فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ

رقم الحديث 1090 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْكَلَالَةِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَكْفِيكَ، مِنْ ذَلِكَ، الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي الصَّيْفِ، آخِرَ سُورَةِ النِّسَاءِ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا، أَنَّ الْكَلَالَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي أُنْزِلَتْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا { { وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } } فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ، حَتَّى لَا يَكُونَ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ.
.
وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهَا { { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } } قَالَ مَالِكٌ: فَهَذِهِ الْكَلَالَةُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْإِخْوَةُ عَصَبَةً، إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَيَرِثُونَ مَعَ الْجَدِّ فِي الْكَلَالَةِ، فَالْجَدُّ يَرِثُ مَعَ الْإِخْوَةِ، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَرِثُ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى.
السُّدُسَ.
وَالْإِخْوَةُ لَا يَرِثُونَ مَعَ ذُكُورِ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى شَيْئًا، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ وَهُوَ يَأْخُذُ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ الْمُتَوَفَّى؟ فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ؟ وَبَنُو الْأُمِّ يَأْخُذُونَ مَعَهُمُ الثُّلُثَ، فَالْجَدُّ هُوَ الَّذِي حَجَبَ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ، وَمَنَعَهُمْ مَكَانُهُ الْمِيرَاثَ.
فَهُوَ أَوْلَى بِالَّذِي كَانَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَقَطُوا مِنْ أَجْلِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْجَدَّ لَمْ يَأْخُذْ ذَلِكَ الثُّلُثَ، أَخَذَهُ بَنُو الْأُمِّ فَإِنَّمَا أَخَذَ مَا لَمْ يَكُنْ يَرْجِعُ إِلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَكَانَ الْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ هُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ الثُّلُثِ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، وَكَانَ الْجَدُّ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ.


(مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب) مرسل عند يحيى والأكثر ووصله القعنبي وابن القاسم عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أنه (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة) لأنها وردت بلفظها مرتين في القرآن واختلفت الورثة ففي أول النساء الأخوة للأم وفي آخرها أشقاء أو لأب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكفيك من ذلك الآية التي أنزلت في الصيف في سورة النساء) كذا ليحيى، وعند القعنبي في آخر سورة النساء.
قال الواحدي: أنزل الله في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي في أول النساء، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها.
وفي مسلم عن عمر ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه حتى طعن بأصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟

وروى الحاكم عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكلالة؟ قال: أما سمعت الآية التي نزلت في الصيف { { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ } } وفيه فضل عمر عنده صلى الله عليه وسلم وأنه ممن يستنبط المعاني من القرآن لأنه رد ذلك إلى نظره واستنباطه بقوله يكفيك إلخ إذ لو كان عنده لا يدري ذلك للزمه إيضاحه له فطعن بعض الملحدة على عمر بهذه القصة مما بان به جهلهم.

(قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الكلالة على وجهين فأما الآية التي أنزلت في أول سورة النساء) في الشتاء من قوله { { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } } إلى قوله تبارك وتعالى { { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ } } صفة والخبر { { كَلاَلَةً } } أو يورث خبر وكلالة حال من ضميره { { أَوِ امْرَأَةٌ } } تورث كلالة { { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ } } من أم كما قرأ به ابن مسعود وابن أبي وقاص { { فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ } } مما ترك { { فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ } } اثنين فصاعدًا { { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } } يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم (فهذه الكلالة التي لا يرث فيها الأخوة للأم حتى لا يكون) يوجد (ولد ولا والد) للميت.

