فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الغيرة

(بابُُ الغَيْرَةِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان الْغيرَة، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الرَّاء.
قَالَ صَاحب (الْمُحكم) : من غَار الرجل على امْرَأَته وَالْمَرْأَة على بَعْلهَا يغار غيرَة وغيرا وغارا وغيارا وَرجل غيران، وَالْجمع: غيارى وغيارى وَرجل غيور وَالْجمع غير بِضَم الْيَاء، وَمن قَرَأَ رسل قَالَ: غير، وَيُقَال: امْرَأَة غيرى وغيور وَالْجمع كالجمع، والمغيار شَدِيد الْغيرَة، وَفُلَان لَا يتَغَيَّر على أَهله أَي لَا يغار.
.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِي نَحوه إلاَّ أَنه لم يقل فِي المصادر غيارا وَزَاد بعد قَوْله: وَرجل مغيار وَقوم مغايير، وَزَاد صَاحب (الْمَشَارِق) فِي اسْم الْفَاعِل مِنْهُ رجل غائر،.

     وَقَالَ : معنى الْغيرَة تغير الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب الْمُشَاركَة فِي الِاخْتِصَاص من أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ وتحريمه وذبه عَنهُ،.

     وَقَالَ  صَاحب (النِّهَايَة) الْغيرَة هِيَ الحمية والأنفة.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: الْغيرَة مُشْتَقَّة من تغير الْقلب وهيجان الْغَضَب بِسَبَب الْمُشَاركَة فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاص، وَأَشد مَا يكون ذَلِك بَين الزَّوْجَيْنِ، هَذَا مَحَله فِي حق الْآدَمِيّ، وَأما فِي حق الله تَعَالَى فَيَأْتِي عَن قريب فِي حَدِيث الْبابُُ.

وَقَالَ ورَّادٌ عنِ المُغَيرَةِ: قَالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: لوْ رأيْتُ رجُلاً مَعَ امْرَأتِي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنا أغْيَرُ مِنْهُ! وَالله أغْيَرُ مِنِّي.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ووراد، بِفَتْح الْوَاو وَالرَّاء الْمُشَدّدَة وبالدال الْمُهْملَة: اسْم لمولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة وكاتبه، وَسعد بن عبَادَة، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبابُُ الْمُوَحدَة: ابْن دليم الخزرجي السَّاعِدِيّ نقيب بني سَاعِدَة قيل: شهد بَدْرًا وَنزل الشَّام فَأَقَامَ بحوران إِلَى أَن مَاتَ سنة خمس عشرَة، وَقيل: قَبره بالمنيحة، فِرْيَة من قرى غوطة دمشق.

وَوصل البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق الَّذِي ذكره هُنَا مُخْتَصرا فِي كتاب الْحُدُود: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن دَاوُد.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة.

قَوْله: (غير مصفح) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَكسرهَا أَي: غير ضَارب بعرضه بل بحده، تَأْكِيدًا لبَيَان ضربه بِهِ لقَتله.
قَالَ عِيَاض: فَمن فَتحه جعله وَصفا للسيف وَحَالا مِنْهُ، وَمن كَسره جعله وَصفا للضارب وَحَالا مِنْهُ.
يُقَال: أصفحت بِالسَّيْفِ فَأَنا مصفح وَالسيف مصفح بِهِ إِذا ضربت بعرضه،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: أصفحت بِالسَّيْفِ إِذا ضربت بعرضه،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: مصفح، بتَشْديد الْفَاء فِي سَائِر الْأُمَّهَات، وللسيف صفحتان وهما وجهاه العريضان، وَله حدان، فَالَّذِي يضْرب بِالْحَدِّ يقْصد الْقَتْل، وَالَّذِي يضرف بالصفح يقْصد التَّأْدِيب.
وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: غير مصفح عَنهُ، قَالَ بَعضهم: هَذِه يتَرَجَّح فِيهَا كسر الْفَاء وَيجوز الْفَتْح أَيْضا على الْبناء للْمَجْهُول.
قلت: قَوْله: على الْبناء للْمَجْهُول غلط فَاحش، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: على الْبناء للْمَفْعُول، وَقد يفرق بَينهمَا من لَهُ أدنى مسكة من علم التصريف.
قَوْله: (أتعجبون) ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام يجوز أَن يكون على سَبِيل الاستخبار، وَيجوز أَن يكون على سَبِيل الانكار، يَعْنِي: لَا تعجبوا من غيرَة سعد وَأَنا أغير مِنْهُ، أَي من سعد، وَاللَّام فِي قَوْله: (لأَنا) للتَّأْكِيد، وأكده بِاللَّامِ وَبِالْجُمْلَةِ الإسمية.
قَوْله: (وَالله أغير مني) قد ذكرنَا الْآن معنى غيرَة العَبْد، وَأما معنى غيرَة الله تَعَالَى فالزجر عَن الْفَوَاحِش وَالتَّحْرِيم لَهَا وَالْمَنْع مِنْهَا، لِأَن الغيور هُوَ الَّذِي يزْجر عَمَّا يغار عَلَيْهِ، وَقد بَين ذَلِك بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمن غيرته حرم الْفَوَاحِش، أَي: زجر عَنْهَا وَمنع مِنْهَا.
.

     وَقَالَ  صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غيرَة الله أَن لَا يَأْتِي الْمُؤمن مَا حرم الله عَلَيْهِ.

وَمعنى الحَدِيث سعد: أَنا أزْجر عَن الْمَحَارِم مِنْهُ، وَالله أزْجر مني وَاسْتدلَّ ابْن الْمَوَّاز من الْمَالِكِيَّة بِحَدِيث سعد هَذَا أَنه إِن وَقع ذَلِك ذهب دم الْمَقْتُول هدرا، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ فِي: بابُُ الْحُدُود.
وَقيل: الْغيرَة محمودة ومذمومة، وَقد جَاءَت التَّفْرِقَة بَينهمَا فِي حَدِيث جَابر بن عتِيك وَعقبَة بن عَامر، فَحَدِيث جَابر بن عتبيك رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) ، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن ابْن جَابر بن عتِيك الْأنْصَارِيّ عَن جَابر بن عتِيك: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْغيرَة مَا يُحِبهُ الله، وَمِنْهَا مَا يبغضه الله، وَإِن من الْخُيَلَاء مَا يُحِبهُ الله وَمِنْهَا مَا ببغض الله، فَأَما الْغيرَة الَّتِي يُحِبهَا الله فالغيرة فِي الرِّيبَة، وَأما الْغيرَة الَّتِي يبغضها الله فالغيرة فِي غير الرِّيبَة.
وَابْن جَابر بن عتِيك هَذَا قَالَ الْمزي فِي (التَّهْذِيب) لَعَلَّه عبد الرَّحْمَن؟ قَالَ شَيخنَا: لَيْسَ هُوَ عبد الرَّحْمَن، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو سُفْيَان بن جَابر بن عتِيك لم يسم، وَقد بَين ذَلِك ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَذكره فِي الثِّقَات، وَحَدِيث عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق حَدثنَا معمر عَن يحيى بن أبي كثير عَن زيد بن سَلام عَن عبد الله بن زيد الْأَزْرَق عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (غيرتان إِحْدَاهمَا يُحِبهَا الله عز وَجل وَالْأُخْرَى يبغضها الله عز وَجل: الْغيرَة فِي الرِّيبَة يُحِبهَا، والغيرة فِي غَيرهَا يبغضها الله ... .
) الحَدِيث.
.

     وَقَالَ  شَيخنَا: لَكِن ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، فَرب رجل شَدِيد التخيل فيظن مَا لَيْسَ بريبة رِيبَة، وَرب رجل متساهل فِي ذَلِك فَيحمل الرِّيبَة على محمل يحسن بِهِ ظَنّه.



[ قــ :4942 ... غــ :5220 ]
- حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ شقِيقٍ عنْ عبْدِ الله بن مَسْعُودٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْ أحَدٍ أغْيَرَ مِنَ الله مِنْ أجْلِ ذالِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، وَمَا أحَدٌ أحَبَّ إلَيْهِ المَدْحُ مِنَ الله.

