فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حديث الغار

( بابُُ حَدِيثُ الغَارِ)

أَي: هَذَا بَيَان حَدِيث الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ ثَلَاثَة نفر مِمَّن كَانُوا قبلنَا، قيل: وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذكر حَدِيث الْغَار عقيب حَدِيث أبرص وأقرع وأعمى هُوَ أَنه ورد أَن الرقيم الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى: { أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} ( الْكَهْف: 9) .
هُوَ الْغَار الَّذِي آوى إِلَيْهِ الثَّلَاثَة المذكورون، وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر الرقيم، قَالَ: إنطلق ثَلَاثَة فَكَانُوا فِي كَهْف فَوَقع الْحَبل على بابُُ الْكَهْف فأوصد عَلَيْهِم ... الحَدِيث.
قلت: يحْتَمل أَنه ذكر هَذَا عقيب ذَاك لِأَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانُوا فِي زمن بني إِسْرَائِيل، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر: أَن ثَلَاثَة نفر من بني إِسْرَائِيل، الحَدِيث، ذكره فِي الدُّعَاء.



[ قــ :3306 ... غــ :3465 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ أخْبرَنَا عليُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمَا أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أصَابَهُمْ مَطَرٌ فأوَوْا إلَى غَارٍ فانْطَبَقَ علَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنَّهُ وَالله يَا هاؤُلاءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إلاَّ الصِّدْقُ فَلْيَدْعُ كلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ واحِدٌ مِنْهُمْ أللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي أجِيرٌ عمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أرُزٍّ فذَهَبَ وتَرَكَهُ وأنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الفَرَقِ فزَرَعْتُهُ فَصارَ مِنْ أمْرِهِ أنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرَاً وأنَّهُ أتَانِي يَطْلُبُ أجْرَهُ فقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إلَى تِلْكَ البَقَرِ فسُقْهَا فَقالَ لِي إنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ لَهُ اعْمِدْ إلَى تِلْكَ البَقَرِ فإنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الفَرَقِ فَساقَها فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجُ عَنَّا فانْسَاخَتْ عنهُمُ الصَّخْرَةُ فقالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي أبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ آتِيهِما كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فأبْطَأتُ عَلَيْهِمَا فَجِئْتُ وقَدْ رَقَدَا وأهْلِي وعِيَالِي يتَضَاغَوْنَ مِنَ الجُوعِ فَكُنْتُ لاَ أسْقِيهِمْ حتَّى يَشْرَبَ أبَوَايَ فكَرِهْتُ أنْ أوقِظَهُمَا وكَرِهْتُ أنْ أدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فلَمْ أزَلْ أنْتَظِرُ حتَّى طَلَعَ الفَجْرُ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فانْسَاخَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حتَّى نَظَرُوا إلَى السَّماءِ فَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّهُ كانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ وإنِّي رَاوَدْتُهَا عنْ نَفْسِها فأبَتْ إلاَّ أنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينارٍ فطَلَبْتُهَا حتَّى قَدَرْتُ فأتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُها إلَيْهَا فأمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فقالَتِ اتَّقِ الله ولاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلاَّ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وتَرَكْتُ المِائَةَ دِينارٍ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا ففَرَّجَ الله عَنْهُمْ فخَرَجُوا.
.


وَجه الْمُطَابقَة قد ذكر الْآن.
وَإِسْمَاعِيل بن خَلِيل أَبُو عبد الله الْخُزَاعِيّ الْكُوفِي، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي الْإِجَارَة فِي: بابُُ من اسْتَأْجر أَجِيرا فَترك أجره، أخرجه عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم بن عبد الله عَن عبد الله بن عمر، وَمضى أَيْضا فِي الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا اشْترى شَيْئا لغيره عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَمضى أَيْضا فِي الْبيُوع فِي: بابُُ إِذا زرع بِمَال قوم عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر عَن أبي ضَمرَة عَن مُوسَى ابْن عقبَة عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر، وَلم يخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث إلاَّ من رِوَايَة ابْن عمر، وَكَذَلِكَ مُسلم، وَفِي الْبابُُ عَن أنس عِنْد الطَّبَرَانِيّ وَعَن أبي هُرَيْرَة عِنْد ابْن حبَان، وَعَن النُّعْمَان بن بشير عِنْد أَحْمد وَعَن عَليّ وَعقبَة بن عَامر وَعبد الله ابْن عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَعبد الله بن أبي أوفى عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَقد ذكرنَا فِي كل مَوضِع بِمَا فتح الله تَعَالَى، وَنَذْكُر هُنَا بعض شَيْء وَمَا علينا إِن وَقع بعض تكْرَار، فَإِن التكرير يُفِيد تكْرَار الْمسك عِنْد التضوع.

قَوْله: ( مِمَّن كَانَ قبلكُمْ) ، يَعْنِي من بني إِسْرَائِيل كَمَا فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ الَّتِي ذَكرنَاهَا آنِفا.
قَوْله: ( يَمْشُونَ) فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ، وَهُوَ قَوْله: ثَلَاثَة نفر، وأضيف: بَيْنَمَا إِلَى هَذِه الْجُمْلَة.
وَقَوله: ( إِذا أَصَابَهُم) جَوَاب: بَيْنَمَا.
قَوْله: ( فآووا إِلَى غَار) ، بقصر الْهمزَة، يُقَال: آوى بِنَفسِهِ مَقْصُور، وآويته أَنا بِالْمدِّ، وَقيل: يجوز هُنَا الْقصر وَالْمدّ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأبي يعلى وَالْبَزَّار: فَدَخَلُوا غاراً فَسقط عَلَيْهِم حجر يتجافى حَتَّى مَا يرَوْنَ مِنْهُ، وَفِي رِوَايَة سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عِنْد البُخَارِيّ: حَتَّى أواهم الْمبيت، بِنصب الْمبيت على المفعولية، ووجهوه بِأَن دُخُول الْغَار من فعلهم فَحسن أَن ينْسب الإيواء إِلَيْهِم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من هَذَا الْوَجْه: فآواهم المبيتُ بِرَفْع الْمبيت على الفاعلية.
قَوْله: ( فانطبق عَلَيْهِم) ، أَي: بابُُ الْغَار، وَمضى فِي الْمُزَارعَة: فانحطت على فَم غارهم صَخْرَة من الْجَبَل فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِم، وَفِي رِوَايَة سَالم: فدخلوه فانحدرت صَخْرَة من الْجَبَل فَسدتْ عَلَيْهِم الْغَار، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: إِذْ وَقع الْحجر من الْجَبَل مِمَّا يهْبط من خشيَة الله حَتَّى سد فَم الْغَار.
قَوْله: ( إِنَّه) أَي: الشَّأْن.
قَوْله: ( فليدعُ كل رجل مِنْكُم) ، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: أنظروا أعمالاً عملتموها صَالِحَة لله، وَمثله فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي الْبيُوع: أدعوا الله بِأَفْضَل عمل عملتموه، وَفِي رِوَايَة سَالم: أَنه لَا ينجيكم إلاَّ أَن تدعوا الله بِصَالح أَعمالكُم.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس جَمِيعًا، فَقَالَ بَعضهم: عفى الْأَثر وَوَقع الْحجر وَلَا يعلم بمكانكم إلاَّ الله، أدعوا الله بأوثق أَعمالكُم.
وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير إِنَّكُم لن تَجدوا شَيْئا خيرا لكم من أَن يَدْعُو كل امرىء مِنْكُم بِخَير عمل عمله قطّ.
قَوْله: ( فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم) ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَأبي الْوَقْت والنسفي:.

     وَقَالَ : أللهم، بِدُونِ ذكر لفظ: وَاحِد مِنْهُم.
قَوْله: ( إِن كنت تعلم) ، على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، لأَنهم كَانُوا جازمين بِأَن الله عَالم بذلك فَلَا مجَال لحرف الشَّك فِيهِ، وَأجِيب: بِأَنَّهُم لم يَكُونُوا عَالمين بِأَن لأعمالهم اعْتِبَارا عِنْد الله، وَلَا جازمين، فَقَالُوا: إِن كنت تعلم لَهَا اعْتِبَارا ففرِّج عَنَّا.
قَوْله: ( على فرق) ، بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء بعْدهَا قَاف، وَقد تسكن الرَّاء و: هُوَ مكيال يسع ثَلَاثَة آصَع.
قَوْله: ( من أرز) فِيهِ سِتّ لُغَات، قد ذَكرنَاهَا فِيمَا مضى.
قَوْله: ( عَمَدت) أَي: قصدت.
قَوْله: ( اشْتريت مِنْهُ بقرًا) ، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فِيهِ صِحَة بيع الْفُضُولِيّ؟ قلت: هَذَا شرع من قبلنَا، ثمَّ لَيْسَ فِيهِ أَن الْفرق كَانَ معينا، وَلم يكن فِي الذِّمَّة وَقَبضه الْأَجِير وَدخل فِي ملكه، بل كَانَ هَذَا تَبَرعا مِنْهُ لَهُ.
انْتهى.
قلت: لَا حَاجَة أصلا إِلَى هَذَا السُّؤَال، لِأَن بيع الْفُضُولِيّ يجوز إِذا أجَازه صَاحب الْمَتَاع، فَلَا يُقَال من أول الْأَمر: إِن البيع غير صَحِيح.
قَوْله: ( فانساخت) أَي: انشقت، وَأنْكرهُ الْخطابِيّ لِأَن معنى: انساخ، بِالْمُعْجَمَةِ وَيُقَال: انصاخ، بالصَّاد الْمُهْملَة بدل السِّين أَي: انْشَقَّ من قبل نَفسه، قَالَ: وَالصَّوَاب: انساحت، بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: اتسعت، وَمِنْه: ساحة الدَّار.
قَالَ: وانصاح، بالصَّاد الْمُهْملَة بدل السِّين، أَي: تصدع يُقَال للبرق، قيل؛ الرِّوَايَة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة صَحِيحَة، وَهِي بِمَعْنى: انشقت، وَإِن كَانَ أَصله بالصَّاد فالصاد قد قلبت سيناً، وَلَا سِيمَا مَعَ الْخَاء الْمُعْجَمَة: كالصخر والسخر، وَوَقع فِي حَدِيث سَالم: فانفرجت شَيْئا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج، وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: فانصدع الْجَبَل حَتَّى رَأَوْا الضَّوْء، وَفِي حَدِيث عَليّ: فانصدع الْجَبَل حَتَّى طمعوا فِي الْخُرُوج وَلم يستطيعوا، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأنس فَزَالَ ثلث الْحجر، قَوْله: ( أللهم إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِحَذْف: أَنه، قَوْله: ( أَبَوَانِ) ، من بابُُ التغليب وَالْمرَاد الْأَب وَالأُم، وَصرح بذلك فِي حَدِيث ابْن أبي أوفى.
قَوْله: ( شَيْخَانِ كبيران) ، وَزَاد فِي رِوَايَة أبي ضَمرَة عَن مُوسَى بن عقبَة: ولي صبية صغَار فَكنت أرعى عَلَيْهِم، وَفِي حَدِيث عَليّ: أَبَوَانِ ضعيفان فقيران لَيْسَ لَهما خَادِم وَلَا رَاع وَلَا ولي غَيْرِي فَكنت أرعى لَهما بِالنَّهَارِ وآوي إِلَيْهِمَا بِاللَّيْلِ.
قَوْله: ( فأبطأت عَنْهُمَا لَيْلَة) ، وَفِي رِوَايَة سَالم: فنأي بِي طلب شَيْء يَوْمًا فَلم أرح عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، وَالشَّيْء لم يُفَسر مَا هُوَ فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقد بَين فِي روايه مُسلم من طَرِيق أبي ضَمرَة، وَلَفظه: وَأَنه نأي بِي ذَات يَوْم الشّجر، وَالْمرَاد أَنه بعد عَن مَكَانَهُ الَّذِي يرْعَى فِيهِ على الْعَادة لأجل الْكلأ، فَذَلِك أَبْطَأَ، ويفسره أَيْضا حَدِيث عَليّ: فَإِن الْكلأ تناءى عَليّ: أَي: تبَاعد، والكلأ: العشب الَّذِي يرْعَى الْغنم مِنْهُ.
قَوْله: ( وَأَهلي) مُبْتَدأ ( وعيالي) عطف عَلَيْهِ، وَخَبره: ( يتضاغون) بضاد وغين معجمتين من الضغاء بِالْمدِّ وَهُوَ الصياح،.

     وَقَالَ  الدَّاودِيّ: يُرِيد بالأهل والعيال: الزَّوْجَة وَالْأَوْلَاد وَالرَّقِيق وَالدَّوَاب، وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين، فَقَالَ: لَا معنى للدواب هُنَا.
قلت: تدخل الدَّوَابّ فِي الْعِيَال بِالنّظرِ إِلَى الْمَعْنى اللّغَوِيّ، لِأَن معنى قَوْلهم: عَال فلَان، أَي: أنْفق عَلَيْهِ، وَجَاء فِي رِوَايَة سَالم: وَكنت لَا أغبق قبلهمَا أَهلا وَلَا مَالا.
فَهَذَا يُقَوي مَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: ( من الْجُوع) ، أَي: بِسَبَب الْجُوع.
وَفِيه: رد على مَا قَالَ: لَعَلَّ صِيَاحهمْ كَانَ بِسَبَب آخر غير الْجُوع.
قَوْله: ( فَكرِهت أَن أوقظهما) ، وَفِي حَدِيث عَليّ: ثمَّ جَلَست عِنْد رؤوسهما بإنائي كَرَاهِيَة أَن أوقظهما أَو أؤذيهما، وَفِي حَدِيث أنس: كَرَاهِيَة أَن أرد وسنهما، وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: وكرهت أَن أوقظهما من نومهما، فَيشق ذَلِك عَلَيْهِمَا.
قَوْله: ( ليستكنا) من الاستكانة أَي: ليضعفا لِأَنَّهُ عشاؤهما وَترك الْعشَاء يهرم.
قَوْله: ( لشربتهما) ، أَي: لأجل عدم شربهما،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروى: ليستكنا، يَعْنِي بتَشْديد النُّون، أَي: يلبثا فِي كنهما منتظرين لشربهما.
قَوْله: ( فَأَبت) ، أَي: امْتنعت، وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة: فَقَالَت: لَا تنَال ذَلِك مِنْهَا، حَتَّى قَوْله: ( بِمِائَة دِينَار) وَفِي رِوَايَة سَالم: فأعطيتها عشْرين وَمِائَة دِينَار وَطلب الْمِائَة مِنْهَا وَالزِّيَادَة من قبل نَفسه أَو الرَّاوِي الَّذِي لم يذكر الزِّيَادَة طرحها، وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: مَالا ضخماً.
قَوْله: ( فَلَمَّا قعدت بَين رِجْلَيْهَا) ، وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: وَجَلَست مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة.
قَوْله: ( لَا تفض) ، بالفاى وَالضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: لَا تكسر ( والخاتم) كِنَايَة عَن عذرتها وَكَأَنَّهَا كَانَت بكرا.
فَإِن قلت: فِي حَدِيث النُّعْمَان مَا يدل على أَنَّهَا لم تكن بكرا.
قلت: يحمل على أَنَّهَا أَرَادَت بالخاتم الْفرج، وَالْألف واللاَّم فِي: الْخَاتم، عوض عَن الْيَاء أَي: خَاتمِي.
قَوْله: ( إلاَّ بِحقِّهِ) أَي: الْحَلَال، أَرَادَت أَنَّهَا لَا تحل لَهُ إلاَّ بتزويج صَحِيح، وَوَقع فِي حَدِيث عَليّ: فَقَالَت: أذكرك الله أَن لَا ترتكب مني مَا حرم الله عَلَيْك.
قَالَ: أَنا أَحَق أَن أَخَاف رَبِّي، وَفِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: فَلَمَّا أمكنتني من نَفسهَا، بَكت، فَقلت: مايبكيك؟ قَالَت: فعلت هَذَا من الْحَاجة، فَقلت: إنطلقي.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي أوفى: فَلَمَّا جَلَست مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة ذكرت النَّار، فَقُمْت عَنْهَا.
<

( بابٌُ)

أَي: هَذَا بابُُ، وَهُوَ كالفصل لما قبله، وَلَيْسَ فِي أَكثر النّسخ لفظ: بابُُ.



[ قــ :3307 ... غــ :3466 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ أخْبرنَا شُعَيْبٌ حدَّثنا أبُو الزِّنادِ عنْ عبدِ الرَّحْمانِ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ بَيْنَا امْرَأةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وهْيَ تُرْضِعُهُ فقالَتِ اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْ ابْنِي حتَّى يَكُونَ مِثْلَ هذَا فَقَالَ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ رَجعَ فِي الثَّدْيِ ومُرَّ بامْرَأةٍ تُجَرَّرُ ويُلْعَبُ بِهَا فقالَتْ اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فقالَ أمَّا الرَّاكِبُ فإنَّهُ كافِرٌ وأمَّا المَرْأةُ فإنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي وتَقولُ حَسْبِيَ الله ويَقُولونَ تَسْرِقُ وتَقولُ حَسْبِيَ الله.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن وَقع هَذَا كَانَ فِي أَيَّام بني إِسْرَائِيل، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج، وَمضى الحَدِيث فِي: بابُُ { وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} ( مَرْيَم: 61) .
عَن قريب، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ( مر) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول.
قَوْله: ( تجرر) ، بالراء.





[ قــ :3308 ... غــ :3467 ]
- حدَّثنا سعَيدُ بنُ تَليدٍ حدَّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ أخبرَنِي جَرِيرُ ابنُ حازِمٍ عنْ أيُّوبَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ إذْ رأتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيلَ فنزَعَتْ مُوقَها فسَقَتْهُ فنُفِرَ لَهَا بِهِ.
( انْظُر الحَدِيث 133) .


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَسَعِيد هُوَ سعيد بن عِيسَى بن سعيد بن تليد، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر اللَّام: أَبُو عُثْمَان الرعيني الْمصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَيَوَان
قَوْله: ( يطِيف) بِضَم أَوله من أطاف يطِيف بعنى: طَاف يطوف طوفاً، وَهُوَ الدوران حول الشَّيْء.
قَوْله: ( بركية) بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: وَهِي الْبِئْر مطوية كَانَت أَو غير مطوية، وَغير المطوية يُقَال لَهَا: جب، وقليب، وَقيل: الركي، الْبِئْر قبل أَن تطوى، فَإِذا طويت فَهِيَ الطوى.
قَوْله: ( بغي) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء: وَهِي الزَّانِيَة، وَتجمع على: بَغَايَا، قَوْله: ( موقها) بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره قَاف، قَالَ بَعضهم: هُوَ الْخُف.
قلت: لَا بل الموق هُوَ الَّذِي يلبس فَوق الْخُف وَيُقَال لَهُ: الجرموق أَيْضا وَهُوَ فَارسي مُعرب ( بِهِ) فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَلَيْسَ هُوَ فِي رِوَايَة غَيره، وَقد مضى فِي كتاب الشّرْب عَن أبي هُرَيْرَة نَحْو هَذَا، وَلَكِن الْقَضِيَّة للرجل، وَكَذَا وَقع فِي الطَّهَارَة فِي شَأْن الرجل.
قَالَ بَعضهم: يحْتَمل تعدد الْقَضِيَّة.
قلت: بل يقطع بِأَنَّهُ قضيتان: إِحْدَاهمَا للرجل، الْأُخْرَى: للْمَرْأَة، وَإِنَّمَا يُقَال: يحْتَمل تعدد الْقَضِيَّة أَن لَو كَانَت لوَاحِد، فَافْهَم.





[ قــ :3309 ... غــ :3468 ]
- حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عَن حُمَيْدِ ابنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ سَمِعَ مُعاوِيَةَ بنِ أبِي سُفْيانَ عامَ حَجَّ علَى المِنْبَرِ فتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أهْلَ المَدِينَةِ أيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَنْهَى عنْ مِثْلِ هَذِهِ ويَقُولُ إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ حينَ اتَّخَذَهَا نَسَاؤُهُم.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل) .

