فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْمَذْيِ

باب الْمَذْيِ
[ سـ :490 ... بـ :303]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَهُشَيْمٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلَى وَيُكْنَى أَبَا يَعْلَى عَنْ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً وَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ

قَوْلُهُ : ( بَابُ الْمَذْيِ )

فِيهِ : ( مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً ، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسَالَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ ، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ : يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( مِنْهُ الْوُضُوءُ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( تَوَضَّأْ وَانْضِحْ فَرْجَكَ ) . فِي الْمَذْيِ لُغَاتٌ : مَذْيٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ . وَ ( مَذِيٌّ ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ . وَ ( مَذِي ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ . فَالْأُولَيَانِ مَشْهُورَتَانِ ، أُولَهُمَا أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا ، وَالثَّالِثَةُ حَكَاهَا أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ وَيُقَالُ : مَذَى وَأَمْذَى وَمَذَّى الثَّالِثَةُ بِالتَّشْدِيدِ . وَالْمَذْيُ : مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ ، يَخْرُجُ عِنْدَ شَهْوَةٍ ، لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ ، وَرُبَّمَا لَا يُحَسُّ بِخُرُوجِهِ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَانْضِحْ فَرْجَكَ ) فَمَعْنَاهُ اغْسِلْهُ ، فَإِنَّ النَّضْحَ يَكُونُ غَسْلًا ، وَيَكُونُ رَشًّا ، وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : " يَغْسِلُ ذَكَرَهُ " ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ النَّضْحِ عَلَيْهِ . وَانْضِحْ بِكَسْرِ الضَّادِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . قَوْلُهُ : ( كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً ) أَيْ كَثِيرَ الْمَذْيِ ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ .

وَأَمَّا حُكْمُ خُرُوجِ الْمَذْيِ : فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ . قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ : يُوجِبُ الْوُضُوءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ : أَنَّهُ لَا يُوجِبَ الْغُسْلَ ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ ، وَأَنَّهُ نَجَسٌ ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسْلَ الذَّكَرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ لَا غَسْلُ جَمِيعِ الذَّكَرِ ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إِيجَابُ غَسْلِ جَمِيعِ الذَّكَرِ ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ ، إِنَّمَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ وَهِيَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ ، أَمَّا النَّادِرُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ ، وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا . وَالْقَائِلُ الْآخَرُ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ فِيهِ عَلَى الْحَجَرِ قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَادِ ، أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ خُرِّجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَنْ هُوَ فِي بَلَدٍ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَبَرِ الْمَظْنُونِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْطُوعِ بِهِ ; لِكَوْنِ عَلِيٍّ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ الْمِقْدَادِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إِلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ ، وَيُقَالُ : فَلَعَلَّ عَلِيًّا كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقْتَ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا اسْتَحْيَا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ . وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ حُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَصْهَارِ ، وَأَنَّ الزَّوْجَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِجِمَاعِ النِّسَاءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ بِحَضْرَةِ أَبِيهَا وَأَخِيهَا وَابْنِهَا ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهَا ، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : فَكُنْتُ أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ - غَالِبًا - عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي الْإِسْنَادِ الْأَخِيرِ مِنَ الْبَابِ : ( وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى ، قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَرْسَلْنَا الْمِقْدَادُ ) هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ : قَالَ حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ : سَأَلْتُ مَخْرَمَةَ هَلْ سَمِعْتَ مِنْ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ : لَا . وَقَدْ خَالَفَهُ اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ابْنَ عَبَّاسٍ ، وَتَابَعَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ . هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ ، وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ : مَخْرَمَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ وَبَعْضُهَا طَرِيقُ مُسْلِمٍ - هَذِهِ - الْمَذْكُورَةُ ، وَفِي بَعْضِهَا عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَرْسَلَ عَلِيٌّ الْمِقْدَادَ هَكَذَا أَتَى بِهِ مُرْسَلًا ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَمَاعِ مَخْرَمَةَ مِنْ أَبِيهِ ، فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ : مَا حَدَّثْتَ بِهِ عَنْ أَبِيكَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ ؟ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُهُ ، قَالَ مَالِكٌ : وَكَانَ مَخْرَمَةُ رَجُلًا صَالِحًا ، وَكَذَا قَالَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى : إِنَّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ ، وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : لَمْ يَسْمَعْ مَخْرَمَةُ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا ، إِنَّمَا يَرْوِي مِنْ كِتَابِ أَبِيهِ ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ : يُقَالُ : وَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابُ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ سَلَمَةَ : قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ : حَدَّثَكَ أَبُوكَ ؟ فَقَالَ : لَمْ أُدْرِكْ أَبِي ، وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبُهُ ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ : مَخْرَمَةُ صَالِحُ الْحَدِيثِ ، إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : وَلَا أَظُنُّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، وَلَعَلَّهُ سَمِعَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ ، وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرُ عَنْ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ : سَمِعْتُ أَبِي . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

فَهَذَا كَلَامُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ ، وَكَيْفَ كَانَ . فَمَتْنُ الْحَدِيثِ صَحِيحٌ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَمِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرَهَا غَيْرُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .