فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ صَدَقَةِ الْحَيِّ عَنِ الْمَيِّتِ

رقم الحديث 1460 حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ.
فَحَضَرَتْ أُمَّهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ.
فَقِيلَ لَهَا: أَوْصِي.
فَقَالَتْ: فِيمَ أُوصِي؟ إِنَّمَا الْمَالُ مَالُ سَعْدٍ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ سَعْدٌ، فَلَمَّا قَدِمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، ذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، فَقَالَ سَعْدٌ حَائِطُ كَذَا وَكَذَا صَدَقَةٌ عَنْهَا لِحَائِطٍ سَمَّاهُ.


صدقة الحي عن الميت

وفي نسخة على بدل عن وكلاهما حسن ( مالك عن سعيد) بفتح السين وكسر العين بعدهما تحتية قال ابن عبد البر هكذا قال يحيى وابن وهب وابن القاسم وابن بكير والأكثر وقال القعنبي سعد أي بسكون العين بلا ياء قال والصواب الأول ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وكسر الموحدة وإسكان التحتية ولام ( ابن سعيد) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وصحفه ابنه عبد الله فقال عن سعيد ( ابن سعد بن عبادة) الأنصاري المدني ثقة عدل من شيوخ الإمام له عنه في مرفوع الموطأ هذا الحديث الواحد ( عن أبيه) عمرو الأنصاري الخزرجي الثقة ( عن جده) شرحبيل مقبول ثقة أو أراد جده الأعلى سعيد بن سعد بن عبادة أو ضمير جده لعمرو بن شرحبيل فيكون متصلا ولذا قال ابن عبد البر هذا الحديث مسند لأن سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيره وشرحبيل ابنه غير نكير أن يلقى جده سعد بن عبادة وقد رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أنه خرج الحديث وهذا يدل على الاتصال وهو الأغلب منه وكذا رواه الدراوردي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه أن أمه توفيت الحديث أخرج الطريقين في التمهيد وإنما يتم له أن ما في الموطأ موصول بجعل ضمير جده عائدا على عمرو بن شرحبيل فيكون جده سعيد بن سعد بن عبادة وهو صحابي ابن صحابي أما إذا عاد الضمير على سعيد بن عمرو شيخ مالك فمرسل لأن جده شرحبيل تابعي إلا أن يريد جده الأعلى فيكون موصولا ولوح لهذا في فتح الباري بقوله الراوي في الموطأ سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا ( أنه قال خرج سعد بن عبادة) سيد الخزرج أحد النقباء والأجواد المتوفى سنة خمس عشرة بالشام ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه) هي غزوة دومة الجندل وكانت في ربيع الأول سنة خمس كما في طبقات ابن سعد ( فحضرت أمه) بالنصب مفعول فاعله ( الوفاة بالمدينة) وهي عمرة بنت مسعود وقيل بنت سعد بن قيس بن عمرو الخزرجية أسلمت وبايعت ( فقيل لها أوصي) بشيء ( فقالت فيما) أي في أي شيء ( أوصي) ولا مال لي ( إنما المال مال سعد) ابني ( فتوفيت قبل أن يقدم سعد) من الغزو ( فلما قدم سعد بن عبادة ذكر) بضم الذال وكسر الكاف ( ذلك) الذي قالت أمه ( له) لسعد ( فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها) بشيء زاد في رواية إنها كانت تحب الصدقة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) ينفعها ذلك عند الله فضلا منه تعالى على المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر إن لم يكن لهم فيه سبب يسنونه أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم وقد قام الإجماع على انتفاع الميت بصدقة الحي عنه وكفى به حجة قاله في التمهيد زاد في فتح الباري لا سيما إذا كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية واختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت كالحج والصوم اهـ لكن ما قال إنه المشهور ليس بمعروف فنص المدونة وغيرها أنه يتطوع عنه بالعتق ( فقال سعد حائط) أي بستان ( كذا وكذا صدقة عنها) يشير بكذا وكذا ( لحائط سماه) وفي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال سعد فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها وهو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة آخره فاء اسم للحائط أو وصف له بالثمر سمي بذلك لما يخترف منه أي يجنى من الثمر وفيه المسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدة وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها إذا صدقت النية والجهاد في حياة الأم وهو محمول على أنه استأذنها وفيه ما كانت الصحابة عليه من استشارته صلى