)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَحَفْص هُوَ ابْن غياث وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد بِهَذَا السَّنَد.
وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عُثْمَان ب أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن أبي كريب وَغَيره.

قَوْله: (مَا من أحد) كلمة: من زَائِدَة وزيادتها فِي النَّفْي لَا خلاف فِيهِ، وَالْخلاف فِي زيادتها فِي الْإِثْبَات.
قَوْله: (أغير) أفعل التَّفْضِيل، وَقد مر معنى الْغيرَة فِي حق الله عز وَجل وَيجوز فِي أغير الرّفْع وَالنّصب بتاء على اللغتين الحجازية والتميمة فِي كلمة مَا قَوْله: (من أجل ذَلِك) أَي: من أجل أَن الله أغير من كل أحد (حرم الْفَوَاحِش) وَهُوَ جمع فَاحِشَة وَهِي كل خصْلَة قبيحة من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الْفُحْش والفاحشة وَالْفَوَاحِش فِي الحَدِيث كل مَا يشْتَد قبحه من الذُّنُوب والمعاصي، وَكَثِيرًا مَا ترد الْفَاحِشَة بِمَعْنى الزِّنَا.
قَوْله: (مَا أحد) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ اسْم: مَا وَقَوله: (أحب) بِالنّصب خَبَرهَا إِن جَعلتهَا حجازية، وترفعه على أَنه خبر لأحد إِن كَانَت تميمية.
وَقَوله: (الْمَدْح) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل أحب.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَهُوَ مثل مَسْأَلَة الْكحل، ويروى بِالرَّفْع على إِلْغَاء عمل: مَا قيل: وَلَا يجوز أَن يرفع أحب على أَنه خبر للمدح أَو مُبْتَدأ والمدح خَبره، لِأَنَّك تكون حيئنذ تفرق بَين الصِّلَة والموصول بالْخبر لِأَن من الله، صلَة أحب، وَتَمَامه: فَلَا تفرق بَين تَمام الْمُبْتَدَأ وصلته بالْخبر الَّذِي هُوَ الْمَدْح وَحَقِيقَة قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا أحد أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله، إِنَّه مصلحَة للعباد لأَنهم يثنون عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيثيبهم فينتفعون، وَالله سُبْحَانَهُ غَنِي عَن الْعَالمين لَا يَنْفَعهُ مدحهم وَلَا يضرّهُ تَركهم ذَلِك.

وَفِيه: تَنْبِيه على فضل الثَّنَاء عَلَيْهِ وتسبيحه وتهليله وتحميده وتكبيره وَسَائِر الْأَذْكَار.





[ قــ :4943 ... غــ :51 ]
- حدّثنا عبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عنْ مالِكٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّد { مَا أحَدٌ أغْيَرَ مِنَ الله أنْ يَرَى عبْدَهُ أوْ أمَّتَهُ تَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ} لوْ تَعْلَمونَ مَا أعْلَمْ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَهَذَا حَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث الْكُسُوف.

وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي النعوت عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن سَلمَة.

قَوْله: ( أَو أمته تَزني) ، هَكَذَا وَقع فِي صَلَاة الْكُسُوف فِي: بابُُ الصَّدَقَة فِي الْكُسُوف: ( يَا أمة مُحَمَّد! وَالله مَا من أحد أغير من الله أَن يَزْنِي عَبده أَو تَزني أمته) قَالَ بَعضهم: الَّذِي يظْهر أَنه من سبق الْقَلَم هُنَا، أَو لَعَلَّ لَفظه تَزني سَقَطت هُنَا غَلطا من الأَصْل فأخرها النَّاسِخ عَن محلهَا.
قلت: لَا يحْتَاج هُنَا إِلَى نِسْبَة هَذَا إِلَى الْغَلَط وَتصرف الناسح بِغَيْر وَجه فَإِن قَوْله: ( تَزني) يجوز فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، فالتذكير بِالنّظرِ إِلَى أَنه خبر عَن العَبْد فِي الأَصْل، والتأنيث بِالنّظرِ إِلَى أَنه خبر عَن الْأمة.
قَوْله: ( مَا أعلم) أَي: من شُؤْم الزِّنَا ووخامة عاقبته، أَو مَا أعلم من أَحْوَال الْآخِرَة وأهوالها.



