فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ذكر الملائكة

( بابُُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ صَلَواتُ الله علَيْهِمْ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي ذكر الْمَلَائِكَة، وَهُوَ جمع ملك،.

     وَقَالَ  ابْن سَيّده: هُوَ مخفف عَن ملأك كالشمائل جمع شمأل وإلحاق التَّاء لتأنيث الْجمع وَتركت الْهمزَة فِي الْمُفْرد للاستثقال.
.

     وَقَالَ  الْقَزاز: هُوَ مَأْخُوذ من الألوكة وَهِي الرسَالَة، وَقيل: هُوَ مَأْخُوذ من الْملك بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون اللَّام: وَهُوَ الْأَخْذ بِقُوَّة، وَقيل: من الْملك، بِالْكَسْرِ لِأَن الله تَعَالَى قد جعل لكل ملك ملكا فَملك ملك الْمَوْت قبض الْأَرْوَاح، وَملك إسْرَافيل الصُّور، وَكَذَا سَائِرهمْ، وَيفْسد هَذَا قَوْلهم: مَلَائِكَة بِالْهَمْزَةِ وَلَا أصل لَهُ على هَذَا القَوْل فِي الْهمزَة، وَقد جَاءَ الْملك جمعا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { وَالْملك على أرجائها} ( الحاقة: 71) .
وَالْمَلَائِكَة أجسام لَطِيفَة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مُخْتَلفَة مَسْكَنهَا السَّمَوَات وَيُقَال جَوْهَر بسيط ذُو نطق وعقل مقدس عَن ظلمَة الشَّهْوَة وكدورة الْغَضَب { وَلَا يعصون الله مَا أَمرهم ويفعلون مَا يؤمرون} ( التَّحْرِيم: 6) .
طعامهم التَّسْبِيح وشرابهم التَّقْدِيس وانسهم بِذكر الله تَعَالَى خلقُوا على صور مُخْتَلفَة واقدار مُتَفَاوِتَة لإِصْلَاح مصنوعاته وَإِسْكَان سمواته.

وقالَ أنسٌ: قَالَ عبدُ الله بنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جِبْرِيلَ علَيْهِ السَّلاَمُ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلاَئِكَةِ
هَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الْهِجْرَة عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن حميد عَن أنس، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وقالَ ابنُ عبَّاسٍ إنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ المَلاَئِكَةُ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَرْفُوعا عَن عَائِشَة بِلَفْظ: مَا فِي السَّمَاء الدُّنْيَا مَوضِع قدم إلاَّ عَلَيْهِ ملك ساجد أَو قَائِم، فَذَلِك قَوْله: { وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون} ( الصافات: 561) .
وروى أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سعد حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنِي عمي، قَالَ: حَدثنِي أبي عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس بِزِيَادَة: الْمَلَائِكَة صافون تسبح لله، عز وَجل.



[ قــ :3060 ... غــ :3207 ]
- حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ ح.

     وَقَالَ  لي خلِيفَةُ قَالَ حدَّثنا يَزِيدُ ابنُ زُرَيْعٍ قَالَ حدَّثنا سَعيدٌ وهِشامٌ قَالَا حدَّثنا قتَادَةُ قَالَ حدَّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عنْ مالِكِ بنِ صَعْصَعَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَا أنَا عِنْدَ البَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ واليَقْظَانِ وذَكَرَ يَعْنِي رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلِىءَ حِكْمَةً وإيماناً فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ مُلِىءَ حِكْمَةً وإيمانَاً وأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أبْيضَ دُونَ البَغْلِ وفَوْقَ الحِمارِ البُرَاقُ فانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حتَّى أتَيْنَا السَّماءَ الدُّنْيَا قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ ومَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً ولَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ فأتَيْتُ على آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَبَاً بِكَ مِنْ ابنٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ المَجِيءِ جاءَ فأتَيْتُ عَلَى عِيسَى ويَحْيَى فقالاَ مَرْحَبَاً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ قِيلَ مَنْ هذَا قِيلَ جِبريلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ ولَنعْمَ المَجِيءِ جاءَ فأتَيْتُ يُوسُفَ فسَلَّمْتُ علَيْهِ قَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّماءَ الرَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هاذَا قِيلَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبَاً بِهِ ولَنِعْمَ الْمَجِيءُ جاءَ فأتَيْتُ علَى إدْرِيسَ فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا السَّماءَ الخَامِسَةَ قِيلَ مَنْ هاذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيل ومنْ معَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ فأتَيْنَا علَى هَرُونَ فَسلَّمْتُ علَيْهِ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فأتَيْنَا علَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ قِيلَ مَنْ هاذَا قِيلَ جِبرِيلُ قِيلَ مَنْ معَكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَرْحَباً بِهِ ولَنِعْمَ المَجِيءُ جاءَ فأتَيْتُ علَى مُوسى فسَلَّمْتُ علَيْهِ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ فلَمَّا جاوَزْتُ بَكَى فَقيلَ مَا أبْكاكَ قَالَ يَا رَبِّ هاذَا الغُلامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي فأتَيْنَا السَّماءَ السَّابِعَةَ قِيلَ مَنْ هذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ مَعكَ قِيلَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وقَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَرْحَباً بِهِ ونِعْمَ الْمَجِيءِ جاءَ فأتَيْتُ علَى إبرَاهِيمَ فسَلَّمْتُ علَيْهِ فَقَالَ مَرْحَباً بِكَ مِنِ ابنٍ ونَبِيٍّ فرُفِعَ لِيَ البَيْتُ المَعْمُورُ فسألْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذا الْبَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ إذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ ورُفِعَتْ لِيَ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى فإذَا نَبِقُها كأنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ ووَرَقُها كأنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ فِي أصْلِهَا أرْبَعةُ أنْهَارٍ نَهْرَانِ باطِنَانِ ونَهْرَانِ ظاهِرَانِ فسألْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ أمَّا الباطِنَانِ فَفي الجَنَّةِ وأمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ والْفُرَاتُ ثُمَّ فُرِضَتْ علَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً فأقْبَلْتُ حتَّى جِئْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ.

قُلْتُ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاَةً قَالَ أَنا أعْلَمُ بالنَّاسِ مِنْكَ عالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ وإنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ فارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فسَلْهُ فَرَجَعْتُ فَسَألْتُهُ فَجعَلَهَا أرْبَعِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاثِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فجَعَلَ عِشْرِينَ ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرَاً فأتَيْتُ مُوسَى فقالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْساً فأتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْتَ.

قُلْتُ جَعَلَها خَمْسَاً فَقالَ مِثْلَهُ.

قُلْتُ سَلَّمْتُ بِخَيْرٍ فَنُودِيَ إنِّي قَدْ أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وأجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرَاً.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ ذكر جِبْرِيل صَرِيحًا وَهُوَ من الكروبيين وهم سادة الْمَلَائِكَة.

ذكر رِجَاله وهم تِسْعَة: الأول: هدبة، بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد بن أبي الْأسود الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: هداب.
الثَّانِي: همام بن يحيى بن دِينَار العوذي، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالذال الْمُعْجَمَة.
الثَّالِث: قَتَادَة بن دعامة.
الرَّابِع: خَليفَة ابْن خياط أَبُو عَمْرو الْعُصْفُرِي.
الْخَامِس: يزِيد بن زُرَيْع أَبُو مُعَاوِيَة العيشي الْبَصْرِيّ.
السَّادِس: سعيد بن أبي عرُوبَة واسْمه مهْرَان الْيَشْكُرِي.
السَّابِع: هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي.
الثَّامِن: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
التَّاسِع: مَالك بن صعصعة الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع بَعْضهَا فِي بَدْء الْخلق عَن هدبة وَخَلِيفَة، وَبَعضهَا فِي الْأَنْبِيَاء عَن هدبة أَيْضا وَفِي بعض النّسخ عَن عباد بن أبي يعلى.
وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي مُوسَى عَن ابْن أبي عدي وَعَن أبي مُوسَى عَن معَاذ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن بشار وَابْن أبي عدي.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن مَسْعُود وَغَيرهم.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عَن قَتَادَة ( ح) .

