فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ جَامِعِ الْبُيُوعِ

رقم الحديث 1392 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ، قَالَ: فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَايَعَ يَقُولُ لَا خِلَابَةَ.


( جامع البيوع)

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) هو حبان بن منقذ كما رواه ابن الجارود والحاكم وغيرهما، وصدّر به عياض، وجزم به النووي في شرح مسلم.
وهو بفتح المهملة والموحدة الثقيلة، ومنقذ، بذال معجمة قبلها قاف مكسورة الأنصاري.
وقيل: هو أبو منقذ بن عمرو كما في ابن ماجه وتاريخ البخاري.
قال ابن عبد البر: وهو أصح وتبعه النووي في مبهماته ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح المهملة، أي يراد به المكروه ( في البيوع) من حيث لا يعلم ويبدي له غير ما يكتم.
قال عياض: وفي الحديث أنه الذي ذكر ذلك لأنه لم يفقد التمييز والنظر لنفسه بالكلية فلعل ذلك كان يعتريه أحيانًا ويتبين ذلك إذا انتبه اهـ.
وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضريرًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه.
وعند الدارقطني وابن عبد البر من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذ بن عمرو كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة فكان إذا بايع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث وأخرج ابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذ أسفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع.

( فقال) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وخفة اللام وموحدة، أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبر لا خلابة محذوف.
قال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان إخوانًا لا يغبنون أخاهم المسلم وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم اهـ.
زاد في رواية ابن عبد البر من طريق نافع ثم أنت بالخيار ثلاثًا من بيعك.
قال في الإكمال جعل له عهدة الثلاث لأن أكثر مبايعته كانت في الرقيق ليتبصر ويثبت عيبه وروي أنه جعل له مع ذلك خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ( فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة) أي معناها الذي يقدر عليه من النطق.
ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار يقول: لا خيابة قال عياض بالتحتية لأنه كان ألثغ يخرج اللام من غير مخرجها، ولبعضهم لا خنابة بالنون وهو تصحيف، وفي بعض روايات مسلم لا خذابة بالذال المعجمة اهـ.

وفي رواية أبي عمر من طريق نافع قال ابن عمر: فسمعته يقول: إذا باع لا خذابة لا خذابة، وعند الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد، فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار ثلاثًا فيردّ له دراهمه.

وروى الترمذي عن أنس أن رجلاً كان في عقله ضعف، وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله إني لا أصبر على البيع.
فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال.
قال ابن عبد البر: قال بعضهم هذا خاص بهذا الرجل وحده جعل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لما كان فيه من الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه وقيل: إنما جعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثًا مع قوله: لا خلابة فيكون عامًا كسائر مشترطي الخيار اهـ.
وقد استدل أحمد والبغداديون من المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدّوه بالثلث لا أقل لأنه غبن يسير انتصب له التجار فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجاذب الطريقان قوله تعالى: { { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } } فقال الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك.
وقال الجمهور: قد استثني منه التجارة عن تراض وهذا عن تراض وكذلك تجاذبوا فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد فيه الخيار للمغبون.
وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لم يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول: لا خلابة فلو قيلت هذه اللفظة اليوم في العقد ثم ظهر الغبن فقال الأكثر لا يوجب قولها قيامًا بالغبن.
ثم اختلفوا فقال بعضهم: لأنها كانت خاصة بذلك الرجل وله صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء، وقيل: إنما أمره أن يشترط ويصدره بهذه الكلمة حضًا لمن عامله على النصيحة والتحرز من الخلابة، فقد روي أنه قال له: قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام وليعلم صاحبه أنه ليس من ذوي البصيرة في البيع فينظر له كما ينظر لنفسه.
وقال أحمد: توجب القيام بالغبن لقائلها إذ كأنه شرط أن لا يزيد الثمن عن ثمن المثل ولا أن تنقص السلعة عنه وإن قالها البائع صار بمنزلة من شرط وصفًا في المبيع، فبان خلافه.
وفي الحديث حجة لإمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه قبل الحجر عليه.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف، وفي ترك الحيل عن إسماعيل كلاهما عن مالك به، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وتابعه إسماعيل بن جعفر وسفيان وشعبة الثلاثة عن ابن دينار عند مسلم.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا جئت أرضًا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام) بضم الميم الإقامة ( بها وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها) لأن ظهور المنكر وعمومه مما يحذر تعجيل عقوبته قالت أم سلمة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث فكيف مع قلة الصالحين أو عدمهم قاله الباجي.
وفي الاستذكار هذا يقتضي أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر فيها المنكر ظهورًا لا يطاق تغييره والمقام بموضع يظهر فيه الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب إذا وجد مرغوبًا فيه، وأما بخس المكيال والميزان فحرام قال تعالى: { { وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } } وقال تعالى: { { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } } الآيات قال قتادة: في هذه الآية ابن آدم أوف كما تحب أن يوفى لك وأعدل كما تحب أن يعدل عليك ومر ابن عمر على رجل يكيل كيلاً يعتدي فيه فقال له: ويلك ما هذا؟ فقال: أمرنا الله بالوفاء فقال ابن عمر ونهى عن العدوان.
وقال الفضيل بن عياض: بخس المكيال والميزان سواد الوجه غدًا في القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا إلا من بر وصدق وقال صلى الله عليه وسلم: التجار هم الفجار قالوا: أليس قد أحل الله البيع قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويخونون فيكذبون وقال صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
وفي رواية اليمين الكاذبة وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران معكم فشوّبوه بالصدقة روى الأربعة قاسم بن أصبغ بأسانيده.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الفاضل التابعي الثقة ( يقول) أخرجه البخاري وابن ماجه من طريق أبي غسان محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الله) بفتح الهمزة والموحدة الثقيلة، دعاء أو خبر ولفظ البخاري وابن ماجه: رحم الله، لكن رواه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: أحب الله ( عبدًا) أي إنسانًا ( سمحًا) بفتح فسكون، من السماحة وهي الجود صفة مشبهة تدل على الثبوت ( إن باع) بأن يرضى بقليل الربح ( سمحًا إن ابتاع سمحًا إن قضى) أي أدى ما عليه طيبة به نفسه ويقضي أفضل ما يجد ويعجل القضاء ( سمحًا إن اقتضى) أي طلب قضاء حقه برفق ولين.
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلاً للرحمة وفيه فضل المسامحة وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببًا لمحبة الله التي هي سبب للسعادة الأبدية، ثم لفظ البخاري: رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى، وبمثل لفظ الموطأ رواه ابن ماجه لكن بلفظ: رحم بدل أحب، وبلفظ إذا بدل أن في الكل وهو يحتمل الدعاء والخبر كما مر ويؤيد الخبر قوله في رواية الترمذي من طريق عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث: غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع لكن قال الكرماني وغيره: قرينة الاستقبال المستفادة من إذا تجعله دعاء وتقديره يكون رجلاً سمحًا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط.
وفي الصحيحين عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ فقال: ما أعلم؟ قيل: انظر قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: فتجاوزوا عنه.
وفي رواية لمسلم فقال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي ولهما أيضًا فأدخله الله الجنة.
قال ابن حبيب في الواضحة: تستحب المسامحة في البيع والشراء وليس هي ترك المكايسة فيه إنما هي ترك الموازنة والمضاجرة والكزازة والرضا بيسير الربح وحسن الطلب.
قال: ويكره المدح والذم في التبايع ولا يفسخ به ويأثم فاعله لشبهه بالخديعة.

