فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ مَا جَاءَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

رقم الحديث 470 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ.
إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ.


( مالك عن زيد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وحاء مهملة المدني الثقة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( وعبيد الله) بضم العين مصغر ( بن أبي عبد الله) المدني ثقة كلاهما ( عن أبي عبد الله سلمان) بفتح فسكون ( الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وشد الراء المدني مولى جهينة أصله من أصبهان ثقة.

( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة) تصلى ( فيما سواه) .

قال النووي: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي أنه يعم الحرم كذا في الفتح.

( إلا المسجد الحرام) بالنصب على الاستثناء، وروي بالجر على أن إلا بمعنى غير واختلف في معناه فقيل إن الصلاة فيه أفضل من مسجده، وقيل: إن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم تفضله بأقل من ألف وقال الباجي الذي يقتضيه الاستثناء أن المسجد الحرام حكمه خارج عن أحكام سائر المواطن في الفضيلة المذكورة ولا يعلم حكمه من هذا الخبر فيصح أن تكون الصلاة فيه أفضل من مسجده أو دونه أو مساويه وكذا قال ابن بطال ورجح التساوي لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل بخلاف المساواة.

قال الحافظ دليل كونه فاضلا ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير مرفوعا صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وفي رواية ابن حبان وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي وفي ابن ماجه عن جابر مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه وفي بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة وعلى الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة وللبزار والطبراني عن أبي الدرداء رفعه الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة قال البزار إسناده حسن فوضح أن المراد بالاستثناء تفضيل الصلاة في المسجد الحرام وهو يرد تأويل عبد الله بن نافع وغيره أن معناه الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة قال ابن عبد البر لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسعة وتسعين صلاة وهو باطل ثم التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره فمن عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة وإن أوهم كلام أبي بكر النقاش في تفسيره خلافه فإنه قال حسبت الصلاة في المسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة انتهى وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة فإنها تزيد سبعا وعشرين درجة لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا محل بحث واستدل به الجمهور على تضعيف الصلاة فرضا أو نفلا في المسجدين وخصه الطحاوي وغيره بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ويمكن أن يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا انتهى وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وأما مسلم فرواه من طريق ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به وروي أيضا من طريق الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر أنهما سمعا أبا هريرة يقول صلاة في مسجد رسول الله أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن رسول الله آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد قال أبو سلمة وأبو عبد الله لم يشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله فمنعنا ذلك أن نستثبته حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا وتلاومنا أن لا نكون كلمناه في ذلك حتى نسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم فذكرنا ذلك والذي فرطنا فيه فقال لنا عبد الله أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد قال عياض هذا ظاهر في تفضيل مسجده لهذه العلة قال القرطبي لأن ربط الكلام بفاء التعليل يشعر بأن مسجده إنما فضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم فتدبره فإنه واضح انتهى.

( مالك عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وموحدتين مصغر ( بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف الأنصاري أبي الحارث المدني ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العمري من الثقات.

( عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري) قال ابن عبد البر: كذا لرواة الموطأ بالشك إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة فقالا عن أبي هريرة وأبي سعيد على الجمع لا الشك ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك فقال عن أبي هريرة وحده.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي) أي قبري ( ومنبري) لأنه روي ما بين قبري وقيل بيت سكناه على ظاهره وهما متقاربان لأن قبره في بيته.

قال الحافظ وعلى الأول المراد أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره وللطبراني الأوسط ما بين المنبر وبيت عائشة ورواية ما بين قبري ومنبري أخرجها الطبراني عن ابن عمر والبزار برجال ثقات عن سعد بن أبي وقاص قال ونقل ابن زبالة أن ذرع ما بين بيته ومنبره ثلاث وخمسون ذراعا وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون إلا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار وقال القرطبي الرواية الصحيحة بيتي ويروى قبري وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه والموصول مبتدأ خبره قوله.

