فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق

( بابُُ مَنْ لَبَّدَ رَأسَهُ عِنْدَ الإحْرَامِ وحَلَقَ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من لبد رَأسه عِنْد الْإِحْرَام وَحلق رَأسه بعد ذَلِك عِنْد الْإِحْلَال، قَوْله: ( لبد) ، بِالتَّشْدِيدِ من التلبيد وَهُوَ أَن يضفر رَأسه وَيجْعَل فِيهِ شَيْئا من صمغ وَشبهه ليجتمع ويتلبد فَلَا يتخلله الْغُبَار وَلَا يُصِيبهُ الشعث وَلَا يحصل فِيهِ قمل، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك من طول الْمكْث فِي الْإِحْرَام.
قيل: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الْخلاف فِيمَن لبد، هَل يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْحلق أَو لَا؟ فَنقل ابْن بطال عَن الْجُمْهُور تعين ذَلِك حَتَّى عَن الشَّافِعِي،.

     وَقَالَ  أهل الرَّأْي: لَا يتَعَيَّن، بل إِن شَاءَ قصر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد.



[ قــ :1651 ... غــ :1725 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أنَّها قالَتْ يَا رَسُولَ الله مَا شأنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمرَةٍ ولَمْ تَحْلِلْ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأسِي وقَلدْتُ هَدْبِي فَلاَ أحِلَّ حَتَّى أنحَرَ..
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِنِّي لبدت رَأْسِي) .
فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على التلبيد، وعَلى الْحلق وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تعرض إِلَى الْحلق؟ قلت: قيل: إِنَّه مَعْلُوم من حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حلق رَأسه فِي حجه، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الَّذِي يَأْتِي فِي أول الْبابُُ الَّذِي بعد هَذَا الْبابُُ، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة إِذا وجد فِي جُزْء من الحَدِيث يَكْفِي ويكتفي بِهِ، وَلَا تشْتَرط الْمُطَابقَة بَين أجزائهما جَمِيعًا، أَلا يرى أَن فِي الحَدِيث ذكر تَقْلِيد الْهَدْي وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة ذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي بابُُ التَّمَتُّع والإقران، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ، وَأَنه يدل على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ مُتَمَتِّعا، لِأَن الْهَدْي الْمُقَلّد لَا يمْنَع من الْإِحْلَال إلاَّ فِي الْمُتْعَة خَاصَّة، وَإِن كَانَ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا بعد أَن يطوف فَلم يطف حَتَّى أحرم صَار قَارنا، فعلى كل حَال إِنَّه يرد قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ مُفردا بِحجَّة لم يتقدمها عمْرَة، وَلم تكن مَعهَا عمْرَة.