فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ اللَّغْوِ فِي الْيَمِينِ

رقم الحديث 1027 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَتَخَلَّفَ عَنْ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنِّي لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ.
وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُونَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، فَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ.


( مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري ( عن) عمه ( أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى قباء) بضم القاف والمدّ والصرف مذكر وبالقصر والتأنيث ومنع الصرف ( يدخل على أم حرام) بحاء وراء مهملتين مفتوحتين ( بنت ملحان) بكسر الميم وإسكان اللام ومهملة فألف فنون، واسمه مالك بن خالد بن زيد بن حرام بفتح المهملتين الأنصارية خالة أنس.
قال أبو عمر: لم أقف لها على اسم صحيح.
قال في الإصابة: ويقال إنها الرميصاء، بالراء أو الغميصاء، بالغين المعجمة، ولا يصح بل الصحيح أن ذلك وصف لأختها أم سليم ثبت ذلك في حديثين لأنس وجابر عند النسائي.
( فتطعمه) مما في بيتها من الطعام ( وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت) أي كانت زوجة له حينئذ في الزمن النبوي هذا ظاهره.
وللبخاري من وجه آخر التصريح عن أنس أن عبادة تزوّجها بعد.
وجمع ابن التين بأنها كانت إذ ذاك زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك والحافظ يحمل رواية إسحاق على أنها جملة معترضة أراد وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال، وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوّجها بعد وهذا أولى لاتفاق محمد بن يحيى بن حبان وعبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة الأنصاري كلاهما عن أنس عند البخاري على أن عبادة تزوجها بعد ذلك.

قال: ثم ظاهر رواية إسحاق أن الحديث من مسند أنس، وكذا هو ظاهر قول أبي طوالة عن أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنت ملحان وأما محمد بن يحيى فقال: عن أنس عن خالته أم حرام وهو ظاهر في أنه من مسند أمّ حرام وهو المعتمد وكأن أنسًا لم يحضر ذلك فحمله عن خالته.
( فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته) لم يوقف على تعيين ما أكل عندها يومئذ ( وجلست تفلي) بفتح الفوقية وإسكان الفاء وكسر اللام من فلى يفلي كضرب يضرب أي تفتش، ( في) شعر ( رأسه) لإخراج الهوام أو للتنظيف، واختلف هل كان فيه قمل ولا يؤذيه أو لم يكن فيه أصلاً وإنما تفلي ثوبه للتنظيف من نحو الغبار وإنما كان يدخل عليها ويمكنها من التفلية لأنها ذات محرم منه لأنها خالة أبيه أو جده عبد المطلب لأن أمه من بني النجار.
وقال ابن وهب كانت إحدى خالاته من الرضاعة.
قال ابن عبد البر فأي ذلك كان فهي محرم له على أنه صلى الله عليه وسلم معصوم ليس كغيره ولا يقاس به سواه انتهى.

وحكى النووي الاتفاق على أنها محرم، وصحح الحافظ الدمياطي أن لا محرمية بينهما في جزء أفرده لذلك وقال: ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعل ذلك كان مع ولد أو زوج أو خادم أو تابع، والعادة تقتضي المحافظة بين المخدوم وأهل الخادم لا سيما إذا كن مسنات مع ما ثبت له صلى الله عليه وسلم من العصمة وقيل هو من خصائصه، وإليه أومأ ابن عبد البر قال في الفتح، والذي وضح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها لمكان عصمته وإن نازع في ذلك القاضي عياض بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال قال وثبوت العصمة مسلم لكن الأصل عدم الخصوصية.

( فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) أي في يوم، وفي رواية: فقال بالقاف أي نام وقت القائلة، ( ثم استيقظ وهو يضحك) سرورًا بكون أمته تبقى بعده مظهرة أمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر، والجملة حالية ( قالت) أم حرام ( فقلت ما يضحكك) بلفظ المضارع ( قال ناس من أمتي عرضوا علي) بشد الياء حال كونهم ( غزاة في سبيل الله يركبون ثبج) بفتح المثلثة والموحدة والجيم ( هذا) بمعنى ذلك ( البحر) أي وسطه أو معظمه أو هوله أقوال ولمسلم: يركبون ظهر البحر أي السفن التي تجري على ظهره ولما كان غالب جريها إنما يكون في وسطه قيل المراد وسطه وإلا فلا اختصاص له بالركوب زاد في رواية للبخاري الأخضر فقيل المراد الأسود وقال الكرماني الأخضر صفة لازمة للبحر لا مخصصة إذ كل البحار خضر فإن قيل الماء بسيط لا لون له قلت تتوهم الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه ( ملوكًا) نصب بنزع الخافض أي مثل ملوك كذا قيل والظاهر أنه حال ثانية من ناس بالتقدير المذكور ( على الأسرة) جمع سرير كسرر بضمتين ( أو مثل الملوك على الأسرة يشك) بالمضارع ( إسحاق) شيخ مالك في اللفظ الذي قاله أنس.
قال أبو عمر رأى صلى الله عليه وسلم صفتهم في الجنة كما قال تعالى: { { عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } } وقال النووي: الأصح أنه صفتهم في الدنيا أي أنهم يركبون مراكب الملوك لسعة مالهم واستقامة أمرهم وكثرة عددهم.
قال الحافظ والإتيان بالتمثيل في معظم طرق الحديث يدل على أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موضع التشبيه أنهم فيما هم فيه من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم والتشبيه بالمحسوس أبلغ في نفس السامع.

( قالت) أم حرام ( فقلت) زاد ابن وضّاح له ( يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها) واستشكل الدعاء بالشهادة لأن حاصله أن يدعو الله أن يمكن منه كافرًا يعصي الله بقتله فيقل عدد المسلمين وتسر قلوب الكفار ومقتضى قواعد الفقه أن لا يتمنى معصية الله لنفسه ولا لغيره.
وأجاب ابن المنير بأن المدعو به قصدًا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدة للشهداء، وأما قتل الكافر للمسلم فليس بمقصود للداعي وإنما هو من ضرورات الوجود لأن الله أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيد فاغتفر لحصول المصلحة العظمى من دفع الكفار وإذلالهم وقهرهم بقصد قتلهم حصول ما يقع في ضمن ذلك من قتل بعض المسلمين وجاز تمني الشهادة لما بذل عليه من وقعت له في إعلاء كلمة الله حتى بذل نفسه في تحصيل ذلك.
وقول ابن التين ليس في الحديث تمني الشهادة إنما فيه تمني الغزو مردود بأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو ( ثم وضع رأسه) ثانيًا ( فنام ثم استيقظ) حال كونه ( يضحك قالت فقلت) زاد ابن وضاح: له ( يا رسول الله ما يضحكك قال ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله) يركبون البر ( ملوكًا على الأسرة أو) قال ( مثل الملوك على الأسرة كما قال في الأولى) من تشبيههم بالملوك وشك إسحاق.

( قالت: فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين) الذين يركبون ثبج البحر، زاد أبو عوانة من وجه آخر: ولست من الآخرين وللبخاري من وجه آخر أنه قال: في الأولى يغزون هذا البحر، وفي الثانية يغزون قيصر، فيدل على أن الثانية إنما غزت في البر كما في الفتح.
لكن في رواية أخرجها ابن عبد البر من طريق محمد بن يحيى بن حبان عن أنس عن أم حرام قال: اللهم اجعلها منهم ثم نام فاستيقظ وهو يضحك فقلت مم تضحك فقال: عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر البحر، لكن المروي في البخاري من الطريق المذكورة فقال مثل ذلك.

( قال) أنس ( فركبت) أم حرام ( البحر) مع زوجها عبادة ( في زمان) غزو ( معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب في خلافة عثمان سنة ثمان وعشرين، وكان معاوية أمير الجيش من جهة عثمان على غزاة قبرس، وهي أول غزوة كانت إلى الروم هذا قول أكثر العلماء وأهل السير.
وقال البخاري ومسلم: في خلافة معاوية.
قال الباجي وعياض: وهو الأظهر ( فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) أي ماتت لما رجعوا من الغزو بغير مباشرة قتال ففي رواية للبخاري فخرجت مع زوجها عبادة غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوهم قافلين نزلوا الشام فقرّبت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت.
وله أيضًا: فلما رجعت قرّبت لها دابة لتركبها فوقعت فاندقت عنقها.
ولمسلم مرفوعًا: من مات في سبيل الله فهو شهيد، وروى ابن وهب مرفوعًا: من صرع عن دابته في سبيل الله فمات فهو شهيد، أخرجه الطبراني بإسناد حسن.
ففي حديث أم حرام أن حكم الراجع من الغزو حكم الذاهب إليه في الثواب.
وفي الصحيح عن أم حرام أيضًا مرفوعًا: أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قلت أنا منهم؟ قال: أنت منهم ثم قال: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا منهم؟ قال: لا.