     وَقَالَ  لي خَليفَة)
كلمة ( ح) إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى آخر قبل ذكر الحَدِيث، وَقيل إِلَى الْحَائِل بَين السندين، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ لي خَليفَة، وَلم يقل: حَدثنِي، إشعاراً بِأَنَّهُ سمع مِنْهُ عِنْد المذاكرة لَا على طَرِيق التحميل والتبليغ.
قَوْله: ( عِنْد الْبَيْت) ، أَي: الْكَعْبَة.
وَقد مر فِي أول كتاب الصَّلَاة فِي رِوَايَة أبي ذَر أَنه قَالَ: فرج عَن سقف بَيْتِي، والتوفيق بَينهمَا هُوَ أَن الْأَصَح كَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معراجان، أَو دخل بَيته ثمَّ عرج بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، وَظَاهر حَدِيث أبي ذَر الَّذِي مضى فِي أول كتاب الصَّلَاة: أَنه كَانَ فِي الْيَقَظَة إِذْ هُوَ مُطلق الْإِطْلَاق، وَهُوَ المطابق لما فِي ( مُسْند أَحْمد) عَن ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَ فِي الْيَقَظَة رَآهُ بِعَيْنِه، والتوفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: إِن كَانَ الْإِسْرَاء مرَّتَيْنِ أَو أَكثر فَلَا إِشْكَال فِيهِ، وَإِن كَانَ وَاحِدًا فَالْحق أَنه كَانَ فِي الْيَقَظَة بجسده، لِأَنَّهُ قد أنكرته قُرَيْش، وَإِنَّمَا يُنكر إِن كَانَ فِي الْيَقَظَة، إِذْ الرُّؤْيَا لَا تنكر وَلَو بأبعد مِنْهُ.
.

     وَقَالَ  القَاضِي عِيَاض: اخْتلفُوا فِي الْإِسْرَاء إِلَى السَّمَوَات، فَقيل: إِنَّه فِي الْمَنَام، وَالْحق الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه أسرِي بجسده.
قلت: اخْتلفُوا فِيهِ على ثَلَاث مقالات: فَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَنه كَانَ فِي الْمَنَام مَعَ اتِّفَاقهم أَن رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَحي وَحقّ وَإِلَى هَذَا ذهب مُعَاوِيَة.
وَحكي عَن الْحسن، وَالْمَشْهُور عَنهُ خِلَافه، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رُوِيَ عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَا فقد جَسَد رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِقَوْلِهِ: بَينا أَنا نَائِم، وَبقول أنس: وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَذكر الْقِصَّة،.

     وَقَالَ  فِي آخرهَا: فَاسْتَيْقَظت وَأَنا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام.
وَذهب مُعظم السّلف إِلَى أَنه كَانَ بجسده وَفِي الْيَقَظَة، وَهَذَا هُوَ الْحق، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس فِيمَا صَححهُ الْحَاكِم وَعدد فِي ( الشِّفَاء) عشْرين نفسا قَالَ بذلك من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وأتباعهم، وَهُوَ قَول أَكثر الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء والمحدثين والمفسرين والمتكلمين.
وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى أَن الْإِسْرَاء بالجسد يقظة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِلَى السَّمَاء بِالروحِ، وَالصَّحِيح أَنه أسرِي بالجسد وَالروح فِي الْقِصَّة كلهَا، وَعَلِيهِ يدل قَوْله تَعَالَى: { سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} ( الْإِسْرَاء: 1) .
إِذْ لَو كَانَ مناماً لقَالَ: بِروح عَبده وَلم يقل بِعَبْدِهِ، وَلَا يعدل عَن الظَّاهِر والحقيقة إِلَى التَّأْوِيل إلاَّ عِنْد الاستحالة، وَلَيْسَ فِي الْإِسْرَاء بجسده وَحَال يقظته اسْتِحَالَة،.

     وَقَالَ  ابْن عَبَّاس: هِيَ رُؤْيا عين رَآهَا لَا رُؤْيا مَنَام.
وَأما قَول عَائِشَة: مَا فقد جسده، فَلم يحدث عَن مُشَاهدَة لِأَنَّهَا لم تكن حِينَئِذٍ زَوْجَة وَلَا فِي سنّ من يضْبط، ولعلها لم تكن ولدت، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تكون قد حدثت بذلك عَن غَيرهَا، فَلَا يرجح خَبَرهَا على خبر غَيرهَا،.

     وَقَالَ  الْحَافِظ عبد الْحق فِي ( الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) : وَمَا روى شريك عَن أنس أَنه كَانَ نَائِما، فَهُوَ زِيَادَة مَجْهُولَة، وَقد روى الْحفاظ المتقنون وَالْأَئِمَّة المشهورون كَابْن شهَاب وثابت الْبنانِيّ وَقَتَادَة عَن أنس، وَلم يَأْتِ أحد مِنْهُم بهَا، وَشريك لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْد أهل الحَدِيث.
قَوْله: ( وَذكر) أَي: رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( فأتايت) على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: ( بطست) الطست مُؤَنّثَة وَجَمعهَا طسوس وَجَاء بِكَسْر الطَّاء، وَيُقَال: طس بتَشْديد السِّين.
قَوْله: ( ملىء) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي والتذكير بِاعْتِبَار الْإِنَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ملآى، وَفِي رِوَايَة غَيره: ملآن، فَالْحَاصِل أَن فِيهِ ثَلَاث رِوَايَات.
قَوْله: ( حِكْمَة وإيماناً) قَالَ الْكرْمَانِي: هما مَعْنيانِ، والإفراغ صفة الْأَجْسَام.
قلت: كَانَ فِي الطست شَيْء يحصل بِهِ كَمَال الْإِيمَان وَالْحكمَة وزيادتهما، فَسُمي إِيمَانًا وَحِكْمَة، لكَونه سَببا لَهما.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: لعبه من بابُُ التَّمْثِيل أَو تمثل لَهُ الْمعَانِي كَمَا تمثل لَهُ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء الدارجة بالصور الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا.
قَوْله: ( فشق من النَّحْر إِلَى مراق الْبَطن) النَّحْر الصَّدْر ومراق، بِفَتْح الْمِيم وَتَخْفِيف الرَّاء وَتَشْديد الْقَاف: وَهُوَ مَا سفل من الْبَطن ورق من جلده، وَأَصله مراقق، وَسميت بذلك لِأَنَّهَا مَوضِع رقة الْجلد،.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: مَا ذكر من شقّ الصَّدْر واستخراج الْقلب وَمَا يجْرِي مجْرَاه، فَإِن السَّبِيل فِي ذَلِك التَّسْلِيم دون التَّعَرُّض بصرفه إِلَى وَجه يتقوله متكلف ادِّعَاء للتوفيق بَين الْمَنْقُول والمعقول تبروءاً مِمَّا يتَوَهَّم أَنه محَال، وَنحن بِحَمْد الله لَا نرى الْعُدُول عَن الْحَقِيقَة إِلَى الْمجَاز فِي خبر الصَّادِق عَن الْأَمر الْمحَال بِهِ على الْقُدْرَة.
وَاعْلَم أَن هَذَا الشق غير الشق الَّذِي كَانَ فِي زمن صغره، فَعلم أَن الشق كَانَ مرَّتَيْنِ.
قَوْله: ( وأتيت بِدَابَّة أَبيض) إنماقال: أَبيض، وَلم يقل: بَيْضَاء، لِأَنَّهُ أَعَادَهُ على الْمَعْنى أَي: بمركوب أَو براق.
قَوْله: ( الْبراق) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ براق، وَيجوز بِالْجَرِّ على أَنه بدل من دَابَّة، والبراق اسْم للدابة الَّتِي ركبهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة.
.

     وَقَالَ  ابْن دُرَيْد: اشتقاقه من الْبَرْق، إِن شَاءَ الله، لسرعته.
وَقيل: سمي بِهِ لشدَّة صفائه وتلألؤ لَونه، وَيُقَال: شَاة برقاء إِذا كَانَ خلال صوفها طاقات سود، فَيحْتَمل التَّسْمِيَة بِهِ لكَونه ذَا لونين، وَذكر ابْن أبي خَالِد فِي كتاب ( الاحتفال فِي أَسمَاء الْخَيل وصفاتها) : أَن الْبراق لَيْسَ بِذكر وَلَا أُنْثَى، وَوَجهه كوجه الْإِنْسَان وَجَسَده كجسد الْفرس، وقوائمه كقوائم الثور، وذنبه كذنب الغزال،.

     وَقَالَ  ابْن إِسْحَاق: الْبراق دَابَّة أَبيض وَفِي فَخذيهِ جَنَاحَانِ يحفز بهما رجلَيْهِ، يضع حَافره فِي مُنْتَهى طرفه،.

     وَقَالَ  الزبيدِيّ فِي ( مُخْتَصر الْعين) وَصَاحب ( التَّحْرِير) : هِيَ دَابَّة كَانَت الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، يركبونها.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَاه يحْتَاج إِلَى نقل صَحِيح، ثمَّ قَالَ: لَعَلَّهُم حسبوا ذَلِك فِي قَوْله فِي حَدِيث آخر: فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء الْبراق، وَأظْهر مِنْهُ حَدِيث أنس فِي حَدِيث آخر: قَول جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، للبراق: فَمَا ركبك أحد أكْرم على الله مِنْهُ.
وَعَن قَتَادَة: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ الرّكُوب على الْبراق شمس فَوضع جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يَده على مفرقته ثمَّ قَالَ: ألاَ تَسْتَحي يَا براق مِمَّا تصنع؟ فوَاللَّه مَا ركبك عبد لله قبل مُحَمَّد أكْرم على الله مِنْهُ.
قَالَ: فاستحيى حَتَّى ارفضَّ عرقاً، ثمَّ قر حَتَّى رَكبه.
.