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي اللبَاس عَن إِسْمَاعِيل.
وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن حَرْمَلَة بن يحيى وَعَن عبد بن حميد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي التَّرَجُّل عَن القعْنبِي بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الاسْتِئْذَان عَن سُوَيْد بن نصر.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( عَام حج) ، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ عَن سعيد بن الْمسيب: آخر قدمة قدامها، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة إِحْدَى وَخمسين وَهِي آخر حجَّة حَجهَا مُعَاوِيَة فِي خِلَافَته.
قَوْله: ( على الْمِنْبَر) ، حَال من مُعَاوِيَة، وَالْمرَاد بِهِ: مِنْبَر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( قُصة) ، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة: وَهِي شعر الرَّأْس من جِهَة الناصية.
وَهنا المُرَاد مِنْهُ قِطْعَة، من: قصصت الشّعْر أَي: قطعته.
قَوْله: ( حرسي) مَنْسُوب إِلَى الحراس أحد الحرس وهم الَّذين يَحْرُسُونَ السُّلْطَان.
قَالَ الْكرْمَانِي: الْوَاحِد حرسي لِأَنَّهُ قد صَار اسْم جنس فنسب إِلَيْهِ، وَلَا تقل حارس إلاَّ أَن تذْهب بِهِ إِلَى معنى الحراسة دون الْجِنْس، وَيُطلق الحرسي وَيُرَاد بِهِ الجندي.
قَوْله: ( فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة) أَي: يَا أهل الْمَدِينَة.
وَفِي أَكثر النّسخ لفظ: يَا، غير محذوفة.
قَوْله: ( أَيْن عُلَمَاؤُكُمْ؟) قَالَ بَعضهم: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن الْعلمَاء إِذْ ذَاك فيهم كَانُوا قَلِيلا وَهُوَ كَذَلِك، لِأَن غَالب الصَّحَابَة يَوْمئِذٍ كَانُوا قد مَاتُوا وَكَانَ رَأْي جهال عوامهم صَنَعُوا ذَلِك، فَأَرَادَ أَن يذكر علماءهم ويؤنبهم بِمَا تَرَكُوهُ من الْإِنْكَار فِي ذَلِك.
قلت: إِن كَانَ غَالب الصَّحَابَة مَاتُوا فِي ذَلِك الْوَقْت فقد قَامَ مقامهم أَكثر مِنْهُم جمَاعَة من التَّابِعين الْكِبَار وَالصغَار وأتباعهم، وَلم يكن مُعَاوِيَة قصد هَذَا الْمَعْنى الَّذِي ذكره هَذَا الْقَائِل، وَإِنَّمَا كَانَ قَصده الْإِنْكَار عَلَيْهِم بإهمالهم إِنْكَار مثل هَذَا الْمُنكر وغفلتهم عَن تَغْيِيره، وَفِي هَذَا اعتناء الْوُلَاة بِإِزَالَة الْمُنْكَرَات وتوبيخ من أهملها.
قَوْله: ( وَيَقُول) ، عطف على قَوْله: ( وَينْهى) أَي: يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: ( إِنَّمَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل حِين اتخذها) أَي: حِين اتخذ الْقِصَّة نِسَاؤُهُم، وَكَانَ هَذَا سَببا لهلاكهم، فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِم، فَلَمَّا فَعَلُوهُ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك مِمَّا ارتكبوا من الْمعاصِي هَلَكُوا.
وَفِيه: معاقبة الْعَامَّة بِظُهُور الْمُنكر.





[ قــ :3310 ... غــ :3469 ]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّهُ قَدْ كانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وإنَّهُ إنْ كانَ فِي أُمَّتِي هَذهِ مِنْهُمْ فإنَّهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ.
( الحَدِيث 9643 طرفه فِي: 9863) .


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( فِيمَا مضى قبلكُمْ من الْأُمَم) .
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الْقرشِي الأويسي الْمَدِينِيّ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَسعد يروي عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن يحيى بن قزعة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن رَافع وَالْحسن بن مُحَمَّد.

قَوْله: ( إِنَّه) أَي: إِن الشَّأْن قد كَانَ فِيمَا مضى قبلكُمْ من الْأُمَم، أَرَادَ: بني إِسْرَائِيل.
قَوْله: ( محدثون) ، بِفَتْح الدَّال الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة جمع: مُحدث، قَالَ الْخطابِيّ: الْمُحدث الملهم الَّذِي يلقِي الشَّيْء فِي روعه فَكَأَنَّهُ قد حدث بِهِ يظنّ فَيُصِيب، ويخطر الشَّيْء بِبَالِهِ فَيكون، وَهِي منزلَة جليلة من منَازِل الْأَوْلِيَاء، وَقيل: الْمُحدث هُوَ من يجْرِي الصَّوَاب على لِسَانه، وَقيل: من تكَلمه الْمَلَائِكَة.
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: أَخْبرنِي بعض أَصْحَاب أبي عُيَيْنَة، قَالَ: محدثون، يَعْنِي: مفهمون.
.

     وَقَالَ  ابْن وهب: ملهمون،.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة: يصيبون إِذا ظنُّوا وَحَدثُوا.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يَعْنِي متفرسون.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ حاكياً عَن البُخَارِيّ: يجْرِي الصَّوَاب على ألسنتهم، وَهَذِه الْمعَانِي مُتَقَارِبَة.
قَوْله: ( وَإنَّهُ) أَي: وَإِن الشَّأْن أَن كَانَ فِي أمتِي مِنْهُم، أَي: من الْمُحدثين، فَإِنَّهُ عمر بن الْخطاب قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك على سَبِيل التوقع، وَقد وَقع ذَلِك بِحَمْد الله تَعَالَى.
وَفِيه منقبة عَظِيمَة لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَفِيه: كَرَامَة الْأَوْلِيَاء وَأَنَّهَا لَا تَنْقَطِع إِلَى يَوْم الدّين.





[ قــ :3311 ... غــ :3470 ]
- حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ قَتَادَةَ عنْ أبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِي عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رجُلٌ قتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ إنْسَاناً ثُمَّ خَرَجَ يَسْألُ فأتَى رَاهِبَاً فسَألَهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ لاَ فقَتَلَهُ فجَعَلَ يَسْألُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وكَذَا فأدْرَكَهُ المَوْتُ فَناءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فاخْتَصَمَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلاَئِكَةُ العَذَابِ فأوْحَى الله إِلَى هاذِهِ أنْ تَقَرَّبِي وأوْحَى الله إلَى هَذِهِ أنْ تَبَاعَدِي.

     وَقَالَ  قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى هَذِهِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فغُفِرَ لَهُ.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو الصّديق، بِكَسْر الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْديد الثَّانِيَة: واسْمه بكر بن قيس، أَو: بكر بن عَمْرو النَّاجِي، بالنُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وَتَشْديد الْيَاء نِسْبَة إِلَى: نَاجِية بنت غَزوَان أُخْت عتبَة بن لؤَي وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن بنْدَار بِهِ وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن أبي مُوسَى.
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.

قَوْله: ( ثمَّ خرج يسْأَل) ، أَي: عَن التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق هِشَام عَن قَتَادَة، يسْأَل عَن أعلم أهل الأَرْض؟ فَدلَّ على رَاهِب.
قَوْله: ( فَأتى رَاهِبًا) ، الراهب وَاحِد رُهْبَان النَّصَارَى وَهُوَ الْخَائِف والمتعبد.
قيل: فِيهِ إِشْعَار بِأَن ذَلِك كَانَ بعد رفع عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَن الرهبانية إِنَّمَا ابتدعها أَتْبَاعه كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْقُرْآن.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ: هَل من تَوْبَة؟) يَعْنِي: فَقَالَ للراهب: هَل من تَوْبَة لي؟ وَفِي بعض النّسخ فَقَالَ: لَهُ تَوْبَة؟.

     وَقَالَ  بعض شراحه: حذف أَدَاة الإستفهام، وَفِيه تَجْرِيد لِأَن حق الْقيَاس أَن يَقُول: أَلِي تَوْبَة؟ قلت: لَيْسَ هَذَا بتجريد، وَإِنَّمَا هُوَ الْتِفَات.
وَقَوله: لِأَن حق الْقيَاس، غير موجه لِأَنَّهُ لَا قِيَاس هُنَا، وَإِنَّمَا يُقَال فِي مثل هَذَا: لِأَن مُقْتَضى الظَّاهِر أَن يُقَال كَذَا.
قَوْله: ( فَقتله) أَي: قتل الراهب الَّذِي سَأَلَهُ وأجابه بِلَا.
قَوْله: ( فَجعل يسْأَل) أَي: من النَّاس ليدلوه على من يَأْتِي إِلَيْهِ فيسأله عَن التَّوْبَة.
قَوْله: ( فَقَالَ لَهُ رجل: ائتِ قَرْيَة كَذَا وَكَذَا) ، وَزَاد فِي رِوَايَة هِشَام فَإِن بهَا أُنَاسًا يعْبدُونَ الله فاعبد الله مَعَهم وَلَا ترجع إِلَى أَرْضك فَإِنَّهَا أَرض سوء، فَانْطَلق حَتَّى إِذا كَانَ نصف الطَّرِيق أَتَاهُ الْمَوْت.
قَوْله: ( فأدركه الْمَوْت) ، أَي: فِي الطَّرِيق، وَالْفَاء فِيهِ فصيحة تَقْدِيره: فَذهب إِلَى تِلْكَ الْقرْيَة فأدركه الْمَوْت، وَالْمرَاد إِدْرَاك أَمَارَات الْمَوْت.
قَوْله: ( فنَاء) بنُون وَمد وَبعد الْألف همزَة، أَي: مَال بصدره إِلَى نَاحيَة تِلْكَ الْقرْيَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا للتَّوْبَة وَالْعِبَادَة، وَقيل: فنى، على وزن سعى بِغَيْر مد أَي بعد، فعلى هَذَا الْمَعْنى بَعُدَ عَن الأَرْض الَّتِي خرج مِنْهَا.
وَقيل: قَوْله فنَاء بصدره مدرج، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه قَالَ فِي آخر الحَدِيث: قَالَ قَتَادَة: قَالَ الْحسن: ذكر لنا أَنه لما أَتَاهُ الْمَوْت ناء بصدره.
قَوْله: ( فاختصمت فِيهِ) ، وَزَاد فِي رِوَايَة هِشَام.
فَقَالَت مَلَائِكَة الرَّحْمَة: جَاءَنَا تَائِبًا مُقبلا بِقَلْبِه إِلَى الله تَعَالَى.
.

     وَقَالَ ت مَلَائِكَة الْعَذَاب: إِنَّه لم يعْمل خيرا قطّ، فَأَتَاهُم ملك فِي صُورَة آدَمِيّ فجعلوه حكما بَينهم فَقَالَ: قيسوا مَا بَين الْأَرْضين، فَإلَى أَيهمَا كَانَ أدنى فَهُوَ لَهَا.
قَوْله: ( فَأوحى الله إِلَى هَذِه) أَي: إِلَى الْقرْيَة المتوجه إِلَيْهَا ( أَن تقربي) كلمة أَن، تفسيرية.
قَوْله: ( وَأوحى إِلَى هَذِه) أَي: إِلَى الْقرْيَة المتوجه مِنْهَا: ( أَن تباعدي) .
قَوْله: ( قيسوا مَا بَينهمَا) أَي: مَا بَين القريتين،.

     وَقَالَ  بَعضهم مُتَعَجِّبا: وَقعت لي تَسْمِيَة القريتين المذكورتين من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي ( الْكَبِير) للطبراني، قَالَ: فِيهِ أَن اسْم الْقرْيَة الصَّالِحَة نصْرَة وَاسم الْقرْيَة الْآخِرَة كفرة.
قلت: هَذَا لَيْسَ مَحل التَّعَجُّب والاستغراب فَإِن اسْمهَا مَذْكُور فِي مَوَاضِع كَثِيرَة، وَقد ذكرهَا أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي فِي ( تَنْبِيه الغافلين) .
قَوْله: ( فَوجدَ إِلَى هَذِه) ، أَي: إِلَى الْقرْيَة الَّتِي توجه إِلَيْهَا.
قَوْله: ( فغفر لَهُ) أَي: غفر الله لَهُ.
فَإِن قيل: حُقُوق الْآدَمِيّين لَا تسْقط بِالتَّوْبَةِ بل لَا بُد من الاسترضاء.
وَأجِيب: بِأَن الله تَعَالَى إِذا قبل تَوْبَة عَبده يرضى خَصمه.

وَفِي الحَدِيث: مَشْرُوعِيَّة التَّوْبَة من جَمِيع الْكَبَائِر حَتَّى من قتل النَّفس،.

     وَقَالَ  القَاضِي: مَذْهَب أهل السّنة أَن التَّوْبَة تكفر الْقَتْل كَسَائِر الذُّنُوب، وَمَا رُوِيَ عَن بَعضهم من تَشْدِيد فِي الزّجر وتقنيط عَن التَّوْبَة، فَإِنَّمَا رُوِيَ ذَلِك لِئَلَّا تجترىء النَّاس على الدِّمَاء، قَالَ الله تَعَالَى: { إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} ( النِّسَاء: 84 و 611) .
فَكل مَا دون الشّرك يجوز أَن يغْفر لَهُ.
وَأما قَوْله تَعَالَى: { وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} ( النِّسَاء: 39) .
فَمَعْنَاه: جَزَاؤُهُ أَن جازاه وَقد لَا يجازى بل يعْفُو عَنهُ، وَإِذا اسْتحلَّ قَتله بِغَيْر حق وَلَا تَأْوِيل فَهُوَ كَافِر يخلد فِي النَّار إِجْمَاعًا.
وَفِيه: فضل الْعَالم على العابد، لِأَن الَّذِي أفتاه أَولا بِأَن لَا تَوْبَة لَهُ غلبت عَلَيْهِ الْعِبَادَة، فاستعظم وُقُوع مَا وَقع من ذَلِك الْقَاتِل من استجرائه على قتل هَذَا الْعدَد الْكثير، وَأما الثَّانِي فغلب عَلَيْهِ الْعلم فأفتاه بِالصَّوَابِ ودله على طَرِيق النجَاة.
وَفِيه: حجَّة من أجَاز التَّحْكِيم، وَأَن المحكمان إِذا رَضِيا جَازَ عَلَيْهِمَا الحكم.
وَفِيه: أَن للْحَاكِم، إِذا تَعَارَضَت عِنْده الْأَحْوَال وتعذرت الْبَينَات، أَن يسْتَدلّ بالقرائن على التَّرْجِيح.
وَفِيه: من جَوَاز الِاسْتِدْلَال على أَن فِي بني آدم من يصلح للْحكم بَين الْمَلَائِكَة.
وَفِيه: رَجَاء عَظِيم لأَصْحَاب العظائم.





[ قــ :331 ... غــ :3471 ]
- حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ حدَّثنا أبُو الزِّنَادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أقْبَلَ علَى النَّاسِ فَقالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إذْ رَكِبَهَا فضَرَبَهَا فقالَتْ إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهاذَا إنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فقالَ النَّاسُ سُبْحَانَ الله بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فإنِّي أُومِنُ بِهَذَا أنَا وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ وَمَا هُما ثَمَّ وبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إذْ عَدَا الذِّئْبُ فذَهَبَ مِنْهَا بِشاةٍ فطَلَبَ حتَّى كأنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمنْ لَها يَوْمَ السَّبْعُ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ غَيْرِي فقالَ النَّاسُ سُبْحَانَ الله ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فإنِّي أومِنُ بِهَذَا أنَا وأبُو بَكْر وعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( بَينا رجل) و ( بَيْنَمَا رجل) لِأَنَّهُمَا من بني إِسْرَائِيل.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز يروي عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَهُوَ من رِوَايَة الأقران، وَذكر أَبُو مَسْعُود أَن أَبَا سَلمَة سقط من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله، وَذكر خلف وَغَيره أَنه لم يسْقط.

والْحَدِيث مضى فِي الْمُزَارعَة فِي: بابُُ اسْتِعْمَال الْبَقر للحراثة عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ فِيهِ الْأَعْرَج، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.

قَوْله: ( إِذْ ركبهَا) جَوَاب: بَينا.
قَوْله: ( وَمَا هما ثمَّ) ، أَي: لَيْسَ أَبُو بكر وَعمر حاضرين هُنَاكَ.
قَوْله: ( هَذَا) أَي: هَذَا الذِّئْب ( استنقذتها) ويروى: استنقذها، وَيكون الْمَعْنى: هَذَا الرجل.
قَوْله: ( من لَهَا يَوْم السَّبع؟) ، أَي: من لَهَا يَوْم الْفِتَن حِين يَتْرُكهَا النَّاس هملاً لَا راعي لَهَا نهبة فَيبقى السَّبع رَاعيا لَهَا؟ وَقد مضى بَقِيَّة الْكَلَام فِي الْمُزَارعَة.

وحدَّثنا عَلِيٌّ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ مِسْعَرٍ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِهِ
هَذَا طَرِيق آخر أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه سَمعه من شَيْخه عَليّ بن عبد الله مفرقاً، ولسفيان فِيهِ شَيْخَانِ أَحدهمَا: أَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
وَالْآخر: عَن مسعر، بِكَسْر الْمِيم: ابْن كدام عَن سعد بن إِبْرَاهِيم، كِلَاهُمَا عَن أبي سَلمَة وَفِي كل من الإسنادين رِوَايَة القرين عَن قرينه، لِأَن الْأَعْرَج قرين أبي سَلمَة، لِأَنَّهُ شَاركهُ فِي أَكثر شُيُوخه، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة قرين مسعر لِأَنَّهُ شَاركهُ فِي أَكثر شُيُوخه، وَأَن كَانَ مسعر أكبر سنا من سُفْيَان.





[ قــ :3313 ... غــ :347 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ نَصْرٍ أخبرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقارَاً لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى العَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ ولَمْ أبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ.

     وَقَالَ  الَّذِي لَهُ الأرْضُ إنَّمَا بِعْتُكَ الأرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحاكَمَا إلَيْهِ ألَكُمَا ولَدٌ قَالَ أحَدُهُمَا لِي غُلامٌ وقالَ الآخَرُ لِي جارِيَةٌ قَالَ انْكِحُوا الغلاَمَ الجارِيَةَ وأنْفِقُوا علَى أنْفُسِهِما مِنْهُ وتَصَدَّقَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الرجلَيْن الْمَذْكُورين فِيهِ من بني إِسْرَائِيل.
وَإِسْحَاق بن نصر هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ.

والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقَضَاء عَن مُحَمَّد بن رَافع.

قَوْله: ( عقارا) : الْعقار أصل المَال من الأَرْض وَمَا يتَّصل بهَا، وعقر الشَّيْء أَصله، وَمِنْه عقر الأَرْض بِفَتْح الْعين وَضمّهَا.
وَقيل: الْعقار الْمنزل والضيعة، وَخَصه بَعضهم بِالنَّخْلِ،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: الْعقار الضّيَاع، وعقار الرجل ضيعته.
قَوْله: ( جرة) ، وَهِي من الفخار مَا يصنع من الْمدر.
قَوْله: ( وَلم أبتعْ مِنْك) أَي: وَلم أشترِ مِنْك الذَّهَب.
قَوْله: ( فتحاكما إِلَى رجل) ، ظَاهره أَنَّهُمَا حكما ذَلِك الرجل، لَكِن فِي حَدِيث إِسْحَاق بن بشير التَّصْرِيح بِأَنَّهُ كَانَ حَاكما مَنْصُوبًا للنَّاس.
قَوْله: ( ألكما ولد؟) بِفَتْح الْوَاو وَاللَّام وَالْمرَاد بِهِ جنس الْوَلَد، لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يكون للرجلين جَمِيعًا ولد وَاحِد، وَالْمعْنَى: ألكل وَاحِد مِنْكُمَا ولد؟ وَيجوز بِضَم الْوَاو وَسُكُون اللَّام وَهُوَ صِيغَة جمع، فَيكون الْمَعْنى ألكما أَوْلَاد؟ وَيجوز كسر الْوَاو أَيْضا.
فَإِن قلت: جَاءَ: أَنْفقُوا وَأنْكحُوا بِصِيغَة الْجمع.
وَقَوله: ( تصدقا) بِصِيغَة التَّثْنِيَة.
قلت: لِأَن العقد لَا بُد فِيهِ من شَاهِدين فيكونان مَعَ الرجلَيْن أَرْبَعَة وَهُوَ جمع، وَالنَّفقَة قد يحْتَاج فِيهَا إِلَى الْمعِين كَالْوَكِيلِ فَيكون أَيْضا جمعا.
وَأما وَجه التَّثْنِيَة فِي الصَّدَقَة فَلِأَن الزَّوْجَيْنِ مخصوصان بذلك.