( روضة من رياض الجنة) حقيقة بأن تكون مقتطعة منها كما أن الحجر الأسود والنيل والفرات وسيحان وجيحان من الجنة وكذا الثمار الهندية من الورق التي أهبط بها آدم منها فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في الدنيا من مياه الجنة وترابها وفواكهها ليتدبر العاقل فيسارع إليها بالأعمال الصالحة أو أن تلك البقعة تنقل بينها يوم القيامة فتكون روضة من رياض الجنة أو من مجاز الأول أي إن الملازم للطاعات فيها توصله للجنة كخبر الجنة تحت ظلال السيوف ونظر فيه بأنه لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها فالعبادة في أي مكان كذلك ورد بأنه سبب قوي يوصل إليها على وجه أتم من بقية الأسباب أو هي سبب لروضة خاصة أجل من مطلق الدخول والتنعم فأهل الجنة يتفاوتون في منازلها بقدر أعمالهم أو هو تشبيه بليغ أي كروضة من رياضها في تنزل الرحمة وحصول السعادة ولا مانع من الجمع فهي من الجنة والعمل فيها يوجب لصاحبه روضة جليلة في الجنة وتنقل هي أيضا إلى الجنة قال الباجي وإذا تأولنا أن اتباع ما يتلى فيها من القرآن والسنة يؤدي إلى الجنة لم يكن للبقعة فضيلة إذ لا تختص بذلك وإن قلنا ملازمتها بالطاعة يؤدي إلى رياض الجنة لفضل الصلاة فيه على غيره فهذا بين لأن الكلام خرج على تفضيل ذلك الموضع ولذا أدخله مالك في فضل الصلاة في المسجد النبوي قال مطرف وهذه الفضيلة في النافلة أيضًا.

( ومنبري على حوضي) أي ينقل المنبر الذي قال عليه هذه المقالة يوم القيامة فينصب على حوضه ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث رواه الطبراني وفي رواية للنسائي بدل قوله على حوضي ومنبري على ترعة من ترع الجنة والأصح أن المراد منبره الذي كان يخطب عليه في الدنيا وقيل التعبد عنده يورث الجنة فكأنه قطعة منها وقيل منبر يوضع له هناك ورده الباجي بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه وهو قطع للكلام عما قبله بلا ضرورة وقال غيره بل في رواية أحمد برجال الصحيح منبري هذا على ترعة من ترع الجنة فاسم الإشارة ظاهر أو صريح في أنه منبره في الدنيا والقدرة صالحة وهذا الحديث أخرجه البخاري في الاعتصام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر عن خبيب به في الصحيحين عن أبي هريرة وحده.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عباد) بفتح العين وشد الموحدة ( بن تميم) بن زيد بن عاصم الأنصاري ( عن) عمه أخي أبيه لأمه ( عبد الله بن زيد المازني) الأنصاري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) وفيه دلالة قوية على فضل المدينة على مكة إذ لم يثبت في خبر عن بقعة أنها من الجنة إلا هذه البقعة المقدسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما في الصحيح، وقول ابن عبد البر هذا لا يقاوم النص الوارد في مكة، ثم ساق حديث عبد الله بن عدي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت، وهو حديث حسن أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن ماجه وغيرهم قال هذا نص في محل الخلاف فلا يعدل عنه مدفوع بأنه إنما يكون كذلك لو قاله بعد حصول فضل المدينة أما حيث قاله قبل ذلك فليس بنص لأن التفضيل إنما يكون بين أمرين يتأتى بينهما تفضيل وفضل المدينة لم يكن حصل حتى يكون هذا حجة أو أنه أراد ما عدا المدينة كما قالوا بكل منهما في حديث الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية فقال له ذاك إبراهيم وقد ذهب عمر وغيره وأكثر أهل المدينة وهو المشهور عن مالك وأكثر أصحابه إلى تفضيل المدينة ومال إليه كثير من الشافعية آخرهم السيوطي فقال المختار أن المدينة أفضل وذهب الجمهور إلى تفضيل مكة وحكي عن مالك أيضا وقال به ابن وهب ومطرف وابن حبيب ورجحه ابن عبد البر في طائفة من المالكية والأدلة كثيرة من الجانبين حتى قال ابن أبي جمرة بالتساوي وغيره بالوقف ومحل الخلاف ما عدا البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهي أفضل البقاع بإجماع حكاه عياض وغيره واستشكله العز بن عبد السلام بأن معنى التفضيل أن ثواب العمل في أحدهما أكثر من الآخر وكذا فضل الزمان وموضع القبر الشريف لا يمكن فيه عمل لأن العمل فيه حرام وفيه عقاب شديد وأجاب تلميذه العلامة الشهاب القرافي بأن التفضيل للمجاورة والحلول كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يلابس بقذر وإلا لزمه أن لا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة وأسباب التفضيل أعم من الثواب فإنها منتهية إلى عشرين قاعدة وبينها في كتابه الفروق وقال التقي السبكي التفضيل قد يكون بكثرة الثواب وقد يكون لأمر آخر وإن لم يكن عمل فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر عنه العقول فكيف لا يكون أفضل الأمكنة وأيضا فباعتبار ما قيل كل أحد يدفن في الموضع الذي خلق منه وقد تكون الأعمال مضاعفة فيه باعتبار حياته صلى الله عليه وسلم به وأن أعماله مضاعفة أكثر من كل أحد قال السمهودي والرحمات النازلات بذلك المحل يعم فيضها الأمة وهي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم فهو منبع الخيرات انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به.



