فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: السلام اسم من أسماء الله تعالى

( بابٌُ السلامُ مِنْ أسْماءِ الله تَعَالَى)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ أَن السَّلَام من أَسمَاء الله تَعَالَى، وارتفاع السَّلَام على أَنه مُبْتَدأ.
وَقَوله: من أَسمَاء الله خَبره وَالتَّقْدِير: كَائِن من أَسمَاء الله، قَالَ الله عز وَجل: الْملك القدوس السَّلَام،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ فِي تَفْسِير هَذَا الإسم: السَّلَام، مصدر نعت بِهِ وَالْمعْنَى: ذُو السَّلامَة من كل آفَة ونقيصة، أَي: الَّذِي سلمت ذَاته من الْحُدُوث وَالْعَيْب، وَصِفَاته عَن النَّقْص، وأفعاله عَن الشَّرّ الْمَحْض، فَإِن مَا ترَاهُ من الشرور مقضي لَا لِأَنَّهُ كَذَلِك بل لما يتضمنه من الْخَيْر الْغَالِب الَّذِي يُؤَدِّي تَركه إِلَى شَرّ عَظِيم، فالمقضي وَالْمَفْعُول بِالذَّاتِ هُوَ الْخَيْر وَالشَّر دَاخل تَحت الْقُضَاة، فعلى هَذَا يكون من أَسمَاء التَّنْزِيه.
.

     وَقَالَ  عِيَاض: معنى السَّلَام إسم الله أَي: كلأ الله عَلَيْك وَحفظه، كَمَا يُقَال: الله مَعَك ومصاحبك، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الله مطلع عَلَيْك فِيمَا تفعل، وَقيل: مَعْنَاهُ السَّلامَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: { ( 65) فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين} ( الْوَاقِعَة: 91) وَقيل: السَّلَام يُطلق بِإِزَاءِ معَان.
( مِنْهَا: السَّلامَة) .
وَمِنْهَا: أَنه إسم من أَسمَاء الله تَعَالَى، وَقد يَأْتِي بِمَعْنى السَّلامَة مَحْضا، وَقد يَأْتِي بِمَعْنى التَّحِيَّة مَحْضا، وَقد يَأْتِي متردداً بَين الْمَعْنيين، كَقَوْلِه تَعَالَى: { وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} ( لِنسَاء: 94) فَإِنَّهُ يحْتَمل التَّحِيَّة والسلامة، وَقَوله تَعَالَى: {وَلَهُم مَا يدعونَ سَلام قولا من رب رَحِيم} وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} ( يس: 57 58) وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ بعض حَدِيث مَرْفُوع، لَكِن لَيْسَ على شَرطه، فَلذَلِك أورد مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ على شَرطه، وَهُوَ حَدِيث فِي التَّشَهُّد، وَفِيه: فَإِن الله هُوَ السَّلَام، وَثَبت فِي الْقُرْآن السَّلَام الْمُؤمن، وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا: فالسلام إسم الله وَهُوَ تَحِيَّة أهل الْجنَّة.

{ وَإِذا حييتُمْ بِتَحِيَّة فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا أَو ردوهَا} ( النِّسَاء: 86)
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن عُمُوم الْأَمر بالتحية مَخْصُوص بِلَفْظ السَّلَام، وَعَلِيهِ اتِّفَاق الْعلمَاء إلاَّ مَا حكى ابْن التِّين عَن بعض الْمَالِكِيَّة: إِن المُرَاد بالتحية فِي الْآيَة الْهَدِيَّة، وَحكى الْقُرْطُبِيّ أَنه قَول الْحَنَفِيَّة أَيْضا.
قلت: نِسْبَة هَذَا إِلَى الْحَنَفِيَّة غير صَحِيحَة، وَهَذَا قَول يُخَالف قَول الْمُفَسّرين فَإِنَّهُم قَالُوا: معنى الْآيَة إِذا سلم عَلَيْكُم الْمُسلم فَردُّوا عَلَيْهِ أفضل مِمَّا سلم أَو ردوا عَلَيْهِ بِمثل مَا سلم بِهِ فَالزِّيَادَة مَنْدُوبَة والمماثلة مَفْرُوضَة، وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عباسٍ قَالَ: من سلم عَلَيْك من خلق الله فاردد عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مجوسياً ذَلِك بِأَن الله يَقُول: { فحيو بِأَحْسَن.
.
ردوهَا}.

     وَقَالَ  قَتَادَة: {فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا} يَعْنِي: للْمُسلمين: {أَو ردوهَا} يَعْنِي لأهل الذِّمَّة،.

     وَقَالَ  ابْن كثير: وَفِيه نظر.



[ قــ :5901 ... غــ :6230 ]
- حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبِي حدّثنا الأعْمش قَالَ: حدّثني شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا إِذا صَلَّيْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنا: السَّلامُ عَلَى الله، قَبْلَ عِباده السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلى مِيكائِيلَ، السلامُ عَلى فُلانٍ وفُلانٍ، فَلمَّا انْصَرعف النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبَلَ عَلَيْنا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّ الله هُوَ السَّلامُ فَإِذا جَلَسَ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لله والصَّلَوَاتُ والطَّيِّباتُ السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها النبيُّ وَرَحْمَة الله وبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وعَلى عباد الله الصَّالِحِينَ، فإِنَّهُ إِذا قَالَ ذالِكَ أصابَ كُلَّ عَبْدٍ صالِحٍ فِي السَّماءِ والأرْضِ: أشْهَدُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الكَلامِ مَا شاءَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِن الله هُوَ السَّلَام، وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود.

والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بابُُ التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ مَا يتَخَيَّر من الدُّعَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره.
وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( قبل عباده) أَي: قبل السَّلَام على عباده، ويرو: قبل، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: من جِهَة عباده، وَفِيمَا مضى السَّلَام: على الله من عباده وَفِيمَا مضى السَّلَام: على الله من عباده.
قَوْله: ( فَلَمَّا انْصَرف) أَي: من الصَّلَاة.
قَوْله: ( وَيتَخَيَّر) أَي: يخْتَار والتخير وَالِاخْتِيَار بِمَعْنى وَاحِد، قَالَه الْكرْمَانِي قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن التخير أَن يُخَيّر غَيره، وَالِاخْتِيَار أَن يخْتَار لنَفسِهِ، وَأَيْضًا يتَخَيَّر لَيْسَ مصدره التَّخْيِير، وَإِنَّمَا مصدره التخير على وزن التفعل.