( قال مالك في الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البز) بالموحدة والزاي ( أو الرقيق أو شيئًا من العروض جزافًا إنه لا يكون الجزاف في شيء مما يعد عدًا) وفي نسخة عددًا.
قال الباجي: يريد ما الغالب أن يسهل عدده لقلته ولا يتقدّر بكيل ولا وزن.
وقال المازري: إن حمل على ظاهره فرق بينه وبين المكيل والموزون بتعذر آلتهما في بعض الأوقات، ولكن قيده حذاق المتأخرين بالمعدود المقصود آحاده كالرقيق والأنعام وما تقارب جاز الجزاف في كثيره لمشقة عدده دون يسيره.

( قال مالك في الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له و) الحال أنه ( قد قومها صاحبها قيمة فقال: إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به فلك دينار أو شيء يسميه له يتراضيان عليه وإن لم تبعها فليس لك شيء إنه لا بأس بذلك) أي يجوز وقوله: ( إذا سمى ثمنًا يبيعها به وسمى أجرًا معلومًا إذا باع أخذه وإن لم يبع فلا شيء له) زيادة إيضاح لما قبله ( ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: إن قدرت على غلامي الآبق أو جئت بجملي الشارد فلك كذا وكذا) لشيء يسميه ( فهذا من باب الجعل) الذي قال الجمهور بجوازه في الآباق والضوال، والأصل فيه قوله تعالى: { { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } } ( وليس من باب الإجارة ولو كان من باب الإجارة لم يصلح) بل يفسد لأن من شرطها علم الثمن وأوضح ذلك فقال: ( فأما الرجل يعطى السلعة فيقال له: بعها ولك كذا وكذا في كل دينار لشيء يسميه) كأن يقول: لك في كل دينار درهمان ( فإن ذلك لا يصلح لأنه كلما نقص دينار من ثمن السلعة نقص من حقه الذي سمى له) وفي نسخة سماه ( فهذا غرر) لأنه ( لا يدري كم جعل له) والإجارة بيع منافع فلا يجوز أن يكون البدل فيها إلا معلومًا عند الجمهور وقال الظاهرية وبعض السلف يجوز جهل البدل فيها كمن يعطي حماره لمن يسقي عليه أو يعمل به بنصف ما يرزق بسقيه على ظهره كل يوم قياسًا على القراض والمساقاة.
قالوا: وقد جاء القرآن بجواز الرضاع وما يأخذه الصبي في اليوم والليلة من لبنها غير معلوم لاختلاف أحوال الصبيان واختلاف ألبان النساء قاله أبو عمر.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الرجل يتكارى الدابة ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به فقال: لا بأس بذلك) لأن المكتري مالك منافع الأصل فله التصرف فيها كيف شاء.



رقم الحديث 1393 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: إِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُوفُونَ الْمِكْيَالَ، وَالْمِيزَانَ فَأَطِلِ الْمُقَامَ بِهَا، وَإِذَا جِئْتَ أَرْضًا يُنَقِّصُونَ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، فَأَقْلِلِ الْمُقَامَ بِهَا.