وَفِي الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى جَوَاز التَّحْكِيم، وَفِي هَذَا الْبابُُ خلاف، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن وَافق رَأْي الْمُحكم رَأْي قَاضِي الْبَلَد نفذ وإلاَّ فَلَا، وَأَجَازَهُ مَالك وَالشَّافِعِيّ بِشَرْط أَن يكون فِيهِ أَهْلِيَّة الحكم وَأَن يحكم بَينهمَا بِالْحَقِّ سَوَاء وَافق ذَلِك رَأْي قَاضِي الْبَلَد أم لَا.
.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيّ: هَذَا الرجل الَّذِي تحاكما إِلَيْهِ لم يصدر مِنْهُ حكم على أحد مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا أصلح بَينهمَا لما ظهر لَهُ من ورعهما وَحسن حَالهمَا، وَلما ارتجى من طيب نسلهما وَصَلَاح ذريتهما.
وَحكى الْمَازرِيّ خلافًا عِنْدهم فِيمَا إِذا ابْتَاعَ أَرضًا فَوجدَ فِيهَا شَيْئا مَدْفُونا، هَل يكون ذَلِك للْبَائِع أَو للْمُشْتَرِي؟ فَإِن كَانَ من أَنْوَاع الأَرْض: كالحجارة والعمد والرخام فَهُوَ للْمُشْتَرِي، وَإِن كَانَ كالذهب وَالْفِضَّة فَإِن كَانَ من دَفِين الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ ركاز، وَإِن كَانَ من دَفِين الْمُسلمين فَهُوَ لقطَة، وَإِن جهل ذَلِك كَانَ مَالا ضائعاً، فَإِن كَانَ هُنَاكَ بَيت مَال يحفظ فِيهِ وإلاَّ صرف إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَفِيمَا يستعان بِهِ على أُمُور الدّين، وَفِيمَا أمكن من مصَالح الْمُسلمين.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: فَإِن كَانَ من دفائن الْإِسْلَام فَهُوَ لقطَة، وَإِن كَانَ من دفائن الْجَاهِلِيَّة، فَقَالَ مَالك: هُوَ للْبَائِع، وَخَالفهُ ابْن الْقَاسِم فَقَالَ: إِن مَا فِي داخلها بِمَنْزِلَة مَا فِي خَارِجهَا، وَقَول مَالك أحسن لِأَن من ملك أَرضًا باختطاط ملك مَا فِي بَاطِنهَا، وَلَيْسَ جَهله بِهِ حِين البيع يسْقط ملكه فِيهِ.





[ قــ :3314 ... غــ :3473 ]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ وعنْ أبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدِ الله عنْ عامِرِ بنِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَهُ يَسْألُ أُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ ماذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الطَّاعُونِ فَقال أُسَامَةُ قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ علَى طائِفَةٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ أوْ علَى مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ فَإذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وإذَا وقَعَ بِأرْضٍ وأنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارَاً مِنْهُ.
قالَ أبُو النَّضْرِ لاَ يُخْرِجُكُمْ إلاَّ فِرَارَاً مِنْهُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( على طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل) .
وَأَبُو النَّضر، بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه سَالم وَهُوَ ابْن أبي أُميَّة مولى عمر بن عبيد الله بن معمر الْقرشِي التَّيْمِيّ الْمدنِي.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الطِّبّ عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ وَعَن جمَاعَة آخَرين.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن أبي الْقَاسِم عَن مَالك.

قَوْله: ( فِي الطَّاعُون) أَي: فِي حَال الطَّاعُون وشأنه وَهُوَ على وزن: فاعول، من الطعْن غير أَنه عدل عَن أَصله وَوضع دَالا على الْمَوْت الْعَام الْمُسَمّى بالوباء.

     وَقَالَ  الْخَلِيل: الوباء هُوَ الطَّاعُون، وَقيل: هُوَ كل مرض عَام يَقع بِكَثِير من النَّاس نوعا وَاحِدًا، بِخِلَاف سَائِر الْأَوْقَات، فَإِن أمراضهم فِيهَا مُخْتَلفَة.
فَقَالُوا: كل طاعون وباء، وَلَيْسَ كل وباء طاعوناً، وَقيل: الطَّاعُون هُوَ الْمَوْت الْكثير.
وَقيل: بثر وورم مؤلم جدا يخرج مَعَ لهيب ويسود مَا حوله أَو يخضر وَيحصل مَعَه خفقان الْقلب والقيء وَيخرج فِي المراق والآباط.
قَوْله: ( رجز) ، أَي: عَذَاب كَائِن على من كَانَ قبلنَا، وَهُوَ رَحْمَة لهَذِهِ الْأمة كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث آخر.
قَوْله: ( فَلَا تقدمُوا) ، بِفَتْح الدَّال عَلَيْهِ أَي: على الطَّاعُون الَّذِي وَقع بِأَرْض، وَذَلِكَ لِأَن الْمقَام بالموضع الَّذِي لَا طاعون فِيهِ أسكن للقلوب.
قَوْله: ( فِرَارًا مِنْهُ) أَي: لأجل الْفِرَار من الطَّاعُون.

وَذكر ابْن جرير الْخلاف عَن السّلف فِي الْفِرَار مِنْهُ، وَذكر عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه: كَانَ يبْعَث بنيه إِلَى الْأَعْرَاب من الطَّاعُون، وَعَن الْأسود بن هِلَال ومسروق، أَنَّهُمَا كَانَا يفران مِنْهُ، وَعَن عَمْرو بن الْعَاصِ، أَنه قَالَ: تفَرقُوا فِي هَذَا الرجز فِي الشعاب والأودية ورؤوس الْجبَال، فَبلغ معَاذًا فَأنكرهُ.
.