[ قــ :4944 ... غــ :5 ]
- حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا هَمَّامٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبي سَلَمَةَ أنَّ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عنُ أُمَّةِ أسْماءَ أنَّها سَمِعَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: لاَ شَيْءَ أغْيَرُ مِنَ الله؛ وعنْ يَحْيَى أنَّ أَبَا سلَمَةَ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَسْمَاء هِيَ بنت أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل عَن همام عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( لَا شَيْء أغير من الله) قَوْله: ( وَعَن يحيى) هُوَ مَعْطُوف على السَّنَد الَّذِي قبله تَقْدِيره: حَدثنَا مُوسَى عَن همام عَن يحيى أَن أَبَا سَلمَة حَدثهُ، وَأَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسْبق هُنَا الْمَتْن.
وَأخرجه مُسلم: حَدثنَا عمر والناقد عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عَلَيْهِ عَن حجاج بن أبي عُثْمَان، قَالَ: قَالَ يحيى: وحَدثني أَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يغار وَإِن الْمُؤمن يغار، وغيرة الله أَن يَأْتِي الْمُؤمن مَا حرم الله عَلَيْهِ.
قَوْله: ( لَا شَيْء أغير من الله) يقْرَأ بِرَفْع الرَّاء ونصبها، فَمن نصب جعله نعتا لشَيْء على إعرابه لِأَن شَيْئا مَنْصُوب، وَمن رفع جعله نعتا لشَيْء قبل دُخُول لَا عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى: { مالكم من إِلَه غَيره} ( الْأَعْرَاف: 95 56) وَيجوز رفع شَيْء مثل: { لَا لَغْو فِيهِ} ( الطّور: 3) .





[ قــ :4944 ... غــ :53 ]
- حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا شَيْبَانُ عنْ يَحْيَى عنْ أبي سلَمَةَ أنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّهُ قَالَ: إنَّ الله يَغارُ وغَيْرةُ الله أنْ يأتِيَ المُؤْمِنَ مَا حَرَّمَ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ النَّحْوِيّ.

قَوْله: ( أَن يَأْتِي) قَالَ الغساني: فِي جَمِيع النّسخ: أَن لَا يَأْتِي، وَالصَّوَاب أَن يَأْتِي.
قَالَ الْكرْمَانِي: لَا شكّ أَنه لَيْسَ مَعْنَاهُ أَن غيرَة الله هُوَ نفس الْإِتْيَان أَو عَدمه، فَلَا بُد من تَقْدِير نَحْو أَن لَا يَأْتِي أَي: غيرَة الله على النَّهْي عَن الْإِتْيَان، أَو على عدم إتْيَان الْمُؤمن بِهِ، وَهُوَ الْمُوَافق لما تقدم حَيْثُ قَالَ: وَمن ذَلِك حرم الْفَوَاحِش، فَيكون مَا فِي النّسخ صَوَابا، ثمَّ نقُول: إِن كَانَ الْمَعْنى لَا يَصح مَعَ لَا فَذَلِك قرينَة لكَونهَا زَائِدَة نَحْو: { مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} ( الْأَعْرَاف: 1) قَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ مُبْتَدأ وَخبر بِتَقْدِير اللَّام أَي: غيرَة الله ثَابِتَة لأجل أَن لَا يَأْتِي.