     وَقَالَ  ابْن بطال فِي سَبَب نفرة الْبراق بعد عَهده بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَطول الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
.

     وَقَالَ  غَيره: قَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين شمس بِهِ الْبراق: لَعَلَّك يَا مُحَمَّد مسست الصَّفْرَاء الْيَوْم يَعْنِي: الذَّهَب فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمأنه مَا مَسهَا إلاَّ أَنه مر بهَا، فَقَالَ: تَبًّا لمن يعبدك من دون الله، وَمَا شمس إلاَّ لذَلِك، ذكره السُّهيْلي.
وَسمع العَبْد الضَّعِيف من بعض مشايخه الثِّقَات أَنه إِنَّمَا شمس ليعد لَهُ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالركوب عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة، فَلَمَّا وعد لَهُ ذَلِك قر.
وَفِي ( صَحِيح ابْن حبَان) : أَن جِبْرَائِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حمله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْبراق رديفاً لَهُ ثمَّ رجعا وَلم يصل فِيهِ أَي: فِي بَيت الْمُقَدّس، وَلَو صلى لكَانَتْ سنة، وَهُوَ من أظرف مَا يسْتَدلّ بِهِ على الإرداف.
وَفِي حَدِيث أنس وَغَيره أَنه صلى، وَأنكر ذَلِك حُذَيْفَة،.

     وَقَالَ : وَالله مَا زَالا عَن ظهر الْبراق حَتَّى رجعا.
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ حَدِيث الْإِسْرَاء من حَدِيث شَدَّاد بن أَوْس وَفِيه: أَنه صلى تِلْكَ اللَّيْلَة بِبَيْت لحم.
قَوْله: ( حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا) لم يذكر فِيهِ مَجِيئه إِلَى الْقُدس، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: { سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} ( لإسراء: 1) .
الْآيَة، ذكر أهل السّير، والمفسرون أَنه لما ركب الْبراق أَتَى إِلَى بَيت الْمُقَدّس، وَمَعَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما فرغ أمره فِيهِ نصب لَهُ الْمِعْرَاج، وَهُوَ السّلم، فَصَعدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء وَلم يكن الصعُود على الْبراق كَمَا يتوهمه بعض النَّاس، بل كَانَ الْبراق مربوطاً على بابُُ مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس حَتَّى يرجع عَلَيْهِ إِلَى مَكَّة.
قَوْله: ( قيل من هَذَا؟) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر الَّتِي مَضَت فِي أول الْكتاب: فَلَمَّا جِئْت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل لخازن السَّمَاء: إفتح، فَهَذَا يدل على أَن لِلسَّمَوَاتِ أبواباً وحفظة موكلين بهَا.
وَفِيه: إِثْبَات الإستيذان وَأَنه يَنْبَغِي أَن يَقُول: أَنا زيد، مثلا.
قَوْله: ( قَالَ: جِبْرِيل) يَعْنِي: قَالَ: أَنا جِبْرِيل.
قَوْله: ( قَالَ: مُحَمَّد) أَي: قَالَ جِبْرِيل: معي مُحَمَّد، وَالظَّاهِر أَن الْقَائِل فِي قَوْله: قيل، فِي هَذِه الْمَوَاضِع نفران أَبْوَاب السَّمَاء قَوْله: ( وَقد أرسل إِلَيْهِ) الْوَاو للْعَطْف وحرف الإستفهام مقدره أَي: أطلب وَأرْسل إِلَيْهِ؟ وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: وَقد بعث إِلَيْهِ للإسراء وصعود السَّمَوَات؟ قَالَ الطَّيِّبِيّ: وَلَيْسَ مُرَاده الِاسْتِفْهَام عَن أصل الْبعْثَة والرسالة، فَإِن ذَلِك لَا يخفى عَلَيْهِ إِلَى هَذِه الْمدَّة، هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَقيل: مَعْنَاهُ أوحى إِلَيْهِ وَبعث نَبيا وَالْأول أظهر، لِأَن أَمر نبوته كَانَ مَشْهُورا فِي الملكوت لَا يكَاد يخفى على خزان السَّمَوَات وحراسها، وأوقف للاستفتاح والإستيذان، وَقيل: كَانَ سُؤَالهمْ للاستعجاب بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ، أَو للاستبشار بعروجه، إِذْ كَانَ من البيِّن عِنْدهم عِنْدهم أَن أحدا من الْبشر لَا يترقى إِلَى أَسبابُُ السَّمَوَات من غير أَن يَأْذَن الله لَهُ، وَيَأْمُر مَلَائكَته بإصعاده وَأَن جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يصعد بِمن لَا يُرْسل إِلَيْهِ وَلَا يفتح لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء.
قَوْله: ( مرْحَبًا بِهِ) أَي: بِمُحَمد، وَمَعْنَاهُ لَقِي رحباً وسعة.
وَقيل: مَعْنَاهُ رحب الله بِهِ مرْحَبًا فَجعل، مرْحَبًا مَوضِع الترحيب، فعلى الأول انتصابه على المفعولية، وعَلى الثَّانِي: على المصدرية.
قَوْله: ( ولنعم الْمَجِيء جَاءَ) الْمَخْصُوص بالمدح مَحْذُوف، وَفِيه تَقْدِيم وَتَأْخِير، تَقْدِيره: جَاءَ فلنعم الْمَجِيء مَجِيئه.
قَالَ الْمَالِكِي: فِيهِ: شَاهد على الِاسْتِغْنَاء بالصلة عَن الْمَوْصُول وَالصّفة عَن الْمَوْصُوف فِي بابُُ: نعم، لِأَنَّهَا تحْتَاج إِلَى فَاعل هُوَ الْمَجِيء وَإِلَى مَخْصُوص بمعناها، وَهُوَ مُبْتَدأ مخبر عَنهُ بنعم وفاعلها، وَهُوَ فِي هَذَا الْكَلَام وَشبهه مَوْصُول أَو مَوْصُوف بجاء، وَالتَّقْدِير: نعم الْمَجِيء الَّذِي جَاءَ، أَو: نعم الْمَجِيء جَاءَ، وَكَونه مَوْصُولا أَجود لِأَنَّهُ مخبر عَنهُ، وَكَون الْمخبر عَنهُ معرفَة أولى من كَونه نكرَة.
قَوْله: ( فَأتيت على آدم فَسلمت عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة: وَأمر بِالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِم أَي: على الْأَنْبِيَاء الَّذين لَقِيَهُمْ فِي السَّمَوَات وعَلى خزان السَّمَوَات وحراسها، لِأَنَّهُ كَانَ عابراً عَلَيْهِم، وَكَانَ فِي حكم الْقيام وَكَانُوا فِي حكم الْقعُود، والقائم يسلم على الْقَاعِد، وَإِن كَانَ أفضل مِنْهُ.
قَوْله: من ابْن وَنَبِي كل وَاحِد من الْبُنُوَّة والنبوة ظَاهر، وَهُوَ من قَوْله: ( هَذَا) إِلَى قَوْله: فَرفع لي كُله ظَاهر إلاَّ بعض الْأَلْفَاظ نفسرها، فَقَوله: ( فَأتيت على إِدْرِيس) وَكَانَ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة.
قيل: هَذَا معنى قَوْله: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} ( مَرْيَم: 75) .
قَالَه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقيل: رفعناه فِي الْمنزلَة والرتبة، وَقيل: المُرَاد من قَوْله: { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} ( مَرْيَم: 75) .
الْجنَّة.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ فِي الْجنَّة فَكيف لقِيه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة؟ قلت: قيل: إِنَّه لما أخبر بعروجه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى السَّمَوَات وَمَا فَوْقهَا اسْتَأْذن ربه فِي ملاقاته، فَاسْتَقْبلهُ فَكَانَ اجتماعه بِهِ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة اتِّفَاقًا لَا قصدا.
قَوْله: ( مرْحَبًا من أَخ وَنَبِي) .
فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ إِدْرِيس، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من أَخ، وَهُوَ جد لنوح، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَكَانَ الْمُنَاسب أَن يَقُول: من ابْن.
قلت: لَعَلَّه قَالَه تلطفاً وتأدباً والأنبياء أخوة.
قَوْله: ( فَلَمَّا جَاوَزت بَكَى) ، قَالُوا: كَانَ بكاؤه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل الرقة لِقَوْمِهِ والشفقة عَلَيْهِم حَيْثُ لم ينتفعوا بمتابعته انْتِفَاع هَذِه الْأمة بمتابعة نَبِيّهم، وَلم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم، وَلَا يَنْبَغِي إلاَّ أَن يحمل على هَذَا الْوَجْه أَو مَا يضاهي ذَلِك، فَإِن الْحَسَد فِي ذَلِك الْعَالم منزوع عَن عوام الْمُؤمنِينَ، فضلا عَمَّن اخْتَارَهُ الله لرسالته واصطفاه لمكالمته.
قَوْله: ( يَا رب هَذَا الْغُلَام) ، لم يرد مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بذلك استقصار شَأْنه، فَإِن الْغُلَام قد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْقوي الطري الشَّاب، وَالْمرَاد مِنْهُ استقصار مدَّته مَعَ استكثار فضائله وَأمته أتم سواداً من أمته.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ.
قَوْله: ( الْغُلَام) ، لَيْسَ على معنى الإزراء والاستصغار لشأنه إِنَّمَا هُوَ على تَعْظِيم منَّة الله تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا أناله من النِّعْمَة وأتحفه من الكرائم من غير طول عمر أفناه مُجْتَهدا فِي طَاعَته وَقد تسمي الْعَرَب الرجل المستجمع السن غُلَاما مَا دَامَ فِيهِ بَقِيَّة من الْقُوَّة، وَذَلِكَ فِي لغتهم مَشْهُورَة.
قَوْله: ( فَأتيت على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) ، هَذَا فِي السَّمَاء السَّابِعَة، وَذكر فِي حَدِيث أبي ذَر فِي أول كتاب الصَّلَاة أَنه فِي السَّادِسَة، قيل: فِي التَّوْفِيق بَينهمَا: بِأَن يُقَال: لَعَلَّه وجد فِي السَّادِسَة ثمَّ ارْتقى هُوَ أَيْضا إِلَى السَّابِعَة، وَكَذَلِكَ اخْتلف فِي مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل هُوَ فِي السَّادِسَة أَو السَّابِعَة؟ وَالْكَلَام فِيهِ مثل مَا مر الْآن.
قَوْله: ( فَرفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور) أَي: كشف لي وَقرب مني، وَالرَّفْع التَّقْرِيب وَالْعرض،.

