فهرس الكتاب

دليل الفالحـــين - باب المنثورات والملح

رقم الحديث 1836 ( وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بين النفختين) أي: نفخة الصعق ونفخة البعث ( أربعون قالوا) لم يعين المصنف أسماء القائلين ولا أحداً منهم ( يا أبا هريرة أربعون يوماً) بتقدير همزة قبله ( قال أبيت) بالموحدة فالتحتية فالفوقية أي: امتنعت أن أجزم بتعيينها كذلك.
وكذا في قول ( قالوا أربعون عاماً قال أبيت قالوا أربعون شهراً قال أبيت) والحاصل كما قاله المصنف: أن مراده الامتناع من الجزم بأن المراد يوماً أو شهراً أو عاماً بل الذي يجزم به أنها أربعون مجملة وقد جاءت مفسرة من رواية غيره في غير مسلم أربعون سنة ( ويبلى كل شيء من الإِنسان) من لحم وعصب وعروق وعظم وظفر وشعر ( إلا عجب الذنب) هو بفتح العين المهملة وسكون الجيم أي: العظم اللطيف الذي في أسفل الصلب، وهو رأس العصعص.
ويقال له عجم بالميم وهو أول ما يخلق من الآدمي، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه، ثم هذا عام مخصوص بغير الأنبياء فلا يبلون وكذا الشهداء ( فيه يركب الخلق) بصيغة المجهول ونائب الفاعل المرفوع بعده ( ثم) للتركيب في الذكر وإلا فمدخولها سابق على تركيبه ( ينزل الله من السماء ماء) على صورة المني ( فينبتون) بضمِ الموِحدة أي: من عجب الذنب بأن تجمع إليه أجزاؤه شيئاً فشيئاً ( كما ينبت البقل) شيئاً فشيئاً وهو بفتح الموحدة وسكون القاف قال ابن فارس: هو كل نبات اخضرت به الأرض ( متفق عليه) .


رقم الحديث 1837 ( وعنه قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس يحدث القوم) جملة في محل الحال من ضميرها، ويحتمل العكس ( جاءه أعرابي) قال الحافظ: لم أقف على اسمه ( فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث) أي: استمر فيما كان فيه ولم يقطعه لجواب السائل ( فقال بعض القوم) أي: حاضري المجلس ( سمع ما قال) أي: قوله ( فكره ما قال) أظهر، والمقام للإِضمار دفعا لتوهم كراهة القائل لو جيء بالضمير ( وقال بعضهم بل) إضراب عن ْقول الأولين من غير إبطال ( لم يسمع) وإنما حصل لهم التردد لما ظهر لهم من عدم التفات في النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سؤاله وإصغائه نحوه، ولكونه كان يكره السؤال عن هذه المسألة بخصوصها؛ وقد تبين عدم انحصار تركه الجواب فيما ذكروه منها بل احتمل أنه ليكمل حديثه الذي كان فيه أو ليوحي إليه به، ويؤيده الأول من هذين وقوله ( حتى إذا قضى حديثه) حتى: غاية لقوله مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث أي: استمر فيه إلى إتمامه.
وإذا شرط جوابه: ( قال أين السائل عن الساعة) في كتاب العلم أين أراه السائل بزيادة أراه بضم الهمزة أي: أطنه ورفع السائل والشك عن محمد بن فليح قال في الفتح ورواه ابن فليح بلفظ أين السائل من غير شك ( قال: هأنا) أي: حاضر ( يا رسول الله قال: إذا ضيعت الأمانة) بالبناء للمجهول.
وعند البخاري فإذا ضيعت والفاء فصيحة أي: إن شئت معرفة وقتها ( فانتظر الساعة) فالشوط الثاني: وجوابه جواب الشرط المقدر ( قال: كيف إضاعتها، قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله) أي: جعل لهم فإلى بمعنى اللام ( فانتظر الساعة) قال ابن المنير: ينبغي أن يجعل هذا الحديث أصلاً في أخذ الدروس والقراءة والحكومات والفتاوى عند الازدحام على السبق وفي الحديث "من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر" ( رواه البخاري) في كتاب العلم وفي كتاب الرقاق.


رقم الحديث 1838 ( وعنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يصلون) أي: الأئمة ( لكم) أيها المسلمون ( فإن أصابوا) أي: وافقوا والصواب فيها وهم عارفون به، لأنه لا يجوز مباشرة أمر لمن لا يعلم حكم الله فيه ( فلكم) الأجر أي: ولهم أيضاً لذلك، وسكت عنه لوضوحه وظهوره، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً عليه ولدلالة قوله ( وإن أخطئوا فلكم وعليهم) هذا يحمل على ما إذا كان ما أتى به من الخطأ غير موجب للإِعادة كالحدث مثلاً والإِخلال بما يحرم الإِخلال به إلا أنه غير مبطل كتأخير الصلاة وإخراجها عن وقت أدائها بغير عذر، فهو حرام.
وإذا ْفعلت خارجة فهي صحيحة ( رواه البخاري) .