الله عليه وسلم من أمور الدين وأسند ابن عبد البر عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء وأخرج أيضا عن سعيد بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعدا أن يسقي عنها الماء وفي رواية للنسائي أنه قال أينفعها أن أعتق عنها فقال صلى الله عليه وسلم اعتق عن أمك وطريق الجمع أنه تصدق عنها بالحائط من تلقاء نفسه والماء والعتق بأمره صلى الله عليه وسلم له بعد سؤاله عنهما ففي رواية للنسائي أيضا إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر في النذور شيء من هذا ( مالك عن هشام بن عروة) بن الزبير ( عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا) هو سعد بن عبادة كما في الحديث قبله وبه جزم غير واحد ( قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي) عمرة الصحابية ( افتلتت) بفاء ساكنة ففوقية مضمومة فلام مكسورة ففوقيتين أولاهما مفتوحة مبني للمفعول أي أخذت فلتة أي بغتة ( نفسها) بالرفع على المشهور كما قال الحافظ نائب الفاعل وروي بالنصب مفعول ثان أي أفلتها الله نفسها أي روحها قال الحافظ أو على التمييز وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال هي كلمة تقال لمن قتله الحب ولمن مات فجأة والمشهور في الرواية بالفاء اهـ زاد في رواية محمد بن بشير وأبي أسامة عن هشام ولم توص ولم يقل ذلك الباقون قاله مسلم أي باقي الرواة عن هشام ( وأراها) بضم الهمزة أظنها وثبت في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير عن هشام عند البخاري وخمسة رجال عند مسلم عن هشام بلفظ أظنها وهو يشعر كما قال الحافظ بأن رواية ابن القاسم عن مالك عند النسائي بلفظ وأنها لو تكلمت تصحيف ( لو تكلمت تصدقت) ظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق وفي السابق أنها قالت فيما أوصي إنما المال مال سعد فالمراد هنا لم تتكلم بالصدقة ولو تكلمت بها تصدقت أو أن سعدا ما عرف ما وقع منها فإن راوي السابق سعيد بن سعد أو ولده شرحبيل مرسلا فعلى التقديرين لم يتحد راوي الإثبات وراوي النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك ولا تنافي بين هذا وبين حديث ابن عباس المتقدم في النذر أن سعدا قال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها لاحتمال أنه سأل عن النذر وعن الصدقة فقال ( أفأتصدق عنها) وفي رواية محمد بن جعفر فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولبعضهم أتصدق عليها وأصرفه على مصلحتها ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) زاد إسماعيل بن أبي أويس تصدق عنها بالجزم على الأمر وللنسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر قريبا أنه تصدق عنها بحائط وبالعتق أيضا وفيه العمل بالظن الغالب والسؤال عن المحتمل وفضل الصدقة وأنها تنفع عن الميت وهو إجماع كما مر قال ابن المنذر وفيه جواز ترك الوصية لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على تركها ورد بأن الإنكار عليها تعذر بموتها وسقط التكليف وأجيب بأن فائدة إنكاره لو كان منكرا إيقاظ غيرها ممن سمعه فلما أقر ذلك دل على الجواز كذا في الفتح وفي أصل الدلالة لذلك نظر لقولها إنما المال مال سعد في الحديث السابق فهي لا مال لها فلا يتأتى ذمها على ترك الوصية ولا عدم الذم وأخرجه البخاري في الوصايا عن إسماعيل والنسائي من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن جعفر عند البخاري في الجنائز ومحمد بن بشير ويحيى بن سعيد وأبو أسامة وعلي بن مسهر وشعيب بن إسحاق كلهم عن هشام عند مسلم في الزكاة ( مالك أنه بلغه) قال ابن عبد البر روي هذا الحديث من وجوه ( أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج) بخاء وزاي منقوطتين وراء وجيم وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الذي أري الأذان كما في بعض طرق الحديث وهو صحابي وأبواه صحابيان ( تصدق على أبويه بصدقة فهلكا) ماتا ( فورث ابنهما المال) الذي تصدق به ( وهو نخل) بالمعجمة ( فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أجرت) بضم الهمزة وكسر الجيم أي أعطاك الله تعالى الأجر ( في صدقتك وخذها بميراثك) ففيه جواز تملك الصدقة بالميراث بلا كراهة وأن ذلك لا يمنع ثوابها إذ هو قد وقع من الجواد الكريم.



رقم الحديث 1461 وَحَدَّثَنِي مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ، تَصَدَّقَتْ.
أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ.


صدقة الحي عن الميت

وفي نسخة على بدل عن وكلاهما حسن ( مالك عن سعيد) بفتح السين وكسر العين بعدهما تحتية قال ابن عبد البر هكذا قال يحيى وابن وهب وابن القاسم وابن بكير والأكثر وقال القعنبي سعد أي بسكون العين بلا ياء قال والصواب الأول ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وكسر الموحدة وإسكان التحتية ولام ( ابن سعيد) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وصحفه ابنه عبد الله فقال عن سعيد ( ابن سعد بن عبادة) الأنصاري المدني ثقة عدل من شيوخ الإمام له عنه في مرفوع الموطأ هذا الحديث الواحد ( عن أبيه) عمرو الأنصاري الخزرجي الثقة ( عن جده) شرحبيل مقبول ثقة أو أراد جده الأعلى سعيد بن سعد بن عبادة أو ضمير جده لعمرو بن شرحبيل فيكون متصلا ولذا قال ابن عبد البر هذا الحديث مسند لأن سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيره وشرحبيل ابنه غير نكير أن يلقى جده سعد بن عبادة وقد رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أنه خرج الحديث وهذا يدل على الاتصال وهو الأغلب منه وكذا رواه الدراوردي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه أن أمه توفيت الحديث أخرج الطريقين في التمهيد وإنما يتم له أن ما في الموطأ موصول بجعل ضمير جده عائدا على عمرو بن شرحبيل فيكون جده سعيد بن سعد بن عبادة وهو صحابي ابن صحابي أما إذا عاد الضمير على سعيد بن عمرو شيخ مالك فمرسل لأن جده شرحبيل تابعي إلا أن يريد جده الأعلى فيكون موصولا ولوح لهذا في فتح الباري بقوله الراوي في الموطأ سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا ( أنه قال خرج سعد بن عبادة) سيد الخزرج أحد النقباء والأجواد المتوفى سنة خمس عشرة بالشام ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه) هي غزوة دومة الجندل وكانت في ربيع الأول سنة خمس كما في طبقات ابن سعد ( فحضرت أمه) بالنصب مفعول فاعله ( الوفاة بالمدينة) وهي عمرة بنت مسعود وقيل بنت سعد بن قيس بن عمرو الخزرجية أسلمت وبايعت ( فقيل لها أوصي) بشيء ( فقالت فيما) أي في أي شيء ( أوصي) ولا مال لي ( إنما المال مال سعد) ابني ( فتوفيت قبل أن يقدم سعد) من الغزو ( فلما قدم سعد بن عبادة ذكر) بضم الذال وكسر الكاف ( ذلك) الذي قالت أمه ( له) لسعد ( فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها) بشيء زاد في رواية إنها كانت تحب الصدقة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) ينفعها ذلك عند الله فضلا منه تعالى على المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر إن لم يكن لهم فيه سبب يسنونه أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم وقد قام الإجماع على انتفاع الميت بصدقة الحي عنه وكفى به حجة قاله في التمهيد زاد في فتح الباري لا سيما إذا كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية واختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت كالحج والصوم اهـ لكن ما قال إنه المشهور ليس بمعروف فنص المدونة وغيرها أنه يتطوع عنه بالعتق ( فقال سعد حائط) أي بستان ( كذا وكذا صدقة عنها) يشير بكذا وكذا ( لحائط سماه) وفي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال سعد فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها وهو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة آخره فاء اسم للحائط أو وصف له بالثمر سمي بذلك لما يخترف منه أي يجنى من الثمر وفيه المسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدة وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها إذا صدقت النية والجهاد في حياة الأم وهو محمول على أنه استأذنها وفيه ما كانت الصحابة عليه من استشارته صلى الله عليه وسلم من أمور الدين وأسند ابن عبد البر عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء وأخرج أيضا عن سعيد بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعدا أن يسقي عنها الماء وفي رواية للنسائي أنه قال أينفعها أن أعتق عنها فقال صلى الله عليه وسلم اعتق عن أمك وطريق الجمع أنه تصدق عنها بالحائط من تلقاء نفسه والماء والعتق بأمره صلى الله عليه وسلم