     وَقَالَ : بل هُوَ شَهَادَة وَرَحْمَة ودعوة نَبِيكُم، وَكَانَ بِالْكُوفَةِ طاعون فَخرج الْمُغيرَة مِنْهَا، فَلَمَّا كَانَ فِي حضار بني عَوْف طعن فَمَاتَ.
وَأما عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِنَّهُ رَجَعَ من سرع وَلم يقدم عَلَيْهِ حِين قدم الشَّام وَذَلِكَ لدفع الأوهام المشوشة لنَفس الْإِنْسَان، وَتَأَول من فر أَنه لم ينهَ عَن الدُّخُول أَو الْخُرُوج مَخَافَة أَن يُصِيبهُ غير الْمُقدر، وَلَكِن مَخَافَة الْفِتْنَة أَن يَظُنُّوا أَن هَلَاك القادم إِنَّمَا حصل بقدومه، وسلامة الفار إِنَّمَا كَانَت بفراره، وَهَذَا من نَحْو النَّهْي عَن الطَّيرَة.
وَعَن ابْن مَسْعُود: هُوَ فتْنَة على الْمُقِيم والفار، وَأما الفار فَيَقُول: فَرَرْت فنجوت، وَأما الْمُقِيم فَيَقُول: أَقمت فمت وَإِنَّمَا فر من لم يأتِ أَجله، وَأقَام من حضر أَجله.
.

     وَقَالَ ت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
( الْفِرَار مِنْهُ كالفرار من الزَّحْف) .
وَيُقَال: قَلما فر أحد من الوباء فَسلم.
وَيَكْفِي فِي ذَلِك موعظة قَوْله تَعَالَى: { ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت ... } ( الْبَقَرَة: 34) .
الْآيَة، قَالَ الْحسن: خَرجُوا حذرا من الطَّاعُون فأماتهم الله فِي سَاعَة وَاحِدَة، وهم أَرْبَعُونَ ألفا.
وَذكر أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه: كَانَت الْعَرَب تَقول إِذا دخل أحد بَلَدا وفيهَا وباء فَإِنَّهُ ينهق نهيق الْحمار قبل دُخُوله فِيهَا إِذا فل أَمن من الوباء.
فَإِن قلت: عدم الْقدوم عَلَيْهِ تَأْدِيب وَتَعْلِيم، وَعدم الْخُرُوج إِثْبَات التَّوَكُّل وَالتَّسْلِيم، وهما ضدان يُؤمر وَينْهى عَنهُ.
قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّه لم يُؤمن على القادم عَلَيْهِ أَن يظنّ إِذا أَصَابَهُ أَن ذَلِك على سَبِيل الْعَدْوى الَّتِي لَا صنع للْعُذْر فِيمَا نهي عَن ذَلِك، فكلا الْأَمريْنِ مُرَاد لإِثْبَات الْعذر وَترك التَّعَرُّض لما فِيهِ من تزلزل الْبَاطِن.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: إِنَّمَا نهى عَن الْخُرُوج لِأَنَّهُ إِذا خرج الأصحاء وَهلك المرضى فَلَا يبْقى من يقوم بأمرهم.

قَوْله: ( قَالَ أَبُو النَّضر: لَا يخرجكم إلاَّ فِرَارًا مِنْهُ) ، كَذَا هُوَ بِالنّصب، وَيجوز رَفعه، واستشكلهما الْقُرْطُبِيّ لِأَنَّهُ يُفِيد بِحكم ظَاهره أَنه لَا يجوز لأحد أَن يخرج من الوباء إلاَّ من أجل الْفِرَار، وَهَذَا محَال، وَهُوَ نقيض الْمَقْصُود من الحَدِيث، فَلَا جرم قَيده بعض رُوَاة الْمُوَطَّأ بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء، ورد هَذَا بِأَنَّهُ لَا يُقَال: أفر إفراراً، وَإِنَّمَا يُقَال: فر فِرَارًا وَقيل: أَلا هَهُنَا غلط من الرَّاوِي؟ وَالصَّوَاب حذفهَا، وَقيل: إِنَّهَا زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { مَا مَنعك أَن لَا تسْجد} ( الْأَعْرَاف: 1) .
أَي: مَا مَنعك أَن تسْجد؟ وَوجه طَائِفَة النصب على الْحَال، وَجعلُوا: ألاَّ، للْإِيجَاب لَا للاستثناء، وَتَقْدِيره: لَا تخْرجُوا إِذا لم يكن خروجكم إلاَّ فِرَارًا مِنْهُ، فأباح الْخُرُوج لغَرَض آخر كالتجارة وَنَحْوهَا.





[ قــ :3315 ... غــ :3474 ]
- حدَّثنا مُوساى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا دَاوُدُ بنُ أبِي الفُرَاتِ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ سألْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الطَّاعُونِ فأخْبَرَنِي أنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ الله علَى مَنْ يَشاءُ وأنَّ الله جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صابِرَاً مُحْتَبِساً يَعْلَمُ أنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إلاَّ مَا كتَبَ الله لَهُ إلاَّ كانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ.

هَذَا الحَدِيث من جنس الحَدِيث السَّابِق، فَلذَلِك ذكره عَقِيبه فَتَقَع الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه مُطَابق للمطابق والمطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.

وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات، بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الْمروزِي ثمَّ الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَعبد الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بردة: ابْن الْحصيب بالمهملتين قَاضِي مرو، تقدم فِي الْحيض، وَيحيى بن يعمر، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وبالراء: الْبَصْرِيّ النَّحْوِيّ القَاضِي أَيْضا بمرو التَّابِعِيّ الْجَلِيل.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَيْضا وَفِي الطِّبّ عَن إِسْحَاق عَن حبَان بن هِلَال وَفِي الْقدر عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن النَّضر بن شُمَيْل، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن الْعَبَّاس ابْن مُحَمَّد وَعَن إِبْرَاهِيم بن يُونُس.

قَوْله: ( لَيْسَ من أحد) كلمة: من، زَائِدَة.
قَوْله: ( فيمكث فِي بَلَده) ، أَي: يسْتَقرّ فِيهِ وَلَا يخرج.
قَوْله: ( صَابِرًا) ، حَال وَكَذَا قَوْله: ( محتسباً) إِمَّا من الْأَحْوَال المترادفة أَو المتداخلة، وَكَذَلِكَ قَوْله: ( يعلم) حَال.
قَوْله: ( إلاَّ كَانَ لَهُ) ، اسْتثِْنَاء من قَوْله: أحد.

وَفِيه: بَيَان عناية الله تَعَالَى بِهَذِهِ الْأمة المكرمة حَيْثُ جعل مَا وعد عذَابا لغَيرهم رَحْمَة لَهُم.