     وَقَالَ  التوربشتي: الرّفْع تقريبك الشَّيْء.
وَقد قيل فِي قَوْله: { وفرش مَرْفُوعَة} ( الْوَاقِعَة: 43) .
أَي: مقربة لَهُم، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن الْبَيْت الْمَعْمُور ظهر لَهُ كل الظُّهُور، وَكَذَلِكَ سِدْرَة الْمُنْتَهى استبينت لَهُ كل الإستبانة حَتَّى اطلع عَلَيْهَا كل الِاطِّلَاع، بِمَثَابَة الشَّيْء المقرب إِلَيْهِ، وَفِي مَعْنَاهُ: رفع لي بَيت الْمُقَدّس، وَالْبَيْت الْمَعْمُور بَيت فِي السَّمَاء حِيَال الْكَعْبَة، اسْمه: الضراح، بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، وعمرانه كَثْرَة غاشيته من الْمَلَائِكَة.
قَوْله: ( لم يعودوا) ، ويروى: لم يعتدوا.
قَوْله: ( آخر مَا عَلَيْهِم) ، بِالرَّفْع وَالنّصب، فالنصب على الظّرْف، وَالرَّفْع على تَقْدِير: ذَلِك آخر مَا عَلَيْهِم من دُخُوله.
قَالَ صَاحب ( الْمطَالع) : الرّفْع أَجود.
قَوْله: ( وَرفعت لي سِدْرَة الْمُنْتَهى) قد ذكرنَا الْآن معنى الرّفْع، ويروى: السِّدْرَة الْمُنْتَهى بِالْألف وَاللَّام، والسدرة شَجَرَة النبق، وَسميت بهَا لِأَن علم الْمَلَائِكَة ينتهى إِلَيْهَا وَلم يجاوزها أحد إلاَّ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحكي عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنَّمَا سميت بذلك لكَونهَا يَنْتَهِي إِلَيْهَا مَا يهْبط من فَوْقهَا وَمَا يصعد من تحتهَا من أَمر الله تَعَالَى.
قَوْله: ( فَإِذا نبقها) كلمة: إِذا، للمفاجأة، و: النبق، بِفَتْح النُّون وَكسر الْبَاء: حمل السدر، ويخفف أَيْضا، الْوَاحِدَة نبقة ونبقة.
قَوْله: ( قلال هجر) ، القلال جمع قلَّة،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الْقلَّة مِائَتَا رَطْل وَخَمْسُونَ رطلا بالرطل الْبَغْدَادِيّ، وَالأَصَح عِنْد الشَّافِعِيَّة خَمْسمِائَة رَطْل،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: القلال الجرار، وَهِي مَعْرُوفَة عِنْد المخاطبين مَعْلُومَة الْقدر،.

     وَقَالَ  ابْن فَارس: الْقلَّة مَا أَقَله الْإِنْسَان من جرة أوجب، قَالَ: وَلَيْسَ فِي ذَلِك عِنْد أهل اللُّغَة حد مَحْدُود إلاَّ أَن يَأْتِي فِي الحَدِيث تَفْسِير فَيجب أَن يسلم، وَعبارَة الْهَرَوِيّ: الْقلَّة: مَا يَأْخُذ مزادة من المَاء، سميت بذلك لِأَنَّهَا تقل أَي: ترفع، و: هجر، بِفَتْح الْهَاء وَالْجِيم وَفِي آخِره رَاء: بَلْدَة لَا تَنْصَرِف للتعريف والتأنيث، وَفِي ( الْمطَالع) : هجر مَدِينَة بِالْيمن هِيَ قَاعِدَة الْبَحْرين بَينهَا وَبَين الْبَحْرين عشر مراحل، وَيُقَال: الهجر، أَيْضا بِالْألف وَاللَّام.
قَوْله: ( كأذان الفيول) وَهُوَ جمع: فيل، وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَعْرُوف.
قَوْله: ( أَنهَار) ، جمع نهر بِسُكُون الْهَاء وَفتحهَا.
قَوْله: ( نهران باطنان) قَالَ مقَاتل: هما السلسبيل والكوثر.
قَوْله: ( ونهران ظاهران) وَقد بَينهمَا فِي الحَدِيث بقوله: النّيل والفرات يخرجَانِ من أَصْلهَا ثمَّ يسيران حَيْثُ أَرَادَ الله تَعَالَى، ثمَّ يخرجَانِ من الأَرْض ويجريان فِيهَا.

وَعَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: إِن جَمِيع الْمِيَاه من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَمن هُنَاكَ يتفرق فِي الدُّنْيَا.
أما النّيل: فمبدؤه من جبال الْقَمَر، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الْمِيم، وَقيل: بِفَتْح الْمِيم، تَشْبِيها بالقمر فِي بياضه، وَقيل: يَنْبع من اثْنَي عشر عينا هُنَاكَ، وَيجْرِي فِي ثَلَاثَة أشهر فِي القفار وَثَلَاثَة أشهر فِي الْعمرَان إِلَى أَن يَجِيء إِلَى مصر فيفترق فرْقَتَيْن عِنْد قَرْيَة يُقَال لَهَا: شطنوف، فيمر الغربي مِنْهُ على رشيد وَينصب فِي الْبَحْر الْملح، وَأما الشَّرْقِي فيفترق أَيْضا فرْقَتَيْن عِنْد جوجر فيفترق فرْقَتَيْن أَيْضا فتمر الغربية مِنْهُمَا على دمياط من غربيها، وَينصب فِي الْبَحْر الْملح، والشرقية مِنْهُمَا تمر على أشمون طناح فينصب هُنَاكَ فِي بحيرة شَرْقي دمياط يُقَال لَهَا بحيرة تنيس وبحيرة دمياط.
وَأما الْفُرَات: فأصله من أَطْرَاف أرمينية قريب من قاليقلا، ثمَّ يمر على بِلَاد الرّوم ثمَّ يمر بِأَرْض ملطية ثمَّ على شمشاط وقلعة الرّوم والبيرة وجسر منيح وبالس وجعبر والرقة والرحبة وقرقيسا وعانات والحديثة وهيت والأنبار ثمَّ يمر بالطفوف ثمَّ بالحلة ثمَّ بِالْكُوفَةِ وَيَنْتَهِي إِلَى البطائح وَينصب فِي الْبَحْر الشَّرْقِي.
قَالُوا: وَمِقْدَار جريانها على وَجه الأَرْض أَرْبَعمِائَة فَرسَخ.

قَوْله: ( عَالَجت بني إِسْرَائِيل) أَي: مارستهم وَلَقِيت مِنْهُم الشدَّة فِيمَا أردْت مِنْهُم من الطَّاعَة، والمعالجة مثل المزاولة والمجادلة.
قَوْله: ( فسله) ، أَصله فَاسْأَلْهُ، لِأَنَّهُ أَمر من السُّؤَال، فنقلت حَرَكَة الْهمزَة إِلَى السِّين فحذفت تَخْفِيفًا وَاسْتغْنى عَن همزَة الْوَصْل فحذفت فَصَارَ: فسله، على وزن: فَلهُ، قَوْله: ( فَارْجِع إِلَى رَبك) ، أَي: إِلَى الْموضع الَّذِي نَاجَيْت رَبك فِيهِ.
قَوْله: ( فَرَجَعت) أَي: إِلَى مَوضِع مناجاتي.
قَوْله: ( فَسَأَلته) أَي: فَسَأَلت الله التَّخْفِيف.
قَوْله: ( فَجَعلهَا) أَي: فَجعل الْفَرِيضَة الَّتِي قدرهَا أَرْبَعِينَ صَلَاة.
قَوْله: ( ثمَّ مثله) ، أَي: ثمَّ قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله، قَوْله: ( ثمَّ ثَلَاثِينَ) ، أَي: ثمَّ جعلهَا ثَلَاثِينَ صَلَاة.
قَوْله: ( ثمَّ مثله) ، أَي: ثمَّ قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله.
قَوْله: ( فَجعله عشْرين) ، أَي: عشْرين صَلَاة.
قَوْله: ( ثمَّ مثله) ، أَي: ثمَّ قَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثله.
قَوْله: ( فَجعل عشرا) ، أَي: عشر صلوَات.
قَوْله: ( فَأتيت مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي الْموضع الَّذِي لَقيته فِيهِ، فَقَالَ مُوسَى أَيْضا مثله، قَوْله: ( فَجَعلهَا خمْسا) أَي: خمس صلوَات.
قَوْله: ( فَقَالَ: مَا صنعت؟) أَي: فَقَالَ مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا صنعت فِيمَا رجعت؟ وَهَذِه هِيَ الْمُرَاجَعَة الْأَخِيرَة.
قَوْله: ( قلت: جعلهَا خمْسا) أَي: خمس صلوَات.
قَوْله: ( فَقَالَ: سلمت بِخَير) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلمت، بتَشْديد اللَّام من التَّسْلِيم يَعْنِي: سلمت لَهُ مَا جعله من خمس صلوَات، فَلم يبْق لي مُرَاجعَة لِأَنِّي استحييت من رَبِّي، كَمَا مضى فِي حَدِيث أبي ذَر فِي أول كتاب الصَّلَاة من قَوْله: ( إرجع إِلَى رَبك.
قلت: استحييت من رَبِّي)
يَعْنِي: من تعدد الْمُرَاجَعَة.
قَوْله: ( فَنُوديَ) ، أَي: فجَاء النداء من قبل الله تَعَالَى: ( إِنِّي قد أمضيت فريضتي) أَي: أنفذت فريضتي بِخمْس صلوَات وخففت عَن عبَادي من خمسين إِلَى خمس، وأجزي الْحَسَنَة عشرا فَيحصل ثَوَاب خمسين صَلَاة لكل صَلَاة ثَوَاب عشر صلوَات.
فَإِن قلت: كَيفَ جَازَت هَذِه الْمُرَاجَعَة فِي بابُُ الصَّلَاة من رَسُولنَا مُحَمَّد ومُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ قلت: لِأَنَّهُمَا عرفا أَن الْأَمر الأول غير وَاجِب قطعا وَلَو كَانَ وَاجِبا قطعا وَلَو كَانَ وَاجِبا قطعا لَا يقبل التَّخْفِيف.

وَفِيه: جَوَاز النّسخ قبل وُقُوعه.

وَقَالَ هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي البَيْتِ المَعْمُورِ
أَي: قَالَ همام بن يحيى الَّذِي مضى فِي رُوَاة الحَدِيث الْمَذْكُور الَّذِي روى عَنهُ هدبة فِي السَّنَد الأول، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هماماً فصل فِي سِيَاقَة قصَّة الْبَيْت الْمَعْمُور عَن قصَّة الْإِسْرَاء، وروى أصل الحَدِيث عَن قَتَادَة عَن أنس، وقصة الْبَيْت الْمَعْمُور عَن قَتَادَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَأما سعيد بن أبي عرُوبَة وَهِشَام الدستوَائي اللَّذَان مضيا فِي الطَّرِيق الثَّانِي للْحَدِيث الْمَذْكُور فَإِنَّهُمَا قد أدرجا قصَّة الْبَيْت الْمَعْمُور فِي حَدِيث أنس،.

     وَقَالَ  بَعضهم: رِوَايَة همام مَوْصُولَة هُنَا عَن هدبة عَنهُ، وَوهم من زعم أَنَّهَا معلقَة، فقد روى الْحسن عَن سُفْيَان فِي ( مُسْنده) الحَدِيث بِطُولِهِ عَن هدبة، فاقتصر الحَدِيث إِلَى قَوْله: فَرفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور، قَالَ قَتَادَة: حَدثنَا الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة: أَنه رأى الْبَيْت الْمَعْمُور يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك وَلَا يعودون فِيهِ، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْحسن بن سُفْيَان وَأبي يعلى وَالْبَغوِيّ وَغير وَاحِد كلهم عَن هدبة مفصلا.
انْتهى.
قلت: ظَاهره التَّعْلِيق وَإِخْرَاج غَيره إِيَّاه مَوْصُولا لَا يسْتَلْزم أَن يكون مَا أخرجه البُخَارِيّ بِصُورَة التَّعْلِيق أَن يكون مَوْصُولا، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى.
قَوْله: ( عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة) ، قَالَ يحيى بن معِين: لم يَصح لِلْحسنِ سَماع من أبي هُرَيْرَة، فَقيل ليحيى: قد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث: قَالَ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة.
قَالَ: لَيْسَ بِشَيْء،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْحسن هَهُنَا روى عَنهُ بِلَفْظ: عَن، فَيحْتَمل أَن يكون بالواسطة.





[ قــ :3061 ... غــ :308 ]
- حدَّثنا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ قَالَ حدَّثنا أبُو الأحْوَصِ عنِ الأعْمَشِ عنْ زَيْدِ بنِ وهْبٍ قَالَ عَبْدُ الله حدَّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ قَالَ إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمَاً ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ الله مَلَكَاً فَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ ويُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ ورِزْقَهُ وأجَلَهُ وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فإنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجَنَّةِ إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتابُهُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ ويَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَ النَّارِ إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكتاب فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ.
.
[/ نه

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ يبْعَث الله ملكا) لِأَن فِي الحَدِيث ذكر الْملك، وَفِي التَّرْجَمَة ذكر الْمَلَائِكَة، وَالْمَلَائِكَة أَنْوَاع لَا يحصي عَددهمْ إلاَّ الله تَعَالَى، وساداتهم الأكابر أَرْبَعَة: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وعزرائيل وإسرافيل.
وَمِنْهُم: الرّوح، قَالَ الله تَعَالَى: { يَوْم يقوم الرّوح} ( النبإ: 83) .
وَمِنْهُم الْحفظَة.
وَمِنْهُم الْمَلَائِكَة الموكلون بالقطر والنبات والرياح والسحاب.
وَمِنْهُم مَلَائِكَة الْقُبُور.
وَمِنْهُم سياحون فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ مجَالِس الذّكر.
وَمِنْهُم كروبيون وروحانيون وحافون ومقربون.
وَمِنْهُم مَلَائِكَة تقذف الشَّيَاطِين بالشهاب.
وَمِنْهُم حَملَة الْعَرْش.
وَمِنْهُم موكلون بصخرة بَيت الْمُقَدّس.
وَمِنْهُم موكلون بِالْمَدِينَةِ.
وَمِنْهُم موكلون بتصوير النطف.
وَمِنْهُم مَلَائِكَة يبلغون السَّلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمته.
وَمِنْهُم من يشْهد الحروب مَعَ الْمُجَاهدين.
وَمِنْهُم خزان أَبْوَاب السَّمَاء.
وَمِنْهُم الموكلون بالنَّار.
وَمِنْهُم مَلَائِكَة يسمون الزَّبَانِيَة.
وَمِنْهُم من يغرسون أَشجَار الْجنَّة.
وَمِنْهُم من يصوغون حلى أهل الْجنَّة.
وَمِنْهُم خدم أهل الْجنَّة.
وَمِنْهُم من نصفه ثلج وَنصفه نَار، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي أَحَادِيث الْبابُُ مِنْهُم جمَاعَة كَمَا تَرْجمهُ.

ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: الْحسن بن الرّبيع ضد الخريف ابْن سُلَيْمَان البَجلِيّ الْكُوفِي، يعرف بالبوراني، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْوَاو وبالراء.
قَالَ أَبُو حَاتِم: كنت أَحسب الْحسن مكسور الْعُنُق لانحنائه حَتَّى قيل: إِنَّه لَا ينظر إِلَى السَّمَاء حَيَاء من الله تَعَالَى.
الثَّانِي: أَبُو الْأَحْوَص سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم الْحَنَفِيّ، مولى بني حنيفَة الْكُوفِي.
الثَّالِث: سُلَيْمَان الْأَعْمَش.
الرَّابِع: زيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي، خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق.
الْخَامِس: عبد الله بن مَسْعُود، وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون.

وَقيل هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ جمَاعَة، مِنْهُم: سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الْأَعْمَش إِلَى قَوْله: شقي أَو سعيد، كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا بعده كَلَام ابْن مَسْعُود، وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي عَن الْأَعْمَش فاقتصر من الْمَتْن على الْمَرْفُوع فَحسب، وَرَوَاهُ بِطُولِهِ سَلمَة بن كهيل عَن زيد بن وهب ففصل كَلَام ابْن مَسْعُود من كَلَام رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ بعد ذكر الشقاوة والسعادة: قَالَ عبد الله: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة ... الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَن عبد الله قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره نَحوه، غير أَن بعد قَوْله: وشقي أَو سعيد: فوالذي لَا إل هـ غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إلاَّ ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إلاَّ ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها.
انْتهى.
والْحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن أبي الْوَلِيد وَفِي التَّوْحِيد عَن آدم.
وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن ابْن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن أبي سعيد الْأَشَج وَعَن عبد الله بن معَاذ وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن حَفْص بن عَمْرو وَمُحَمّد بن كثير.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْقدر عَن هناد وَعَن مُحَمَّد بن بشار وَعَن عَليّ بن حجر.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع وَمُحَمّد بن فُضَيْل وَأبي مُعَاوِيَة وَعَن عَليّ بن مَيْمُون، وَأنكر عَمْرو بن عبيد هَذَا الحَدِيث وَكَانَ من زهاد الْقَدَرِيَّة وَلَا اعْتِبَار لإنكاره.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( وَهُوَ الصَّادِق المصدوق) أَي: الصَّادِق فِي قَوْله وَفِيمَا يَأْتِيهِ من الْوَحْي، والمصدوق أَن الله تَعَالَى صدقه فِي وعده.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: المصدوق أَي: من جِهَة جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَو الْمُصدق يَعْنِي بتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة.
.

     وَقَالَ  الطَّيِّبِيّ: الأولى أَن تجْعَل هَذِه الْجُمْلَة اعتراضية لَا حَالية فتعم الْأَحْوَال كلهَا، وَأَن يكون من عاداته ودأبه ذَلِك فَمَا أحسن موقعه هُنَا.
قَوْله: ( يجمع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول، قَالُوا: بِمَعْنى الْجمع أَن النُّطْفَة إِذا وَقعت فِي الرَّحِم وَأَرَادَ الله أَن يخلق مِنْهَا بشرا طارت فِي أَطْرَاف الْمَرْأَة تَحت كل شَعْرَة وظفر فتمكث أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ تنزل دَمًا فِي الرَّحِم، فَذَلِك جمعهَا.
قَوْله: ( أَرْبَعِينَ يَوْمًا) هَذِه الْأَرْبَعُونَ الأولى النُّطْفَة فِيهَا تجْرِي فِي أَطْرَاف الْمَرْأَة ثمَّ تصير دَمًا.
قَوْله: ( ثمَّ تكون علقَة) وَهُوَ الدَّم الغليظ الجامد وَهَذَا فِي الْأَرْبَعين الثَّانِي، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: ( مثل ذَلِك) أَي: مثل الأول أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
قَوْله: ( ثمَّ تكون مُضْغَة) ، وَهِي قِطْعَة من اللَّحْم قدر مَا يمضغ، وَهَذَا فِي الْأَرْبَعين الثَّالِث، أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: ( مثل ذَلِك) يَعْنِي مثل الثَّانِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
فَإِن قلت: إِن الله قَادر على أَن يخلقه فِي لمحة، فَمَا الْحِكْمَة فِي هَذَا الْمِقْدَار؟ قلت: فِيهِ حكم وفوائد.
مِنْهَا: أَنه لَو خلقه دفْعَة وَاحِدَة لشق على الْأُم لِأَنَّهَا لم تكن مُعْتَادَة بذلك، وَرُبمَا تهْلك فَجعل أَولا نُطْفَة لتعتاد بهَا مُدَّة ثمَّ تكون علقَة وهلم جرا ... إِلَى الْولادَة.
وَمِنْهَا: إِظْهَار قدرَة الله تَعَالَى وَنعمته ليعبدوه ويشكروا لَهُ حَيْثُ قلبهم فِي تِلْكَ الأطوار إِلَى كَونهم إنْسَانا حسن الصُّورَة متحلياً بِالْعقلِ والشهامة مزيناً بالفهم والفطانة.
وَمِنْهَا: إرشاد النَّاس وتنبيههم على كَمَال قدرته على الْحَشْر والنشر، لِأَن من قدر على خلق الْإِنْسَان من مَاء مهين ثمَّ من علقَة ومضغة مهيأة لنفخ الرّوح فِيهِ، يقدر على صَيْرُورَته تُرَابا وَنفخ الرّوح فِيهِ وحشره فِي الْمَحْشَر لِلْحسابِ وَالْجَزَاء.
قَوْله: ( ثمَّ يبْعَث الله ملكا) أَي: بعد انْتِهَاء الْأَرْبَعين الثَّالِثَة يبْعَث الله ملكا ( فَيُؤْمَر بِأَرْبَع كَلِمَات) يَكْتُبهَا وَهِي: قَوْله: ( وَيُقَال لَهُ) ، أَي: للْملك الْمُرْسل: ( أكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أَو سعيد) وكل ذَلِك بِمَا اقْتَضَت حكمته وسبقت كَلمته.
قَوْله: ( وشقي أَو سعيد) ، كَانَ من حق الظَّاهِر أَن يُقَال: يكْتب سعادته وشقاوته، فَعدل حِكَايَة لصورة مَا يَكْتُبهُ، لِأَنَّهُ يكْتب شقي أَو سعيد.
قَوْله: ( ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح) ، أَي: بعد كِتَابَة الْملك هَذِه الْأَرْبَعَة ينْفخ فِيهِ الرّوح.

وَفِي ( صَحِيح مُسلم) : أَن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ يكون فِي ذَلِك علقَة مثل ذَلِك، ثمَّ يكون فِي ذَلِك مُضْغَة مثل ذَلِك، ثمَّ يُرْسل الْملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات ... الحَدِيث، فَهَذَا يدل على أَن كتب هَذِه الْأَرْبَعَة بعد نفخ الرّوح، وَلَفظ البُخَارِيّ يدل على أَن ذَلِك قبل نفخ الرّوح، لِأَن فِي لَفْظَة: ( ثمَّ ينْفخ فِيهِ الرّوح) وَكلمَة: ثمَّ، تَقْتَضِي تَأَخّر كتب الْملك هَذِه الْأُمُور إِلَى مَا بعد الْأَرْبَعين الثَّالِثَة.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: وَالْأَحَادِيث الْبَاقِيَة تَقْتَضِي الْكتب عقيب الْأَرْبَعين الأولى، ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك بقوله: إِن قَوْله: ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ الْملك، فَيُؤذن لَهُ فَيكْتب مَعْطُوف على قَوْله: ( يجمع فِي بطن أمه) ومتعلقاته لَا بِمَا قبله، وَهُوَ قَوْله: ثمَّ يكون مُضْغَة مثله، وَيكون قَوْله: ثمَّ يكون علقَة مثله، ثمَّ يكون مُضْغَة مثله، مُعْتَرضًا بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ، وَذَلِكَ جَائِز مَوْجُود فِي الْقُرْآن والْحَدِيث الصَّحِيح وَفِي كَلَام الْعَرَب.
.

     وَقَالَ  القَاضِي وَغَيره: وَالْمرَاد بإرسال الْملك فِي هَذِه الْأَشْيَاء أمره بهَا وَالتَّصَرُّف فِيهَا بِهَذِهِ الْأَفْعَال، وإلاَّ فقد صرح فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ مُوكل بالرحم، وَأَنه يَقُول: يَا رب هَذِه نُطْفَة يَا رب هَذِه علقَة.
.

     وَقَالَ  القَاضِي: وَقَوله فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن أنس: وَإِذا أَرَادَ أَن يخلق خلقا قَالَ: يَا رب أذكر أم أُنْثَى؟ شقي أم سعيد؟ لَا يُخَالف مَا قدمْنَاهُ، وَلَا يلْزم مِنْهُ أَن يَقُول ذَلِك بعد المضغة، بل هُوَ ابْتِدَاء كَلَام وإخبار عَن حَالَة أُخْرَى، فَأخْبر أَولا بِحَال الْملك مَعَ النُّطْفَة، ثمَّ أخبر أَن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أَن يخلق النُّطْفَة علقَة كَانَ كَذَا وَكَذَا.
فَإِن قلت: فِي رِوَايَة يُرْسل الْملك بعد مائَة وَعشْرين يَوْمًا، وَفِي رِوَايَة: ثمَّ يدْخل الْملك على النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَو خَمْسَة وَأَرْبَعين لَيْلَة، فَيَقُول: يَا رب أشقي أم سعيد؟ وَفِي رِوَايَة: إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها، وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة بن أسيد: أَن النُّطْفَة تقع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة، ثمَّ يتسور عَلَيْهَا الْملك، وَفِي رِوَايَة: أَن ملكا موكلاً بالرحم إِذا أَرَادَ الله أَن يخلق شَيْئا يَأْذَن لَهُ لبضع وَأَرْبَعين لَيْلَة، وَذكر الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن الله قد وكل بالرحم ملكا فَيَقُول: أَي رب نُطْفَة، أَي رب علقَة، أَي رب مُضْغَة، فَمَا الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات؟ قلت: للْملك مُرَاعَاة لحَال النُّطْفَة، وَأَنه يَقُول: يَا رب هَذِه نُطْفَة، هَذِه علقَة، هَذِه مُضْغَة فِي أَوْقَاتهَا، وكل وَقت يَقُول فِيهِ مَا صَارَت إِلَيْهِ، ولتصرفه وَكَلَامه أَوْقَات: أَحدهَا حِين يخلقها الله نُطْفَة ثمَّ ينقلها علقَة وَهُوَ أول علم الْملك بِأَنَّهُ ولد، لِأَنَّهُ لَيْسَ كل نُطْفَة تصير ولدا، وَذَلِكَ عقيب الْأَرْبَعين الأولى، فَحِينَئِذٍ يكْتب رزقه وأجله وَعَمله وشقاوته وسعادته، ثمَّ للْملك تصرف آخر فِي وَقت آخر، وَهُوَ تَصْوِيره وَخلق سَمعه وبصره وَجلده ولحمه وعظمه وَكَونه ذكرا أَو أُنْثَى، وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة، وَهِي مُدَّة المضغة، وَقبل انْقِضَاء مُدَّة هَذِه الْأَرْبَعين، وَقبل نفخ الرّوح فِيهِ، لِأَن نفخ الرّوح لَا يكون إلاَّ بعد تَمام صورته.
فَإِن قلت: رُوِيَ: إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها قَالَ: يَا رب أذكر أم أُنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبك مَا شَاءَ، وَيكْتب الْملك، ثمَّ يَقُول: يَا رب أَجله؟ فَيَقُول رَبك مَا شَاءَ وَيكْتب الْملك، وَذكر رزقه؟ قلت: لَيْسَ هَذَا على ظَاهره وَلَا يَصح حمله على ظَاهره، بل المُرَاد بتصورها وَخلق سَمعهَا إِلَى آخِره أَنه يكْتب ذَلِك ثمَّ يَفْعَله فِي وَقت آخر، لِأَن التَّصْوِير عقيب الْأَرْبَعين الأولى غير مَوْجُود فِي الْعَادة، وَإِنَّمَا يَقع فِي الْأَرْبَعين الثَّالِثَة وَهِي مُدَّة المضغة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} ( الْمُؤْمِنُونَ: 8) .
إِلَى قَوْله: { لَحْمًا} ( الْمُؤْمِنُونَ: 8) .
ثمَّ يكون للْملك فِيهِ تصرف آخر وَهُوَ وَقت نفخ الرّوح عقيب الْأَرْبَعين الثَّالِثَة حَتَّى يكمل لَهُ أَرْبَعَة أشهر.

قَوْله: ( حَتَّى مَا يكون) ، حَتَّى، هِيَ الناصبة و: مَا نَافِيَة وَلَفْظَة: يكون، مَنْصُوب بحتى وَمَا غير كَافَّة لَهَا من الْعَمَل.
قَوْله: ( إلاَّ ذِرَاع) ، المُرَاد بالذراع التَّمْثِيل والقرب إِلَى الدُّخُول، أَي: مَا يبْقى بَينه وَبَين أَن يصلها إلاَّ كمن بَقِي بَينه وَبَين مَوضِع من الأَرْض ذِرَاع.
قَوْله: ( فَيَسْبق عَلَيْهِ) ، الْفَاء للتعقيب تدل على حُصُول السَّبق بِلَا مهلة، ضمن يسْبق معنى: يغلب، أَي: يغلب عَلَيْهِ الْكتاب، وَمَا قدر عَلَيْهِ سبقاً بِلَا مهلة فَعِنْدَ ذَلِك يعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة أَو أهل النَّار.
قَوْله: ( فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار) ، وَفِيه حذف تَقْدِيره.
فيدخلها، وَكَذَلِكَ بعد قَوْله: ( بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها) .
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: فِيهِ: أَن ظَاهر الْأَعْمَال من الْحَسَنَات والسيئات أَمَارَات وَلَيْسَت بموجبات، وَأَن مصير الْأُمُور فِي الْعَاقِبَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَجرى الْقدر، وروى ابْن حبَان فِي ( صَحِيحه) من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: فرغ الله إِلَى كل عبد من خمس: من رزقه وأجله وَعَمله وأثره ومضجعه، يَعْنِي قَبره، فَإِنَّهُ مضجعه على الدَّوَام { وَمَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت} ( لُقْمَان: 43) .





[ قــ :306 ... غــ :309 ]
-
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ قَالَ أخبرَنا مَخْلَدٌ قَالَ أخْبَرَنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابَعَهُ أبُو عَاصِمٍ عنُ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ أخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا أحَبَّ الله العَبْدَ نادَى جِبْرِيلَ إنَّ الله يُحِبُّ فُلاناً فأحْبِبْهُ فيُحِبُّهُ جِبْرِيل فَيُنادِي جِبْرِيلُ فِي أهْلِ السَّماءِ إنَّ الله يُحِبُّ فُلاَناً فأحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أهْلُ السَّمَاءِ ويُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأرْضِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( نَادَى جِبْرِيل) عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَمُحَمّد بن سَلام، بِاللَّامِ الْمُشَدّدَة: ومخلد، بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة: ابْن يزِيد من الزِّيَادَة مر فِي الْجُمُعَة، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل.

وَأورد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: مَوْصُول وَهُوَ إِلَى قَوْله: وَتَابعه.
وَالثَّانِي: مُعَلّق وَهُوَ من قَوْله: وَتَابعه أَبُو عَاصِم ... إِلَى آخِره، وَقد وَصله فِي الْأَدَب عَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي عَاصِم وَسَاقه على لَفظه هُنَاكَ، قيل: هُوَ أحد الْمَوَاضِع الَّتِي يسْتَدلّ بهَا على أَنه قد يعلق عَن بعض مشايخه مَا هُوَ عِنْده بِوَاسِطَة، لِأَن أَبَا عَاصِم من شُيُوخه يروي عَنهُ كثيرا فِي الْكتاب.
.

     وَقَالَ  الطوفي: ذكر البُخَارِيّ الْحبّ فِي كِتَابه وَلم يذكر البغض، وَهُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَإِذا أبْغض عبدا نَادَى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ، قَالَ: فَيبْغضهُ جِبْرِيل، ثمَّ يُنَادي فِي أهل السَّمَاء: أَن الله يبغض فلَانا فَأَبْغضُوهُ، فَيبْغضُونَهُ، ثمَّ يوضع لَهُ البغض فِي الأَرْض.
قلت: هَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق روح بن عبَادَة عَن ابْن جريج.

قَوْله: ( وَيُوضَع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض) ، يَعْنِي: عِنْد أَكثر من يعرفهُ من الْمُؤمنِينَ، وَيبقى لَهُ ذكر صَالح، وَيُقَال مَعْنَاهُ: يلقِي فِي قُلُوب أَهلهَا محبته مادحين مثنين عَلَيْهِ.

وَفِيه: أَن كل من هُوَ مَحْبُوب الْقُلُوب فَهُوَ مَحْبُوب الله، بِحكم عكس الْقَضِيَّة.





[ قــ :3063 ... غــ :310 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي مَرْيَمَ قَالَ أخْبرَنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثنا ابنُ أبِي جَعْفَرَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهَا قالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إنَّ المَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ وهْوَ السَّحابُ فَتذْكُرُ الأمْرَ قُضِيَ فِي السَّماءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينَ السَّمْعَ فتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْمَلَائِكَة، وَمُحَمّد هُوَ الَّذِي ذكر مُجَردا هُوَ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، قَالَه الغساني،.

     وَقَالَ  أَبُو ذَر بعد أَن سَاقه: مُحَمَّد هَذَا هُوَ البُخَارِيّ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: هَذَا هُوَ الْأَرْجَح عِنْدِي، فَإِن الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبا نعيم لم يجدا الحَدِيث من غير رِوَايَة البُخَارِيّ فأخرجاه عَنهُ، وَلَو كَانَ عِنْد غير البُخَارِيّ لما ضَاقَ مخرجه عَلَيْهِمَا.
انْتهى.
قلت: عدم وجدان الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي نعيم الحَدِيث لَا يسْتَلْزم أَن يكون مُحَمَّد هُنَا البُخَارِيّ، وَهَذَا ظَاهر لَا يخفى على أحد وَلم يجرِ للْبُخَارِيّ الْعَادة بِأَن يذكر اسْمه قبل ذكر شَيْخه بقوله: حَدثنَا مُحَمَّد، وَذكر فِي ( رجال الصَّحِيحَيْنِ) : مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي فِي فصل: أَفْرَاد البُخَارِيّ، فِيمَن اسْمه مُحَمَّد،.

     وَقَالَ : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله، ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد، ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ، وَكَانَ قد سمع مِنْهُ فَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه.
وَابْن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم، وَابْن أبي مَرْيَم بن أبي جَعْفَر هُوَ عبيد الله بن أبي جَعْفَر، واسْمه يسَار الْقرشِي، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْأسود.