قال المهلب فيه منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر ولابنه يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر، وهي القسطنطينية.
وتعقبه ابن المنير وابن التين بما حاصله أنه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا خلاف أن قوله مغفور لهم مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد بعد ذلك لم يدخل في العموم اتفاقًا، فدل على أن المراد مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم واحتمال أن يزيد لم يحضر مع الجيش مردود إلا أن يراد لم يباشر القتال فيمكن لأنه كان أميرًا على ذلك الجيش اتفاقًا من قبل أبيه وكان فيه أبو أيوب فمات فدفن عند باب مدينة قيصر سنة اثنين وخمسين وفيه جواز ركوب البحر الملح.
وذكر مالك أن عمر بن الخطاب منع منه فلما مات استأذن معاوية عثمان فأذن له في ركوبه فلم يزل يركب إلى أيام عمر بن عبد العزيز فمنع من ركوبه، ثم ركب بعده إلى الآن.

قال ابن عبد البر: وإنما منع العمران ركوبه في التجارة وطلب الدنيا أما في الجهاد والحج فلا وقد أباحت السنة ركوبه للجهاد فالحج المفترض أولى قال: وأكثر العلماء يجوزون ركوبه في طلب الحلال إذا تعذر البر ولا خلاف بينهم في حرمة ركوبه عند ارتجاجه.
وكره مالك ركوب النساء البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال وعكسه، إذ يعسر الاحتراز من ذلك وخصه أصحابه بالسفن الصغار أما الكبار التي يمكن فيها الاستتار بأماكن تخصهنّ فلا حرج.

وفيه مشروعية القائلة لما فيها من الإعانة على قيام الليل وعلم من أعلام النبوة وهو الإخبار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم وفضل شهيد البحر، وقد اختلف هل هو أفضل لحديث: من لم يدرك الغزو معي فليغز في البحر فإن غزاة في البحر أفضل من غزوتين في البر، الحديث، وهو ضعيف.
أو شهيد البر أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: أفضل الشهداء من عقر جواده وأهريق دمه وفيه غير ذلك.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف وفي الاستئذان عن إسماعيل ومسلم عن يحيى الثلاثة عن مالك به ( مالك عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري ( عن أبي صالح) ذكوان ( السمان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي) بعدم طيب نفوسهم بالتخلف عني ولا قدرة لهم على آلة السفر ولا لي ما أحملهم عليه فالاستدراك الآتي مفسر للمراد بالمشقة كرواية الصحيحين عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ( لأحببت أن لا أتخلف عن سرية) قطعة من الجيش تبعث إلى العدو ( تخرج في سبيل الله) الجهاد ( ولكني لا أجد ما أحملهم عليه) ، وفي رواية للبخاري: ولكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه والحمولة بالفتح الإبل الكبار التي يحمل عليها ( ولا يجدون ما يتحملون عليه فيخرجون) معي لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره.
وفي مسلم عن همام عن أبي هريرة لكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ( ويشق عليهم أن يتخلفوا بعدي) وفي رواية للبخاري: ويشق علي أن يتخلفوا عني.
وللطبراني: ويشق علي وعليهم ( فوددت) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية تمنيت وسبق من رواية الأعرج: والذي نفسي بيده لوددت ( أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ثم أحيا فأقتل ثم أحيا فأقتل) بالبناء للمفعول في الجميع، وتمنى ذلك حرصًا منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين بذلاً لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمته ورغبة في الازدياد من الثواب ولتتأسى به أمته.

قال الحافظ: حكمة إيراد هذه عقب تلك إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم فكأنه قال: الوجه الذي تسيرون له فيه من الفضل ما أتمنى لأجله أن أقتل مرات فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد فراعى خواطر الجميع، وقد خرج صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي وخلف عنه المشار إليهم وكان ذلك حيث رجحت مصلحة خروجه على مراعاة حالهم وفيه بيان شدّة شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ورأفته بهم والحض على حسن النية وجواز ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح أو لدفع مفسدة والسعي في إزالة المكروه عن المسلمين.

( مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري ( قال لما كان) وجد ( يوم أحد) بضم الهمزة والحاء وبالدال المهملتين مذكر مصروف وقيل: يجوز تأنيثه على توقع البقعة فيمنع وليس بقوي جبل بالمدينة على أقل من فرسخ منها لأن بين أوله وبين بابها المعروف بباب البقيع ميلين وأربعة أسباع ميل تزيد يسيرًا ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر سعد بن الربيع) بن عمرو النجاري أحد نقباء الأنصار، شهد بدرًا وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف فقال: إني أكثر الأنصار مالاً فأقاسمك مالي، ولي زوجتان فأيتهما أحببت أطلقها ثم تتزوجها.
قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك ( الأنصاري) أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ فإني رأيت اثني عشر رمحًا شرعي إليه كما عند ابن إسحاق ( فقال رجل أنا يا رسول الله) آتيك بخبره ( فذهب الرجل) هو أبي بن كعب قاله ابن عبد البر وابن الأثير واليعمري.
وقال الواقدي: هو محمد بن مسلمة.

وروى الحاكم عن زيد بن ثابت قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال لي: إن رأيته فأقره مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك؟ فلعله صلى الله عليه وسلم بعث الثلاثة متعاقبين أو دفعة واحدة ( يطوف) يمشي ( بين القتلى) زاد الواقدي: فنادى في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك، فأجابه بصوت ضعيف ( فقال له سعد بن الربيع ما شأنك فقال الرجل بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك) وعند ابن إسحاق أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ ( قال) أنا في الأموات ( فاذهب إليه فأقرئه مني السلام) وزاد الواقدي: وقل جزاك الله عنا خير ما جزى نبيًا عن أمته، وقل له: إني لأجد ريح الجنة ( وأخبره أني قد طعنت اثنتي) ولابن وضاح ثنتي ( عشرة طعنة) بعدد الرماح التي رآها صلى الله عليه وسلم شرعي إليه.
وفي حديث زيد بن ثابت فوجده جريحًا في القتلى وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم ولا تنافي كما هو ظاهر ( و) أخبره ( أني قد أنفذت مقاتلي) فأنا في الأموات ( وأخبر قومك) وعند الواقدي: وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم ( إنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي) زاد ابن إسحاق: ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره.

قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه مسندًا، وهو محفوظ عند أهل السير، وقد ذكره ابن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صعصعة المازني.
قال الحافظ: وفي الصحيح من حديث أنس ما يشهد لبعضه.

( مالك عن يحيى بن سعيد) مرسل وصله الشيخان من رواية ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر ومسلم من حديث أنس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد) يوم بدر فقال: والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة كما عند ابن إسحاق ( وذكر الجنة) روى مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض.
فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم قال: بخ بخ فقال صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ بخ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.
قال: فإنك من أهلها فأخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي، إنها لحياة طويلة فرمى بالتمرة ثم قاتل حتى قتل.
( ورجل من الأنصار) هو عمير بضم العين ابن الحمام بضم المهملة وخفة الميم الخزرجي ( يأكل تمرات في يده فقال إني لحريص على الدنيا إن جلست حتى أفرغ منهن) أي من أكل التمرات ( فرمى ما في يده) من التمر وقال: فما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ( فحمل بسيفه فقاتل) القوم ( حتى قتل) زاد ابن إسحاق وهو يقول:

ركضنا إلى الله بغير زاد
إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد
وكل زاد عرضة النفاد

غير التقى والبر والرشاد

وقتله خالد بن الأعلم العقيلي.
قال موسى بن عقبة: وهو أول قتيل قتل يومئذ وقال ابن إسحاق أولهم مهجع.
وقال ابن سعد: أولهم حارثة بن سراقة وعدة شهداء بدر أربعة عشر رجلاً ستة مهاجرون وثمانية أنصار بينتهم في شرح المواهب.

( مالك عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن جبل أنه قال) موقوفًا وقد رواه أبو داود والنسائي، وصححه الحاكم وحسنه ابن عبد البر من طريق خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الغزو غزوان) غزو على ما ينبغي، وغزو على ما لا ينبغي فاختصر الكلام واستغنى بذكر الغزاة وعد أصنافها وشرح حالهم وبيان أحكامهم عن ذكر القسمين وشرح حال كل واحد منهم مفصلا،ً قاله البيضاوي ( فغزو تنفق فيه الكريمة) قال الباجي: أي كرائم المال وخياره، وقال غيره: أي الناقة العزيزة عليه المختارة عنده.
وقال البوني: أي الذهب والفضة سميت كريمة لأنها تكرم عن السؤال وغيره وقال ابن عبد البر: أي ما يكرم عليك من المال مما يقيك به الله شح نفسك ولقد أحسن القائل:

