فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا سلم في ركعتين، أو في ثلاث، فسجد سجدتين، مثل سجود الصلاة أو أطول

(بابُُ إِذا سلم فِي رَكْعَتَيْنِ أَو فِي ثَلَاث فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول)
أَي هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا سلم الْمُصَلِّي فِي رَكْعَتَيْنِ وَكلمَة فِي بِمَعْنى من أَو بِمَعْنى على قَوْله " أَو فِي ثَلَاث " أَي أَو سلم على ثَلَاث رَكْعَات قَوْله " مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول " أَي أطول مِنْهُ وَهَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَأْتِي فِي الْبابُُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْله " ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول "

[ قــ :1183 ... غــ :1227]
- (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَصْحَابه أَحَق مَا يَقُول قَالُوا نعم فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ.
قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة بن الزبير صلى من الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَسلم وَتكلم ثمَّ صلى مَا بَقِي وَسجد سَجْدَتَيْنِ.

     وَقَالَ  هَكَذَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الحَدِيث ينبىء أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلم على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا ظَاهر وَلَكِن لَيْسَ فِي الْبابُُ ذكر مَا إِذا سلم على آخر ثَلَاث رَكْعَات وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بابُُ هَل يَأْخُذ الإِمَام إِذا شكّ بقول النَّاس من طَرِيقين.
أَحدهمَا عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك بن أنس عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ " إِلَى آخِره.
وَالْآخر عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مطولا فِي بابُُ تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ مستقصى فَمن أَرَادَ ذَلِك فَليرْجع إِلَى ذَاك الْبابُُ قَوْله " صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر " ظَاهره أَن أَبَا هُرَيْرَة حضر الْقِصَّة وَذُو الْيَدَيْنِ اسْتشْهد ببدر قَالَه الزُّهْرِيّ وَمُقْتَضَاهُ أَن تكون الْقِصَّة قبل بدر وَهِي قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِأَكْثَرَ من خمس سِنِين وَلَكِن معنى قَول أبي هُرَيْرَة " صلى بِنَا " أَي صلى بِالْمُسْلِمين وَهَذَا جَائِز فِي اللُّغَة كَمَا رُوِيَ عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ " قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا وَإِيَّاكُم كُنَّا ندعى بني عبد منَاف " الحَدِيث والنزال لم ير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك قَالَ لقومنا وروى " عَن طَاوس قَالَ قدم علينا معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلم يَأْخُذ من الخضراوات شَيْئا " وَإِنَّمَا أَرَادَ قدم بلدنا لِأَن معَاذًا قدم الْيمن فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أَن يُولد طَاوس.

     وَقَالَ  بَعضهم اتّفق أَئِمَّة الحَدِيث كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَغَيره على أَن الزُّهْرِيّ وهم فِي ذَلِك وَسَببه أَنه جعل الْقِصَّة لذِي الشمالين وَذُو الشمالين هُوَ الَّذِي قتل ببدر وَهُوَ خزاعي واسْمه عَمْرو بن نَضْلَة وَأما ذُو الْيَدَيْنِ فَتَأَخر بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ سلمي واسْمه الْخِرْبَاق وَقد وَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة فَقَامَ رجل من بني سليم " فَلَمَّا وَقع عِنْد الزُّهْرِيّ بِلَفْظ " فَقَامَ ذُو الشمالين " وَهُوَ يعرف أَنه قتل ببدر قَالَ لأجل ذَلِك أَن الْقِصَّة وَقعت قبل بدر انْتهى (قلت) وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد كِلَاهُمَا لقب على الْخِرْبَاق حَيْثُ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم من رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرف فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين ابْن عَمْرو أنقصت الصَّلَاة أم نسيت قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صدق يَا رَسُول الله فَأَتمَّ بهم الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نقص " وَهَذَا سَنَد صَحِيح مُتَّصِل صرح فِيهِ بِأَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وروى النَّسَائِيّ أَيْضا بِسَنَد صَحِيح صرح فِيهِ أَيْضا أَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَقد تَابع الزُّهْرِيّ على ذَلِك عمرَان بن أبي أنس قَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا عِيسَى بن حَمَّاد أخبرنَا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عمرَان بن أبي أنس عَن أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْمًا فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف فأدركه ذُو الشمالين فَقَالَ يَا رَسُول الله أنقصت الصَّلَاة أم نسيت فَقَالَ لم تنقص الصَّلَاة وَلم أنس قَالَ بلَى وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نعم فصلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ " وَهَذَا أَيْضا سَنَد صَحِيح على شَرط مُسلم وَأخرج نَحوه الطَّحَاوِيّ عَن ربيع الْمُؤَذّن عَن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره فَثَبت أَن الزُّهْرِيّ لم يهم وَلَا يلْزم من عدم تَخْرِيج ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ عدم صِحَّته فَثَبت أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل أَنه مَعَ اطِّلَاعه على مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا كَيفَ اعْتمد على قَول من نسب الزُّهْرِيّ إِلَى الْوَهم وَلَكِن أريحية العصبية تحمل الرجل على أَكثر من هَذَا.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَقد جوز بعض الْأَئِمَّة أَن تكون الْقِصَّة لكل من ذِي الشمالين وَذي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة روى الْحَدِيثين فَأرْسل أَحدهمَا وَهُوَ قصَّة ذِي الشمالين وَشَاهد الآخر وَهُوَ قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَهَذَا يحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع (قلت) هَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل صَحِيح وَجعل الْوَاحِد اثْنَيْنِ خلاف الأَصْل وَقد يلقب الرجل بلقبين وَأكْثر.

     وَقَالَ  أَيْضا وَيدْفَع الْمجَاز الَّذِي ارْتَكَبهُ الطَّحَاوِيّ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة فِي هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الظّهْر سلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رجل من بني سليم واقتص " الحَدِيث (قلت) هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من خمس طرق فلفظه من طَرِيقين " صلى بِنَا " وَفِي طَرِيق " صلى لنا " وَفِي طَرِيق " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى رَكْعَتَيْنِ " وَفِي طَرِيق " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي " وَفِي ثَلَاث طرق التَّصْرِيح بِلَفْظ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِي الطَّرِيقَيْنِ بِلَفْظ رجل من بني سليم وَفِي الطَّرِيق الأول إِحْدَى صَلَاتي الْعشي إِمَّا الظّهْر أَو الْعَصْر بِالشَّكِّ وَفِي الثَّانِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي من غير ذكر الظّهْر وَالْعصر بِدُونِ الْيَقِين وَفِي الثَّالِث صَلَاة الْعَصْر بِالْجَزْمِ وَفِي الرَّابِع وَالْخَامِس صَلَاة الظّهْر بِالْجَزْمِ فَهَذَا كُله يدل على اخْتِلَاف الْقَضِيَّة وَإِلَّا يكون فِيهَا إِشْكَال فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يحْتَمل أَن يكون الرجل الْمَذْكُور الَّذِي نَص عَلَيْهِ أَنه من بني سليم غير ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن تكون قَضيته غير قَضِيَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة شَاهد هَذَا حَتَّى أخبر عَن ذَلِك بقوله " بَينا أَنا أُصَلِّي " وَكَون ذِي الْيَدَيْنِ من بني سليم على قَول من يَدعِي ذَلِك لَا يسْتَلْزم أَن لَا يكون غَيره من بني سليم.

     وَقَالَ  هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَالظَّاهِر أَن الِاخْتِلَاف فِيهِ أَي فِي الْمَذْكُور من إِحْدَى صَلَاتي العشى وَالْعصر وَالظّهْر من الروَاة وَأبْعد من قَالَ يحمل على أَن الْقَضِيَّة وَقعت مرَّتَيْنِ (قلت) أَن الْحمل على التَّعَدُّد أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الشَّك (فَإِن قلت) روى النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عون عَن ابْن سِيرِين أَن الشَّك فِيهِ من أبي هُرَيْرَة وَلَفظه " صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي العشى قَالَ وَلَكِنِّي نسيت " فَالظَّاهِر أَن أَبَا هُرَيْرَة رَوَاهُ كثيرا على الشَّك وَكَانَ رُبمَا غلب على ظَنّه أَنَّهَا الظّهْر فَجزم بهَا وَتارَة غلب على ظَنّه أَنَّهَا الْعَصْر فَجزم (قلت) لَيْسَ فِي الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ من الطَّرِيق الْمَذْكُور شكّ وَإِنَّمَا صرح أَبُو هُرَيْرَة بِأَنَّهُ نسي وَالنِّسْيَان غير الشَّك وَقَوله فَالظَّاهِر إِلَى آخِره غير ظَاهر فَلَا دَلِيل على ظُهُوره من نفس الْمُتُون وَلَا من الْخَارِج يعرف هَذَا بِالتَّأَمُّلِ قَوْله " فَسلم " يَعْنِي على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَزَاد أَبُو دَاوُد من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة " فِي الرَّكْعَتَيْنِ " قَوْله " قَالَ سعد " يَعْنِي سعد بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد فَذكره.