رقم الحديث 471 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي.


( مالك عن زيد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وحاء مهملة المدني الثقة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( وعبيد الله) بضم العين مصغر ( بن أبي عبد الله) المدني ثقة كلاهما ( عن أبي عبد الله سلمان) بفتح فسكون ( الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وشد الراء المدني مولى جهينة أصله من أصبهان ثقة.

( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة) تصلى ( فيما سواه) .

قال النووي: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي أنه يعم الحرم كذا في الفتح.

( إلا المسجد الحرام) بالنصب على الاستثناء، وروي بالجر على أن إلا بمعنى غير واختلف في معناه فقيل إن الصلاة فيه أفضل من مسجده، وقيل: إن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم تفضله بأقل من ألف وقال الباجي الذي يقتضيه الاستثناء أن المسجد الحرام حكمه خارج عن أحكام سائر المواطن في الفضيلة المذكورة ولا يعلم حكمه من هذا الخبر فيصح أن تكون الصلاة فيه أفضل من مسجده أو دونه أو مساويه وكذا قال ابن بطال ورجح التساوي لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل بخلاف المساواة.

قال الحافظ دليل كونه فاضلا ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير مرفوعا صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وفي رواية ابن حبان وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي وفي ابن ماجه عن جابر مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه وفي بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة وعلى الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة وللبزار والطبراني عن أبي الدرداء رفعه الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة قال البزار إسناده حسن فوضح أن المراد بالاستثناء تفضيل الصلاة في المسجد الحرام وهو يرد تأويل عبد الله بن نافع وغيره أن معناه الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة قال ابن عبد البر لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسعة وتسعين صلاة وهو باطل ثم التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره فمن عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة وإن أوهم كلام أبي بكر النقاش في تفسيره خلافه فإنه قال حسبت الصلاة في المسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة انتهى وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة فإنها تزيد سبعا وعشرين درجة لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا محل بحث واستدل به الجمهور على تضعيف الصلاة فرضا أو نفلا في المسجدين وخصه الطحاوي وغيره بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ويمكن أن يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا انتهى وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وأما مسلم فرواه من طريق ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به وروي أيضا من طريق الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر أنهما سمعا أبا هريرة يقول صلاة في مسجد رسول الله أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن رسول الله آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد قال أبو سلمة وأبو عبد الله لم يشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله فمنعنا ذلك أن نستثبته حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا وتلاومنا أن لا نكون كلمناه في ذلك حتى نسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم فذكرنا ذلك والذي فرطنا فيه فقال لنا عبد الله أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد قال عياض هذا ظاهر في تفضيل مسجده لهذه العلة قال القرطبي لأن ربط الكلام بفاء التعليل يشعر بأن مسجده إنما فضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم فتدبره فإنه واضح انتهى.

( مالك عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وموحدتين مصغر ( بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف الأنصاري أبي الحارث المدني ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العمري من الثقات.

( عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري) قال ابن عبد البر: كذا لرواة الموطأ بالشك إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة فقالا عن أبي هريرة وأبي سعيد على الجمع لا الشك ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك فقال عن أبي هريرة وحده.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي) أي قبري ( ومنبري) لأنه روي ما بين قبري وقيل بيت سكناه على ظاهره وهما متقاربان لأن قبره في بيته.

قال الحافظ وعلى الأول المراد أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره وللطبراني الأوسط ما بين المنبر وبيت عائشة ورواية ما بين قبري ومنبري أخرجها الطبراني عن ابن عمر والبزار برجال ثقات عن سعد بن أبي وقاص قال ونقل ابن زبالة أن ذرع ما بين بيته ومنبره ثلاث وخمسون ذراعا وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون إلا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار وقال القرطبي الرواية الصحيحة بيتي ويروى قبري وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه والموصول مبتدأ خبره قوله.

( روضة من رياض الجنة) حقيقة بأن تكون مقتطعة منها كما أن الحجر الأسود والنيل والفرات وسيحان وجيحان من الجنة وكذا الثمار الهندية من الورق التي أهبط بها آدم منها فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في الدنيا من مياه الجنة وترابها وفواكهها ليتدبر العاقل فيسارع إليها بالأعمال الصالحة أو أن تلك البقعة تنقل بينها يوم القيامة فتكون روضة من رياض الجنة أو من مجاز الأول أي إن الملازم للطاعات فيها توصله للجنة كخبر الجنة تحت ظلال السيوف ونظر فيه بأنه لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها فالعبادة في أي مكان كذلك ورد بأنه سبب قوي يوصل إليها على وجه أتم من بقية الأسباب أو هي سبب لروضة خاصة أجل من مطلق الدخول والتنعم فأهل الجنة يتفاوتون في منازلها بقدر أعمالهم أو هو تشبيه بليغ أي كروضة من رياضها في تنزل الرحمة وحصول السعادة ولا مانع من الجمع فهي من الجنة والعمل فيها يوجب لصاحبه روضة جليلة في الجنة وتنقل هي أيضا إلى الجنة قال الباجي وإذا تأولنا أن اتباع ما يتلى فيها من القرآن والسنة يؤدي إلى الجنة لم يكن للبقعة فضيلة إذ لا تختص بذلك وإن قلنا ملازمتها بالطاعة يؤدي إلى رياض الجنة لفضل الصلاة فيه على غيره فهذا بين لأن الكلام خرج على تفضيل ذلك الموضع ولذا أدخله مالك في فضل الصلاة في المسجد النبوي قال مطرف وهذه الفضيلة في النافلة أيضًا.

( ومنبري على حوضي) أي ينقل المنبر الذي قال عليه هذه المقالة يوم القيامة فينصب على حوضه ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث رواه الطبراني وفي رواية للنسائي بدل قوله على حوضي ومنبري على ترعة من ترع الجنة والأصح أن المراد منبره الذي كان يخطب عليه في الدنيا وقيل التعبد عنده يورث الجنة فكأنه قطعة منها وقيل منبر يوضع له هناك ورده الباجي بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه وهو قطع للكلام عما قبله بلا ضرورة وقال غيره بل في رواية أحمد برجال الصحيح منبري هذا على ترعة من ترع الجنة فاسم الإشارة ظاهر أو صريح في أنه منبره في الدنيا والقدرة صالحة وهذا الحديث أخرجه البخاري في الاعتصام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر عن خبيب به في الصحيحين عن أبي هريرة وحده.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عباد) بفتح العين وشد الموحدة ( بن تميم) بن زيد بن عاصم الأنصاري ( عن) عمه أخي أبيه لأمه ( عبد الله بن زيد المازني) الأنصاري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) وفيه دلالة قوية على فضل المدينة على مكة إذ لم يثبت في خبر عن بقعة أنها من الجنة إلا هذه البقعة المقدسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما في الصحيح، وقول ابن عبد البر هذا لا يقاوم النص الوارد في مكة، ثم ساق حديث عبد الله بن عدي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت، وهو حديث حسن أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن ماجه وغيرهم قال هذا نص في محل الخلاف فلا يعدل عنه مدفوع بأنه إنما يكون كذلك لو قاله بعد حصول فضل المدينة أما حيث قاله قبل ذلك فليس بنص لأن التفضيل إنما يكون بين أمرين يتأتى بينهما تفضيل وفضل المدينة لم يكن حصل حتى يكون هذا حجة أو أنه أراد ما عدا المدينة كما قالوا بكل منهما في حديث الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية فقال له ذاك إبراهيم وقد ذهب عمر وغيره وأكثر أهل المدينة وهو المشهور عن مالك وأكثر أصحابه إلى تفضيل المدينة ومال إليه كثير من الشافعية آخرهم السيوطي فقال المختار أن المدينة أفضل وذهب الجمهور إلى تفضيل مكة وحكي عن مالك أيضا وقال به ابن وهب ومطرف وابن حبيب ورجحه ابن عبد البر في طائفة من المالكية والأدلة كثيرة من الجانبين حتى قال ابن أبي جمرة بالتساوي وغيره بالوقف ومحل الخلاف ما عدا البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهي أفضل البقاع بإجماع حكاه عياض وغيره واستشكله العز بن عبد السلام بأن معنى التفضيل أن ثواب العمل في أحدهما أكثر من الآخر وكذا فضل الزمان وموضع القبر الشريف لا يمكن فيه عمل لأن العمل فيه حرام وفيه عقاب شديد وأجاب تلميذه العلامة الشهاب القرافي بأن التفضيل للمجاورة والحلول كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يلابس بقذر وإلا لزمه أن لا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة وأسباب التفضيل أعم من الثواب فإنها منتهية إلى عشرين قاعدة وبينها في كتابه الفروق وقال التقي السبكي التفضيل قد يكون بكثرة الثواب وقد يكون لأمر آخر وإن لم يكن عمل فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر عنه العقول فكيف لا يكون أفضل الأمكنة وأيضا فباعتبار ما قيل كل أحد يدفن في الموضع الذي خلق منه وقد تكون الأعمال مضاعفة فيه باعتبار حياته صلى الله عليه وسلم به وأن أعماله مضاعفة أكثر من كل أحد قال السمهودي والرحمات النازلات بذلك المحل يعم فيضها الأمة وهي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم فهو منبع الخيرات انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به.



