فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الوقف كيف يكتب؟

( بابُُ الوَقْفِ كَيْفَ يُكْتَبُ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ الْوَقْف كَيفَ يكْتب، فعلى هَذَا التَّقْدِير الْوَقْف مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ مَقْطُوع عَمَّا قبله، وَخَبره قَوْله: كَيفَ يكْتب، وَيجوز بِإِضَافَة لفظ الْبابُُ إِلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يكون لفظ الْوَقْف مجروراً بِالْإِضَافَة.



[ قــ :2646 ... غــ :2772 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ عَوْنٍ عنُ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ أصابَ عُمَرَ بِخَيْبَرَ أرْضاً فَأتى النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أصَبْتُ أرْضاً لَمْ أُصِبْ مَالا قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تأمُرُنِي بِهِ قَالَ إنْ شِئْتَ حبَّسْتَ أصْلَهَا وتَصَدَّقْتَ بِهَا فتَصَدَّقَ عُمَرُ أنَّهُ لاَ يُباعُ أصْلُها ولاَ يُوهَبُ ولاَ يُورَثُ فِي الفُقَرَاءِ والْقُرْبَى والرِّقَابِ وفِي سَبِيلِ الله والضَّيْفِ وابنِ السَّبِيلِ لاَ جُنَاحَ على منْ ولِيهَا أنْ يأكُلَ مِنْها بالمَعْرُوفِ أوْ يُطْعِمَ صَدِيقاً غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فيهِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ( إِن شِئْت حبست أَصْلهَا) إِلَى آخر الحَدِيث، وَيُؤْخَذ من هَذِه الْأَلْفَاظ شُرُوط، وَهِي تكْتب كلهَا فِي كتاب الْوَقْف، وَقد كتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتاب وَقفه، كتبه معيقيب، وَكَانَ كَاتبه، وَشهد عبد الله بن الأرقم، وَكَانَ هَذَا فِي زمن خِلَافَته، لِأَن معيقيباً كَانَ يكْتب لَهُ فِي خِلَافَته، وَقد وَصفه بأمير الْمُؤمنِينَ، وَكَانَ وَقفه فِي أَيَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَا يشْهد لَهُ حَدِيث الْبابُُ، وَقد روى أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد الْمهرِي قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن صَدَقَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: نسخهَا لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب: ( بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) هَذَا مَا كتب عبد الله بن عمر فِي ثمغ، فَقص من خَبره نَحْو حَدِيث نَافِع قَالَ: غير متأثل مَالا، فَمَا عفى عَنهُ من ثمره فَهُوَ للسَّائِل والمحروم، وسَاق الْقِصَّة، قَالَ: فَإِن شَاءَ: ولي ثمغ اشْترِي من ثمره رَقِيقا يعمله، وَكتب معيقيب: وَشهد عبد الله بن الأرقم.

وَابْن عون فِي السَّنَد هُوَ عبد الله ابْن عون، وَقد تقدم فِي آخر الشُّرُوط: عَن ابْن عون أنبأني نَافِع، والإنباء بِمَعْنى الْإِخْبَار عِنْد الْمُتَقَدِّمين، جزما، وَوَقع عِنْد الطَّحَاوِيّ من وَجه آخر: عَن ابْن عون أَخْبرنِي نَافِع.
قَوْله: ( عَن ابْن عمر قَالَ: أصَاب عمر) ، كَذَا لأكْثر الروَاة عَن نَافِع، ثمَّ عَن ابْن عون جَعَلُوهُ من مُسْند ابْن عمر.
لَكِن أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، جَعَلُوهُ من مُسْند عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْمَشْهُور الأول.

والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ الشُّرُوط فِي الْوَقْف فِي آخر كتاب الشُّرُوط، وَمضى أَيْضا فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وابتلوا الْيَتَامَى} ( النِّسَاء: 6) .
وَمضى قِطْعَة مِنْهُ فِي: بابُُ إِذا وقف شَيْئا فَلم يَدْفَعهُ إِلَى غَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.

قَوْله: ( أصَاب عمر بِخَيْبَر أَرضًا) هِيَ الَّتِي تدعى ( ثمغ) ، وَقد مر بَيَانه.
قَوْله: ( وَتصدق بهَا عمر) أَي: تصدق بغلَّتها، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ بعد قَوْله: وَلَا يُورث، من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع: ( حبيس مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، وَهَذَا يدل على أَن التَّأْبِيد شَرط.
قَوْله: ( أَو يطعم) ، وَقد مر فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: أَن يُوكل بِضَم الْيَاء.

وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق مَالك عَن ابْن شهَاب، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: ( لَوْلَا أَنِّي ذكرت، صدقني لرَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لرددتها) .
وَاسْتدلَّ بِهِ لأبي حنيفَة وَزفر فِي أَن إيقاف الأَرْض لَا يمْنَع من الرُّجُوع فِيهَا، وَأَن الَّذِي منع عمر من الرُّجُوع كَونه ذكره للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فكره أَن يُفَارِقهُ على أَمر ثمَّ يُخَالِفهُ إِلَى غَيره.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: لَا حجَّة فِيمَا ذكره من وَجْهَيْن.
أَحدهمَا: أَنه مُنْقَطع لِأَن ابْن شهَاب لم يدْرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ثَانِيهمَا: أَنه يحْتَمل أَن يكون عمر كَانَ يرى بِصِحَّة الْوَقْف ولزومه، إلاَّ أَن شَرط الْوَاقِف الرُّجُوع فَلهُ أَن يرجع، انْتهى.
قلت: الْجَواب عَن الأول: أَن الْمُنْقَطع فِي مثل رِوَايَة الزُّهْرِيّ لَا يضر، لِأَن الِانْقِطَاع إِنَّمَا يمْنَع لنُقْصَان فِي الرَّاوِي بِفَوَات شَرط من شَرَائِطه الْمَذْكُورَة فِي موضعهَا، وَالزهْرِيّ إِمَام جليل الْقدر لَا يتهم فِي رِوَايَته، وَقد روى عَنهُ مثل الإِمَام مَالك، فِي هَذِه، وَلَوْلَا اعْتِمَاده عَلَيْهِ لما رَوَاهُ عَنهُ.
وَعَن الثَّانِي: بِأَن الِاحْتِمَال الناشيء عَن غير دَلِيل لَا يُعمل بِهِ، وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ.