فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب لا هامة

( بابٌُ لَا هامَة)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: لَا هَامة، وَقد مر تَفْسِيره فِي: بابُُ الجذام، وَهُوَ بتَخْفِيف الْمِيم فِي رِوَايَة الكافة، وَخَالفهُم أَبُو زيد فَقَالَ: هِيَ بِالتَّشْدِيدِ فَكَأَنَّهُ يَجعله من بابُُ: هم بِالْأَمر إِذا عزم عَلَيْهِ، وَمِنْه الحَدِيث: كَانَ يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن عَلَيْهِمَا السَّلَام فَيَقُول: أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل سامة وَهَامة، والهامة كل ذَات سم تقتل، وَالْجمع: الْهَوَام، فَأَما مَا يسم وَلَا يقتل فَهُوَ السامة كالعقرب والزنبور، وَقد يَقع الْهَوَام على مَا يدب من الْحَيَوَان وَإِن لم يقتل كالحشرات.



[ قــ :5461 ... غــ :5770 ]
- حدّثني عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هامَةَ، فَقَالَ أعْرَابيٌّ: يَا رسولَ الله! فَما بالُ الإبِلِ تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كأنَّها الظِّباءُ، فَيُخالِطها البَعِيرُ الأجْرَبُ فَيُجْرِبها؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَنْ أعْدَى الأوَّلَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَلَا هَامة) وَعبد الله بن مُحَمَّد المسندي، وَبَقِيَّة الرِّجَال قد تَكَرَّرت فِي الْكتاب.

والْحَدِيث مضى فِي: بابُُ لَا صفر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أبي صَالح عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ عَن مُحَمَّد بن المتَوَكل الْعَسْقَلَانِي وَغَيره.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى.

قَوْله: ( لَا عدوى) أَي: لَا سرَايَة للمرض عَن صَاحبه إِلَى غَيره، وَقد مر تَحْقِيقه غير مرّة، وَكَذَا مر تَفْسِير قَوْله: ( وَلَا صفر وَلَا هَامة) فِي: بابُُ الجذام.
قَوْله: ( فَمَا بَال الْإِبِل) بِالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: فَمَا شَأْنهَا.
قَوْله: ( كَأَنَّهَا الظباء) بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة جمع ظَبْي، شبهها بهَا فِي صفاء بدنهَا وسلامتها من الجرب وَغَيره من الأدواء.
قَوْله: ( فيخالطها) من المخالطة، يَعْنِي: يدْخل الْبَعِير الأجرب بَين الْإِبِل الصِّحَاح عَن الجرب فيجربها، بِضَم الْيَاء، يَعْنِي: يعدي جربه إِلَيْهَا فتجرب.
قَوْله: فَمن أعدى الأول؟ أَي من أجرب الْبَعِير الأُول، يَعْنِي مِمَّن سرى إِلَيْهِ الجرب؟ فَإِن قلت: من بعير آخر يلْزم التسلسل، وَإِن قلت: بِسَبَب آخر، فَعَلَيْك بَيَانه، وَإِن قلت: إِن الَّذِي فعله فِي الأول هُوَ الَّذِي فعله فِي الثَّانِي، ثَبت الْمُدَّعِي، وَهُوَ أَن الَّذِي فعل فِي الْجَمِيع ذَلِك هُوَ الله الْخَالِق الْقَادِر على كل شَيْء، وَهَذَا جَوَاب من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَايَة البلاغة والرشاقة.





[ قــ :5461 ... غــ :5771 ]
- حدّثنا وعنْ أبي سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ.
وأنْكَرَ أبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأوَّلِ، قُلْنا: ألَمْ تُحَدِّثْ أنَّهُ لَا عَدْوى؟ فَرَطَنَ بالحَبَشِيَّةِ.

قَالَ: أبُو سلَمَةَ: فَما رأيْتُهُ نسيَ حَدِيثاً غَيْرَهُ.
( انْظُر الحَدِيث: 5771 طرفه فِي: 5774) .