رقم الحديث 1839 ( وعنه) أي: أبي هريرة ( رضي الله عنه) موقوفاً عليه في تفسير قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت) أي: أظهرت ( للناس قال:) أي: أبو هريرة ( خير الناس للناس) قال الحافظ ابن كثير في التفسير: المعنى خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولذا قال تعالى: ( تأمرون بالمعروف) ( 2) الآية ( يأتون) أي: الناس ( بهم في السلاسل في أعناقهم) في محل الصفة أو الحال من السلاسل ( حتى يدخلوا في الإِسلام) قال الحافظ ابن كثير: وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والربيع عن أنس وعطية العوفي يعني خير الناس للناس أي: هذا المتفق عليه.
وفيه تفسير الآية.
وقوله يأتون بهم الخ بيان لكمال لطف الله بهم، وأنهم يؤسرون على ما يحوزون به الشرف في الدارين، وهو بمعنى الحديث المرفوع بعده ولعله أخذه منه.
وفي حديث درة بنت أبي لهب مرفوعاً: "خير الناس أقرؤهم وأفقههم في ْدين الله وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم".
وعن ابن عباس موقوفاً عليه في قوله تعالى: ( كنتم خير أمة أخرجت للناس) قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة.
قاله ابن كثير.
والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين يلونهم.
وفي مسند الإِمام أحمد من حديث معاوية بن حيدة مرفوعاً "أنتم موفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل".
حديث مشهور حسنه الترمذي، وصححه الحاكم في المستدرك.
وإنما فضلت هذه الأمة من تقدمها بنبيها محمد - صلى الله عليه وسلم - فإنه أشرف خلق الله وأكرمهم عليه، وبعثه الله بشرع عظيم كامل لم يعطه نبياً قبله ولا رسولاً من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه اهـ.


رقم الحديث 1840 ( وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عجب ربك) وفي نسخة عجب الله.
المراد منه لاستحالة قيام حقيقة العجب بالله تعالى غايته من الرضا والإِكرام ( من قوم يدخلون الجنة) بصيغة المجهول أي: يفعلون المقتضى لدخولها بالوعد الصادق وهو الإِيمان، ففيه مجاز مرسل من إطلاق اسم المسبب على السبب، ( في السلاسل) في تعليلية أي: لوضعها في أعناقهم حال الأسر ثم يسلمون، أو ظرفية أي: إنهم يسلمون وهم فيها أسرى ( رواهما البخاري) أي: الحديث الموقوف على أبي هريرة والمرفوع ( معناه) أي: المذكور فيهما ( يؤسرون ويقيدون ثم يسلمون فيدخلون الجنة) فالأسر باعتبار ما كانوا يرونه نقمة وباعتبار ما تجلى عنه نعمة.


رقم الحديث 1845 ( وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) أي: التي وقعت بين الناس في الدنيا، والمعنى أول القضايا القضاء في الدماء ويحتمل أن يكون التقدير أول ما يقضى فيه الأمر الكائن في الدماء ولا يعارضه حديث: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته" لأن الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق، والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق.
وما في الحديث موصول حرفي ومتعلق الجار محذوف أي أول القضاء يوم القيامة في الدماء، أي: في الأمر المتعلق بالدماء.
وفي الحديث عظيم أمر الدماء، فإن البداءة تكون بالأهم، والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة، وتفويت المصلحة وإعدام البنية الإِنسانية غاية في الذم، وقد ورد في التغليظ في أمر القتل آيات كثيرة، وأحاديث صحيحة، ولا يخالف حديث الباب حديث: "أنا أول من يحشر للخصومة" يعني هو ورفيقاه حمزة وعبيدة وخصومهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة لأن حديث الباب محمول على الجماعة؛ وذاك على الآحاد ( متفق عليه) ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه.


رقم الحديث 1846 ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلقت الملائكة من نور) فلذا كانت أجساماً لطيفة نورانية لها قدرة على التشكل بأيّ صورة كانت ( وخلق الجان) هو إبليس وهو أبو الشياطين، وقيل المراد به أبو الجن وهل هو إبليس أو غيره قولان ( من مارج) بالراء فيه ( من نار) بيان لمارج فإنه في الأصل للمضطرب، من مرج إذا اضطرب قال ابن عادل: من الأولى لابتداء الغاية، وفي الثانية وجهان: البيان والتبعيض، والمارج ما اختلط من أحمر وأصفر وأخضر، وهذا مشاهد في النار ترى الألوان الثلاثة مختلط بعضها ببعض، وقيل: الخالص.
وقيل: الأحمر، وقيل: الحمرة في طرق النار، وقيل: المختلط بالسواد وقيل: اللهب المضطرب.
وقال الليث: المارج الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد.
وعن ابن عباس أنه اللهب الذي يعلو النار فيختلط بعضه ببعض أحمر وأصفر وأخضر ونحوه عن مجاهد.
وقيل: المارج المرسل غير ممنوع.
قال المبرد: والمارج النار المرسلة التي لا تمنع وقال أبو عبيدة والحسن: المارج المختلط من النار، وأصله مرج إذا اضطرب واختلط قال الفرضي قوله من نار: نعت لمارج ( وخلق آدم مما وصف لكم) ببناء الفعل للمجهول أي: مما ذكر لكم في التنزيل من أنه من التراب قال تعالى: ( منها خلقناكم) ثم عجن فصار طيناً قال تعالى حكاية عن إبليس ( خلقتني من نار وخلقته من طين) ثم ترك حتى تجمد وتغير وصار حمأ مسنوناً، ثم يبس حتى صار يصلصل أي: يصوت إذا نقر قال تعالى ( ولقد خلقنا الإِنسان من صلصال من حمأ مسنون) وقال تعالى: ( خلق الإِنسان من صلصال كالفخار) ( رواه مسلم) ورواه أحمد.


رقم الحديث 1848 ( وعنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) فيه حث على القيام بالطاعات والدأب فيها والإِخلاص المرتب عليه من فيوض الله ما لا يحصى ومن تشريفات العامل.
لذلك ما لا يستقصى، فيحب العامل لذلك لقاء الله لما أعد له ويحب الله لقاءه ( ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه فقلت يا رسول الله أكراهية الموت) الهمزة للاستفهام أي: أيراد بكراهية لقاء الله تعالى كراهية الموت فهذا مشكل؟ ( فكلنا نكره الموت) بحسب الطبع وإن كان محبوباً بالنظر لما وراءه مما أعد لصالح المؤمنين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ( قال: ليس كذلك) أي: ليس الأمر كذا الذي توهمته ( ولكن) استدراك بإثبات ما يوهم شمول النفي له والنون مشددة ( المؤمن) وفي نسخة إن المؤمن بزيادة إن ( إذا بشر برحمة الله) من النعيم والإِحسان المعدين له ( ورضوانه وجنته) وذلك التبشير عند الاحتضار ( أحب لقاء الله) لما يعلم من عظيم ما ينتقل إليه ويحل به من وفضل ربه ( فأحب الله لقاءه) أي: رضيه وأثنى عليه ( وأن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه) فيه تهكم واستهزاء، إذا استعملت البشارة الموضوعة في الأمر السار للمبشر في ضده ومنه قوله تعالى: ( فبشرهم بعذاب أليم) ( كره لقاء الله) لما يعلم من سوء منقلبه فإنه في الدنيا خال من العذاب، وفي الآخرة مؤبد فيه مخلد ( فكره الله لقاءه) أي: أبعده من رحمته وكرهه وذمه في عالم الملكوت - ( رواه مسلم) وفي الجامع الصغير حديث "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي من حديث عائشة وعبادة.
وفي الجامع الكبير بعد ذكر المتن كما في الجامع الصغير رواه الطيالسي وأحمد والدارمي والشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة عن أنس عن عبادة بن الصامت ورواه أحمد والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة.
ورواه الطبراني عن معاوية وذكر الحديث كما ذكره المصنف لكن قال: قالوا يا رسول الله لكنا نكره الموت "قال ليس ذلك كراهية الموت ولكن المؤمن إذا احتضر جاء البشير من الله بما هو صائر إليه فليس شيء أحب إلى الله من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه، وإن الفاجر إذا احتضر جاءه ما هو صائر إليه من الشر فكره لقاء الله فكره الله لقاءه" وقال: رواه أحمد والنسائي من حديث ابن حبان اهـ.
قال المصنف هذا الحديث يفسر آخره أوله، ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة: "من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله".
ومعنى الحديث إن الكراهة المعتبرة ما يكون عند النزع حالة عدم قبول توبة، ولا غيرها فحينئذ يبشر كل بما يصير إليه ويكشف له عنه، فأهل السعادة يحبون لقاء الله، لينتقلوا إلى ما أعد الله لهم، ويحب الله لقاءهم، أي: ثم فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي: يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم، وهذا معنى كراهيته سبحانه لقاءهم.
وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله لقاءهم كراهيتهم ذلك، ولا أن سبب حبه لقاء الآخرين حبهم ذلك بل هو صفة لهم اهـ.
وفي النهاية من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه والموت دون لقاء الله.
قال في الفتح: كذا أخرجه النسائي بهذه الزيادة وهي من كلام عائشة مما يظهر، وذكرتها استنباطاً مما تقدم.
قال في النهاية: المراد بلقاء الله المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله، وليس الغرض به الموت لأن كلاً يكرهه، فمن ترك الدنيا وأحب الآخرة أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله، لأنه إنما يصل إليه بالموت.
وقوله والموت دون لقاء الله، يبين أن الموت خير اللقاء، لكنه معترض دون الغرض المطلوب، فيجب أن يصبر عليه - ويحتمل مشاقه على الاستسلام لما كتب الله له وقضى، حتى يصل إلى الفوز بالثواب العظيم اهـ.
وكذا قال كل من أبي عبيد القاسم بن سلام والخطابي: أن معنى محبة لقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، وعدم محبة استمراره فيها لاستعداده للارتحال عنها، والكراهة عند حكمه.
قال أبي عبيد: ومما بينه أن الله سبحانه وتعالى عاتب قوماً بحب الحياة بقوله: ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) .