رقم الحديث 472 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.


( مالك عن زيد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وحاء مهملة المدني الثقة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة ( وعبيد الله) بضم العين مصغر ( بن أبي عبد الله) المدني ثقة كلاهما ( عن أبي عبد الله سلمان) بفتح فسكون ( الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وشد الراء المدني مولى جهينة أصله من أصبهان ثقة.

( عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة) تصلى ( فيما سواه) .

قال النووي: ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صحح النووي أنه يعم الحرم كذا في الفتح.

( إلا المسجد الحرام) بالنصب على الاستثناء، وروي بالجر على أن إلا بمعنى غير واختلف في معناه فقيل إن الصلاة فيه أفضل من مسجده، وقيل: إن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم تفضله بأقل من ألف وقال الباجي الذي يقتضيه الاستثناء أن المسجد الحرام حكمه خارج عن أحكام سائر المواطن في الفضيلة المذكورة ولا يعلم حكمه من هذا الخبر فيصح أن تكون الصلاة فيه أفضل من مسجده أو دونه أو مساويه وكذا قال ابن بطال ورجح التساوي لأنه لو كان فاضلا أو مفضولا لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل بخلاف المساواة.

قال الحافظ دليل كونه فاضلا ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير مرفوعا صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وفي رواية ابن حبان وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي وفي ابن ماجه عن جابر مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة ألف صلاة فيما سواه وفي بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة وعلى الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة وللبزار والطبراني عن أبي الدرداء رفعه الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة قال البزار إسناده حسن فوضح أن المراد بالاستثناء تفضيل الصلاة في المسجد الحرام وهو يرد تأويل عبد الله بن نافع وغيره أن معناه الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف صلاة قال ابن عبد البر لفظ دون يشمل الواحد فيلزم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسعة وتسعين صلاة وهو باطل ثم التضعيف المذكور يرجع إلى الثواب ولا يتعدى إلى الإجزاء باتفاق العلماء كما نقله النووي وغيره فمن عليه صلاتان فصلى في أحد المسجدين صلاة لم تجزه إلا عن واحدة وإن أوهم كلام أبي بكر النقاش في تفسيره خلافه فإنه قال حسبت الصلاة في المسجد الحرام فبلغت صلاة واحدة عمر خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة انتهى وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة فإنها تزيد سبعا وعشرين درجة لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا محل بحث واستدل به الجمهور على تضعيف الصلاة فرضا أو نفلا في المسجدين وخصه الطحاوي وغيره بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ويمكن أن يقال لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت بالمدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا انتهى وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به وأما مسلم فرواه من طريق ابن عيينة ومعمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به وروي أيضا من طريق الزبيدي عن الزهري عن أبي سلمة وأبي عبد الله الأغر أنهما سمعا أبا هريرة يقول صلاة في مسجد رسول الله أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن رسول الله آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد قال أبو سلمة وأبو عبد الله لم يشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله فمنعنا ذلك أن نستثبته حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا وتلاومنا أن لا نكون كلمناه في ذلك حتى نسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه فبينا نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم فذكرنا ذلك والذي فرطنا فيه فقال لنا عبد الله أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد قال عياض هذا ظاهر في تفضيل مسجده لهذه العلة قال القرطبي لأن ربط الكلام بفاء التعليل يشعر بأن مسجده إنما فضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم فتدبره فإنه واضح انتهى.

