فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا ، وَفِعْلِ بَعْضِ الرَّكْعَةِ قَائِمًا وَبَعْضِهَا

باب جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَفِعْلِ بَعْضِ الرَّكْعَةِ قَائِمًا وَبَعْضِهَا قَاعِدًا
[ سـ :1249 ... بـ :730]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَطَوُّعِهِ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ فِيهِنَّ الْوِتْرُ وَكَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا وَلَيْلًا طَوِيلًا قَاعِدًا وَكَانَ إِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ وَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

قَوْلُهَا : ( كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ) وَذَكَرَتْ مِثْلَهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَنَحْوِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . فِيهِ : اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فِي الْبَيْتِ ، كَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ غَيْرُهَا ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ ، وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ رَاتِبَةُ فَرَائِضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ .

قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ : الِاخْتِيَارُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ كُلِّهَا ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ : الْأَفْضَلُ فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ . وَدَلِيلُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ، وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ) وَهَذَا عَامٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْحِكْمَةُ فِي شَرْعِيَّةِ النَّوَافِلِ تَكْمِيلُ الْفَرَائِضِ بِهَا إِنْ عَرَضَ فِيهَا نَقْصٌ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ ، وَلِتَرْتَاضَ نَفْسُهُ بِتَقْدِيمِ النَّافِلَةِ وَيَتَنَشَّطَ بِهَا وَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ أَكْمَلَ فَرَاغٍ لِلْفَرِيضَةِ ، وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُفْتَحَ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا قَرِيبًا .




[ سـ :1250 ... بـ :730]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ بُدَيْلٍ وَأَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ بُدَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ شَاكِيًا بِفَارِسَ فَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِك عَائِشَةَ فَقَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَيْلًا طَوِيلًا قَائِمًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

قَوْلُهَا : ( وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا ) فِيهِ : جَوَازُ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ .

قَوْلُهُ : ( كُنْتُ شَاكِيًا بِفَارِسَ وَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ الْمَشَارِقَةِ وَالْمَغَارِبَةِ ( بِفَارِسَ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَارَّةِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ . قَالَ : وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ : صَوَابُهُ نَقَارِسَ ، بِالنُّونِ وَالْقَافِ ، وَهُوَ وَجَعٌ مَعْرُوفٌ ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَدْخُلْ بِلَادَ فَارِسَ قَطُّ ، فَكَيْفَ يَسْأَلُهَا فِيهَا ؟ وَغَلَّطَهُ الْقَاضِي فِي هَذَا وَقَالَ : لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يَكُونَ سَأَلَهَا فِي بِلَادِ فَارِسَ ، بَلْ سَأَلَهَا بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ فَارِسَ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهَا عَنِ أَمْرٍ انْقَضَى هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ لِقَوْلِهِ : وَكُنْتُ أُصَلِّي قَاعِدًا .




[ سـ :1253 ... بـ :731]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ جَمِيعًا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ

قَوْلُهَا : ( قَرَأَ جَالِسًا حَتَّى إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ثُمَّ رَكَعَ ) فِيهِ : جَوَازُ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضِهَا مِنْ قِيَامٍ وَبَعْضِهَا مِنْ قُعُودٍ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ ، وَسَوَاءٌ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ، أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ ، وَمَنَعَهُ بَعْضُ السَّلَفِ ، وَهُوَ غَلَطٌ .

وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ بَعْدَ الْقِيَامِ ، وَلَوْ نَوَى الْقِيَامَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ ، وَجَوَّزَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ .




[ سـ :1255 ... بـ :731]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ إِنْسَانٌ أَرْبَعِينَ آيَةً

قَوْلُهَا : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْإِنْسَانُ أَرْبَعِينَ آيَةً ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ . وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِمَا ، وَأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ تَفْضِيلُ الْقِيَامِ .




[ سـ :1257 ... بـ :732]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَهُوَ قَاعِدٌ قَالَتْ نَعَمْ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَذَكَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهَا : ( قَعَدَ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ ) قَالَ الرَّاوِي : فِي تَفْسِيرِهِ يُقَالُ : حَطَمَ فُلَانًا أَهْلَهُ إِذَا كَبُرَ فِيهِمْ ، كَأَنَّهُ لَمَّا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا ، وَالْحَطْمُ الشَّيْءُ الْيَابِسُ .




[ سـ :1259 ... بـ :732]
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدٍ قَالَ حَسَنٌ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا

قَوْلُهَا : ( لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ : بَدَّنَ الرَّجُلُ - بِفَتْحِ الدَّالِ - الْمُشَدَّدَةِ تَبْدِينًا إِذَا أَسَنَّ .