وقد تخرج الحاجات يا أم مالك
كرائم من رب بهن ضنين

( ويياسر) بضم الياء الأولى ( فيه الشريك) أي يؤخذ باليسر والسهولة مع الرفيق نفعًا بالمعونة وكفاية للمؤنة.
وقال الباجي: يريد موافقته في رأيه مما يكون طاعة ومتابعته عليه وقلة مشاحته فيما يشاركه فيه من نفقة أو عمل ( ويطاع فيه ذو الأمر) بأن يفعل ما أمر به إذا لم يكن معصية إذ لا طاعة فيها إنما الطاعة في المعروف ( ويجتنب فيه الفساد) بأن لا يتجاوز المشروع في نحو قتل ونهب وتخريب ( فذلك الغزو خير كله) أي ذو خير وثواب والمراد أن من هذا شأنه فجميع حالاته من حركة وسكون ونوم ويقظة جالبة للخير والثواب، أي أن كلاً من ذلك له أجر ولفظ المرفوع المشار إليه، فأما من غزا ابتغاء وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد في الأرض فإن نومه ونبهه أجر كله ( وغزو لا ينفق فيه الكريمة ولا يياسر) بضم الياء الأولى ( فيه الشريك ولا يطاع فيه ذو الأمر) الإمام أو نائبه ( ولا يجتنب) بالبناء للمفعول في الأربعة ( فيه الفساد فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافًا) من كفاف الشيء وهو خياره أو من الرزق، أي لا يرجع بخير أو بثواب يغنيه أو لا يعود رأسًا برأس بحيث لا أجر ولا وزر بل عليه الوزر العظيم.
ولفظ المرفوع: وأما من غزا فخرًا ورياء وعصى الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف.



رقم الحديث 1027 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: لَغْوُ الْيَمِينِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ لَا وَاللَّهِ، وبَلَى وَاللَّهِ قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا.
أَنَّ اللَّغْوَ حَلِفُ الْإِنْسَانِ عَلَى الشَّيْءِ.
يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ كَذَلِكَ.
ثُمَّ يُوجَدُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
فَهُوَ اللَّغْوُ قَالَ مَالِكٌ: وَعَقْدُ الْيَمِينِ، أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَبِيعَ ثَوْبَهُ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، ثُمَّ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ.
أَوْ يَحْلِفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ، ثُمَّ لَا يَضْرِبُهُ.
وَنَحْوَ هَذَا.
فَهَذَا الَّذِي يُكَفِّرُ صَاحِبُهُ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ فِي اللَّغْوِ كَفَّارَةٌ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ، وَيَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ، وَهُوَ يَعْلَمُ، لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا.
أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ إِلَيْهِ.
أَوْ لِيَقْطَعَ بِهِ مَالًا.
فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.


( اللغو في اليمين)

( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقول لغو اليمين قول الإنسان لا والله لا والله) وفي رواية يحيى بن بكير وبلى والله قال الماوردي: أي كل واحدة منهما إذا قالها مفردة لغو فلو قالهما معًا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصود وفي أبي داود من طريق إبراهيم بن الصائغ عن عطاء عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لغو اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله وبلى والله، وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه وفي البخاري من طريق يحيى القطان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت أنزلت { { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } } في قول لا والله وبلى والله.

( قال مالك أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد على غير ذلك فهو اللغو) الذي ليس فيه كفارة وأما لا والله وبلى والله ففيهما الكفارة ( وعقد اليمين) في قوله تعالى { { وَلَكِن يُّؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ } } هو ( أن يحلف الرجل أن لا يبيع ثوبه) مثلاً ( بعشرة دنانير ثم يبيعه بذلك، أو يحلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه ونحو هذا) كلا يأكل كذا ثم يأكله أو لا يكلم زيدًا ثم يكلمه ( فهذا الذي يكفر صاحبه عن يمينه وليس في اللغو كفارة) لقوله تعالى { { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } } ( وأما الذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه إثم وهو يحلف على الكذب وهو يعلم) يقينًا أو ظنًا أو شكًا ( ليرضي به أحدًا أو ليعتذر به إلى معتذر) بفتح التاء والذال ( إليه أو ليقطع) وفي نسخة ليقتطع ( به مالاً فهذا أعظم من أن يكون فيه كفارة) وهي الغموس لغمس صاحبها في الإثم.