فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب حمل الرجال الجنازة دون النساء

( بابُُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حمل الرِّجَال الْجِنَازَة دون حمل النِّسَاء إِيَّاهَا، لِأَنَّهُ ورد فِي حَدِيث أخرجه أَبُو يعلى ( عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة، فَرَأى نسْوَة فَقَالَ: أتحملنه؟ قُلْنَ: لَا.
قَالَ: أتدفنه؟ قُلْنَ: لَا.
قَالَ: فارجعن مَأْزُورَات غير مَأْجُورَات)
.
لِأَن الرِّجَال أقوى لذَلِك وَالنِّسَاء ضعيفات ومظنة للانكشاف غَالِبا، خُصُوصا إِذا باشرن الْحمل، ولأنهن إِذا حملنها مَعَ وجود الرِّجَال لوقع اختلاطهن بِالرِّجَالِ، وَهُوَ مَحل الْفِتْنَة ومظنة الْفساد.
فَإِن قلت: إِذا لم يُوجد رجال؟ قلت: الضرورات مُسْتَثْنَاة فِي الشَّرْع.

[ قــ :1264 ... غــ :1314 ]
- حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا الليْثُ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ أنَّهُ سَمِعَ أبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجالُ عَلَى أعْناقِهِمْ فإنْ كانَتْ صالِحَةً قالَتْ قَدِّمُونِي وَإنْ كانَتْ غَيْرَ صالِحَةٍ قالَتْ يَا وَيْلَهَا أيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كْلُّ شَيءٍ إلاَّ الإنْسَانَ ولَوْ سَمِعَهُ لَصَعِقَ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( واحتملها الرِّجَال) فَإِن قلت: هَذَا إِخْبَار، فَكيف يكون حجَّة فِي منع النِّسَاء؟ قلت: كَلَام الشَّارِع مهما أمكن يحمل على التشريع لَا مُجَرّد الْإِخْبَار عَن الْوَاقِع.

وَرِجَاله تقدمُوا غير مرّة، وَاسم أبي سعيد: كيسَان، وَاسم أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سعد بن مَالك، والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِذا وضعت الْجِنَازَة) ، أَي: الْمَيِّت على النعش، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا اللَّفْظ يُطلق على الْمَيِّت وعَلى السرير الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بهَا النعش، وَلَفظ: احتملها، يؤكده وَيكون إِسْنَاد القَوْل إِلَيْهِ مجَازًا.
قَوْله: ( يَا وَيْلَهَا) ، مَعْنَاهُ: يَا حزني إحضر فَهَذَا أوانك، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: يَا ويلي، لكنه أضيف إِلَى الْغَائِب حملا على الْمَعْنى، كَأَنَّهُ لما أبْصر نَفسه غير صَالِحَة نفر عَنْهَا وَجعلهَا كَأَنَّهَا غَيره، وَكره أَن يضيف الويل إِلَى نَفسه.
قَوْله: ( لصعق) الصَّعق: أَن يغشى على الْإِنْسَان من صَوت شَدِيد يسمعهُ، وَرُبمَا مَاتَ مِنْهُ،.

     وَقَالَ  ابْن بطال: ( قدموني) أَي: إِلَى الْعَمَل الصَّالح الَّذِي عملته، يَعْنِي إِلَى ثَوَابه.
وَفِي لفظ: ( يسمع) ، دلَالَة أَن القَوْل هَهُنَا حَقِيقَة لَا مجَاز، وَأَنه تَعَالَى يحدث النُّطْق فِي الْمَيِّت إِذا شَاءَ.
.

     وَقَالَ : يَا وَيْلَهَا، لِأَنَّهَا تعلم أَنَّهَا لم تقدم خيرا، وَأَنَّهَا تقدم على مَا يسوؤها فتكره الْقدوم عَلَيْهَا، وَالضَّمِير فِي قَوْله: ( لَو سَمعه) رَاجع إِلَى دُعَائِهِ بِالْوَيْلِ على نَفسهَا، أَي: تصيح بِصَوْت مُنكر لَو سَمعه الْإِنْسَان لأغشي عَلَيْهِ.