له بعد سؤاله عنهما ففي رواية للنسائي أيضا إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر في النذور شيء من هذا ( مالك عن هشام بن عروة) بن الزبير ( عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا) هو سعد بن عبادة كما في الحديث قبله وبه جزم غير واحد ( قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي) عمرة الصحابية ( افتلتت) بفاء ساكنة ففوقية مضمومة فلام مكسورة ففوقيتين أولاهما مفتوحة مبني للمفعول أي أخذت فلتة أي بغتة ( نفسها) بالرفع على المشهور كما قال الحافظ نائب الفاعل وروي بالنصب مفعول ثان أي أفلتها الله نفسها أي روحها قال الحافظ أو على التمييز وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال هي كلمة تقال لمن قتله الحب ولمن مات فجأة والمشهور في الرواية بالفاء اهـ زاد في رواية محمد بن بشير وأبي أسامة عن هشام ولم توص ولم يقل ذلك الباقون قاله مسلم أي باقي الرواة عن هشام ( وأراها) بضم الهمزة أظنها وثبت في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير عن هشام عند البخاري وخمسة رجال عند مسلم عن هشام بلفظ أظنها وهو يشعر كما قال الحافظ بأن رواية ابن القاسم عن مالك عند النسائي بلفظ وأنها لو تكلمت تصحيف ( لو تكلمت تصدقت) ظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق وفي السابق أنها قالت فيما أوصي إنما المال مال سعد فالمراد هنا لم تتكلم بالصدقة ولو تكلمت بها تصدقت أو أن سعدا ما عرف ما وقع منها فإن راوي السابق سعيد بن سعد أو ولده شرحبيل مرسلا فعلى التقديرين لم يتحد راوي الإثبات وراوي النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك ولا تنافي بين هذا وبين حديث ابن عباس المتقدم في النذر أن سعدا قال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها لاحتمال أنه سأل عن النذر وعن الصدقة فقال ( أفأتصدق عنها) وفي رواية محمد بن جعفر فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولبعضهم أتصدق عليها وأصرفه على مصلحتها ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) زاد إسماعيل بن أبي أويس تصدق عنها بالجزم على الأمر وللنسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر قريبا أنه تصدق عنها بحائط وبالعتق أيضا وفيه العمل بالظن الغالب والسؤال عن المحتمل وفضل الصدقة وأنها تنفع عن الميت وهو إجماع كما مر قال ابن المنذر وفيه جواز ترك الوصية لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على تركها ورد بأن الإنكار عليها تعذر بموتها وسقط التكليف وأجيب بأن فائدة إنكاره لو كان منكرا إيقاظ غيرها ممن سمعه فلما أقر ذلك دل على الجواز كذا في الفتح وفي أصل الدلالة لذلك نظر لقولها إنما المال مال سعد في الحديث السابق فهي لا مال لها فلا يتأتى ذمها على ترك الوصية ولا عدم الذم وأخرجه البخاري في الوصايا عن إسماعيل والنسائي من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن جعفر عند البخاري في الجنائز ومحمد بن بشير ويحيى بن سعيد وأبو أسامة وعلي بن مسهر وشعيب بن إسحاق كلهم عن هشام عند مسلم في الزكاة ( مالك أنه بلغه) قال ابن عبد البر روي هذا الحديث من وجوه ( أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج) بخاء وزاي منقوطتين وراء وجيم وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الذي أري الأذان كما في بعض طرق الحديث وهو صحابي وأبواه صحابيان ( تصدق على أبويه بصدقة فهلكا) ماتا ( فورث ابنهما المال) الذي تصدق به ( وهو نخل) بالمعجمة ( فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أجرت) بضم الهمزة وكسر الجيم أي أعطاك الله تعالى الأجر ( في صدقتك وخذها بميراثك) ففيه جواز تملك الصدقة بالميراث بلا كراهة وأن ذلك لا يمنع ثوابها إذ هو قد وقع من الجواد الكريم.



رقم الحديث 1462 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَهَلَكَا فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ، وَهُوَ نَخْلٌ.
فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ: قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِكَ، وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ.