( جامع البيوع)

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) هو حبان بن منقذ كما رواه ابن الجارود والحاكم وغيرهما، وصدّر به عياض، وجزم به النووي في شرح مسلم.
وهو بفتح المهملة والموحدة الثقيلة، ومنقذ، بذال معجمة قبلها قاف مكسورة الأنصاري.
وقيل: هو أبو منقذ بن عمرو كما في ابن ماجه وتاريخ البخاري.
قال ابن عبد البر: وهو أصح وتبعه النووي في مبهماته ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح المهملة، أي يراد به المكروه ( في البيوع) من حيث لا يعلم ويبدي له غير ما يكتم.
قال عياض: وفي الحديث أنه الذي ذكر ذلك لأنه لم يفقد التمييز والنظر لنفسه بالكلية فلعل ذلك كان يعتريه أحيانًا ويتبين ذلك إذا انتبه اهـ.
وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضريرًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه.
وعند الدارقطني وابن عبد البر من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذ بن عمرو كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة فكان إذا بايع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث وأخرج ابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذ أسفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع.

( فقال) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وخفة اللام وموحدة، أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبر لا خلابة محذوف.
قال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان إخوانًا لا يغبنون أخاهم المسلم وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم اهـ.
زاد في رواية ابن عبد البر من طريق نافع ثم أنت بالخيار ثلاثًا من بيعك.
قال في الإكمال جعل له عهدة الثلاث لأن أكثر مبايعته كانت في الرقيق ليتبصر ويثبت عيبه وروي أنه جعل له مع ذلك خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ( فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة) أي معناها الذي يقدر عليه من النطق.
ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار يقول: لا خيابة قال عياض بالتحتية لأنه كان ألثغ يخرج اللام من غير مخرجها، ولبعضهم لا خنابة بالنون وهو تصحيف، وفي بعض روايات مسلم لا خذابة بالذال المعجمة اهـ.

وفي رواية أبي عمر من طريق نافع قال ابن عمر: فسمعته يقول: إذا باع لا خذابة لا خذابة، وعند الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد، فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار ثلاثًا فيردّ له دراهمه.

وروى الترمذي عن أنس أن رجلاً كان في عقله ضعف، وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله إني لا أصبر على البيع.
فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال.
قال ابن عبد البر: قال بعضهم هذا خاص بهذا الرجل وحده جعل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لما كان فيه من الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه وقيل: إنما جعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثًا مع قوله: لا خلابة فيكون عامًا كسائر مشترطي الخيار اهـ.
وقد استدل أحمد والبغداديون من المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدّوه بالثلث لا أقل لأنه غبن يسير انتصب له التجار فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجاذب الطريقان قوله تعالى: { { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } } فقال الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك.
وقال الجمهور: قد استثني منه التجارة عن تراض وهذا عن تراض وكذلك تجاذبوا فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد فيه الخيار للمغبون.
وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لم يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول: لا خلابة فلو قيلت هذه اللفظة اليوم في العقد ثم ظهر الغبن فقال الأكثر لا يوجب قولها قيامًا بالغبن.
ثم اختلفوا فقال بعضهم: لأنها كانت خاصة بذلك الرجل وله صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء، وقيل: إنما أمره أن يشترط ويصدره بهذه الكلمة حضًا لمن عامله على النصيحة والتحرز من الخلابة، فقد روي أنه قال له: قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام وليعلم صاحبه أنه ليس من ذوي البصيرة في البيع فينظر له كما ينظر لنفسه.
وقال أحمد: توجب القيام بالغبن لقائلها إذ كأنه شرط أن لا يزيد الثمن عن ثمن المثل ولا أن تنقص السلعة عنه وإن قالها البائع صار بمنزلة من شرط وصفًا في المبيع، فبان خلافه.
وفي الحديث حجة لإمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه قبل الحجر عليه.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف، وفي ترك الحيل عن إسماعيل كلاهما عن مالك به، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وتابعه إسماعيل بن جعفر وسفيان وشعبة الثلاثة عن ابن دينار عند مسلم.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا جئت أرضًا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام) بضم الميم الإقامة ( بها وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها) لأن ظهور المنكر وعمومه مما يحذر تعجيل عقوبته قالت أم سلمة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث فكيف مع قلة الصالحين أو عدمهم قاله الباجي.
وفي الاستذكار هذا يقتضي أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر فيها المنكر ظهورًا لا يطاق تغييره والمقام بموضع يظهر فيه الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب إذا وجد مرغوبًا فيه، وأما بخس المكيال والميزان فحرام قال تعالى: { { وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } } وقال تعالى: { { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } } الآيات قال قتادة: في هذه الآية ابن آدم أوف كما تحب أن يوفى لك وأعدل كما تحب أن يعدل عليك ومر ابن عمر على رجل يكيل كيلاً يعتدي فيه فقال له: ويلك ما هذا؟ فقال: أمرنا الله بالوفاء فقال ابن عمر ونهى عن العدوان.
وقال الفضيل بن عياض: بخس المكيال والميزان سواد الوجه غدًا في القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا إلا من بر وصدق وقال صلى الله عليه وسلم: التجار هم الفجار قالوا: أليس قد أحل الله البيع قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويخونون فيكذبون وقال صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
وفي رواية اليمين الكاذبة وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران معكم فشوّبوه بالصدقة روى الأربعة قاسم بن أصبغ بأسانيده.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الفاضل التابعي الثقة ( يقول) أخرجه البخاري وابن ماجه من طريق أبي غسان محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الله) بفتح الهمزة والموحدة الثقيلة، دعاء أو خبر ولفظ البخاري وابن ماجه: رحم الله، لكن رواه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: أحب الله ( عبدًا) أي إنسانًا ( سمحًا) بفتح فسكون، من السماحة وهي الجود صفة مشبهة تدل على الثبوت ( إن باع) بأن يرضى بقليل الربح ( سمحًا إن ابتاع سمحًا إن قضى) أي أدى ما عليه طيبة به نفسه ويقضي أفضل ما يجد ويعجل القضاء ( سمحًا إن اقتضى) أي طلب قضاء حقه برفق ولين.
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلاً للرحمة وفيه فضل المسامحة وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببًا لمحبة الله التي هي سبب للسعادة الأبدية، ثم لفظ البخاري: رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى، وبمثل لفظ الموطأ رواه ابن ماجه لكن بلفظ: رحم بدل أحب، وبلفظ إذا بدل أن في الكل وهو يحتمل الدعاء والخبر كما مر ويؤيد الخبر قوله في رواية الترمذي من طريق عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث: غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع لكن قال الكرماني وغيره: قرينة الاستقبال المستفادة من إذا تجعله دعاء وتقديره يكون رجلاً سمحًا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط.
وفي الصحيحين عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ فقال: ما أعلم؟ قيل: انظر قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: فتجاوزوا عنه.
وفي رواية لمسلم فقال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي ولهما أيضًا فأدخله الله الجنة.
قال ابن حبيب في الواضحة: تستحب المسامحة في البيع والشراء وليس هي ترك المكايسة فيه إنما هي ترك الموازنة والمضاجرة والكزازة والرضا بيسير الربح وحسن الطلب.
قال: ويكره المدح والذم في التبايع ولا يفسخ به ويأثم فاعله لشبهه بالخديعة.