[ قــ :4946 ... غــ :54 ]
- حدّثنا مَحْمُودٌ حَدثنَا أبُو أسامَةَ حَدثنَا هشامٌ قَالَ: أخْبَرَني أبي عنْ أسْماءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ ومالُه فِي الأرْضِ مِنْ مالٍ ولاَ مَمْلُوكٍ وَلَا شيْءٍ غَيْرَ ناضِجٍ وغيْرَ فَرَسِهِ، فَكنْت أعْلِفُ فَرَسَهُ وأسْتَقِي المَاءَ وأخْرِزُ غَرْبَهُ وأعْجِنُ ولَمْ أكُنْ أُحْسِنُ أخْبِزُ، وكانَ يخْبِزُ جارَاتٌ لِي مِنَ الأنْصَارِ، وكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وكُنْتُ أنْقُلُ النَّوى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الّتي أقْطَعَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على رأسِي، وهْيَ مِنِّي علَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ فَجِئْتُ يَوْما والنَّوَى علَى رَأسِي فَلَقِيتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأنْصَارِ فَدَعانِي ثُمَّ قَالَ: إخْ إخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فاسْتَحْيَيْتُ أنْ أسِيرَ مَعَ الرِّجالِ، وذَكَرْتُ الزُّبَيْر وغَيْرَتَهُ وكانَ أغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزبَيْرَ فَقْلُتُ: لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعلَى رأسِي النَّوَى ومَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أصْحابِهِ فأناحَ لأرْكَبَ فاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ.
فَقَالَ: وَالله لَحَمْلُكِ النَّوَى كانَ أشَدَّ عَليَّ مِنْ ركُوبِكِ مَعَهُ.
قالَتْ: حتَّى أرسَلَ إلَيّ َ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذالِكَ بِخادِمٍ يَكْفِيني سِياسَةَ الفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أعْتَقَنِي.

( انْظُر الحَدِيث 1513)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَذكرت الزبير وغيرته) وَفِي قَوْله: ( وَعرفت غيرتك) .

ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بالغين الْمُعْجَمَة الْمروزِي وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْخمس مُقْتَصرا على قصَّة النَّوَى.
وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي كريب.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي عشرَة النِّسَاء عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمُبَارك المَخْزُومِي.