( مالك عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وموحدتين مصغر ( بن عبد الرحمن) بن خبيب بن يساف الأنصاري أبي الحارث المدني ثقة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة ( عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العمري من الثقات.

( عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري) قال ابن عبد البر: كذا لرواة الموطأ بالشك إلا معن بن عيسى وروح بن عبادة فقالا عن أبي هريرة وأبي سعيد على الجمع لا الشك ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن مالك فقال عن أبي هريرة وحده.

( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما بين بيتي) أي قبري ( ومنبري) لأنه روي ما بين قبري وقيل بيت سكناه على ظاهره وهما متقاربان لأن قبره في بيته.

قال الحافظ وعلى الأول المراد أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره وللطبراني الأوسط ما بين المنبر وبيت عائشة ورواية ما بين قبري ومنبري أخرجها الطبراني عن ابن عمر والبزار برجال ثقات عن سعد بن أبي وقاص قال ونقل ابن زبالة أن ذرع ما بين بيته ومنبره ثلاث وخمسون ذراعا وقيل أربع وخمسون وسدس وقيل خمسون إلا ثلثي ذراع وهو الآن كذلك فكأنه نقص لما أدخل من الحجرة في الجدار وقال القرطبي الرواية الصحيحة بيتي ويروى قبري وكأنه بالمعنى لأنه دفن في بيت سكناه والموصول مبتدأ خبره قوله.

( روضة من رياض الجنة) حقيقة بأن تكون مقتطعة منها كما أن الحجر الأسود والنيل والفرات وسيحان وجيحان من الجنة وكذا الثمار الهندية من الورق التي أهبط بها آدم منها فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في الدنيا من مياه الجنة وترابها وفواكهها ليتدبر العاقل فيسارع إليها بالأعمال الصالحة أو أن تلك البقعة تنقل بينها يوم القيامة فتكون روضة من رياض الجنة أو من مجاز الأول أي إن الملازم للطاعات فيها توصله للجنة كخبر الجنة تحت ظلال السيوف ونظر فيه بأنه لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها فالعبادة في أي مكان كذلك ورد بأنه سبب قوي يوصل إليها على وجه أتم من بقية الأسباب أو هي سبب لروضة خاصة أجل من مطلق الدخول والتنعم فأهل الجنة يتفاوتون في منازلها بقدر أعمالهم أو هو تشبيه بليغ أي كروضة من رياضها في تنزل الرحمة وحصول السعادة ولا مانع من الجمع فهي من الجنة والعمل فيها يوجب لصاحبه روضة جليلة في الجنة وتنقل هي أيضا إلى الجنة قال الباجي وإذا تأولنا أن اتباع ما يتلى فيها من القرآن والسنة يؤدي إلى الجنة لم يكن للبقعة فضيلة إذ لا تختص بذلك وإن قلنا ملازمتها بالطاعة يؤدي إلى رياض الجنة لفضل الصلاة فيه على غيره فهذا بين لأن الكلام خرج على تفضيل ذلك الموضع ولذا أدخله مالك في فضل الصلاة في المسجد النبوي قال مطرف وهذه الفضيلة في النافلة أيضًا.

( ومنبري على حوضي) أي ينقل المنبر الذي قال عليه هذه المقالة يوم القيامة فينصب على حوضه ثم تصير قوائمه رواتب في الجنة كما في حديث رواه الطبراني وفي رواية للنسائي بدل قوله على حوضي ومنبري على ترعة من ترع الجنة والأصح أن المراد منبره الذي كان يخطب عليه في الدنيا وقيل التعبد عنده يورث الجنة فكأنه قطعة منها وقيل منبر يوضع له هناك ورده الباجي بأنه ليس في الخبر ما يقتضيه وهو قطع للكلام عما قبله بلا ضرورة وقال غيره بل في رواية أحمد برجال الصحيح منبري هذا على ترعة من ترع الجنة فاسم الإشارة ظاهر أو صريح في أنه منبره في الدنيا والقدرة صالحة وهذا الحديث أخرجه البخاري في الاعتصام من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك به وتابعه عبيد الله بن عمر عن خبيب به في الصحيحين عن أبي هريرة وحده.

( مالك عن عبد الله بن أبي بكر) بن محمد بن عمرو بن حزم ( عن عباد) بفتح العين وشد الموحدة ( بن تميم) بن زيد بن عاصم الأنصاري ( عن) عمه أخي أبيه لأمه ( عبد الله بن زيد المازني) الأنصاري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) وفيه دلالة قوية على فضل المدينة على مكة إذ لم يثبت في خبر عن بقعة أنها من الجنة إلا هذه البقعة المقدسة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها كما في الصحيح، وقول ابن عبد البر هذا لا يقاوم النص الوارد في مكة، ثم ساق حديث عبد الله بن عدي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحزورة فقال: والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت، وهو حديث حسن أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن ماجه وغيرهم قال هذا نص في محل الخلاف فلا يعدل عنه مدفوع بأنه إنما يكون كذلك لو قاله بعد حصول فضل المدينة أما حيث قاله قبل ذلك فليس بنص لأن التفضيل إنما يكون بين أمرين يتأتى بينهما تفضيل وفضل المدينة لم يكن حصل حتى يكون هذا حجة أو أنه أراد ما عدا المدينة كما قالوا بكل منهما في حديث الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية فقال له ذاك إبراهيم وقد ذهب عمر وغيره وأكثر أهل المدينة وهو المشهور عن مالك وأكثر أصحابه إلى تفضيل المدينة ومال إليه كثير من الشافعية آخرهم السيوطي فقال المختار أن المدينة أفضل وذهب الجمهور إلى تفضيل مكة وحكي عن مالك أيضا وقال به ابن وهب ومطرف وابن حبيب ورجحه ابن عبد البر في طائفة من المالكية والأدلة كثيرة من الجانبين حتى قال ابن أبي جمرة بالتساوي وغيره بالوقف ومحل الخلاف ما عدا البقعة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فهي أفضل البقاع بإجماع حكاه عياض وغيره واستشكله العز بن عبد السلام بأن معنى التفضيل أن ثواب العمل في أحدهما أكثر من الآخر وكذا فضل الزمان وموضع القبر الشريف لا يمكن فيه عمل لأن العمل فيه حرام وفيه عقاب شديد وأجاب تلميذه العلامة الشهاب القرافي بأن التفضيل للمجاورة والحلول كتفضيل جلد المصحف على سائر الجلود فلا يمسه محدث ولا يلابس بقذر وإلا لزمه أن لا يكون جلد المصحف بل ولا المصحف نفسه أفضل من غيره لتعذر العمل فيه وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة وأسباب التفضيل أعم من الثواب فإنها منتهية إلى عشرين قاعدة وبينها في كتابه الفروق وقال التقي السبكي التفضيل قد يكون بكثرة الثواب وقد يكون لأمر آخر وإن لم يكن عمل فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر عنه العقول فكيف لا يكون أفضل الأمكنة وأيضا فباعتبار ما قيل كل أحد يدفن في الموضع الذي خلق منه وقد تكون الأعمال مضاعفة فيه باعتبار حياته صلى الله عليه وسلم به وأن أعماله مضاعفة أكثر من كل أحد قال السمهودي والرحمات النازلات بذلك المحل يعم فيضها الأمة وهي غير متناهية لدوام ترقياته صلى الله عليه وسلم فهو منبع الخيرات انتهى وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد كلاهما عن مالك به.