(وأما الآية التي في آخر سورة النساء) وهي الصيفية (قال الله تبارك وتعالى { { يَسْتَفْتُونَكَ } } أي يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى يقال: استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني فتوى وفتيا وهما اسمان وضعا موضع الإفتاء، ويقال: أفتيت فلانًا في رؤيا رآها قال تعالى: { { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ } } ومعنى الإفتاء إظهار المشكل { { قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ } } متعلق بيفتيكم على إعمال الثاني وهو اختيار البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني، وله نظائر في القرآن كقوله { { هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ } } وفي مراسيل أبي داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال رجل يا رسول الله ما الكلالة قال من لم يترك ولدًا ولا والدًا فورثته كلالة { { إِن امْرُؤٌ } } مرفوع بفعل يفسره { { هَلَكَ } } مات { { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } } رفع على الصفة أي هلك امرؤ غير ذي ولد أي ابن وإن وقع ولد على الأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت { { وَلَهُ أُخْتٌ } } شقيقة أو لأب { { فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } } الميت والفاء جواب إن { { وَهُوَ يَرِثُهَا } } جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب دالة على جواب الشرط وليست جوابًا خلافًا للكوفيين وأبي زيد والضميران عائدان على لفظ امرؤ وأخت دون معناهما فهو من باب قوله:

وكل أناس قاربوا قيد فحلهم
ونحن خلعنا قيده فهو سارب

والهالك لا يرث فالمعنى وامرؤ آخر غير الهالك يرث أختًا له أخرى { { إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ } } ذكر فإن كان فلا شيء للأخ وإن كان أنثى فللأخ ما فضل عن فرض البنات وهذا في الأخ للأبوين أو للأب فإن كان لأم ففرضه السدس كما في أول السورة { { فَإِن كَانَتَا } } أي الأختان { { اثْنَتَيْنِ } } أي فصاعدًا لأنها نزلت في جابر وقد كان له أخوات { { فَلَهُمَا } } أو لهن { { الثّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } } الميت { { وَإِن كَانُوا } } أي الورثة بالأخوة { { إِخْوَةً } } وأخوات فغلب المذكر { { رِّجَالاً وَنِسَاءً } } ذكورًا وإناثًا { { فَلِلذَّكَرِ } } منهم { { مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } } حذف منهم لدلالة المعنى عليه { { يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ } } شرائع دينكم { { أَن تَضِلُّوا } } مفعول لأجله بتقدير مضاف أي كراهة أن تضلوا في حكمها كذا قدّر المبرد وقال الكسائي وغيره لا محذوفة بعد أن والتقدير لئلا تضلوا قالوا وحذف لا سائغ ذائع { { وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } } يعلم الأشياء بكنهها قبل كونها وبعده ومنه الميراث وفي الصحيحين عن البراء آخر آية نزلت خاتمة النساء { { قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ } } أي من الفرائض.

(قال مالك: فهذه الكلالة التي تكون فيها الإخوة عصبة إذا لم يكن ولد) ذكر (فيرثون مع الجد في الكلالة فالجد يرث مع الإخوة لأنه أولى بالميراث منهم وذلك) أي بيان أولويته (أنه يرث مع ذكور ولد المتوفى السدس) باتفاق كالأب (والإخوة لا يرثون مع ذكور ولد المتوفى شيئًا) بل يسقطونهم (وكيف لا يكون) الجد (كأحدهم) أي الإخوة (وهو يأخذ السدس مع ولد المتوفى فكيف لا يأخذ الثلث مع الإخوة) الأشقاء أو لأب (وبنو الأم يأخذون معهم الثلث فالجد هو الذي حجب الإخوة للأم ومنعهم مكانه) بالرفع فاعل أي وجوده (الميراث) مفعول (فهو أولى) أي أحق (بالذي كان لهم) لو لم يكن الجد (لأنهم سقطوا من أجله ولو أن الجد لم يأخذ ذلك الثلث أخذه بنو الأم فإنما أخذ ما لم يكن يرجع إلى الإخوة للأب) لو لم يكن جد (وكان الإخوة للأم هم أولى) أحق (بذلك الثلث من الإخوة للأب وكان الجد هو أولى به من الإخوة للأم) ولفظ أولى في هذه الألفاظ ليست للتفضيل لأنه حق لهم لا يشاركون فيه ولكنه عبر بذلك لأنه أورده في مقام الاستدلال.