قَوْله: ( الزبير) هُوَ ابْن الْعَوام.
قَوْله: ( من مَال) وَالْمَال فِي الأَصْل مَا يملك من الذَّهَب وَالْفِضَّة.
ثمَّ أطلق على كل مَا يقتنى وَيملك من الْأَعْيَان، وَأكْثر مَا يُطلق المَال عِنْد الْعَرَب على الْإِبِل لِأَنَّهَا كَانَت أَكثر أَمْوَالهم، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِالْمَالِ هُنَا الْإِبِل لِأَنَّهَا أعز أَمْوَال الْعَرَب.
قَوْله: ( وَلَا مَمْلُوك) عطف خَاص على عَام، وَالْمرَاد بِهِ العبيد وَالْإِمَاء.
قَوْله: ( وَلَا شَيْء) عطف عَام على خَاص وَهُوَ يَشْمَل كل مَا يتَمَلَّك ويتمول، لَكِن أَرَادَت إِخْرَاج مَا لَا بُد مِنْهُ من مسكن وملبس ومطعم وَنَحْوهَا من الضروريات، وَلِهَذَا استثنت مِنْهُ الناضح وَهُوَ الْجمل الَّذِي يَسْتَقِي عَلَيْهِ.
فَإِن قلت: الأَرْض الَّتِي أقطع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من أعز الْأَمْوَال وأفخرها.
قلت: لم تكن مَمْلُوكَة لَهُ وَلَا يملك رقبَتهَا، وَإِنَّمَا ملك مَنْفَعَتهَا فَلذَلِك لم تستثنها أَسمَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: ( فَكنت أعلف فرسه) وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة أبي كريب عَن أبي أُسَامَة: وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق النَّوَى وأرضخه وأعلفه، وَلمُسلم أَيْضا من طَرِيق ابْن أبي مليكَة عَن أَسمَاء: كنت أخدم الزبير خدمَة الْبَيْت، وَكَانَ لَهُ فرس وَكنت أسوسه فَلم يكن فِي خدمته شَيْء أَشد عَليّ من سياسة الْفرس، كنت أحتش لَهُ فأقوم عَلَيْهِ.
قَوْله: ( وأستقي المَاء) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: وأسقي، بِغَيْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَهُوَ على حذف الْمَفْعُول أَي: وأسقي الْفرس أَو الناضح المَاء وأستقي الَّذِي هُوَ من بابُُ الافتعال أشمل وَأكْثر فَائِدَة.
قَوْله: ( وأخرز) بخاء مُعْجمَة وَرَاء ثمَّ زَاي من الخرز وَهُوَ الْخياطَة فِي الْجُلُود وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( غربه) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْوَلَد الْكَبِير.
قَوْله: ( وَلم أكن أحسن) بِضَم الْهمزَة و ( أخبز) بِفَتْح الْهمزَة وَالْمعْنَى: وَلم أحسن أَن أخبز الْخبز قَوْله: ( وَكَانَ تخبز جارات لي) وَهُوَ جمع جَارة، فِي رِوَايَة مُسلم: وَكَانَ يخبز لي.
قَوْله: ( وَكن) أَي: الجارات ( نسْوَة صدق) بِالْإِضَافَة وَالصّفة، والصدق بِمَعْنى الصّلاح والجودة أَرَادَت كن نسَاء صالحات فِي حسن الْعشْرَة وَالْوَفَاء بالعهد ورعاية حق الْجوَار.
قَوْله: ( وَكنت أنقل النَّوَى من أَرض الزبير) وَكَانَت هَذِه الأَرْض مِمَّا أَفَاء الله تَعَالَى على رَسُوله من أَمْوَال بني النَّضِير وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أقطعه إِيَّاهَا وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَائِل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة.
قَوْله: ( وَهِي مني) أَي: الأَرْض الْمَذْكُورَة من مَكَان سكناي ( على ثُلثي فَرسَخ) والفرسخ ثَلَاثَة أَمْيَال كل ميل أَرْبَعَة آلَاف خطْوَة.
قَوْله: ( والنوى) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال.
قَوْله: ( إخ إخ) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهِي كلمة تقال عِنْد إناخة الْبَعِير،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: نخ، مُشَدّدَة ومخففة صَوت إناخته، وهخ واخ مثله.
قَوْله: ( ليحملني خَلفه) أَرَادَت بِهِ الارتداف، وَإِنَّمَا عرض عَلَيْهَا الرّكُوب لِأَنَّهَا ذَات محرم مِنْهُ، لِأَن عَائِشَة عِنْده، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي أُخْتهَا أَو كَانَ ذَلِك قبل الْحجاب كَمَا فعل بِأم صبية الجهنية.
قَوْله: ( فَاسْتَحْيَيْت) ، بياءين على الأَصْل، لِأَن الأَصْل حَيّ وَفِي لُغَة: استحيت، بياء وَاحِدَة، يُقَال: اسْتَحى واستحيى.
قَوْله: ( قَالَ: وَالله لحملك النَّوَى) أَي: قَالَ الزبير لأسماء: وَالله لحملك النَّوَى، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وحملك مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله، والنوى مَفْعُوله ( كَانَ أَشد عَليّ) خبر الْمُبْتَدَأ أَعنِي: قَوْله: ( لحملك) فَإِنَّهُ مُبْتَدأ.
قَوْله: ( كَانَ أَشد عليَّ من ركوبك مَعَه) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: كَانَ أَشد عَلَيْك وَلَيْسَ هَذِه اللَّفْظَة.
وَفِي رِوَايَة مُسلم، وَوجه قَول الزبير هَذَا أَنه لَا عَار فِي الرّكُوب مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف حمل النَّوَى فَإِنَّهُ يتَوَهَّم مِنْهُ النَّاس خسة النَّفس ودناءة الهمة، وَقلة التَّمْيِيز، وَأما عدم الْعَار فِي الرّكُوب مَعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ذكرنَا عَن قريب، وَأما وَجه صبره على ذَلِك وسكوت زَوجهَا وأبيها على ذَلِك فلكونها مشغولين بِالْجِهَادِ وَغَيره، وَكَانَا لَا يتفرغان للْقِيَام بِأُمُور الْبَيْت ولضيق مَا بأيديهما عَن اسْتِخْدَام من يقوم بذلك.
قَوْله: ( حَتَّى أرسل إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء، ( وَأَبُو بكر) فَاعل أرسل.
قَوْله: ( بخادم يَكْفِينِي) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي مليكَة عِنْد مُسلم: جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبي فَأعْطَاهُ خَادِمًا، والتوفيق بَينهمَا بِأَن السَّبي لما جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْطى أَبَا بكر مِنْهُ خَادِمًا ليرسله إِلَى بنته أَسمَاء، فَصدق أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُعْطِي وَلَكِن وصل إِلَيْهَا بِوَاسِطَة.
فَافْهَم.
وَاسْتدلَّ قوم بِهَذِهِ الْقِصَّة، مِنْهُم أَبُو ثَوْر، على أَن على الْمَرْأَة الْقيام بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ زَوجهَا من الْخدمَة وَالْجُمْهُور أجابوا عَن هَذَا بِأَنَّهَا كَانَت متطوعة بذلك وَلم يكن لَازِما.





