فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَذْيِ

رقم الحديث 31 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ، أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا شَدِيدًا حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ.


( مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) بكسر الياء وفتحها ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) أرسله رواة الموطأ كلهم إلا روح بن عبادة فرواه عن مالك موصولاً فزاد عن أبي هريرة، وقد رواه مسلم من طريق معمر وابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد وابن وهب عن يونس ثلاثتهم عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) يعني الثوم وفيه مجاز لأن المعروف لغة أن الشجر ما له ساق وما لا ساق له فنجم، وبه فسر ابن عباس والنجم والشجر يسجدان ومن أهل اللغة من قال: ما نبت له أصل في الأرض يخلف ما قطع منه فشجر وإلا فنجم.

وقال الخطابي: في هذا الحديث إطلاق الشجر على الثوم والعامة لا تعرف الشجر إلا ما كان له ساق انتهى، وقيل بينهما عموم وخصوص فكل نجم شجر ولا عكس كالنخل والشجر فكل نخل شجر ولا عكس.

قال ابن بطال: وهذا يدل على إباحة أكل الثوم لأن قوله: من أكل لفظ إباحة ورده ابن المنير بأن هذه الصيغة إنما تعطي الوجود لا الحكم أي من وجد منه الأكل وهو أعم من كونه مباحًا أم لا.
وفي رواية جابر في الصحيحين من أكل ثومًا أو بصلاً.

( فَلَا يَقْرُبْ مَسَاجِدَنَا) أيها المسلمون فالجمع في هذه الرواية كرواية أحمد فيشمل جميع المساجد وعليه الأكثر، وقيل خاص بمسجد المدينة لأجل نزول جبريل فيه ولرواية مسجدنا بالإفراد، ورد بأن المراد به الجنس لرواية الجمع والملائكة تحضر في غير المسجد النبوي والعلة التأذي حتى للبشر كما قال: ( يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ) بضم المثلثة زاد في حديث جابر وليقعد في بيته.

وقد حكى ابن بطال هذا القول عن بعض العلماء وضعفه ولعبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء: هل النهي للمسجد الحرام خاصة أو في المساجد؟ قال: بل في المساجد، وقيل أراد مسجده الذي أعده للصلاة فيه يوم خيبر فكأنه تشبث بما رواه البخاري عن ابن عمر نهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم يوم خيبر ومثل الثوم البصل والكراث كما في مسلم.

ونقل ابن التين عن مالك الفجل إن ظهر ريحه فكالثوم وقيده عياض بالجشاء.

وفي الطبراني الصغير النص على الفجل من حديث جابر لكن في إسناده يحيى بن راشد ضعيف وألحق بعضهم بذلك من بفمه بخر أو به جرح له رائحة كريهة وزاد غيره أصحاب الصنائع الكريهات كالسماك وأصحاب العاهات كالمجذوم ومن يؤذي الناس بلسانه ابن دقيق العيد وذلك كله توسع غير مرضي.

وقال ابن المنير: ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بآكل الثوم في المنع من المسجد وفيه نظر لأن آكله أدخل على نفسه هذا المانع باختياره والمجذوم علته سماوية قال: لكن قوله صلى الله عليه وسلم من جوع أو غيره يدل على التسوية وتعقبه الحافظ بأنه رأى قول البخاري في الترجمة قوله النبي إلخ فظنه لفظ حديث وليس كذلك بل هو من تفقه البخاري، وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى وحكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما في مسلم عن ابن عمر.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ) بضم الميم وفتح الجيم والموحدة الثقيلة القرشي العدوي روى عن أبيه وسالم وعنه ابنه محمد ومالك وغيرهما ووثقه الفلاس وغيره.
قال في الاستذكار: المجبر هو عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب وإنما قيل له المجبر لأنه سقط فتكسر فجبر، وقال ابن ماكولا: لا يعرف في الرواة عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن ثلاثة في نسق إلا هذا وذكر الزبير بن بكار أن أباه عبد الرحمن الأصغر مات وهو حمل فلما ولد سمته حفصة باسم أبيه وقالت لعل الله يجبره، وقال في الاستيعاب.
كان لعمر ثلاثة أولاد كلهم عبد الرحمن أكبرهم صحابي والثاني يكنى أبا شحمة وهو الذي ضربه أبوه في الخمر والثالث والد المجبر بالجيم والموحدة الثقيلة.

( أَنَّهُ كَانَ يَرَى سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) بن عمر أحد الفقهاء ( إِذَا رَأَى الْإِنْسَانَ يُغَطِّي فَاهُ وَهُوَ يُصَلِّي جَبَذَ الثَّوْبَ عَنْ فِيهِ جَبْذًا) بجيم وموحدة ومعجمة ( شَدِيدًا) لأنه أبلغ في تعليمه ( حَتَّى يَنْزِعَهُ عَنْ فِيهِ) قال المجد: الجبذ الجذب وليس مقلوبه بل لغة صحيحة ووهم الجوهري وغيره كالاجتباذ والفعل كضرب ففعل سالم وهو من الفقهاء السبعة دليل على أن كراهة تغطية الفم في الصلاة كان أمرًا مقررًا عندهم بالمدينة.



رقم الحديث 87 وَحَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ سَمِعَهُ، وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ: إِنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ؟ فَقَالَ لَهُ: سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي.


( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ) أي يحيى ( سَمِعَهُ) أي سعيدًا ( وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ:) أي الرجل ( إِنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ) أقطع صلاتي ( فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ) أتم ( صَلَاتِي) .
لأن مذهبه أن البلل لا يبطل الوضوء في الصلاة وإن قطر وسال، وحمله مالك على سلس المذي قاله الباجي.

وقال أبو عمر: معناه أن كثرة المذي وفحشه في البدن والثوب لا يمنع المصلي إتمام صلاته وإن كان يؤمر بغسل الفاحش قبل دخوله في الصلاة.

وفي رواية ابن القاسم عن مالك في هذا الحديث قال يحيى بن سعيد: وأخبرني من كان عند سعيد أنه قال للرجل: فإذا انصرفت إلى أهلك فاغسل ثوبك.
قال يحيى: وأما أنا فلم أسمعه منه، وهذه الرواية توضح ما ذكرنا، ومذهب مالك أن ما خرج من مني أو مذي أو بول على وجه السلس لا ينقض الطهارة خلافًا لأبي حنيفة والشافعي قالوا يتوضأ لكل صلاة وإن لم ينقطع كما يصلي والبول ونحوه لا ينقطع فكذلك يتوضأ اهـ.

واستدل لهم بأن الشارع أمر بالوضوء من المذي ولم يستفصل فدل على عموم الحكم.

( مَالِكٍ عَنْ الصَّلْتِ) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفوقية ( بْنِ زُيَيْدٍ) بضم الزاي ومثناتين تحت مصغر زيد أو زياد الكندي وثقه العجلي وغيره، وروى عن سليمان بن يسار وغير واحد من أهله، وعنه مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة قال: ابن الحذاء هو ابن أخي كثير بن الصلت وولي الصلت هذا قضاء المدينة.

( أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ، فَقَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ) أي إزارك أو سروالك ( بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ) أمر من لهى يلهى كرضى يرضى أي اشتغل عنه بغيره دفعًا للوسواس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا توضأت فانتضح رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أي لدفع الوسوسة حتى إذا أحس ببلل قدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكره ويتسلط عليه بالوسوسة.

وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم عن الحكم بن سفيان مرسلاً كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فنضح به فرجه.
قيل: كان يفعله لدفع الوسوسة وقد أجير منها تعليمًا لأمته أو ليرتد البول فإن الماء البارد يقطعه والنضح الرش أو الغسل.

قال الغزالي: وبه يعرف أن الوسوسة تدل على قلة الفقه.



رقم الحديث 88 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ الصَّلْتِ بْنِ زُيَيْدٍ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ، فَقَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ.


( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاري ( عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ) أي يحيى ( سَمِعَهُ) أي سعيدًا ( وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ فَقَالَ:) أي الرجل ( إِنِّي لَأَجِدُ الْبَلَلَ وَأَنَا أُصَلِّي أَفَأَنْصَرِفُ) أقطع صلاتي ( فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ: لَوْ سَالَ عَلَى فَخِذِي مَا انْصَرَفْتُ حَتَّى أَقْضِيَ) أتم ( صَلَاتِي) .
لأن مذهبه أن البلل لا يبطل الوضوء في الصلاة وإن قطر وسال، وحمله مالك على سلس المذي قاله الباجي.

وقال أبو عمر: معناه أن كثرة المذي وفحشه في البدن والثوب لا يمنع المصلي إتمام صلاته وإن كان يؤمر بغسل الفاحش قبل دخوله في الصلاة.

وفي رواية ابن القاسم عن مالك في هذا الحديث قال يحيى بن سعيد: وأخبرني من كان عند سعيد أنه قال للرجل: فإذا انصرفت إلى أهلك فاغسل ثوبك.
قال يحيى: وأما أنا فلم أسمعه منه، وهذه الرواية توضح ما ذكرنا، ومذهب مالك أن ما خرج من مني أو مذي أو بول على وجه السلس لا ينقض الطهارة خلافًا لأبي حنيفة والشافعي قالوا يتوضأ لكل صلاة وإن لم ينقطع كما يصلي والبول ونحوه لا ينقطع فكذلك يتوضأ اهـ.

واستدل لهم بأن الشارع أمر بالوضوء من المذي ولم يستفصل فدل على عموم الحكم.

( مَالِكٍ عَنْ الصَّلْتِ) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وفوقية ( بْنِ زُيَيْدٍ) بضم الزاي ومثناتين تحت مصغر زيد أو زياد الكندي وثقه العجلي وغيره، وروى عن سليمان بن يسار وغير واحد من أهله، وعنه مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة قال: ابن الحذاء هو ابن أخي كثير بن الصلت وولي الصلت هذا قضاء المدينة.

( أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْبَلَلِ أَجِدُهُ، فَقَالَ: انْضَحْ مَا تَحْتَ ثَوْبِكَ) أي إزارك أو سروالك ( بِالْمَاءِ وَالْهَ عَنْهُ) أمر من لهى يلهى كرضى يرضى أي اشتغل عنه بغيره دفعًا للوسواس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا توضأت فانتضح رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أي لدفع الوسوسة حتى إذا أحس ببلل قدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكره ويتسلط عليه بالوسوسة.

وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه الحاكم عن الحكم بن سفيان مرسلاً كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فنضح به فرجه.
قيل: كان يفعله لدفع الوسوسة وقد أجير منها تعليمًا لأمته أو ليرتد البول فإن الماء البارد يقطعه والنضح الرش أو الغسل.

قال الغزالي: وبه يعرف أن الوسوسة تدل على قلة الفقه.