فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ

باب مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ
[ سـ :5387 ... بـ :2955]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا قَالَ أَبَيْتُ قَالُوا أَرْبَعُونَ شَهْرًا قَالَ أَبَيْتُ قَالُوا أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَ : أَبَيْتُ . . . إِلَى آخِرِهِ ) مَعْنَاهُ أَبَيْتُ أَنْ أَجْزِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا ، أَوْ سَنَةً ، أَوْ شَهْرًا ، بَلِ الَّذِي أَجْزِمُ بِهِ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ مُجْمَلَةٌ ، وَقَدْ جَاءَتْ مُفَسَّرَةً مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَرْبَعُونَ سَنَةً .

قَوْلُهُ : ( عَجْبُ الذَّنَبِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ أَيِ الْعَظْمُ اللَّطِيفُ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ ، وَهُوَ رَأْسُ الْعُصْعُصِ ، وَيُقَالُ لَهُ ( عَجْمُ ) بِالْمِيمِ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ مِنَ الْآدَمِيِّ ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مِنْهُ لِيُعَادَ تَرْكِيبُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ .




[ سـ :5388 ... بـ :2955]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ يَعْنِي الْحِزَامِيَّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ مِنْهُ خُلِقَ وَفِيهِ يُرَكَّبُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ ابْنُ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرَابُ إِلَّا عَجْبَ الذَّنَبَ ) هَذَا مَخْصُوصٌ ، فَيُخَصُّ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ .



باب الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ
[ سـ :5390 ... بـ :2956]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ ) مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ ، مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ ، فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا ، وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ ، وَالرَّاحَةُ الْخَالِصَةُ مِنَ النُّقْصَانِ . وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ ، فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ ، وَشَقَاءِ الْأَبَدِ .




[ سـ :5391 ... بـ :2957]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ يَعْنِي ابْنَ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالُوا مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ قَالُوا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِيَانِ الثَّقَفِيَّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ فَلَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ هَذَا السَّكَكُ بِهِ عَيْبًا

قَوْلُهُ : ( وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( كَنَفَتَيْهِ ) . مَعْنَى الْأَوَّلِ جَانِبَهُ ، وَالثَّانِي جَانِبَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( جَدْيِ أَسَكَّ ) أَيْ صَغِيرُ الْأُذُنَيْنِ .

قَوْلُهُ : ( ابْنُ عَرْعَرَةَ السَّاعِي ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ ، وَعَرْعَرَةُ بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ .




[ سـ :5393 ... بـ :2959]
حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَلِمُعْظَمِ الرُّوَاةِ : ( فَاقْتَنَى ) بِالتَّاءِ ، وَمَعْنَاهَا ادَّخَرَهُ لِآخِرَتِهِ ، أَيْ ادَّخَرَ ثَوَابَهُ وَفِي بَعْضِهَا فَأَقْنَى بِحَذْفِ التَّاءِ أَيْ أَرْضَى .




[ سـ :5396 ... بـ :2962]
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ رَبَاحٍ هُوَ أَبُو فِرَاسٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ ) مَعْنَاهُ نَحْمَدُهُ وَنَشْكُرُهُ وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَتَنَافَسُونَ ، ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ، ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ، ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ ، أَيْ نَحْوَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : التَّنَافُسُ إِلَى الشَّيْءِ الْمُسَابَقَةُ إِلَيْهِ ، وَكَرَاهَةُ أَخْذِ غَيْرِكِ إِيَّاهُ ، وَهُوَ أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْحَسَدِ . وَأَمَّا الْحَسَدُ فَهُوَ تَمَّنِي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا . وَالتَّدَابُرُ التَّقَاطُعُ وَقَدْ بَقِيَ مَعَ التَّدَابُرِ شَيْءٌ مِنَ الْمَوَدَّةِ ، أَوْ لَا يَكُونُ مَوَدَّةٌ وَبُغْضٌ . وَأَمَّا ( التَّبَاغُضُ ) فَهُوَ بَعْدَ هَذَا ، وَلِهَذَا رُتِّبَتْ فِي الْحَدِيثِ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ أَيْ ضُعَفَائِهِمْ ، فَيَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ أُمَرَاءُ عَلَى بَعْضٍ . هَكَذَا فَسَّرُوهُ .