     وَقَالَ  أَبُو نعيم رَوَاهُ يَعْنِي البُخَارِيّ عَن آدم عَن شُعْبَة وَزَاد قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة إِلَى آخِره وَأوردهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معَاذ وَيحيى عَن شُعْبَة حَدثنَا سعد بن إِبْرَاهِيم سَمِعت أَبَا سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ فِي آخِره وَرَوَاهُ غنْدر (فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ " لم يقل ثمَّ سلم ثمَّ سجد قَالَ لم يتَضَمَّن هَذَا الحَدِيث مَا ذكره فِي التَّرْجَمَة وَخرج مَا ذكره من تَرْجَمَة هَذَا الْبابُُ فِي الْبابُُ الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَا قَالَ ابْن التِّين لم يَأْتِ فِي الحَدِيث شَيْء مِمَّا يشْهد للسلام من ثَلَاث قَوْله " الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت " الصَّلَاة مَرْفُوع لِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أنقصت " ويروى " نقصت " بِدُونِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَيجوز فِي نون نقصت الْفَتْح على أَن يكون لَازِما وَيجوز ضمهَا على أَن يكون مُتَعَدِّيا وَقَوله " يَا رَسُول الله " جملَة مُعْتَرضَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر قَوْله " أَحَق مَا يَقُول " يجوز فِي إعرابه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون لفظ حق مُبْتَدأ دخلت عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَقَوله " مَا يَقُول " سَاد مسد الْخَبَر وَالْآخر أَن يكون أَحَق خَبرا وَمَا يَقُول مُبْتَدأ قَوْله " أُخْرَيَيْنِ " ويروى " أخراوين " على خلاف الْقيَاس.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) كَيفَ بنى الصَّلَاة على الرَّكْعَتَيْنِ وَقد فسدتا بالْكلَام (قلت) كَانَ سَاهِيا لِأَنَّهُ كَانَ يظنّ أَنه خَارج الصَّلَاة (قلت) فِي هَذَا اخْتِلَاف الْعلمَاء فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن كَلَام الْقَوْم فِي الصَّلَاة لإمامهم لإِصْلَاح الصَّلَاة مُبَاح وَكَذَا الْكَلَام من الإِمَام لأجل السَّهْو لَا يُفْسِدهَا.

     وَقَالَ  أَبُو عمر ذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى أَن الْكَلَام وَالسَّلَام سَاهِيا فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا كَقَوْل مَالك وَأَصْحَابه سَوَاء وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهمَا أَن مَالِكًا يَقُول لَا يفْسد الصَّلَاة تعمد الْكَلَام فِيهَا إِذا كَانَ فِي إصلاحها وَهُوَ قَول ربيعَة وَابْن الْقَاسِم إِلَّا مَا رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُنْفَرد وَهُوَ قَول أَحْمد.

     وَقَالَ  عِيَاض وَقد اخْتلف قَول مَالك وَأَصْحَابه فِي التعمد بالْكلَام لإِصْلَاح الصَّلَاة من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَمنع ذَلِك بِالْجُمْلَةِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأهل الظَّاهِر وجعلوه مُفْسِدا للصَّلَاة إِلَّا أَن أَحْمد أَبَاحَ ذَلِك للْإِمَام وَحده وَسوى أَبُو حنيفَة بَين الْعمد والسهو (فَإِن قلت) كَيفَ تكلم ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْم وهم بعد فِي الصَّلَاة (قلت) أجَاب النَّوَوِيّ بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنهم لم يَكُونُوا على الْيَقِين من الْبَقَاء فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا مجوزين لنسخ الصَّلَاة من أَربع إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَالْآخر أَن هَذَا كَانَ خطابا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجوابا وَذَلِكَ لَا يبطل عندنَا وَلَا عِنْد غَيرنَا وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح " أَن الْجَمَاعَة أومأوا أَي أشاروا نعم " فعلى هَذِه الرِّوَايَة لم يتكلموا (قلت) الْكَلَام وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد وَنَحْو ذَلِك كُله قد نسخ حَتَّى لَو فعل أحد مثل هَذَا فِي هَذَا الْيَوْم بطلت صلَاته وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ " أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ ثمَّ حدث بِهِ تِلْكَ الْحَادِثَة بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعمل فِيهَا بِخِلَاف مَا عمل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِمَّن حضر فعله من الصَّحَابَة وَذَلِكَ لَا يَصح أَن يكون مِنْهُ وَمِنْهُم إِلَّا بعد وقوفهم على نسخ مَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