فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب شهادة الأعمى وأمره ونكاحه وإنكاحه ومبايعته وقبوله في التأذين وغيره، وما يعرف بالأصوات

( بابُُ شَهَادَةِ الأعْماى وأمرِهِ ونِكَاحِهِ وإنْكَاحِهِ ومُبَايَعَتِهِ وقَبُولِهِ فِي التَّأْذِينِ وغيْرِهِ وَمَا يُعْرَفُ بالأصْوَاتِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم شَهَادَة الْأَعْمَى.
قَوْله: ( وَأمره) ، أَي: وَفِي بَيَان أمره أَي حَاله فِي تَصَرُّفَاته.
قَوْله: ( ونكاحه) ، أَي: وتزوجه بِامْرَأَة.
قَوْله: ( وإنكاحه) ، أَي: وتزويجه غَيره.
قَوْله: ( ومبايعته) ، يَعْنِي بَيْعه وشراءه.
قَوْله: ( وقبوله) ، أَي: قبُول الْأَعْمَى فِي تأذينه.
( وَغَيره) نَحْو إِقَامَته للصَّلَاة وإمامته أَيْضا أَي: إِذا توفّي النَّجَاسَة.
قَوْله: ( وَمَا يعرف بالأصوات) ، أَي: وَفِي بَيَان مَا يعرف بالأصوات.
قَالَ ابْن الْقصار: الصَّوْت فِي الشَّرْع قد أقيم مقَام الشَّهَادَة، ألاَ ترى أَنه إِذا سمع الْأَعْمَى صَوت امْرَأَته فَإِنَّهُ يجوز لَهُ أَن يَطَأهَا، والإقدام على اسْتِبَاحَة الْفرج أعظم من الشَّهَادَة فِي الْحُقُوق، والإقرارات مفتقرة إِلَى السماع، وَلَا تفْتَقر إِلَى المعاينة بِخِلَاف الْأَفْعَال الَّتِي تفْتَقر إِلَى المعاينة، وَكَأن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنه يُجِيز شَهَادَة الْأَعْمَى.
وَفِيه خلاف نذكرهُ عَن قريب.

وأجَازَ شَهَادَتَهُ قاسِمٌ والحَسنُ وابنُ سِيرِينَ والزُّهْرِيُّ وعَطاءٌ
أَي: أجَاز شَهَادَة الْأَعْمَى قَاسم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح.
وَتَعْلِيق الْقَاسِم وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، قَالَ: سَمِعت الحكم ابْن عتيبة يسْأَل الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن شَهَادَة الْأَعْمَى، فَقَالَ: جَائِزَة، وَتَعْلِيق الْحسن وَابْن سِيرِين وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أَشْعَث عَن الْحسن وَابْن سِيرِين قَالَا: شَهَادَة الْأَعْمَى جَائِزَة وَتَعْلِيق الزُّهْرِيّ وَصله ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ أَنه كَانَ يُجِيز شَهَادَة الْأَعْمَى، وَتَعْلِيق عَطاء وَصله الْأَثْرَم من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ، قَالَ: تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى،.

     وَقَالَ  ابْن حزم، صَحَّ عَن عَطاء أَنه أجَاز شَهَادَة الْأَعْمَى.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهادَتُهُ إذَا كانَ عاقِلاً
أَي: قَالَ عَامر الشّعبِيّ، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن الْحسن بن صَالح وَإِسْرَائِيل عَن عِيسَى بن أبي عزة عَن الشّعبِيّ أَنه أجَاز شَهَادَة الْأَعْمَى، وَمعنى قَوْله: ( إِذا كَانَ عَاقِلا) ، إِذا كَانَ كيِّساً فطناً للقرائن درّاكاً للأمور الدقيقة.
وَلَيْسَ هُوَ بِقَيْد احْتِرَازًا عَن الْجُنُون، لِأَن الْعقل لَا بُد مِنْهُ فِي جَمِيع الشَّهَادَات.

وَقَالَ الحَكَمُ رُبَّ شَيءٍ تُجَوَّزُ فِيهِ
أَي: قَالَ الحكم بن عتيبة، وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مهْدي عَن شُعْبَة قَالَ: سَأَلت الحكم عَن شَهَادَة الْأَعْمَى فَقَالَ: رب شَيْء تجوز فِيهِ.
قَوْله: ( تجوز) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: خفف فِيهِ، وغرضه أَنه قد يسامح للأعمى شَهَادَته فِي بعض الْأَشْيَاء الَّتِي تلِيق بالمسامحة وَالتَّخْفِيف.