[ قــ :4947 ... غــ :55 ]
- حدّثنا عَلِيٌّ حَدثنَا ابنُ عُلَيَّةَ عنْ حُمِيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْدَ بَعْضِ نِسائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيها طَعامٌ، فَضَرَبتِ الّتي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَيْتِها يَدَ الخادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةِ فانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِلَقَ الصَّحْفَة ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيها الطَّعَامَ الَّذِي كانَ فِي الصَّحْفَةِ، ويَقُولُ: غارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخادِمَ حتَّى أُتيَ بصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتي هُوَ فِي بَيْتِها، فَدفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُها وأمَّكَ المَكْسُورَة فِي بَيْتِ الّتِي كُسِرَتْ فِيهِ.

( انْظُر الحَدِيث 184)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( غارت أمكُم) وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن علية، بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: هُوَ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْبَصْرِيّ، وَعَلِيهِ اسْم أمة كَانَت مولاة لبني أَسد، وَحميد هُوَ ابْن أبي حميد الطَّوِيل أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث من أَفْرَاده.

قَوْله: ( عِنْد بعض نِسَائِهِ) هِيَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: ( إِحْدَى أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ) هِيَ زَيْنَب بنت جحش،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: هِيَ صَفِيَّة، وَقيل؛ زَيْنَب، وَقيل: أم سَلمَة.
قَوْله: ( بصحفة) هِيَ إِنَاء كالقصعة المبسوطة وَنَحْوهَا وَيجمع على صحاف.
قَوْله: ( فلق الصحفة) بِكَسْر الْفَاء وَفتح اللَّام جمع فلقَة وَهِي الْقطعَة.
قَوْله: ( غارت أمكُم) الْخطاب للحاضرين وَالْمرَاد بِالْأُمِّ هِيَ الضاربة.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : غارت أمكُم يُرِيد سارة لما غارت على هَاجر حَتَّى أخرج إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، طفْلا مَعَ أمه إِلَى وَاد غير ذِي زرع.
ثمَّ قَالَ: أَو يُرِيد كاسرة الصحفة وَهُوَ الْأَظْهر.
قَوْله: ( فَدفع الصحفة الصَّحِيحَة) إِلَى آخِره.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْقَصعَة لَيْسَ من الْمِثْلِيَّات بل هِيَ من المتقومات.
ثمَّ أجَاب بقوله: كَانَت القصعتان لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلهُ التَّصَرُّف بِمَا شَاءَ فيهمَا.

قَالُوا: وَفِي الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى عدم مُؤَاخذَة الْغيرَة بِمَا يصدر مِنْهَا لِأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالة يكون عقلهَا محجوبا بِشدَّة الْغَضَب الَّذِي أثارته الْغيرَة، وَقد أخرج أَبُو يعلى بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَرْفُوعا أَن الْغيرَة لَا تبصر أَسْفَل الْوَادي من أَعْلَاهُ.
وَعَن ابْن مَسْعُود رَفعه: إِن الله كتب الْغيرَة على النِّسَاء، فَمن صَبر مِنْهُنَّ كَانَ لَهُ أجر شَهِيد، رَوَاهُ الْبَزَّار بِرِجَال ثِقَات.





[ قــ :4948 ... غــ :56 ]
- حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّميُّ حَدثنَا معْتَمِرٌ عنْ عُبَيْدِ الله عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ عنْ جابِرِ بنِ عبْد الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: دَخَلْتُ الجَنَّة أَو: أتَيْتُ الجَنةَ فأبْصَرْتُ قَصْرا.
فَقُلْتُ: لِمَنْ هاذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّاب، فأرَدْتُ أَن أدْخُلَهُ فلَمْ يَمْنَعَنِي إلاّ عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: يَا رسولَ الله! بِأبي أنْتَ وأُمِّي يَا نَبِيَّ الله أوَ علَيْكَ أغَارُ.

( انْظُر الحَدِيث 9763)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي، بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم، ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.

والْحَدِيث معضى مطولا فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَمضى شَرحه هُنَاكَ.

قَوْله: ( بِأبي) ، الْبَاء مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره أَنْت مفدى بِأبي وَأمي.

وَفِيه: منقبة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَفِيه: أَن الْجنَّة مخلوقة.





[ قــ :4949 ... غــ :57 ]
- حدّثنا عبْدَانُ أخبرنَا عبْدُ الله عنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبرنِي ابنُ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَيْما نَحْنُ عِنْدَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جُلُوسٌ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَمَا أَنا نائِمٌ رَأيْتَنِي فِي الجَنَّة فإذَا امْرَأةٌ تَتَوَضّأُ إِلَى جانِبِ قِصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا: هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلّيْتُ مْدّبِرا فَبَكَى عُمرَ وهْوَ فِي المجْلِسِ.
ثُمَّ قَالَ: أوَ عَلَيْك يَا رسولَ الله أغارُ؟

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.

والْحَدِيث مضى فِي بابُُ مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب إِلَى آخر.
وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب عَن يُونُس إِلَى آخِره نَحوه.

قَوْله: ( جُلُوس) جمع جَالس.
قَوْله: ( رَأَيْتنِي) أَي: رَأَيْت نَفسِي قَوْله: ( فَإِذا) كلمة مفاجأة قَوْله: ( تتوضأ) قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا من الْوضُوء وَإِمَّا من الوضاء.
قلت: الْأَوْجه أَن يكون من الْوَضَاءَة على مَا لَا يخفى، وَذكر ابْن قُتَيْبَة فِي قَوْله: ( فَإِذا امْرَأَة تتوضأ إِلَى جَانب قصر) فَإِذا امْرَأَة شوهاء إِلَى جَانب قصر من حَدِيث ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب، وَفَسرهُ،.

     وَقَالَ : الشوهاء الْحَسَنَة الرائعة، حَدثنِي بذلك أَبُو حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة، قَالَ: وَيُقَال: فرس شوهاء، وَلَا يُقَال: فرس أشوه،.

     وَقَالَ  فِي ( الْمطَالع) : رجل أشوه وَامْرَأَة شوهاء، يَعْنِي قبيحة قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: الْحَسَنَة، وَهُوَ من الأضداد.
والشوهاء أَيْضا الواسعة الْفَم، وَأَيْضًا الصَّغِيرَة الْفَم.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال: يشبه أَن تكون هَذِه الرِّوَايَة هِيَ الصَّوَاب، وتتوضأ تَصْحِيف لِأَن الْحور طاهرات فَلَا وضوء عَلَيْهِنَّ، فَلذَلِك كل من دخل الْجنَّة لَا يلْزمه طَهَارَة وَلَا عبَادَة، وحروف شوهاء يُمكن تصحيفها بحروف تتوضأ، لقرب صور بَعْضهَا من بعض.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: تتوضأ، قيل: إِنَّهَا تَصْحِيف لِأَن الْجنَّة لَا تَكْلِيف فِيهَا، وَفِيمَا قَالَه ابْن بطال نظر لِأَن أحدا مَا ادّعى أَن عَلَيْهِنَّ الْوضُوء، وَمن ادّعى أَن كل من دخل الْجنَّة يلْزمه طَهَارَة أَو عبَادَة فَلم لَا يجوز أَن يصدر عَن أحد من أهل الْجنَّة عبَادَة بِاخْتِيَارِهِ مَا شَاءَ من أَنْوَاع الْعِبَادَة.
قَالَ عز وَجل: { وَلَكِن فِيهَا مَا تشْتَهي أَنفسكُم} ( فصلت: 13) وَيرد كَلَام ابْن التِّين أَيْضا بِمَا ذكراناه.