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَمَنْ رَوَاهُ ( بَدُنَ ) بِضَمِّ ، الدَّالِ الْمُخَفَّفَةِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى هُنَا ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ كَثُرَ لَحْمُهُ وَهُوَ خِلَافُ صِفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يُقَالُ : بَدَنَ يَبْدُنُ بَدَانَةً ، وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ ( الضَّمَّ ) قَالَ الْقَاضِي : رِوَايَتُنَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِهِمْ ( بَدُنَ ) بِالضَّمِّ ، وَعَنِ الْعُذْرِيِّ بِالتَّشْدِيدِ ، وَأَرَاهُ إِصْلَاحًا . قَالَ : وَلَا يُنْكَرُ اللَّفْظَانِ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا بِقَرِيبٍ : ( فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ ) . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ : ( وَلَحُمَ ) . وَفِي آخَرَ : ( أَسَنَّ وَكَثُرَ لَحْمُهُ ) . وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي هَالَةَ فِي وَصْفِهِ : ( بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، وَالَّذِي ضَبَطْنَاهُ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ أُصُولِ بِلَادِنَا بِالتَّشْدِيدِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1260 ... بـ :733]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ جَمِيعًا عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا بِعَامٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ عَنْ حَفْصَةَ ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ صَحَابِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ : السَّائِبُ وَالْمُطَّلِبُ وَحَفْصَةُ .

قَوْلُهُ : " هِلَالُ بْنُ يَسَافَ " بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا ، وَيُقَالُ فِيهِ : إِسَافٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ .

قولُهُ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ وَجَدَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي جَالِسًا قَالَ : فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ مَالِكٌ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قُلْتُ حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ : أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ) مَعْنَاهُ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ فِيهَا نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ فَيَتَضَمَّنُ صِحَّتَهَا وَنُقْصَانَ أَجْرِهَا ، وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ، فَهَذَا لَهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ . وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ ، بَلْ يَكُونُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا . وَأَمَّا الْفَرْضُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ ثَوَابٌ ، بَلْ يَأْثَمُ بِهِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنْ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ ، وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ ، كَمَا لَوِ اسْتَحَلَّ الزِّنَا ، الرِّبَا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الشَّائِعَةِ التَّحْرِيمِ . وَإِنْ صَلَّى الْفَرْضَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ ، أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَمْ يَنْقُصْ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا . فَيَتَعَيَّنُ حَمْلَ الْحَدِيثِ فِي تَنْصِيفِ الثَّوَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ . هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ .

وَحُكِيَ عَنِ الْبَاجِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمُصَلِّي فَرِيضَةً لِعُذْرٍ ، أَوْ نَافِلَةٍ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ . قَالَ : وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ يُرَخِّصُ فِي الْقُعُودِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ ، وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَشَقَّةٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَسْتُ كَأَحَدٍ مَنْكُمْ ) فَهُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجُعِلَتْ نَافِلَتُهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ تَشْرِيفًا لَهُ كَمَا خُصَّ بَأَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ، وَقَدِ اسْتَقْصَيْتُهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَالْلُّغَاتِ .

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ مِنَ الْقِيَامِ لِحَطْمِ النَّاسِ وَلِلسِّنِّ فَكَانَ أَجْرُهُ تَامًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ . هَذَا كَلَامُهُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ غَيْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَثَوَابُهُ أَيْضًا كَامِلٌ ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْمَعْذُورِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ تَخْصِيصٌ ، فَلَا يَحْسُنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ( لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ) وَإِطْلَاقُ هَذَا الْقَوْلِ . فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ نَافِلَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ثَوَابُهَا كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَهُوَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَفْضَلِ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ مَوْضِعَ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ وَكَذَا فِي الْفَرِيضةِ إِذَا عَجَزَ ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا : يَقْعُدُ مُفْتَرِشًا ، وَالثَّانِي مُتَرِبِّعًا . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مُتَوَرِّكًا ، وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا : نَاصِبًا رُكْبَتَهُ . وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ ، لَكِنِ الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا جَوَازُ التَّنَفُّلِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ : وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ وَإِذَا صَلَّى مُضْطَجِعًا فَعَلَى يَمِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسَارِهِ جَازَ ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَفْضَلِ ، فَإِنْ اسْتَلْقَى مَعَ إِمْكَانِ الِاضْطِجَاعِ لَمْ يَصِحَّ . قِيلَ : الْأَفْضَلُ مُسْتَلْقِيًا ، وَأَنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ لَا يَصِحُّ ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .