراني: بفتح النون وكسر الياء لالتقاء الساكنين، بصيغة المثنى، أتى به للدلالة على زيادة الظهور وعدم الاختفاء؛ قال في فتح الباري: وزيدت الألف والنون فيه للنداء، ومعناه أن ظهرا منهم قدامه وظهرا خلفه، فكأنهم خفراء من جانبيه هذا أصله.
ثم كثر حتى استعمل في الإِقامة بين القوم مطلقاً.
ولذا زعم بعضهم أن لفظ "ظهراني" هنا زائدة ( فقال إن الله ليس بأعور إلا أن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة) فيه من المحسنات، الجناس المصحف.
ومنه حديث: "ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى وأبقى" ( طافية) بياء غير مهموزة أي: بارزة ولبعضهم بالهمز وهي التي ذهب ضوءها.
قال عياض: روينا عن الأكثر بغير همز، وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش، ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها.
وضبطه بعضهم بالهمز، وأنكره بعض.
والأوجه: الإِنكار.
فقد جاء في حديث آخر "أنه ممسوح العين مطموسة وليست حجراً ولا يابسة".
وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها.
وهذا يصحح رواية الهمز.
قال الحافظ في الفتح: والحديث المشار إليه عند أبي داود.
وجمع القاضي عياض بين الروايتين فقال: مذكور في القرآن في قوله تعالى ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس) وأن المراد بالناس هنا الدجال من إطلاق اسم الكل على البعض.
وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة، فيكون من جملة ما تكفل - صلى الله عليه وسلم - ببيانه والعلم عند الله اهـ.


رقم الحديث 1820 ( وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود وحتى يختبىء) أي: يختفي ( اليهودي) من المسلم ( من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر) أي: بلسان قاله بأن يقدره الله على النطق ( يا مسلم هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد) بالمعجمة والقاف المفتوحتين والراء بينهما ساكنة آخره دال مهملة: شجر أضيف إليه البقيع مدفن المدينة ( فإنه من شجر اليهود) قال الممينف: الغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود.
وقال: أبو حنيفة الدينوري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقداً اهـ.
فأومأ إلى أن الإضافة إليهم لأدنى ملابسة ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1821 ( وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده) أي: بقدرته ( لا تمر) أي: تذهب ( الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ) بالغين المعجمة أي: يتقلب ( عليه فيقول) مما أصابه من الأنكاد الدنيوية ( يا ليتني مكان صاحب هذا القبر) .
"يا" فيه: للتنبيه.
وقيل: للنداء، والمنادى محذوف أي: يا قوم ليتني، وذلك لاستراحة الميت من نصب الدنيا وعنائها ( وليس به الدين) أي: ليس سبب تمنيه الموت لأمر ديني عليه أو اختلال ( ما به إلا البلاء) أي: ما سببه إلا تتابع المحن والأوصاب الدنيوية ( متفق عليه) واللفظ لمسلم.
ولفظ رواية البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول ليتني مكانه".


رقم الحديث 1822 ( وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تقوم الساعة حتى يحسر) بفتح التحتية وكسر المهملة الثانية أي: ينكشف ( الفرات) بضم الفاء آخره مثناة، وذلك لذهاب مائه ( عن جبل من ذهب يقتتل) بصيغة المجهول من الاقتتال ( عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون فيقول كل رجل منهم) أي: من المائة المتقاتلة وقد علموا أنه لا يبقى منها إلا واحد ( لعلي أن أكون أنا أنجو) فيه حمل لعل على عسى أختها في معنى التوقع والإِشفاق.
وفي الكلام مضاف مقدر: إما في المحكوم عليه أي: لعل شأني كوني أنجو، أو في المحكوم أي: لعلى ذا كون نجاة، ويصح ألا يقدر شيء، ويكون من حمل المصدر على اسم العين نحو زيد عدل مبالغة ( وفي رواية يوشك) بضم التحتية وكسر المعجمة أي: يقرب ( أن يحسر الفرات عن كنز من ذهب) فيه الاكتفاء بأن ومنصوبها عن جزئي الفعل ( فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً) وذلك لأنه لا يصل إليه أحد إلا بعد التقاتل المذكور في الحديث قبله، فلا يصل إليه حتى يقتل عدداً.
وقد يقتل هو، وإذا لم يتوجه إليه وامتثل النهي، سلم في نفسه وسلم منه غيره ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1823 ( وعنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يتركون) أي: الناس ( المدينة على خير ما كانت) أي: خير أكوانها أو خير ما كانت عليه ( لا يغشاها إلا العوافي) وأدرج تفسيرها في الحديث بقوله ( يريد عوافي السباع والطير) قال المصنف: هو صحيح في اللغة مأخوذ من عفوته إذا أتيته تطلب معروفه، والظاهر أن الترك للمدينة سيكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويوضحه قوله ( وآخر من يحشر) بصيغة المجهور ( راعيان من مزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وبعدها نون.
قال المصنف: وهما آخر من يحشر، كما ثبت في صحيح البخاري ( يريدان) أي: يقصدان ( المدينة) النبوية ( ينعقان) بكسر المهملة أي: يصيحان ( بغنمهما فيجدانها) أي: المدينة ( وحوشاً) أي: ذات وحوش، لذهاب أهلها عنها.
وعند مسلم وحشاً بالإِفراد.
وحكى القاضي عن بعضهم.
أن ضمير يجدانها عائد للغنم، وأن معناه إن غنمها تصير وحوشاً: إما بأن تنقلب ذاتها فتصير كذلك، أو تتوحش أو تنفر من أصواتهما.
وأنكره واختار ما تقدم من عود الضمير على المدينة لا إلى الغنم.
قال المصنف: وهو الصواب ومقابله غلط ( حتى إذا بلغا ثنية) بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتية هي الطريق في الجبل ( الوداع) الذي يخرج إليه المشيعون للمسافر ويودعونه عنده ( خرا على وجوههما) وما ذكرنا من أن ذلك سيقع هو المختار في معنى الحديث.
وقال القاضي: إنه جرى في العصر الأول وانقضى.
قال: وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، فقد تركت المدينة على أحسن ما كانت حين نقلت الخلافة إلى الشام والعراق، وذلك الوقت أحسن ما كانت المدينة للدين والدنيا أما الدين فلكثرة العلماء بها، وأما الدنيا فلعمارتها وغرسها واتساع حال أهلها.
قال: وذكر الإِخباريون في بعض الفتن التي جرت في المدينه وخاف أهلها، أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت ثمارها.
أو أكثرها للعوافي، وخلت مدة، ثم تراجع الناس إليها.
قال: وحالها اليوم قريب من هذا وخربت أطرافها اهـ.
( متفق عليه) .