قَوْله: وَعَن أبي سَلمَة سمع أَبَا هُرَيْرَة، عطف على قَوْله: عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله: ( بعد) أَي بعد أَن سمع مِنْهُ لَا عدوى إِلَى آخِره.
يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ( لَا يوردن ممرض) إِلَى آخِره.
قَوْله: ( لَا يوردن) بنُون التَّأْكِيد للنَّهْي عَن الْإِيرَاد وَفِي رِوَايَة مُسلم: لَا يُورد، بِلَفْظ النَّفْي وَهُوَ خبر بِمَعْنى النَّهْي، ومفعول: لَا يوردن مَحْذُوف تَقْدِيره: لَا يوردن ممرض مَاشِيَة على مَاشِيَة مصح.
قَوْله: ( ممرض) بِضَم الْمِيم الأولى وَسُكُون الثَّانِيَة وَكسر الرَّاء وبالضاد الْمُعْجَمَة، وَهُوَ اسْم فَاعل من الإمراض من أمرض الرجل إِذا وَقع فِي مَاله آفَة، وَالْمرَاد بالممرض هُنَا الَّذِي لَهُ إبل مرضى.
قَوْله: ( على مصح) بِضَم الْمِيم وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْحَاء، وَهُوَ الَّذِي لَهُ إبل صِحَاح، والتوفيق بَين الْحَدِيثين بِمَا قَالَه ابْن بطال وَهُوَ: أَن لَا عدوى، إِعْلَام بِأَنَّهَا لَا حَقِيقَة لَهَا، وَأما النَّهْي فلئلا يتَوَهَّم المصح أَن مَرضهَا من أجل وُرُود المرضى عَلَيْهَا فَيكون دَاخِلا بتوهمه ذَلِك فِي تَصْحِيح مَا أبْطلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعَدْوى.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: المُرَاد بقوله: ( لَا عدوى) يَعْنِي: مَا كَانُوا يعتقدونه أَن الْمَرَض يعدي بطبعه، وَلم ينف حُصُول الضَّرَر عِنْد ذَلِك بقدرة الله تَعَالَى وَجعله، وَبِقَوْلِهِ: ( لَا يوردن) الْإِرْشَاد إِلَى مجانبة مَا يحصل الضَّرَر عِنْده فِي الْعَادة بِفعل الله وَقدره، وَقيل: النَّهْي لَيْسَ للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة وَنَحْوهَا.
قَوْله: ( وَأنكر أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث الأول) وَهُوَ قَوْله: ( لَا عدوى) إِلَى آخِره، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: حَدِيث الأول، بِالْإِضَافَة وَهُوَ من قبيل قَوْلهم: مَسْجِد الْجَامِع.
قَوْله: ( قُلْنَا ألم تحدِّث) عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ( لَا عدوى) الخ ... الْقَائِل أَبُو سَلمَة وَمن مَعَه فِي ذَلِك الْوَقْت أَي: قُلْنَا لأبي هُرَيْرَة ألم تحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: لَا عدوى إِلَى آخِره.
قَوْله: ( فرطن بالحبشية) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي تكلم بالعجمية أَي: تكلم بِمَا لَا يفهم، وَالْحَاصِل فِي ذَلِك أَنه غضب فَتكلم بِمَا لَا يفهم، وَلَا رطانة بالحبشية هُنَا حَقِيقَة.
قَوْله: ( فَمَا رَأَيْته) أَي: أَبَا هُرَيْرَة.
قَوْله: ( غَيره) أَي: غير الحَدِيث الَّذِي هُوَ قَوْله: لَا عدوى إِلَى آخِره.

فَإِن قلت: قد مضى فِي: بابُُ حفظ الْعلم، أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: فَمَا نسيت شَيْئا بعده أَي: بعد بسط الرِّدَاء بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: هُوَ قَالَ: مَا رَأَيْته نسي، وَلَا يلْزم من عدم رُؤْيَته النسْيَان نسيانه.
.

     وَقَالَ  فِي ( صَحِيح مُسلم) بِهَذِهِ الْعبارَة: لَا أَدْرِي أنسي أَبُو هُرَيْرَة أَو نسخ أحد الْقَوْلَيْنِ الآخر،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لَعَلَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ سمع هَذَا الحَدِيث قبل أَن يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث: من بسط رِدَاءَهُ ثمَّ ضمه إِلَيْهِ لم ينس شَيْئا سَمعه من مَقَالَتي، وَقيل: المُرَاد أَنه لَا ينسى تِلْكَ الْمقَالة الَّتِي قَالَهَا ذَلِك الْيَوْم، لَا أَنه يَنْتَفِي عَنهُ النسْيَان أصلا، وَقيل: كَانَ الحَدِيث الثَّانِي نَاسِخا للْأولِ فَسكت عَن الْمَنْسُوخ، وَفِيه نظر لَا يخفى.