وقالَ الزُّهْرِيُّ: أرَأيْتَ ابنَ عبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ علَى شَهَادَةٍ أكُنْتَ تَرُدُّهُ؟
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره، وتعليقه وَصله الْكَرَابِيسِي فِي ( أدب الْقَضَاء) من طَرِيق ابْن أبي ذِئْب عَنهُ، وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَه الشّعبِيّ فِي الْأَعْمَى إِذا كَانَ عَاقِلا.
وَقُلْنَا: إِن مَعْنَاهُ كَانَ فطناً كيّساً.
وَهَذَا ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ أفطن النَّاس وأذكاهم وأدركهم بدقائق الْأُمُور فِي حَال بَصَره وَفِي حَال عماه، فَلذَلِك استبعد رد شَهَادَته بعد عماه.

وكانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَبْعثُ رَجُلاً إذَا غابَتِ الشَّمْسُ أفْطَرَ ويَسألُ عنِ الفَجْرِ فإذَا قيلَ لَهُ طَلَعَ صلَّى رَكْعَتَيْنِ
أَي: كَانَ عبد الله بن عَبَّاس يبْعَث رجلا يمفحص عَن غيبوبة الشَّمْس للإفطار، فَإِذا أخبرهُ بالغيبوبة أفطر.
وَوجه تعلقته بالترجمة كَون ابْن عَبَّاس قبل قَول الْغَيْر فِي غرُوب الشَّمْس أَو طُلُوعهَا وَهُوَ أعمى، وَلَا يرى شخص الْمخبر، وَإِنَّمَا يسمع صَوته قيل: لَعَلَّ البُخَارِيّ يُشِير بأثر ابْن عَبَّاس إِلَى جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى على التَّعْرِيف، يَعْنِي: إِذا عرف أَنه فلَان، فَإِذا عرف شهد وَشَهَادَة التَّعْرِيف مُخْتَلف فِيهَا عِنْد مَالك.
وَكَذَلِكَ الْبَصِير إِذا لم يعرف نسب الشَّخْص فَعرفهُ نسبه من يَثِق بِهِ فَهَل يشْهد على فلَان ابْن فلَان بنسبه أَو لَا؟ مُخْتَلف فِيهِ أَيْضا.

وقالَ سُلَيْمَانُ بنُ يَسارٍ: إسْتَأْذَنْتُ على عائِشَةَ فعَرَفَتْ صَوْتِي قالتْ سُلَيْمَانُ ادْخُلْ فإنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَيءٌ

سُلَيْمَان بن يسَار ضد الْيَمين أَبُو أَيُّوب أَخُو عَطاء، وَعبد الله وَعبد الْملك مولى مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِي.
قَوْله: ( قَالَت سُلَيْمَان) يَعْنِي: يَا سُلَيْمَان، وَهُوَ منادى حذف مِنْهُ حرف النداء.
قَوْله: ( مَا بَقِي عَلَيْك شَيْء) أَي: من مَال الْكِتَابَة، وَلَا بُد فِي هَذَا من تَأْوِيل، لِأَن سُلَيْمَان مكَاتب لميمونة لَا لعَائِشَة وَوَجهه أَن يُقَال: إِن، على، فِي قَول عَائِشَة تكون بِمَعْنى: من، أَي: اسْتَأْذَنت من عَائِشَة فِي الدُّخُول على مَيْمُونَة، فَقَالَت: أَدخل عَلَيْهَا، أَو لَعَلَّ مذهبها أَن النّظر حَلَال إِلَى العَبْد سَوَاء كَانَ ملكهَا أَو لاد، وَأَنَّهَا لَا ترى الاحتجاب من العَبْد مُطلقًا، واستبعده بَعضهم بِغَيْر دَلِيل فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَقيل: يحْتَمل أَنه كَانَ مكَاتبا لعَائِشَة، وَهُوَ غير صَحِيح، لِأَن الْأَخْبَار الصَّحِيحَة بِأَنَّهُ مولى مَيْمُونَة ترده.

وأجازَ سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ شَهَادَةَ امْرَأةٍ مُتْنقِبَةٍ

متنقبة، بتَشْديد الْقَاف فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره، منتقبة، بِسُكُون النُّون وتقديمها على التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، من الانتقاب، وَالْأول من التنقب.
وَهِي الَّتِي كَانَ على وَجههَا نقاب.
وَفِي ( التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق يخدش فِيهِ مَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه فِي ( كتاب الصَّحَابَة) : أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَلمته امْرَأَة وَهِي متنقبة، فَقَالَ: أسفري، فَإِن الْإِسْفَار من الْإِيمَان.



