فهرس الكتاب

شرح الزرقاني - بَابُ الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ

رقم الحديث 283 حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ.


الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( الْبَصْرِيِّ) نزيل مكة وبها لقبه مالك واسم أبيه قيس وقيل طارق.
قال في التمهيد: ضعيف باتفاق أهل الحديث، وكان مؤدب كتاب حسن السمت غرّ مالكًا منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه كما غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى بحذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه.
مات عبد الكريم سنة ست أو سبع وعشرين ومائة اهـ.

وروى البخاري من رواية سفيان عن عبد الكريم هذا في الذكر عند القيام من الليل، وروى له مسلم في مقدّمة صحيحه، وأخرج له أصحاب السنن إلا أن النسائي إنما روى له قليلاً.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ:) لم يسم ( انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ) أي صلاته ( فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ) ففي هذا أن الوتر يصلى بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العدوي مولاهم العنزي له رؤية وأبوه عامر صحابي مشهور ( قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْر) أجملهم في هذا البلاغ ثم أسند الرواية عن كل إلا ابن عباس لأنه قدّمه فوقه.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ) لأنه وقت له ضروري.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) أتى بهذا بيانًا لإسناد ما أورده قبله بلاغًا عنه.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بن محمد بن الصديق ( أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ) للصبح ( أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ:) وإن اتحد المعنى ( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) وكذا قاله أبو الدرداء وحذيفة وعائشة، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم لأنه وقت ضروري له خلافًا لمكحول وجماعة من التابعين والثوري وأبي يوسف ومحمد أنه لا يصلى بعد الفجر.

قال ابن عبد البر: ولا أعلم لمن قال بصلاته بعد الفجر مخالفًا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى حديث ألا لأوتر بعد طلوع الفجر، وفيه أبو هارون العنبري لا يحتج به ما لم تصل الصبح ويحتمل أن يكون ذلك لمن قصده، وأما من قام حين انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس فليس ممن أريد بالحديث.

كما ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) بلا كراهة ( مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) أي يكره له ذلك.
وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي سعيد مرفوعًا: من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له.
وهذا محمول على المتعمد أي لا وتر له كامل لتفويته وقته الاختياري حتى أوقعه في الضروري لما رواه أبو داود عن أبي سعيد أيضًا مرفوعًا: من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره أي ما لم يصل الصبح.

وشذت طائفة منهم طاوس فقالوا: يقضي بعد طلوع الشمس، وقال عطاء والأوزاعي يقضي ولو طلعت الشمس إلى الغروب.
وعن سعيد بن جبير: يقضي من القابلة وقيل يقضي مطلقًا.
وقال الأكثرون ومنهم مالك: لا يقضي بعد صلاة الصبح.
قال محمد بن نصر: لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب.



رقم الحديث 285 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ.


الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( الْبَصْرِيِّ) نزيل مكة وبها لقبه مالك واسم أبيه قيس وقيل طارق.
قال في التمهيد: ضعيف باتفاق أهل الحديث، وكان مؤدب كتاب حسن السمت غرّ مالكًا منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه كما غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى بحذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه.
مات عبد الكريم سنة ست أو سبع وعشرين ومائة اهـ.

وروى البخاري من رواية سفيان عن عبد الكريم هذا في الذكر عند القيام من الليل، وروى له مسلم في مقدّمة صحيحه، وأخرج له أصحاب السنن إلا أن النسائي إنما روى له قليلاً.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ:) لم يسم ( انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ) أي صلاته ( فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ) ففي هذا أن الوتر يصلى بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العدوي مولاهم العنزي له رؤية وأبوه عامر صحابي مشهور ( قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْر) أجملهم في هذا البلاغ ثم أسند الرواية عن كل إلا ابن عباس لأنه قدّمه فوقه.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ) لأنه وقت له ضروري.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) أتى بهذا بيانًا لإسناد ما أورده قبله بلاغًا عنه.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بن محمد بن الصديق ( أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ) للصبح ( أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ:) وإن اتحد المعنى ( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) وكذا قاله أبو الدرداء وحذيفة وعائشة، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم لأنه وقت ضروري له خلافًا لمكحول وجماعة من التابعين والثوري وأبي يوسف ومحمد أنه لا يصلى بعد الفجر.

قال ابن عبد البر: ولا أعلم لمن قال بصلاته بعد الفجر مخالفًا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى حديث ألا لأوتر بعد طلوع الفجر، وفيه أبو هارون العنبري لا يحتج به ما لم تصل الصبح ويحتمل أن يكون ذلك لمن قصده، وأما من قام حين انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس فليس ممن أريد بالحديث.

كما ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) بلا كراهة ( مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) أي يكره له ذلك.
وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي سعيد مرفوعًا: من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له.
وهذا محمول على المتعمد أي لا وتر له كامل لتفويته وقته الاختياري حتى أوقعه في الضروري لما رواه أبو داود عن أبي سعيد أيضًا مرفوعًا: من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره أي ما لم يصل الصبح.

وشذت طائفة منهم طاوس فقالوا: يقضي بعد طلوع الشمس، وقال عطاء والأوزاعي يقضي ولو طلعت الشمس إلى الغروب.
وعن سعيد بن جبير: يقضي من القابلة وقيل يقضي مطلقًا.
وقال الأكثرون ومنهم مالك: لا يقضي بعد صلاة الصبح.
قال محمد بن نصر: لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب.



رقم الحديث 285 وَحَدَّثَنِي عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ.


مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ

( مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ) أخته ( حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تزوّجها سنة ثلاث وماتت سنة خمس وأربعين ( أَخْبَرَتْهُ) فيه رواية صحابي عن مثله والأخ عن أخته ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ عَنِ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ) زاد يحيى النيسابوري عن مالك وبدا الصبح بموحدة بلا همز ظهر والجملة حالية وجواب إذا قوله: ( صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) ليبادر إلى صلاة الصبح أوّل الوقت كما جزم به القرطبي في حكمة تخفيفهما أو ليدخل في الفرض بنشاط تام كما قال غيره ( قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ) بضم الفوقية أي قبل قيام فرض صلاة الصبح، وفيه بيان أن وقت هاتين الركعتين طلوع الفجر وتقديمهما أوّل الوقت وتخفيفهما.

واستدل به الكوفيون على أنه لا يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر ولا حجة فيه لاحتمال أن يراد به الأذان الثاني، وحديث إن بلالاً ينادي بليل وعمل أهل المدينة يرفع الإشكال، ولذا لما دخل أبو يوسف المدينة رجع عن مذهب أصحابه في ذلك.

وأخرجه مسلم عن يحيى عن مالك به، وتابعه الليث وعبيد الله وأيوب كلهم عن نافع كما قال مالك كما في مسلم أيضًا.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كذا لجميع رواة الموطأ وفيه سقط راويين من الإسناد، وقد أخرجه البخاري من طريق زهير بن معاوية ومسلم من طريق عبد الوهاب الثقفي والنسائي من طريق جرير ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة أنها ( قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخَفِّفُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) اللتين قبل صلاة الصبح قراءة وأفعالاً ( حَتَّى) ابتدائية ( إِنِّي) بكسر الهمزة ( لَأَقُولُ) بلام التأكيد ( أَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَمْ لَا) .

قال القرطبي: ليس معناه أنها شكت في قراءة الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل القراءة في النوافل فلما خفف قراءة الفجر صار كما لم يقرأ بالنسبة إلى غيرها من الصلوات انتهى.
فلا متمسك فيه لمن زعم أنه لا قراءة في ركعتي الفجر أصلاً، بل قول عائشة ذلك دليل على أن قراءتها كان أمرًا مقررًا عندهم وفيه أنه لا يزيد في ركعتي الفجر على الفاتحة وهو قول مالك وطائفة.

وقال الجمهور: يستحب قراءة ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ( وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) لما في مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر بهما.
وللترمذي والنسائي عن ابن عمر: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا فكان يقرأ بهما، وللترمذي عن ابن مسعود مثله بلا قيد، وكذا البزار عن أنس، ولابن حبان عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين قبل الفجر وكان يقول: نعم السورتان يقرأ بهما في ركعتي الفجر ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) ( وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) .

وفي مسلم عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) التي في البقرة وفي الأخرى التي في آل عمران، وبه وبما قبله استدل على الجهر بالقراءة في الفجر ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون عرف بقراءة بعض السورة، وقد روى ابن أبي شيبة عن عائشة: كان صلى الله عليه وسلم يسر فيهما القراءة.
صححه ابن عبد البر، وذهب بعضهم إلى إطالة القراءة فيهما وهو قول النخعي وأكثر الحنفية، وفيه حديث مرسل عن البيهقي وسنده واهٍ، وخصه بعضهم بمن فاته شيء من قراءته في صلاة الليل فيستدركها في ركعتي الفجر، ونقل ذلك عن أبي حنيفة والحسن البصري.

( مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) بفتح النون وكسر الميم المدني.
قال في التمهيد: صالح الحديث وهو في عداد الشيوخ، روى عنه جماعة من الأئمة ومات سنة أربع وأربعين ومائة لمالك عنه حديثان انتهى.
وقد وثقه ابن مسعود وأبو داود، وقال ابن معين والنسائي: لا بأس به، وقال النسائي أيضًا وابن الجارود: ليس بالقوي، وكان يحيى القطان لا يحدّث عنه.
وقال الباجي: كان يرمي بالقدر، وقال ابن عدي: إذا روى عنه ثقة فلا بأس برواياته، وقد احتج به الأئمة الستة إلا أن في روايته لحديث الإسراء مواضع شاذة.

( عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَ قَوْمٌ) من الصحابة ( الْإِقَامَةَ فَقَامُوا يُصَلُّونَ) قال ابن عبد البر: لم تختلف رواة مالك في إرساله إلا الوليد بن مسلم فرواه عن مالك عن شريك عن أنس، ورواه الدراوردي عن شريك عن أبي سلمة عن عائشة، ثم أخرجه من الطريقين وقال: قد روي نحو هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سرجس وابن بحينة وأبو هريرة ثم أخرجه من روايات الثلاثة.

( فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَلَاتَانِ مَعًا) لأن الإقامة من الصلاة ( أَصَلَاتَانِ مَعًا) قال الباجي: إنكار وتوبيخ.
وقال ابن عبد البر: قوله ذلك في هذا الحديث وقوله في حديث ابن بحينة أتصليهما أربعًا، وفي حديث ابن سرجس أيتهما صلاتك.
كل هذا إنكار منه لذلك الفعل فلا يجوز لأحد أن يصلي في المسجد شيئًا من النوافل إذا قامت المكتوبة ( وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ) ولكن لا يختص الحكم بهما لما أخرجه مسلم وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة زاد في رواية ابن عدي بإسناد حسن.
قيل: يا رسول الله ولا ركعتي الفجر.
قال: ولا ركعتي الفجر، ولذا قال مالك: من دخل المسجد وأقيمت الصلاة فلا يركعهما وإن لم يدخل المسجد فإن لم يخف فوت ركعة ركعهما خارجه لا في أفنيته التي تصلى فيها الجمعة، وإن خاف فوات الركعة الأولى دخل وصلى معه ثم يصليهما بعد الشمس.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ) وحلت النافلة.

( مالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ) أبيه ( الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ الَّذِي صَنَعَ ابْنُ عُمَرَ) من قضائهما بعد الشمس.
قال ابن عبد البر: فيه دليل على أنهما من مؤكدات السنن، وأجاز الشافعي وعطاء وعمرو بن دينار قضاءهما بعد سلام الإمام من الصبح وأبى ذلك مالك وأكثر العلماء للنهي عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، واحتج الشافعي بحديث قيس بن عمرو رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين فقال صلى الله عليه وسلم: صلاة الصبح ركعتان فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت صلى الله عليه وسلم.



