فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي مِعَى الْكَافِرِ

رقم الحديث 1679 حَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًي وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ.


( باب ما جاء في معي الكافر)

( مالك عن أبي الزناد) بكسر الزاي وخفة النون ( عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل المسلم في معي واحد) بكسر الميم مقصور كما اقتصر عليه شراح الحديث إما لأنه الرواية أو لأنه أشهر وإلا ففيه الفتح والمد وجمع المقصور أمعاء كعنب وأعناب والممدود أمعية كحمار وأحمرة وهي المصارين وعدى بفي على معنى دفع الأكل فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى { { إنما يأكلون في بطونهم نارا } } أي ملء بطونهم ( والكافر يأكل في سبعة أمعاء) هي عدة أمعاء الإنسان ولا ثامن لها كما بين في التشريح قال ابن عبد البر لا سبيل إلى حمله على ظاهره لأن المشاهدة تدفعه فكم من كافر يكون أقل أكلاً وشربًا من مسلم وعكسه وكم من كافر أسلم ولم يتغير أكله وشربه انتهى وجملة ما قيل فيه عشرة أوجه فقيل ليست حقيقة العدد مرادة بل المراد قلة أكل المؤمن وكثرة أكل الكافر ويؤيده قوله تعالى والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام وتخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كقوله تعالى { { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } } والمعنى أن شأن المؤمن التقلل في الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة وعلمه أن قصد الشرع من الأكل سد الجوع والعون على العبادة ولخشيته من حساب ما زاد على ذلك والكافر بخلاف ذلك قال القرطبي وهذا أرجح وقيل المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معي واحد لقلة حرصه وشرهه على الطعام وأشار النووي إلى اختياره ولا يلزم اطراده في كل مؤمن وكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على خلاف هذا الوصف لا يقدح في الحديث وقيل المراد أن المؤمن يسمي الله عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان بخلاف الكافر لا يسمي فيأكل معه الشيطان والثلاثة على أن المراد مطلق مسلم وكافر وقيل المراد بالمسلم الإسلام التام لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره بالموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكرة والخوف على نفسه من استيفاء شهوته ويشير إلى ذلك حديث الصحيح إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع فدل على أن المراد من يقتصد في مطعمه وأما الكافر فشأنه الشره فيأكل كالبهيمة لا بمصلحة قيام البنية وقد رد هذا الخطابي وقال قد ذكر عن غير واحد من السلف الأكل الكثير فلم يكن ذلك نقصًا في إيمانهم وقيل المراد المسلم يأكل الحلال والكافر الحرام والحلال أقل وقيل المراد حض المسلم على قلة الأكل إذا علم أن كثرته من صفات الكافر وقال القرطبي شهوات الطعام سبع الطبع والنفس والعين والفم والأنف والأذن والجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المسلم وأما الكافر فيأكل بالجميع وقال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع والحسد وحب السمن وسوء الطبع وبالواحد في المسلم سد خلته وقال ابن العربي السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة والقول العاشر أن اللام في الكافر عهدية فهو خاص بمعنى كان كافرًا فأسلم بدليل الحديث التالي ويأتي تفسير الرجل فيه وفي البخاري من وجه آخر عن أبي هريرة أن رجلاً كان يأكل أكلاً كثيرًا فأسلم فكان يأكل قليلاً فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء وبهذا جزم ابن عبد البر قال لأن المعاينة وهي أصح علوم الحواس تدفع أن يكون ذلك في كل كافر ومؤمن ومعروف من كلام العرب الإتيان بلفظ العموم والمراد به الخصوص كقوله تعالى { { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } } فالمراد بالناس رجل واحد أخبر الصحابة أن قريشًا جمعت لهم وجاء اللفظ على العموم ومثله كثير لا يجهله إلا من لا عناية له بالعلم وهذا الحديث أخرجه البخاري عن إسماعيل عن مالك به ورواه مسلم وغيره وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما ( مالك عن سهيل) بضم السين مصغر ( ابن أبي صالح عن أبيه) ذكوان السمان ( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر) هو جهجاه بن سعيد الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار وغيرهما من حديثه وجزم به ابن عبد البر أو نضلة بنت عمر وكما عند أحمد وأبي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في الدلائل أو أبو بصرة الغفاري ذكره أبو عبيد وعبد الغني بن سعيد أو ثمامة بن أثال الحنفي ذكره ابن إسحاق والباجي وابن بطال ( فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى فشربه) أي حلابها كله ( ثم أخرى فشربه حتى شرب حلاب) بكسر الحاء ( سبع شياه) وعند ابن أبي شيبة وغيره عن جهجاه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب قال يأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلم يبق في المسجد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيري وكنت رجلاً عظيمًا طوالاً لا يقدم علي أحد فذهب بي رسول الله إلى منزله فحلب لي عنزًا فأتيت عليها حتى حلب لي سبعة أعنز فأتيت عليها ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها فقالت أم أيمن أجاع الله من أجاع رسول الله هذه الليلة قال مه يا أم أيمن أكل رزقه ورزقنا على الله ( ثم أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها) وفي حديث جهجاه فذهب رسول الله إلى منزله فحلبت لي عنز فترويت وشبعت فقالت أم أيمن يا رسول الله أليس هذا ضيفنا فقال بلى ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يشرب في معي واحد) من أمعائه السبعة ( والكافر يشرب في سبعة أمعاء) التي هي جميع أمعائه قال عياض عند أهل التشريح إن أمعاء الإنسان سبعة المعدة ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب ثم الصائم ثم الرقيق والثلاثة رقاق ثم الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر وكلها غلاظ وقد نظمها الحافظ زين الدين العراقي في قوله

سبعة أمعاء لكل آدمي
معدة بوابها مع صائم

ثم الرقيق أعور قولون مع
المستقيم مسلك المطاعم

وفي الشرب ما سبق في الأكل من الأقوال العشرة وفيه كسابقه إشارة إلى تقليل الأكل وقد روى أصحاب السنن الثلاثة وصححه الحاكم مرفوعًا ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدمي نفسه فثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس قال القرطبي في شرح الأسماء لو سمع بقراط هذه القسمة لعجب من هذه الحكمة وقال الغزالي ذكر هذا الحديث لبعض الفلاسفة فقال ما سمعت كلامًا في قلة الأكل أحكم منه وقال غيره خص الثلاثة لأنها أسباب حياة الحيوان ولأنه لا يدخل البطن سواها وهل المراد الثلث المساوي حقيقة والطريق إليه غلبة الظن أو التقسيم إلى ثلاثة أقسام متقاربة وإن لم يغلب ظنه بالثلث الحقيقي محل احتمال قال الحافظ والأول أولى ويحتمل أنه لمح بذكر الثلث إلى قوله في الحديث الآخر والثلث كثير وقال غيره أرجح الاحتمالين الأول إذ هو المتبادر والثاني يحتاج لدليل وحديث الباب رواه مسلم من طريق إسحاق بن عيسى والترمذي من طريق معن بن عيسى كلاهما عن مالك به.