رقم الحديث 1849 ( وعن أم المؤمنين صفية) بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية ( بنت حيي) بضم المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الثانية تقدمت ترجمتها ( رضي الله عنها قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً) أي: في جزء منه كما يومىء إليه تنكيره ( فحدثته ثم قمت لأنقلب) أي: أرجع إلى منزلي ( فقام معي ليقلبني) أي: ليرجعني ( فمر رجلان من الأنصار) قال الحافظ في الفتح: لم أقف في شيء من كتب الحديث على تسميتهما إلا أن ابن العطار في شرح العمدة زعم أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستنداً ( رضي الله عنهما فلما رأيا النبي - صلى الله عليه وسلم - أسرعا) أي: في المشي ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - على رسلكما) بكسر الراء ويجوز فتحها أي: على هينتكما في المشي، فليس هنا ما تكرهانه.
وفيه شيء محذوف.
أي: إمشيا على هينتكما ( إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله) زاد البخاري في رواية "وكبر عليهما ذلك" وفي رواية "فقال يا رسول الله وهل يظن بك إلا خيراً" ( فقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) قيل هو على الحقيقة وإن الله تعالى أقدر من ذلك.
وقيل: هو على سبيل الاستعارة من كثرة إغرائه، فكأنه لا يفارق كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة ( وإني خشيت) أي: خفت ( أن يقذف) بكسر الذال المعجمة أي: يلقي ( في قلوبكما شراً أو قال شيئاً) قال الحافظ: المحصل من الروايات: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءاً لما تقرر عنده من قوة إيمانهما ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك، لأنهما غير معصومين، فقد يمضى بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى إعلامها حسماً للمادة وتعليماً لما بعده إذا وقع له مثل ذلك، كما قال، الشافعي: فقد روى ابن عساكر في تاريخه أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن فقه هذا الحديث فقال: إن كان القوم اتهموا النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا بتهمتهم إياه كفاراً لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدب من بعده فقال: "إذا كنتم هكذا فافعلوا هكذا حتى لا يظن بكم الظن السوء" لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتهم وهو أمين الله في أرضه، فقال ابن عيينة: جزاك الله خيراً يا عبد الله ما يجيئنا منك إلا كل ما نحبه، نقله السيوطي عنه في زهر الربى على المجتبى، لكن نقله الحافظ في الفتح عن الحاكم بلفظ إن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن الحديث فقال إنما قال لهما ذلك، لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامها نصيحة لهما قبل أن يهلكا بقذف الشيطان في نفوسهما ما يهلكان به ( متفق عليه) قال الحافظ في الفتح: في الحديث فوائد: منها التحرز عن التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار.
قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حقوق العلماء ومن يقتدى بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا ما يوجب ظن السوء بهم وإن كان لهم فيه مخلص، لأن فعل ذلك يكون سبباً لسوء الظن بهم ولإِبطال الانتفاع بعلمهم.


رقم الحديث 1855 ( وعن أبي سليمان) كنية ( خالد بن الوليد) بفتح الواو وكسر اللام وسكون التحتية بعدها دال مهملة من المعتبرين عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي ( رضي الله عنه) أسلم بين الحديبية والفتح وقيل: كان إسلامه قبل غزوة موتة بشهرين، وكان أميراً على قتال أهل الردة وغيرها والفتوح، إلى أن مات سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ( قال: لقد انقطعت في يدي يوم موتة) بضم الميم وسكون الواو وبالفوقية موضع بقرب الشام وكانت في جمادى سنة ثمان وقيل كانت في صفر، وكان الفتح بعدها في رمضان ( تسعة أسياف) بتقديم الفوقية وذلك من قوة الضرب والقتال ( فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية) أي: سيف على تلك الصفة.
( رواه البخاري) فيه كمال ثباته في لجة الحرب وقوة بأسه وقد قال الشاعر في ممدوحه: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب فالمدح بكسر السيوف في الحرب أحرى وأولى.