[ سـ :5398 ... بـ :2963]
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَلَيْكُمْ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنِ هُوَ فَوْقَكُمْ ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) مَعْنَى ( أَجْدَرُ ) أَحَقُّ ، وَ ( تَزْدَرُوا ) تُحَقِّرُوا . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ : هَذَا حَدِيثٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخَيْرِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طَلَبَتْ نَفْسُهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَاسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَحَرَصَ عَلَى الِازْدِيَادِ لِيَلْحَقَ بِذَلِكَ أَوْ يُقَارِبَهُ . هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَالِبِ النَّاسِ . وَأَمَّا إِذَا نَظَرَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا إِلَى مَنِ هُوَ دُونَهُ فِيهَا ظَهَرَتْ لَهُ نِعْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، فَشَكَرَهَا ، وَتَوَاضَعَ ، وَفَعَلَ فِيهِ الْخَيْرَ .




[ سـ :5399 ... بـ :2964]
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْإِبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ شَكَّ إِسْحَقُ إِلَّا أَنَّ الْأَبْرَصَ أَوْ الْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الْإِبِلُ وَقَالَ الْآخَرُ الْبَقَرُ قَالَ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا قَالَ فَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ أَنْ يَرُدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ قَالَ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ الْغَنَمُ فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا قَالَ فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْبَقَرِ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ الْغَنَمِ قَالَ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ قَدْ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ قَالَ وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى هَذَا فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ قَالَ وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( يُبْلِيَهُمْ ) بِإِسْقَاطِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ ، وَمَعْنَاهُمَا الِاخْتِبَارُ . وَالنَّاقَةُ الْعُشَرَاءُ الْحَامِلُ الْقَرِيبَةُ الْوِلَادَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَاةً وَالِدًا ) أَيْ وَضَعَتْ وَلَدَهَا هُوَ مَعَهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأُنْتِجَ هَذَانِ ، وَوَلَّدَ هَذَا ) هَكَذَا الرِّوَايَةُ ( فَأُنْتِجَ ) رُبَاعِيٌّ ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ ، وَالْمَشْهُورُ ( نَتَجَ ) ثُلَاثِيٌّ ، وَمِمَّنْ حَكَى اللُّغَتَيْنِ الْأَخْفَشُ ، وَمَعْنَاهُ تَوَلَّى الْوِلَادَةَ وَهِيَ النَّتْجُ وَالْإِنْتَاجُ .

وَمَعْنَى وَلَّدَ هَذَا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعْنَى أَنْتَجَ ، وَالنَّاتِجُ لِلْإِبِلِ ، وَالْمُوَلِّدُ لِلْغَنَمِ وَغَيْرِهَا هُوَ كَالْقَابِلَةِ لِلنِّسَاءِ .

قَوْلُهُ : ( انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ ) هُوَ بِالْحَاءِ ، وَهِيَ الْأَسْبَابُ ، وَقِيلَ : الطُّرُقُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ : ( الْجِبَالُ ) بِالْجِيمِ ، وَرُوِيَ ( الْحِيَلُ ) جَمْعُ حِيلَةٍ ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ .

قَوْلُهُ : ( وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ) أَيْ وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ أَجْدَادِي الَّذِينَ وَرِثُوهُ مِنْ آبَائِهِمْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فِي الْعِزِّ وَالشَّرَفِ وَالثَّرْوَةِ .