صدقة الحي عن الميت

وفي نسخة على بدل عن وكلاهما حسن ( مالك عن سعيد) بفتح السين وكسر العين بعدهما تحتية قال ابن عبد البر هكذا قال يحيى وابن وهب وابن القاسم وابن بكير والأكثر وقال القعنبي سعد أي بسكون العين بلا ياء قال والصواب الأول ( ابن عمرو) بفتح العين ( ابن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وإسكان المهملة وكسر الموحدة وإسكان التحتية ولام ( ابن سعيد) هكذا رواه ابن وضاح عن يحيى وهو الصواب وصحفه ابنه عبد الله فقال عن سعيد ( ابن سعد بن عبادة) الأنصاري المدني ثقة عدل من شيوخ الإمام له عنه في مرفوع الموطأ هذا الحديث الواحد ( عن أبيه) عمرو الأنصاري الخزرجي الثقة ( عن جده) شرحبيل مقبول ثقة أو أراد جده الأعلى سعيد بن سعد بن عبادة أو ضمير جده لعمرو بن شرحبيل فيكون متصلا ولذا قال ابن عبد البر هذا الحديث مسند لأن سعيد بن سعد بن عبادة له صحبة روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف وغيره وشرحبيل ابنه غير نكير أن يلقى جده سعد بن عبادة وقد رواه عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة عن مالك عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أبيه عن جده عن سعد بن عبادة أنه خرج الحديث وهذا يدل على الاتصال وهو الأغلب منه وكذا رواه الدراوردي عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه أن أمه توفيت الحديث أخرج الطريقين في التمهيد وإنما يتم له أن ما في الموطأ موصول بجعل ضمير جده عائدا على عمرو بن شرحبيل فيكون جده سعيد بن سعد بن عبادة وهو صحابي ابن صحابي أما إذا عاد الضمير على سعيد بن عمرو شيخ مالك فمرسل لأن جده شرحبيل تابعي إلا أن يريد جده الأعلى فيكون موصولا ولوح لهذا في فتح الباري بقوله الراوي في الموطأ سعيد بن سعد بن عبادة أو ولده شرحبيل مرسلا ( أنه قال خرج سعد بن عبادة) سيد الخزرج أحد النقباء والأجواد المتوفى سنة خمس عشرة بالشام ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه) هي غزوة دومة الجندل وكانت في ربيع الأول سنة خمس كما في طبقات ابن سعد ( فحضرت أمه) بالنصب مفعول فاعله ( الوفاة بالمدينة) وهي عمرة بنت مسعود وقيل بنت سعد بن قيس بن عمرو الخزرجية أسلمت وبايعت ( فقيل لها أوصي) بشيء ( فقالت فيما) أي في أي شيء ( أوصي) ولا مال لي ( إنما المال مال سعد) ابني ( فتوفيت قبل أن يقدم سعد) من الغزو ( فلما قدم سعد بن عبادة ذكر) بضم الذال وكسر الكاف ( ذلك) الذي قالت أمه ( له) لسعد ( فقال سعد يا رسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها) بشيء زاد في رواية إنها كانت تحب الصدقة ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) ينفعها ذلك عند الله فضلا منه تعالى على المؤمنين أن يدركهم بعد موتهم عمل البر والخير بغير سبب منهم ولا يلحقهم وزر يعمله غيرهم ولا شر إن لم يكن لهم فيه سبب يسنونه أو يبتدعونه فيعمل به بعدهم وقد قام الإجماع على انتفاع الميت بصدقة الحي عنه وكفى به حجة قاله في التمهيد زاد في فتح الباري لا سيما إذا كان من الولد وهو مخصص لعموم قوله تعالى { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } } ويلتحق بالصدقة العتق عنه عند الجمهور خلافا للمشهور عند المالكية واختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت كالحج والصوم اهـ لكن ما قال إنه المشهور ليس بمعروف فنص المدونة وغيرها أنه يتطوع عنه بالعتق ( فقال سعد حائط) أي بستان ( كذا وكذا صدقة عنها) يشير بكذا وكذا ( لحائط سماه) وفي البخاري عن عكرمة عن ابن عباس قال سعد فإني أشهدك أن حائطي المخراف صدقة عليها وهو بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة آخره فاء اسم للحائط أو وصف له بالثمر سمي بذلك لما يخترف منه أي يجنى من الثمر وفيه المسارعة إلى عمل البر والمبادرة إلى بر الوالدة وأن إظهار الصدقة قد يكون خيرا من إخفائها إذا صدقت النية والجهاد في حياة الأم وهو محمول على أنه استأذنها وفيه ما كانت الصحابة عليه من استشارته صلى الله عليه وسلم من أمور الدين وأسند ابن عبد البر عن أنس قال قال سعد بن عبادة يا رسول الله إن أم سعد كانت تحب الصدقة أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء وأخرج أيضا عن سعيد بن سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعدا أن يسقي عنها الماء وفي رواية للنسائي أنه قال أينفعها أن أعتق عنها فقال صلى الله عليه وسلم اعتق عن أمك وطريق الجمع أنه تصدق عنها بالحائط من تلقاء نفسه والماء والعتق بأمره صلى الله عليه وسلم له بعد سؤاله عنهما ففي رواية للنسائي أيضا إن أمي ماتت أفأتصدق عنها قال نعم قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر في النذور شيء من هذا ( مالك عن هشام بن عروة) بن الزبير ( عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا) هو سعد بن عبادة كما في الحديث قبله وبه جزم غير واحد ( قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمي) عمرة الصحابية ( افتلتت) بفاء ساكنة ففوقية مضمومة فلام مكسورة ففوقيتين أولاهما مفتوحة مبني للمفعول أي أخذت فلتة أي بغتة ( نفسها) بالرفع على المشهور كما قال الحافظ نائب الفاعل وروي بالنصب مفعول ثان أي أفلتها الله نفسها أي روحها قال الحافظ أو على التمييز وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال هي كلمة تقال لمن قتله الحب ولمن مات فجأة والمشهور في الرواية بالفاء اهـ زاد في رواية محمد بن بشير وأبي أسامة عن هشام ولم توص ولم يقل ذلك الباقون قاله مسلم أي باقي الرواة عن هشام ( وأراها) بضم الهمزة أظنها وثبت في رواية محمد بن جعفر بن أبي كثير عن هشام عند البخاري وخمسة رجال عند مسلم عن هشام بلفظ أظنها وهو يشعر كما قال الحافظ بأن رواية ابن القاسم عن مالك عند النسائي بلفظ وأنها لو تكلمت تصحيف ( لو تكلمت تصدقت) ظاهره أنها لم تتكلم فلم تتصدق وفي السابق أنها قالت فيما أوصي إنما المال مال سعد فالمراد هنا لم تتكلم بالصدقة ولو تكلمت بها تصدقت أو أن سعدا ما عرف ما وقع منها فإن راوي السابق سعيد بن سعد أو ولده شرحبيل مرسلا فعلى التقديرين لم يتحد راوي الإثبات وراوي النفي فيمكن الجمع بينهما بذلك ولا تنافي بين هذا وبين حديث ابن عباس المتقدم في النذر أن سعدا قال إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه فقال صلى الله عليه وسلم اقضه عنها لاحتمال أنه سأل عن النذر وعن الصدقة فقال ( أفأتصدق عنها) وفي رواية محمد بن جعفر فهل لها أجر إن تصدقت عنها ولبعضهم أتصدق عليها وأصرفه على مصلحتها ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم) زاد إسماعيل بن أبي أويس تصدق عنها بالجزم على الأمر وللنسائي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة قلت فأي الصدقة أفضل قال سقي الماء ومر قريبا أنه تصدق عنها بحائط وبالعتق أيضا وفيه العمل بالظن الغالب والسؤال عن المحتمل وفضل الصدقة وأنها تنفع عن الميت وهو إجماع كما مر قال ابن المنذر وفيه جواز ترك الوصية لأنه صلى الله عليه وسلم لم يذم أم سعد على تركها ورد بأن الإنكار عليها تعذر بموتها وسقط التكليف وأجيب بأن فائدة إنكاره لو كان منكرا إيقاظ غيرها ممن سمعه فلما أقر ذلك دل على الجواز كذا في الفتح وفي أصل الدلالة لذلك نظر لقولها إنما المال مال سعد في الحديث السابق فهي لا مال لها فلا يتأتى ذمها على ترك الوصية ولا عدم الذم وأخرجه البخاري في الوصايا عن إسماعيل والنسائي من طريق ابن القاسم كلاهما عن مالك به وتابعه محمد بن جعفر عند البخاري في الجنائز ومحمد بن بشير ويحيى بن سعيد وأبو أسامة وعلي بن مسهر وشعيب بن إسحاق كلهم عن هشام عند مسلم في الزكاة ( مالك أنه بلغه) قال ابن عبد البر روي هذا الحديث من وجوه ( أن رجلا من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج) بخاء وزاي منقوطتين وراء وجيم وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الذي أري الأذان كما في بعض طرق الحديث وهو صحابي وأبواه صحابيان ( تصدق على أبويه بصدقة فهلكا) ماتا ( فورث ابنهما المال) الذي تصدق به ( وهو نخل) بالمعجمة ( فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أجرت) بضم الهمزة وكسر الجيم أي أعطاك الله تعالى الأجر ( في صدقتك وخذها بميراثك) ففيه جواز تملك الصدقة بالميراث بلا كراهة وأن ذلك لا يمنع ثوابها إذ هو قد وقع من الجواد الكريم.