( قال مالك في الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البز) بالموحدة والزاي ( أو الرقيق أو شيئًا من العروض جزافًا إنه لا يكون الجزاف في شيء مما يعد عدًا) وفي نسخة عددًا.
قال الباجي: يريد ما الغالب أن يسهل عدده لقلته ولا يتقدّر بكيل ولا وزن.
وقال المازري: إن حمل على ظاهره فرق بينه وبين المكيل والموزون بتعذر آلتهما في بعض الأوقات، ولكن قيده حذاق المتأخرين بالمعدود المقصود آحاده كالرقيق والأنعام وما تقارب جاز الجزاف في كثيره لمشقة عدده دون يسيره.

( قال مالك في الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له و) الحال أنه ( قد قومها صاحبها قيمة فقال: إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به فلك دينار أو شيء يسميه له يتراضيان عليه وإن لم تبعها فليس لك شيء إنه لا بأس بذلك) أي يجوز وقوله: ( إذا سمى ثمنًا يبيعها به وسمى أجرًا معلومًا إذا باع أخذه وإن لم يبع فلا شيء له) زيادة إيضاح لما قبله ( ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: إن قدرت على غلامي الآبق أو جئت بجملي الشارد فلك كذا وكذا) لشيء يسميه ( فهذا من باب الجعل) الذي قال الجمهور بجوازه في الآباق والضوال، والأصل فيه قوله تعالى: { { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } } ( وليس من باب الإجارة ولو كان من باب الإجارة لم يصلح) بل يفسد لأن من شرطها علم الثمن وأوضح ذلك فقال: ( فأما الرجل يعطى السلعة فيقال له: بعها ولك كذا وكذا في كل دينار لشيء يسميه) كأن يقول: لك في كل دينار درهمان ( فإن ذلك لا يصلح لأنه كلما نقص دينار من ثمن السلعة نقص من حقه الذي سمى له) وفي نسخة سماه ( فهذا غرر) لأنه ( لا يدري كم جعل له) والإجارة بيع منافع فلا يجوز أن يكون البدل فيها إلا معلومًا عند الجمهور وقال الظاهرية وبعض السلف يجوز جهل البدل فيها كمن يعطي حماره لمن يسقي عليه أو يعمل به بنصف ما يرزق بسقيه على ظهره كل يوم قياسًا على القراض والمساقاة.
قالوا: وقد جاء القرآن بجواز الرضاع وما يأخذه الصبي في اليوم والليلة من لبنها غير معلوم لاختلاف أحوال الصبيان واختلاف ألبان النساء قاله أبو عمر.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الرجل يتكارى الدابة ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به فقال: لا بأس بذلك) لأن المكتري مالك منافع الأصل فله التصرف فيها كيف شاء.



رقم الحديث 1394 وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، يَقُولُ: أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِنْ بَاعَ، سَمْحًا إِنِ ابْتَاعَ، سَمْحًا إِنْ قَضَى، سَمْحًا إِنِ اقْتَضَى قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْإِبِلَ أَوِ الْغَنَمَ، أَوِ الْبَزَّ أَوِ الرَّقِيقَ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْعُرُوضِ جِزَافًا، إِنَّهُ لَا يَكُونُ الْجِزَافُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يُعَدُّ عَدًّا قَالَ مَالِكٌ: فِي الرَّجُلِ يُعْطِي الرَّجُلَ السِّلْعَةَ يَبِيعُهَا لَهُ، وَقَدْ قَوَّمَهَا صَاحِبُهَا قِيمَةً، فَقَالَ: إِنْ بِعْتَهَا بِهَذَا الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ فَلَكَ دِينَارٌ، أَوْ شَيْءٌ يُسَمِّيهِ لَهُ يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ تَبِعْهَا فَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِذَا سَمَّى ثَمَنًا يَبِيعُهَا بِهِ، وَسَمَّى أَجْرًا مَعْلُومًا إِذَا بَاعَ أَخَذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبِعْ فَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ مَالِكٌ: وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ إِنْ قَدَرْتَ عَلَى غُلَامِي الْآبِقِ أَوْ جِئْتَ بِجَمَلِي الشَّارِدِ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَهَذَا مِنْ بَابِ الْجُعْلِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ لَمْ يَصْلُحْ قَالَ مَالِكٌ: فَأَمَّا الرَّجُلُ يُعْطَى السِّلْعَةَ، فَيُقَالُ لَهُ: بِعْهَا وَلَكَ كَذَا وَكَذَا فِي كُلِّ دِينَارٍ لِشَيْءٍ يُسَمِّيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا نَقَصَ دِينَارٌ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ نَقَصَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ، فَهَذَا غَرَرٌ لَا يَدْرِي كَمْ جَعَلَ لَهُ.


( جامع البيوع)

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) هو حبان بن منقذ كما رواه ابن الجارود والحاكم وغيرهما، وصدّر به عياض، وجزم به النووي في شرح مسلم.
وهو بفتح المهملة والموحدة الثقيلة، ومنقذ، بذال معجمة قبلها قاف مكسورة الأنصاري.
وقيل: هو أبو منقذ بن عمرو كما في ابن ماجه وتاريخ البخاري.
قال ابن عبد البر: وهو أصح وتبعه النووي في مبهماته ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح المهملة، أي يراد به المكروه ( في البيوع) من حيث لا يعلم ويبدي له غير ما يكتم.
قال عياض: وفي الحديث أنه الذي ذكر ذلك لأنه لم يفقد التمييز والنظر لنفسه بالكلية فلعل ذلك كان يعتريه أحيانًا ويتبين ذلك إذا انتبه اهـ.
وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضريرًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه.
وعند الدارقطني وابن عبد البر من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذ بن عمرو كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة فكان إذا بايع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث وأخرج ابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذ أسفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع.

( فقال) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وخفة اللام وموحدة، أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبر لا خلابة محذوف.
قال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان إخوانًا لا يغبنون أخاهم المسلم وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم اهـ.
زاد في رواية ابن عبد البر من طريق نافع ثم أنت بالخيار ثلاثًا من بيعك.
قال في الإكمال جعل له عهدة الثلاث لأن أكثر مبايعته كانت في الرقيق ليتبصر ويثبت عيبه وروي أنه جعل له مع ذلك خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ( فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة) أي معناها الذي يقدر عليه من النطق.
ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار يقول: لا خيابة قال عياض بالتحتية لأنه كان ألثغ يخرج اللام من غير مخرجها، ولبعضهم لا خنابة بالنون وهو تصحيف، وفي بعض روايات مسلم لا خذابة بالذال المعجمة اهـ.

وفي رواية أبي عمر من طريق نافع قال ابن عمر: فسمعته يقول: إذا باع لا خذابة لا خذابة، وعند الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد، فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار ثلاثًا فيردّ له دراهمه.

وروى الترمذي عن أنس أن رجلاً كان في عقله ضعف، وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله إني لا أصبر على البيع.
فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال.
قال ابن عبد البر: قال بعضهم هذا خاص بهذا الرجل وحده جعل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لما كان فيه من الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه وقيل: إنما جعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثًا مع قوله: لا خلابة فيكون عامًا كسائر مشترطي الخيار اهـ.
وقد استدل أحمد والبغداديون من المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدّوه بالثلث لا أقل لأنه غبن يسير انتصب له التجار فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجاذب الطريقان قوله تعالى: { { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } } فقال الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك.
وقال الجمهور: قد استثني منه التجارة عن تراض وهذا عن تراض وكذلك تجاذبوا فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد فيه الخيار للمغبون.
وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لم يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول: لا خلابة فلو قيلت هذه اللفظة اليوم في العقد ثم ظهر الغبن فقال الأكثر لا يوجب قولها قيامًا بالغبن.
ثم اختلفوا فقال بعضهم: لأنها كانت خاصة بذلك الرجل وله صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء، وقيل: إنما أمره أن يشترط ويصدره بهذه الكلمة حضًا لمن عامله على النصيحة والتحرز من الخلابة، فقد روي أنه قال له: قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام وليعلم صاحبه أنه ليس من ذوي البصيرة في البيع فينظر له كما ينظر لنفسه.
وقال أحمد: توجب القيام بالغبن لقائلها إذ كأنه شرط أن لا يزيد الثمن عن ثمن المثل ولا أن تنقص السلعة عنه وإن قالها البائع صار بمنزلة من شرط وصفًا في المبيع، فبان خلافه.
وفي الحديث حجة لإمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه قبل الحجر عليه.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف، وفي ترك الحيل عن إسماعيل كلاهما عن مالك به، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وتابعه إسماعيل بن جعفر وسفيان وشعبة الثلاثة عن ابن دينار عند مسلم.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا جئت أرضًا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام) بضم الميم الإقامة ( بها وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها) لأن ظهور المنكر وعمومه مما يحذر تعجيل عقوبته قالت أم سلمة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث فكيف مع قلة الصالحين أو عدمهم قاله الباجي.
وفي الاستذكار هذا يقتضي أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر فيها المنكر ظهورًا لا يطاق تغييره والمقام بموضع يظهر فيه الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب إذا وجد مرغوبًا فيه، وأما بخس المكيال والميزان فحرام قال تعالى: { { وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } } وقال تعالى: { { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } } الآيات قال قتادة: في هذه الآية ابن آدم أوف كما تحب أن يوفى لك وأعدل كما تحب أن يعدل عليك ومر ابن عمر على رجل يكيل كيلاً يعتدي فيه فقال له: ويلك ما هذا؟ فقال: أمرنا الله بالوفاء فقال ابن عمر ونهى عن العدوان.
وقال الفضيل بن عياض: بخس المكيال والميزان سواد الوجه غدًا في القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا إلا من بر وصدق وقال صلى الله عليه وسلم: التجار هم الفجار قالوا: أليس قد أحل الله البيع قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويخونون فيكذبون وقال صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
وفي رواية اليمين الكاذبة وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران معكم فشوّبوه بالصدقة روى الأربعة قاسم بن أصبغ بأسانيده.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الفاضل التابعي الثقة ( يقول) أخرجه البخاري وابن ماجه من طريق أبي غسان محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الله) بفتح الهمزة والموحدة الثقيلة، دعاء أو خبر ولفظ البخاري وابن ماجه: رحم الله، لكن رواه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: أحب الله ( عبدًا) أي إنسانًا ( سمحًا) بفتح فسكون، من السماحة وهي الجود صفة مشبهة تدل على الثبوت ( إن باع) بأن يرضى بقليل الربح ( سمحًا إن ابتاع سمحًا إن قضى) أي أدى ما عليه طيبة به نفسه ويقضي أفضل ما يجد ويعجل القضاء ( سمحًا إن اقتضى) أي طلب قضاء حقه برفق ولين.
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلاً للرحمة وفيه فضل المسامحة وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببًا لمحبة الله التي هي سبب للسعادة الأبدية، ثم لفظ البخاري: رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى، وبمثل لفظ الموطأ رواه ابن ماجه لكن بلفظ: رحم بدل أحب، وبلفظ إذا بدل أن في الكل وهو يحتمل الدعاء والخبر كما مر ويؤيد الخبر قوله في رواية الترمذي من طريق عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث: غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع لكن قال الكرماني وغيره: قرينة الاستقبال المستفادة من إذا تجعله دعاء وتقديره يكون رجلاً سمحًا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط.
وفي الصحيحين عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ فقال: ما أعلم؟ قيل: انظر قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: فتجاوزوا عنه.
وفي رواية لمسلم فقال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي ولهما أيضًا فأدخله الله الجنة.
قال ابن حبيب في الواضحة: تستحب المسامحة في البيع والشراء وليس هي ترك المكايسة فيه إنما هي ترك الموازنة والمضاجرة والكزازة والرضا بيسير الربح وحسن الطلب.
قال: ويكره المدح والذم في التبايع ولا يفسخ به ويأثم فاعله لشبهه بالخديعة.

( قال مالك في الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البز) بالموحدة والزاي ( أو الرقيق أو شيئًا من العروض جزافًا إنه لا يكون الجزاف في شيء مما يعد عدًا) وفي نسخة عددًا.
قال الباجي: يريد ما الغالب أن يسهل عدده لقلته ولا يتقدّر بكيل ولا وزن.
وقال المازري: إن حمل على ظاهره فرق بينه وبين المكيل والموزون بتعذر آلتهما في بعض الأوقات، ولكن قيده حذاق المتأخرين بالمعدود المقصود آحاده كالرقيق والأنعام وما تقارب جاز الجزاف في كثيره لمشقة عدده دون يسيره.

( قال مالك في الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له و) الحال أنه ( قد قومها صاحبها قيمة فقال: إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به فلك دينار أو شيء يسميه له يتراضيان عليه وإن لم تبعها فليس لك شيء إنه لا بأس بذلك) أي يجوز وقوله: ( إذا سمى ثمنًا يبيعها به وسمى أجرًا معلومًا إذا باع أخذه وإن لم يبع فلا شيء له) زيادة إيضاح لما قبله ( ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: إن قدرت على غلامي الآبق أو جئت بجملي الشارد فلك كذا وكذا) لشيء يسميه ( فهذا من باب الجعل) الذي قال الجمهور بجوازه في الآباق والضوال، والأصل فيه قوله تعالى: { { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } } ( وليس من باب الإجارة ولو كان من باب الإجارة لم يصلح) بل يفسد لأن من شرطها علم الثمن وأوضح ذلك فقال: ( فأما الرجل يعطى السلعة فيقال له: بعها ولك كذا وكذا في كل دينار لشيء يسميه) كأن يقول: لك في كل دينار درهمان ( فإن ذلك لا يصلح لأنه كلما نقص دينار من ثمن السلعة نقص من حقه الذي سمى له) وفي نسخة سماه ( فهذا غرر) لأنه ( لا يدري كم جعل له) والإجارة بيع منافع فلا يجوز أن يكون البدل فيها إلا معلومًا عند الجمهور وقال الظاهرية وبعض السلف يجوز جهل البدل فيها كمن يعطي حماره لمن يسقي عليه أو يعمل به بنصف ما يرزق بسقيه على ظهره كل يوم قياسًا على القراض والمساقاة.
قالوا: وقد جاء القرآن بجواز الرضاع وما يأخذه الصبي في اليوم والليلة من لبنها غير معلوم لاختلاف أحوال الصبيان واختلاف ألبان النساء قاله أبو عمر.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الرجل يتكارى الدابة ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به فقال: لا بأس بذلك) لأن المكتري مالك منافع الأصل فله التصرف فيها كيف شاء.



رقم الحديث 1395 وحَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ، ثُمَّ يُكْرِيهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا تَكَارَاهَا بِهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.