رقم الحديث 288 وَحَدَّثَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْرِ.


الْوِتْرِ بَعْدَ الْفَجْرِ

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبي أمية المعلم ( الْبَصْرِيِّ) نزيل مكة وبها لقبه مالك واسم أبيه قيس وقيل طارق.
قال في التمهيد: ضعيف باتفاق أهل الحديث، وكان مؤدب كتاب حسن السمت غرّ مالكًا منه سمته ولم يكن من أهل بلده فيعرفه كما غر الشافعي من إبراهيم بن أبي يحيى بحذقه ونباهته فروى عنه وهو مجمع على ضعفه.
مات عبد الكريم سنة ست أو سبع وعشرين ومائة اهـ.

وروى البخاري من رواية سفيان عن عبد الكريم هذا في الذكر عند القيام من الليل، وروى له مسلم في مقدّمة صحيحه، وأخرج له أصحاب السنن إلا أن النسائي إنما روى له قليلاً.

( عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ لِخَادِمِهِ:) لم يسم ( انْظُرْ مَا صَنَعَ النَّاسُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَذَهَبَ الْخَادِمُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ مِنَ الصُّبْحِ) أي صلاته ( فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ) ففي هذا أن الوتر يصلى بعد طلوع الفجر ما لم يصل الصبح.

( مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) العدوي مولاهم العنزي له رؤية وأبوه عامر صحابي مشهور ( قَدْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الْفَجْر) أجملهم في هذا البلاغ ثم أسند الرواية عن كل إلا ابن عباس لأنه قدّمه فوقه.

( مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَأَنَا أُوتِرُ) لأنه وقت له ضروري.

( مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ يَؤُمُّ قَوْمًا فَخَرَجَ يَوْمًا إِلَى الصُّبْحِ فَأَقَامَ الْمُؤَذِّنُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَأَسْكَتَهُ عُبَادَةُ حَتَّى أَوْتَرَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ) أتى بهذا بيانًا لإسناد ما أورده قبله بلاغًا عنه.

( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بن محمد بن الصديق ( أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ وَأَنَا أَسْمَعُ الْإِقَامَةَ) للصبح ( أَوْ بَعْدَ الْفَجْرِ يَشُكُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ:) وإن اتحد المعنى ( مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: إِنِّي لَأُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) وكذا قاله أبو الدرداء وحذيفة وعائشة، وبه قال مالك وأحمد والشافعي في القديم لأنه وقت ضروري له خلافًا لمكحول وجماعة من التابعين والثوري وأبي يوسف ومحمد أنه لا يصلى بعد الفجر.

قال ابن عبد البر: ولا أعلم لمن قال بصلاته بعد الفجر مخالفًا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى حديث ألا لأوتر بعد طلوع الفجر، وفيه أبو هارون العنبري لا يحتج به ما لم تصل الصبح ويحتمل أن يكون ذلك لمن قصده، وأما من قام حين انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس فليس ممن أريد بالحديث.

كما ( قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يُوتِرُ بَعْدَ الْفَجْرِ) بلا كراهة ( مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ) أي يكره له ذلك.
وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي سعيد مرفوعًا: من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له.
وهذا محمول على المتعمد أي لا وتر له كامل لتفويته وقته الاختياري حتى أوقعه في الضروري لما رواه أبو داود عن أبي سعيد أيضًا مرفوعًا: من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره أي ما لم يصل الصبح.

وشذت طائفة منهم طاوس فقالوا: يقضي بعد طلوع الشمس، وقال عطاء والأوزاعي يقضي ولو طلعت الشمس إلى الغروب.
وعن سعيد بن جبير: يقضي من القابلة وقيل يقضي مطلقًا.
وقال الأكثرون ومنهم مالك: لا يقضي بعد صلاة الصبح.
قال محمد بن نصر: لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الأخبار أنه قضى الوتر ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر فلم يصب.