فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين، يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} [آل عمران: 43] " يقال: يكفل يضم، (كفلها) ضمها، مخففة، ليس من كفالة الديون وشبهها "

( بابٌُ)

هُوَ كالفصل لما قبله، فَلذَلِك جرد عَن التَّرْجَمَة.

{ وإِذْ قالَتِ المَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ الله اصْطَفَاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفَاكِ علَى نِسَاءِ العَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ذَلِكَ مِنْ أنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أقْلاَمَهُمْ أيُّهُمْ يَكْفَلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ} ( آل عمرَان: 24) .

هَذَا إِخْبَار من الله بِمَا خاطبت بِهِ الْمَلَائِكَة مَرْيَم، عَلَيْهَا السَّلَام، عَن أَمر الله لَهُم بذلك.
قَوْله: ( اصطفاك) أَي: اختارك وطهرك من الأكدار والوساوس واصطفاك ثَانِيًا مرّة بعد مرّة على نسَاء الْعَالمين.
قَوْله: ( اقنتي) أَمر من الْقُنُوت وَهُوَ الطَّاعَة، واسجدي واركعي، الْوَاو لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب، وَقيل: مَعْنَاهُ استعملي السُّجُود فِي حَالَة وَالرُّكُوع فِي حَالَة، وَقيل: على حَالَة، وَكَانَ السُّجُود مقدما على الرُّكُوع فِي شرعهم.
قَوْله: { واركعي مَعَ الراكعين} أَي: لتكن صَلَاتك مَعَ الْجَمَاعَة،.

     وَقَالَ : مَعَ الراكعين،.

     وَقَالَ : مَعَ الراكعين، لِأَنَّهُ أَعم من الراكعات لوُقُوعه على الرِّجَال وَالنِّسَاء.
قَوْله: ( ذَلِك) ، إِشَارَة إِلَى مَا سبق من نبأ زَكَرِيَّا وَيحيى وَمَرْيَم وَعِيسَى، يَعْنِي: أَن ذَلِك من الغيوب الَّتِي لم تعرفها إلاَّ بِالْوَحْي.
قَوْله: ( نوحيه إِلَيْك) أَي: نَقصه عَلَيْك.
قَوْله: ( وَمَا كنت لديهم) أَي: وَمَا كنت يَا مُحَمَّد عِنْدهم.
قَوْله: ( إِذْ يلقون أقلامهم) أَي: حِين يلقون، أَي: يطرحون أقلامهم وَهِي أقداحهم الَّتِي طرحوها فِي النَّهر مقترعين، وَقيل: هِيَ الأقلام الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بهَا التَّوْرَاة، اختاروها للقرعة تبركاً بهَا.
قَوْله: ( إِذْ يختصمون) ، فِي شَأْنهَا تنافساً فِي التكفل بهَا لرغبتهم فِي الْأجر.

يُقالُ: يَكْفُلُ يَضُمُّ كَفَلَهَا ضَمَّهَا مُخَفَفَةً لَيْسَ مِنْ كَفالَةِ الدُّيُونِ وشَبْهِهَا
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: { إيهم يكفل مَرْيَم ... } إِلَى قَوْله { وكفَّلها زَكَرِيَّا} ( آل عمرَان: 73) .
يَعْنِي: ضم مَرْيَم إِلَى نَفسه وَمَا ذَاك إلاَّ أَنَّهَا كَانَت يتيمة، قَالَه ابْن إِسْحَاق،.

     وَقَالَ  غَيره: إِن بني إِسْرَائِيل أَصَابَتْهُم سنة جَدب فكفل زَكَرِيَّا مَرْيَم لذَلِك، وَلَا مُنَافَاة بَين الْقَوْلَيْنِ.
قَوْله: ( مُخَفّفَة) ، أَي: حَال كَون كلمة: كفلها، بتَخْفِيف الْفَاء، وَفِي قَوْله: ( لَيْسَ من كَفَالَة الدُّيُون) نظر، لِأَن فِي كَفَالَة الدُّيُون أَيْضا معنى الضَّم، لِأَن الْكفَالَة ضم الذِّمَّة إِلَى الذِّمَّة فِي الْمُطَالبَة، وَقِرَاءَة التَّخْفِيف قِرَاءَة الْجُمْهُور، وَقِرَاءَة الْكُوفِيّين عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بالتثقيل، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وهم: نَافِع وَابْن كثير وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر بِالتَّخْفِيفِ فِي: كفلها، وعَلى التَّشْدِيد، فينتصب زَكَرِيَّا على المفعولية،.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَة: يُقَال فِي: كفلها زَكَرِيَّا، بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا، وبالكسر قَرَأَ بعض التَّابِعين.



[ قــ :3275 ... غــ :3432 ]
- حدَّثني أحْمَدُ بنُ أبِي رَجاءٍ حدَّثنا النَّضْرُ عنْ هِشَامٍ قَالَ أخبرَنِي أبي قَالَ سَمِعْتُ عبدَ الله ابنَ جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيّاً رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يَقولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ خَيْرُ نِسائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وخَيْرُ نِسائِهَا خَدِيجَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
( الحَدِيث 2343 طرفه فِي: 5183) .


مطابقته للبابُ المترجم فِي قَوْله: ( ابْنة عمرَان) .

ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: أَحْمد بن أبي رَجَاء بِالْجِيم واسْمه عبد الله بن أَيُّوب أَبُو الْوَلِيد الْحَنَفِيّ الْهَرَوِيّ.
الثَّانِي: النَّضر بن شُمَيْل، وَقد مر غير مرّة.
الثَّالِث: هِشَام ابْن عُرْوَة.
الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
الْخَامِس: عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب.
السَّادِس: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: حَدثنِي أَحْمد، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا، بِصِيغَة الْجمع.
وَفِيه: التحديث أَيْضا بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين.
وَفِيه: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ أَصْحَاب هِشَام بن عُرْوَة عَنهُ، هَكَذَا وَخَالفهُم ابْن جريج وَابْن إِسْحَاق فروياه عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عبد الله بن الزبير عَن عبد الله بن جَعْفَر، وَقد زَاد فِي الْإِسْنَاد: عبد الله بن الزبير، وَالصَّوَاب الأول.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل خَدِيجَة وَصدقَة بن الْفضل.
وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن أبي كريب وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن إِسْحَاق ابْن هَارُون.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن حَرْب.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( خير نسائها) ، أَي: خير نسَاء أهل الدُّنْيَا فِي زمانها، وَلَيْسَ المُرَاد أَن مَرْيَم خير نسائها، لِأَنَّهُ يصير كَقَوْلِهِم، يُوسُف أحسن إخْوَته، وَقد مَنعه النُّحَاة، وَعَن وَكِيع: أَي خير نسَاء الأَرْض فِي عصرها،.

     وَقَالَ  القَاضِي: أَي من خير نسَاء الأَرْض.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بقوله: خير نسائها مَرْيَم، نسَاء بني إِسْرَائِيل، وَبِقَوْلِهِ: خير نسائها خَدِيجَة، نسَاء الْعَرَب أَو تِلْكَ الْأمة، وَهَذِه الْأمة وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أفضل نسَاء أهل الْجنَّة خَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد وَمَرْيَم بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن، وَرَوَاهُ أَبُو يعلى أَيْضا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مسقصىً فِي: بابُُ قَول الله تَعَالَى: { وَضرب الله مثلا للَّذين آمنُوا امْرَأَة فِرْعَوْن} ( التَّحْرِيم: 11) .