فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما يكره من الحلف في البيع

( بابُُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الحَلِفِ فِي البَيْعِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان كَرَاهَة الْحلف فِي البيع مُطلقًا: يَعْنِي: سَوَاء كَانَ صَادِقا أَو كَاذِبًا، فَإِن كَانَ صَادِقا فكراهة تَنْزِيه، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فكراهة تَحْرِيم.



[ قــ :2004 ... غــ :2088 ]
- حدَّثنا عَمْرُو بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا هُشَيْمٌ قَالَ أخبرنَا الْعَوَّامُ عنْ إبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمان عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي أوفى رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رَجُلاً أقامَ سِلْعَةً وَهْوَ فِي السُّوقِ فَحَلَفَ بِاللَّه لَقَدْ أعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ لِيُوقِعَ فِيها رَجُلاً مِنَ المُسْلِمِينَ فنَزَلَتْ { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمَانِهِمْ ثَمَنا قَلِيلاً} ( آل عمرَان: 77) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد الْبَغْدَادِيّ، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وهشيم، بِضَم الْهَاء: ابْن بشير، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: الوَاسِطِيّ، والعوام على وزن فعال ابْن حَوْشَب الشَّيْبَانِيّ الوَاسِطِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَمِائَة وَإِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن السكْسكِي أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، وَعبد الله بن أبي أوفى بِلَفْظ أفعل التَّفْضِيل وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة الْأَسْلَمِيّ، لَهُ ولأبيه صُحْبَة، وَهُوَ آخر من مَاتَ بِالْكُوفَةِ من الصَّحَابَة، وَهُوَ من جملَة من رَآهُ أَبُو حنيفَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

والْحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن أبي هَاشم وَفِي الشَّهَادَات عَن إِسْحَاق عَن يزِيد بن هَارُون.

قَوْله: ( أَقَامَ) أَي: روَّج، يُقَال: قَامَت السُّوق أَي: راجت ونفقت.
والسلعة: الْمَتَاع، وَالْوَاو فِي قَوْله: وَهُوَ، للْحَال.
قَوْله: ( بِاللَّه) ، يحْتَمل أَن يكون صلَة: لحلف، وَأَن لَا يكون صلَة لَهُ، بل قسم.
وَقَوله: ( وَلَقَد) جَوَاب قسم.
قَوْله: ( بهَا) أَي: بدل سلْعَته، أَي: حلف بِأَنَّهُ أعْطى كَذَا وَكَذَا وَمَا أخذت، ويكذب فِيهِ، ترويجا لسلعته.
قَوْله: ( ليوقع) ، أَي: لِأَن يُوقع فِيهَا، أَي: فِي سلْعَته، رجلا من الْمُسلمين الَّذين يُرِيدُونَ الشِّرَاء.
قَوْله: ( فَنزلت هَذِه الْآيَة) ، وَهِي: { إِن الَّذين يشْتَرونَ} ( آل عمرَان: 77) .
الْآيَة نزلت فِيمَن يحلف يَمِينا فاجرة لينفق سلْعَته، وَقيل: نزلت فِي الْأَشْعَث بن قيس، نَازع خصما فِي أَرض فَقَامَ ليحلف فَنزلت.
قلت: روى الإِمَام أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن آدم حَدثنَا أَبُو بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن شَقِيق بن سَلمَة حَدثنَا عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من اقتطع مَال امرىء مُسلم بِغَيْر حق لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان) .
قَالَ: فجَاء الْأَشْعَث بن قيس.
فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟ فَحَدَّثنَاهُ، فَقَالَ: فيَّ كَانَ هَذَا الحَدِيث، خَاصَمت ابْن عَم لي إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بِئْر كَانَت لي فِي يَده، فجحدني، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ببينتك أَنَّهَا بئرك وإلاَّ فبيمينه.
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله { مَا لي بَيِّنَة، وَإِن تجعلها بِيَمِينِهِ وَيذْهب بئري، إِن خصمي امْرُؤ فَاجر.
فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( من اقتطع.
.
)
الحَدِيث.
قَالَ: وَقَرَأَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة: { إِن الَّذين يشْتَرونَ} ( آل عمرَان: 77) .
إِلَى قَوْله: { وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} ( آل عمرَان: 77) .
وَفِي ( تَفْسِير الطَّبَرِيّ) : نزلت فِي أبي رَافع وكنانة ابْن أبي الْحقيق وحيي بن أَخطب،.

     وَقَالَ  الزَّمَخْشَرِيّ: نزلت فِي الَّذين حرفوا التَّوْرَاة،.

     وَقَالَ  مقَاتل: نزلت فِي رُؤُوس الْيَهُود: كَعْب بن الْأَشْرَف وَابْن صريا.
قَوْله: { إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: بِمَا عاهدوه من الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بوحدانيته.
قَوْله: { وَأَيْمَانهمْ} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: وَأَيْمَانهمْ الكاذبة { ثمنا قَلِيلا} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: عوضا يَسِيرا { أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: لَا نصيب لَهُم فِي الْآخِرَة وَلَا حَظّ لَهُم مِنْهَا.
قَوْله: { وَلَا يكلمهم الله} ( آل عمرَان: 77) .
أَي: كَلَام لطيف، وَلَا ينظر إِلَيْهِم بِعَين الرَّحْمَة، وَلَا يزكيهم من الذُّنُوب والأدناس، وَقيل: لَا يثني عَلَيْهِم، بل يَأْمر بهم إِلَى النَّار { وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} ( آل عمرَان: 77) .
.

     وَقَالَ  ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة: الْأَلِيم: الموجع فِي الْقُرْآن كُله.
قَالَ: وَكَذَلِكَ فسره سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك وَمُقَاتِل وَقَتَادَة وَأَبُو عمرَان الْجونِي، وَمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي ذَر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم.
قلت: يَا رَسُول الله}
من هم خسروا وخابوا؟ قَالَ، وَأعَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات: المسبل إزَاره، والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب، والمنَّان)
.
وَرَوَاهُ مُسلم وَأهل السّنَن من طَرِيق شُعْبَة، وروى أَحْمد أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر وَفِيه: ( ثَلَاثَة يشنأهم الله: التَّاجِر الحلاف، أَو قَالَ البَائِع الحلاف، وَالْفَقِير المختال، والبخيل المنان) .