[ قــ :2540 ... غــ :2655 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مَيْمُونٍ قَالَ أخْبَرَنا عيساى بنُ يُونُسَ عَن هِشَامٍ عنْ أبِيه عَن عائشةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالتْ سَمِعَ النبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجُلاً يَقْرأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ رَحِمَهُ الله لَقدْ أذْكَرَنِي كذَا وكذَا آيَة أسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذا وكذَا..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتمد على صَوت ذَلِك الرجل الَّذِي قَرَأَ فِي الْمَسْجِد من غير أَن يرى شخصه، وَمُحَمّد بن عبيد مصغر عبد بن مَيْمُون، مر فِي الصَّلَاة، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي أَبُو عَمْرو، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن عبيد الْمَذْكُور أَيْضا.
قَوْله: ( اسقطتهن) أَي: نسيتهن.

وزَادَ عَبَّادُ بنُ عَبْدِ الله عنْ عائِشَةَ تَهَجَّدَ النَّبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمسْجِدِ فَقَالَ يَا عائِشَةُ لَصوْتُ عَبَّادٍ هاذَا قُلْتُ: نَعمْ قَالَ: أللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّاداً
عباد بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عبد الله بن الزبير بن الْعَوام التَّابِعِيّ، مر فِي الزَّكَاة، وَهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ التَّعْلِيق وَصلهَا أَبُو يعلى من طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: تهجد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي وتهجد عباد بن بشر فِي الْمَسْجِد، فَسمع رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوته، فَقَالَ: يَا عَائِشَة ( هَذَا عباد بن بشر؟) فَقلت: نعم قَالَ ( أللهم ارْحَمْ عباداً) .

قَوْله: ( تهجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، من الهجود وَهُوَ من الأضداد يُقَال: تهجد بِاللَّيْلِ إِذا صلى، وتهجد إِذا نَام،.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: يُقَال: تهجدت إِذا سهرت وَإِذا نمت، فَهُوَ من الأضداد.
قَوْله: ( فَسمع صَوت عباد) ، وَهُوَ عباد بن بشر الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي، شهد بَدْرًا وأضاءت لَهُ عَصَاهُ لما خرج من عِنْد النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ: اسْتشْهد يَوْم الْيَمَامَة وَهُوَ ابْن خمس وَأَرْبَعين سنة، وَلَا يظنّ أَن عباداً الَّذِي فِي قَوْله: فَسمع صَوت عباد، هُوَ عباد بن عبد الله بن الزبير، وَقد ميز بَينهمَا فِي رِوَايَة أبي يعلى، فَعبَّاد بن بشر صَحَابِيّ جليل، وَعباد بن عبد الله تَابِعِيّ من وسط التَّابِعين، قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ: فَسمع صَوت عباد بن تَمِيم، وَهُوَ سَهْو.
قَوْله: ( لصوت عباد هَذَا؟) ، فَقَوله: هَذَا، مُبْتَدأ و: لصوت عباد، مقدما خَبره، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد.

وَفِيه: جَوَاز رفع الصَّوْت فِي الْمَسْجِد بِالْقِرَاءَةِ فِي اللَّيْل.
وَفِيه: الدُّعَاء لمن أصَاب الْإِنْسَان من جِهَته خيرا وَإِن لم يَقْصِدهُ ذَلِك الْإِنْسَان.
وَفِيه: جَوَاز النسْيَان على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا قد بلغه إِلَى الْأمة.





[ قــ :541 ... غــ :656 ]
- حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سلَمَةَ قَالَ أخبرَنا ابنُ شِهابٍ عَن سالِمِ بنِ عبْدِ الله عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ بِلالاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا واشْرَبُوا حتَّى يُؤذِّنَ أوْ قالَ حتَّى تَسْمَعُوا أذَانَ ابنِ أُمِّ مكْتُومٍ وكانَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رجُلاً أعْماى لَا يُؤَذِّنُ حتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ أصْبَحْتَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهُم كَانُوا يعتمدون على صَوت الْأَعْمَى.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بابُُ أَذَان الْأَعْمَى.
وَفِي بابُُ الْأَذَان بعد الْفجْر، وَفِي: بابُُ الْأَذَان قبل الْفجْر، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.




[ قــ :54 ... غــ :657 ]
- حدَّثنا زيادُ بنُ يَحْيى قَالَ حدَّثنا حاتِمُ بنُ وَرْدَانَ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبِي مُلَيْكَةَ عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ قَدِمْتُ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقْبِيَةٌ فَقَالَ لي أبي مخْرَمَةُ انْطَلِقْ بِنا إليْهِ عسَى أنْ يُعْطِينَا مِنْهَا شَيْئاً فَقَامَ أبي على البابُُِ فتَكَلَّمَ فعَرَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوْتَهُ فخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ قَباءٌ وهُوَ يُرِيهِ مَحاسِنَهُ وهْوَ يَقُولُ خَبأتُ هاذَا لَكَ خَبَأتُ هاذَا لَكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتمد على صَوت مخرمَة قبل أَن يرى شخصه، وَزِيَاد، بِكَسْر الزَّاي وتحفيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن يحيى بن زِيَاد أَبُو الْخطاب الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وحاتم بن وردان على وزن فعلان من الْوُرُود أَبُو صَالح الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.

والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة فِي: بابُُ كَيفَ يقبض العَبْد وَالْمَتَاع، ومقصود البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا فِيهَا بَيَان جَوَاز شَهَادَة الْأَعْمَى.
.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي جَمِيع مَا ذكره دلَالَة على قبُول شَهَادَة الْأَعْمَى فِيمَا يحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْأَعْيَان، أما نِكَاح الْأَعْمَى فَإِنَّهُ فِي نَفسه، لِأَنَّهُ فِي زَوجته وَأمته لَا لغيره فِيهِ.

وَأما مَا رَوَاهُ فِي التأذين فقد أخبر أَنه كَانَ لَا يُؤذن حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت، وَكفى بِخَبَر سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاهدا لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يصبح، والاعتماد على الْجمع الَّذِي يخبرونه بِالْوَقْتِ.
وَأما مَا قَالَه عَن الزُّهْرِيّ فِي ابْن عَبَّاس فَهُوَ تَأْوِيل لَا احتجاج.
وَأما مَا ذكر من سَماع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِرَاءَة رجل بَيَان أَن كل صائت، وَإِن لم ير مصوته، يعرف بِصَوْتِهِ.
وَإِمَّا مَا ذكره من قصَّة مخرمَة فَإِنَّمَا يرِيه محَاسِن الثَّوْب مساً لَا إبصاراً لَهُ بِالْعينِ.

قَالَ صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَفِيه نظر من حَيْثُ إِن الْجَمَاعَة الَّذين ذكرهم البُخَارِيّ أَجَازُوا شَهَادَة الْأَعْمَى، فَهُوَ دَلِيل البُخَارِيّ.
انْتهى.
.

     وَقَالَ  ابْن حزم: شَهَادَة الْأَعْمَى مَقْبُولَة كَالصَّحِيحِ، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَصَحَّ عَن الزُّهْرِيّ وَعَطَاء وَالقَاسِم وَالشعْبِيّ وَشُرَيْح وَابْن سِيرِين وَالْحكم بن عتيبة وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَابْن جريج وَأحد قولي الْحسن وَأحد قولي إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَأحد قولي ابْن أبي ليلى وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي سُلَيْمَان وأصحابنا.

وَقَالَت طَائِفَة: تجوز شَهَادَته فِيمَا عرف قبل الْعَمى وَلَا تجوز فِيمَا عرف بعد الْعَمى، وَهُوَ أحد قولي الْحسن وَأحد قولي ابْن أبي ليلى.
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: تجوز فِي الشَّيْء الْيَسِير، رُوِيَ ذَلِك عَن النَّخعِيّ.
.

     وَقَالَ ت طَائِفَة: لَا تقبل فِي شَيْء أصلا إلاَّ فِي الْأَنْسَاب وَهُوَ قَول زفر، وَعند أبي حنيفَة لَا تقبل فِي شَيْء أصلا.

وَفِي ( التَّوْضِيح) : فحصلنا فِيهِ على سِتَّة مَذَاهِب: الْمَنْع الْمُطلق، وَالْجَوَاز الْمُطلق، وَالْجَوَاز فِيمَا طَرِيقه الصَّوْت دون الْبَصَر، وَالْفرق بَين مَا علمه قبل وَبَين مَا عمله بعد، وَالْجَوَاز الْيَسِير، وَالْجَوَاز فِي الْأَنْسَاب خَاصَّة.