وَالنّصف الأول من هَذَا الْإِسْنَاد بصريون، وَالنّصف الثَّانِي مدنيون، وأوله هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.

قَوْله: ( الْعَنَان) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى: السَّحَاب.
قَوْله: ( فَتذكر) أَي: الْمَلَائِكَة الْأَمر الَّذِي قضي فِي السَّمَاء وجوده وَعَدَمه.
قَوْله: ( فتسترق) ، تفتعل من السّرقَة، أَي: تستمع سَرقَة، يُقَال: اسْترق السّمع أَي: اسْترق مستخفياً.
قَوْله: ( إِلَى الْكُهَّان) ، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الْهَاء، جمع: كَاهِن وَهُوَ الَّذِي يتعاطى الْإِخْبَار عَن الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، ويدعى معرفَة الْأَسْرَار، وَفِي ( الْمغرب) : لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحرست السَّمَاء بطلت الكهانة.





[ قــ :3064 ... غــ :311 ]
- حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ حدَّثنا ابنُ شِهَابٍ عنْ أبي سلَمَةَ والأغَرِّ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ كانَ عَلَى كُلِّ بابٍُُ مِنْ أبْوابِ المَسْجِدِ مَلاَئِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأوَّلَ فَالأوَّلَ فإذَا جَلَسَ الإمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وجاؤُا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ.
( انْظُر الحَدِيث 99) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( مَلَائِكَة) .
وَأحمد بن يُونُس هُوَ ابْن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد ابْن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمَدِينِيّ، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، والأغر، بِفَتْح الْهمزَة والغين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء: اسْمه سلمَان أَبُو عبد الله الْجُهَنِيّ مَوْلَاهُم الْمدنِي، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: الْأَغَر، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: الْأَعْرَج، بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالجيم فِي آخِره، وَالْأول أشهر.
وَأخرج النَّسَائِيّ من وَجه آخر عَن الزُّهْرِيّ عَن الْأَعْرَج وَحده.

والْحَدِيث مر فِي كتاب الْجُمُعَة فِي: بابُُ الِاسْتِمَاع إِلَى الْخطْبَة بأتم مِنْهُ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي عبد الله الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة، الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.





[ قــ :3065 ... غــ :31 ]
- حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قالَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثَنا الزُّهْرِيُّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ قَالَ مرَّ عُمَرُ فِي المَسْجِدِ وحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وفِيهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أنْشُدُكَ بِاللَّه أسَمِعْتَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ أجِبْ عَنِّي أللَّهُمَّ أيِّدْهُ بِرُوحِ القُدُسِ قَالَ نَعَمْ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( بِروح الْقُدس) فَإِنَّهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.

قَوْله: ( فِي الْمَسْجِد) أَي: النَّبَوِيّ: وَالْوَاو فِي ( وَحسان) ، للْحَال، وَكَذَا الْوَاو فِي: ( وَفِيه من هُوَ خير مِنْك) .
وَقد مضى فِي: بابُُ الشّعْر فِي الْمَسْجِد، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن: أَنه سمع حسان بن ثَابت يستشهد أَبَا هُرَيْرَة: أنْشدك الله { هَل سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا حسان أجب عَن رَسُول الله} أللهم أيده بِروح الْقُدس؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم.
قَوْله: ( أسمعت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( أجب عني) ، أَي: قل جَوَاب هجو الْكفَّار عَن جهتي.





[ قــ :3066 ... غــ :313 ]
- حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثَابِتٍ عنِ الْبَرَاءِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحَسَّانَ اهْجُهُم أوْ هاجِهِمْ وجِبْرِيلُ مَعَكَ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَجِبْرِيل مَعَك) والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْمَغَازِي عَن حجاج بن منهال.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن زُهَيْر وَعَن أبي بكر بن نَافِع وَعَن بنْدَار عَن غنْدر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء عَن حميد بن مسْعدَة وَفِي المناقب عَن أَحْمد بن حَفْص.

قَوْله: ( اهجهم) ، أَمر من: هجا يهجو هجواً، وَهُوَ نقيض الْمَدْح.
قَوْله: ( أَو هاجهم) ، شكّ من الرَّاوِي من المهاجاة، وَمَعْنَاهُ: جازهم بهجوهم.
قَوْله: ( وَجِبْرِيل مَعَك) ، يَعْنِي: يؤيدك ويعينك عَلَيْهِ.





[ قــ :3067 ... غــ :314 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا جَرِيرٌ ( ح) وحدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ أخْبرنا وهْب بنُ جَرِير قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بنَ هِلاَلٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كأنِّي أنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ ساطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ زَادَ مُوسى مَوْكِبَ جِبْرِيلَ.
( الحَدِيث 413 طرفه فِي: 8114) .
[/ نه

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( موكب جِبْرِيل) عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَجَرِير هُوَ ابْن حَازِم أَبُو النَّصْر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، ووهب بن جرير يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم الْمَذْكُور، وروى هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين.
الأول: عَن مُوسَى عَن جرير عَن حميد عَن أنس.
وَالثَّانِي: عَن إِسْحَاق عَن وهب بن جرير عَن أَبِيه عَن حميد بن هِلَال بن هُبَيْرَة الْعَدوي أَبُو نصر الْبَصْرِيّ.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَيْضا.

قَوْله: ( فِي سكَّة بني غنم) ، السِّكَّة، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف: الزقاق، و: بني غنم، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون: بطن من الْخَزْرَج، وهم من ولد غنم بن مَالك بن النجار، مِنْهُم أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ وَآخَرُونَ.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَوهم من زعم أَن المُرَاد هُنَا ببني غنم حَيّ من بني تغلب، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة، فَإِن أُولَئِكَ لم يَكُونُوا يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ.
انْتهى.
قلت: أَرَادَ بِهَذَا الْحَط على الْكرْمَانِي، فَإِن الْقَائِل بِهِ هُوَ الْكرْمَانِي.
قَوْله: ( زَاد مُوسَى) ، هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور.
وَأَرَادَ بِهَذَا أَن مُوسَى زَاد فِي الْمَتْن هَذِه الزِّيَادَة، وَقد أوصلها البُخَارِيّ فِي الْمَغَازِي عَنهُ.
قَوْله: ( موكب جِبْرِيل) ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض.
قلت: الأولى أَن يُقَال: مَنْصُوب بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره: أنظر موكب جِبْرِيل، وَنَحْو ذَلِك، وَيجوز أَن يرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا موكب جِبْرِيل،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الْأَحْسَن أَن يكون مجروراً على أَنه بدل من لفظ: غُبَار،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: وموكب جِبْرِيل، بِالْوَاو والموكب نوع من السّير، وَيُقَال للْقَوْم الرّكُوب على الْإِبِل للزِّينَة: موكب، وَكَذَلِكَ جمَاعَة الفرسان.
.

     وَقَالَ  ابْن الْأَثِير: الموكب جمَاعَة من ركاب يَسِيرُونَ بِرِفْق، وهم أَيْضا: الْقَوْم الرّكُوب للزِّينَة والتنزه، وَذكره فِي: بابُُ وكب، فَدلَّ على أَن الْمِيم زَائِدَة، وَكَذَلِكَ ذكره الْجَوْهَرِي فِي: بابُُ وكب.





[ قــ :3068 ... غــ :315 ]
-
حدَّثنا فَرْوَةُ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهَا أنَّ الحَارِثَ بنَ هِشَامٍ قَالَ سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيْفَ يأتِيكَ الوَحْيُ قَالَ كُلُّ ذَاكَ يأتِي المَلَكُ أحْيانَاً فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ فَيَفْصُمُ عَنِّي وقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ وهْوَ أشَدُّهُ علَيَّ ويَتَمَثَّلُ لِي المَلَكُ أحْيَانَاً رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فأعِي مَا يَقُولُ.
( انْظُر الحَدِيث ) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( الْملك) فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وفروة، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء: ابْن أبي المغراء أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده.
والْحَدِيث مر فِي أول الْكتاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: ( فَيفْصم) ، بِالْفَاءِ أَي: يقطع.





[ قــ :3069 ... غــ :316 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ قَالَ حدَّثنا يَحيى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَنْ أنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ الله دَعَتْهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ أيْ فُلُ هَلُمَّ فَقالَ أبُو بَكْرٍ ذَاكَ الَّذِي لَا تَواى علَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْجُو أَن تَكُونَ مِنْهُمْ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( خَزَنَة الْجنَّة) فَإِنَّهُم الْمَلَائِكَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بابُُ فضل النَّفَقَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعد بن حَفْص عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.

قَوْله: ( زَوْجَيْنِ) ، أَي: دِرْهَمَيْنِ أَو دينارين.
قَوْله: ( أَي فل) أَي: يَا فلَان.
قَوْله: ( لَا توى) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: الاهلاك.