( جامع البيوع)

( مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلاً) هو حبان بن منقذ كما رواه ابن الجارود والحاكم وغيرهما، وصدّر به عياض، وجزم به النووي في شرح مسلم.
وهو بفتح المهملة والموحدة الثقيلة، ومنقذ، بذال معجمة قبلها قاف مكسورة الأنصاري.
وقيل: هو أبو منقذ بن عمرو كما في ابن ماجه وتاريخ البخاري.
قال ابن عبد البر: وهو أصح وتبعه النووي في مبهماته ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح المهملة، أي يراد به المكروه ( في البيوع) من حيث لا يعلم ويبدي له غير ما يكتم.
قال عياض: وفي الحديث أنه الذي ذكر ذلك لأنه لم يفقد التمييز والنظر لنفسه بالكلية فلعل ذلك كان يعتريه أحيانًا ويتبين ذلك إذا انتبه اهـ.
وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضريرًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه.
وعند الدارقطني وابن عبد البر من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذ بن عمرو كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة فكان إذا بايع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث وأخرج ابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذ أسفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه فكان يخدع في البيع.

( فقال) له ( رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وخفة اللام وموحدة، أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبر لا خلابة محذوف.
قال التوربشتي: لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان إخوانًا لا يغبنون أخاهم المسلم وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم اهـ.
زاد في رواية ابن عبد البر من طريق نافع ثم أنت بالخيار ثلاثًا من بيعك.
قال في الإكمال جعل له عهدة الثلاث لأن أكثر مبايعته كانت في الرقيق ليتبصر ويثبت عيبه وروي أنه جعل له مع ذلك خيار ثلاثة أيام فيما اشتراه ( فكان الرجل إذا بايع يقول: لا خلابة) أي معناها الذي يقدر عليه من النطق.
ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار يقول: لا خيابة قال عياض بالتحتية لأنه كان ألثغ يخرج اللام من غير مخرجها، ولبعضهم لا خنابة بالنون وهو تصحيف، وفي بعض روايات مسلم لا خذابة بالذال المعجمة اهـ.

وفي رواية أبي عمر من طريق نافع قال ابن عمر: فسمعته يقول: إذا باع لا خذابة لا خذابة، وعند الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال، فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد، فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمان عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار ثلاثًا فيردّ له دراهمه.

وروى الترمذي عن أنس أن رجلاً كان في عقله ضعف، وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله إني لا أصبر على البيع.
فقال: إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال.
قال ابن عبد البر: قال بعضهم هذا خاص بهذا الرجل وحده جعل له الخيار ثلاثة أيام اشترطه أو لم يشترطه لما كان فيه من الحرص على المبايعة مع ضعف عقله ولسانه وقيل: إنما جعل له أن يشترط الخيار لنفسه ثلاثًا مع قوله: لا خلابة فيكون عامًا كسائر مشترطي الخيار اهـ.
وقد استدل أحمد والبغداديون من المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدّوه بالثلث لا أقل لأنه غبن يسير انتصب له التجار فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجاذب الطريقان قوله تعالى: { { وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } } فقال الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك.
وقال الجمهور: قد استثني منه التجارة عن تراض وهذا عن تراض وكذلك تجاذبوا فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد فيه الخيار للمغبون.
وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لم يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول: لا خلابة فلو قيلت هذه اللفظة اليوم في العقد ثم ظهر الغبن فقال الأكثر لا يوجب قولها قيامًا بالغبن.
ثم اختلفوا فقال بعضهم: لأنها كانت خاصة بذلك الرجل وله صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء، وقيل: إنما أمره أن يشترط ويصدره بهذه الكلمة حضًا لمن عامله على النصيحة والتحرز من الخلابة، فقد روي أنه قال له: قل لا خلابة واشترط الخيار ثلاثة أيام وليعلم صاحبه أنه ليس من ذوي البصيرة في البيع فينظر له كما ينظر لنفسه.
وقال أحمد: توجب القيام بالغبن لقائلها إذ كأنه شرط أن لا يزيد الثمن عن ثمن المثل ولا أن تنقص السلعة عنه وإن قالها البائع صار بمنزلة من شرط وصفًا في المبيع، فبان خلافه.
وفي الحديث حجة لإمضاء بيع من لا يحسن النظر لنفسه وشرائه قبل الحجر عليه.

وأخرجه البخاري هنا عن عبد الله بن يوسف، وفي ترك الحيل عن إسماعيل كلاهما عن مالك به، وأخرجه أبو داود والنسائي من طريق مالك وتابعه إسماعيل بن جعفر وسفيان وشعبة الثلاثة عن ابن دينار عند مسلم.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذا جئت أرضًا يوفون المكيال والميزان فأطل المقام) بضم الميم الإقامة ( بها وإذا جئت أرضًا ينقصون المكيال والميزان فأقلل المقام بها) لأن ظهور المنكر وعمومه مما يحذر تعجيل عقوبته قالت أم سلمة: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث فكيف مع قلة الصالحين أو عدمهم قاله الباجي.
وفي الاستذكار هذا يقتضي أنه لا ينبغي المقام بأرض يظهر فيها المنكر ظهورًا لا يطاق تغييره والمقام بموضع يظهر فيه الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأغلب إذا وجد مرغوبًا فيه، وأما بخس المكيال والميزان فحرام قال تعالى: { { وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ } } وقال تعالى: { { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } } الآيات قال قتادة: في هذه الآية ابن آدم أوف كما تحب أن يوفى لك وأعدل كما تحب أن يعدل عليك ومر ابن عمر على رجل يكيل كيلاً يعتدي فيه فقال له: ويلك ما هذا؟ فقال: أمرنا الله بالوفاء فقال ابن عمر ونهى عن العدوان.
وقال الفضيل بن عياض: بخس المكيال والميزان سواد الوجه غدًا في القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن التجار يحشرون يوم القيامة فجارًا إلا من بر وصدق وقال صلى الله عليه وسلم: التجار هم الفجار قالوا: أليس قد أحل الله البيع قال: بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويخونون فيكذبون وقال صلى الله عليه وسلم: الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة.
وفي رواية اليمين الكاذبة وقال صلى الله عليه وسلم: يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران معكم فشوّبوه بالصدقة روى الأربعة قاسم بن أصبغ بأسانيده.

( مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الفاضل التابعي الثقة ( يقول) أخرجه البخاري وابن ماجه من طريق أبي غسان محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الله) بفتح الهمزة والموحدة الثقيلة، دعاء أو خبر ولفظ البخاري وابن ماجه: رحم الله، لكن رواه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة بلفظ: أحب الله ( عبدًا) أي إنسانًا ( سمحًا) بفتح فسكون، من السماحة وهي الجود صفة مشبهة تدل على الثبوت ( إن باع) بأن يرضى بقليل الربح ( سمحًا إن ابتاع سمحًا إن قضى) أي أدى ما عليه طيبة به نفسه ويقضي أفضل ما يجد ويعجل القضاء ( سمحًا إن اقتضى) أي طلب قضاء حقه برفق ولين.
قال الطيبي: رتب المحبة عليه ليدل على السهولة والتسامح في التعامل سبب لاستحقاق المحبة ولكونه أهلاً للرحمة وفيه فضل المسامحة وعدم احتقار شيء من أعمال الخير فلعلها تكون سببًا لمحبة الله التي هي سبب للسعادة الأبدية، ثم لفظ البخاري: رحم الله عبدًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى، وبمثل لفظ الموطأ رواه ابن ماجه لكن بلفظ: رحم بدل أحب، وبلفظ إذا بدل أن في الكل وهو يحتمل الدعاء والخبر كما مر ويؤيد الخبر قوله في رواية الترمذي من طريق عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث: غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلاً إذا باع لكن قال الكرماني وغيره: قرينة الاستقبال المستفادة من إذا تجعله دعاء وتقديره يكون رجلاً سمحًا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط.
وفي الصحيحين عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئًا؟ فقال: ما أعلم؟ قيل: انظر قال: كنت آمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر قال: فتجاوزوا عنه.
وفي رواية لمسلم فقال الله: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي ولهما أيضًا فأدخله الله الجنة.
قال ابن حبيب في الواضحة: تستحب المسامحة في البيع والشراء وليس هي ترك المكايسة فيه إنما هي ترك الموازنة والمضاجرة والكزازة والرضا بيسير الربح وحسن الطلب.
قال: ويكره المدح والذم في التبايع ولا يفسخ به ويأثم فاعله لشبهه بالخديعة.

( قال مالك في الرجل يشتري الإبل أو الغنم أو البز) بالموحدة والزاي ( أو الرقيق أو شيئًا من العروض جزافًا إنه لا يكون الجزاف في شيء مما يعد عدًا) وفي نسخة عددًا.
قال الباجي: يريد ما الغالب أن يسهل عدده لقلته ولا يتقدّر بكيل ولا وزن.
وقال المازري: إن حمل على ظاهره فرق بينه وبين المكيل والموزون بتعذر آلتهما في بعض الأوقات، ولكن قيده حذاق المتأخرين بالمعدود المقصود آحاده كالرقيق والأنعام وما تقارب جاز الجزاف في كثيره لمشقة عدده دون يسيره.

( قال مالك في الرجل يعطي الرجل السلعة يبيعها له و) الحال أنه ( قد قومها صاحبها قيمة فقال: إن بعتها بهذا الثمن الذي أمرتك به فلك دينار أو شيء يسميه له يتراضيان عليه وإن لم تبعها فليس لك شيء إنه لا بأس بذلك) أي يجوز وقوله: ( إذا سمى ثمنًا يبيعها به وسمى أجرًا معلومًا إذا باع أخذه وإن لم يبع فلا شيء له) زيادة إيضاح لما قبله ( ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل: إن قدرت على غلامي الآبق أو جئت بجملي الشارد فلك كذا وكذا) لشيء يسميه ( فهذا من باب الجعل) الذي قال الجمهور بجوازه في الآباق والضوال، والأصل فيه قوله تعالى: { { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ } } ( وليس من باب الإجارة ولو كان من باب الإجارة لم يصلح) بل يفسد لأن من شرطها علم الثمن وأوضح ذلك فقال: ( فأما الرجل يعطى السلعة فيقال له: بعها ولك كذا وكذا في كل دينار لشيء يسميه) كأن يقول: لك في كل دينار درهمان ( فإن ذلك لا يصلح لأنه كلما نقص دينار من ثمن السلعة نقص من حقه الذي سمى له) وفي نسخة سماه ( فهذا غرر) لأنه ( لا يدري كم جعل له) والإجارة بيع منافع فلا يجوز أن يكون البدل فيها إلا معلومًا عند الجمهور وقال الظاهرية وبعض السلف يجوز جهل البدل فيها كمن يعطي حماره لمن يسقي عليه أو يعمل به بنصف ما يرزق بسقيه على ظهره كل يوم قياسًا على القراض والمساقاة.
قالوا: وقد جاء القرآن بجواز الرضاع وما يأخذه الصبي في اليوم والليلة من لبنها غير معلوم لاختلاف أحوال الصبيان واختلاف ألبان النساء قاله أبو عمر.

( مالك عن ابن شهاب أنه سأله عن الرجل يتكارى الدابة ثم يكريها بأكثر مما تكاراها به فقال: لا بأس بذلك) لأن المكتري مالك منافع الأصل فله التصرف فيها كيف شاء.