قَوْلُهُ : ( فَوَاَللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى ) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ ، ( أَجْهَدُكَ ) بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ ( أَحْمَدُكَ ) بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ ، وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ ، لَكِنِ الْأَشْهَرُ فِي مُسْلِمٍ بِالْجِيمِ ، وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالْحَاءِ ، وَمَعْنَى الْجِيمِ لَا أَشُقُّ عَلَيْكَ بِرَدِّ شَيْءٍ تَأْخُذُهُ أَوْ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِي ، وَالْجَهْدُ الْمَشَقَّةُ . وَمَعْنَاهُ بِالْحَاءِ لَا أَحْمَدُكَ بِتَرْكِ شَيْءٍ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَوْ تُرِيدُهُ ، فَتَكُونُ لَفْظَةُ التَّرْكِ مَحْذُوفَةً مُرَادَةً كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
لَيْسَ عَلَى طُولِ الْحَيَاةِ نَدَمٌ أَيْ فَوَاتُ طُولِ الْحَيَاةِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَإِكْرَامِهِمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَطْلُبُونَ مِمَّا يُمْكِنُ ، وَالْحَذَرُ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِهِمْ وَاحْتِقَارِهِمْ .

وَفِيهِ التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَمُّ جَحْدِهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :5400 ... بـ :2965]
حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ وَاللَّفْظُ لِإِسْحَقَ قَالَ عَبَّاسٌ حَدَّثَنَا وَقَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ) الْمُرَادُ بِالْغَنِىِّ غَنِىُّ النَّفْسِ ، هَذَا هُوَ الْغَنِىُّ الْمَحْبُوبُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْغَنِىَّ بِالْمَالِ . وَأَمَّا ( الْخَفِيُّ ) فَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي النُّسَخِ ، وَالْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَاتِ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَ رُوَاةِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ ، فَمَعْنَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ الْخَامِلُ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْعِبَادَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ نَفْسِهِ ، وَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ الْوَصُولُ لِلرَّحِمِ ، اللَّطِيفُ بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ ، وَالصَّحِيحُ بِالْمُعْجَمَةِ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ : الِاعْتِزَالُ أَفْضَلُ مِنَ الِاخْتِلَاطِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ . وَمَنْ قَالَ بِالتَّفْضِيلِ لِلِاخْتِلَاطِ قَدْ يُتَأَوَّلُ هَذَا عَلَى الِاعْتِزَالِ وَقْتَ الْفِتْنَةِ وَنَحْوِهَا .




[ سـ :5401 ... بـ :2966]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ سَمِعْتُ إِسْمَعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ بِشْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ نُمَيْرٍ إِذًا وَحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الْعَنْزُ مَا يَخْلِطُهُ بِشَيْءٍ

قَوْلُهُ : ( وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ ، وَجَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَشَرْحُهَا .

قَوْلُهُ : ( مَا لَنَا طَعَامٌ نَأْكُلُهُ إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ ) ( الْحُبْلَةُ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ . وَ ( السَّمُرُ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ ، كَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَآخَرُونَ ، وَقِيلَ : الْحُبْلَةُ ثَمَرُ الْعِضَاهِ ، وَهَذَا يَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ : ( إِلَّا الْحُبْلَةُ وَوَرَقُ السَّمُرِ ) . وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا ، وَالصَّبْرِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَشَاقِّ الشَّدِيدَةِ .

قَوْلُهُ : ( ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الدِّينِ ) قَالُوا : الْمُرَادُ بِبَنِي أَسَدٍ بَنُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى قَالَ الْهَرَوِيُّ : مَعْنَى ( تُعَزِّرُنِي ) تُوقِفُنِي ، وَالتَّعْزِيرُ التَّوْقِيفُ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : مَعْنَاهُ تُقَوِّمُنِي وَتُعَلِّمُنِي ، وَمِنْهُ تَعْزِيرُ السُّلْطَانِ ، وَهُوَ تَقْوِيمُهُ بِالتَّأْدِيبِ . وَقَالَ الْجَرْمِيُّ مَعْنَاهُ اللَّوْمُ وَالْعُتْبُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تُوَبِّخُنِي عَلَى التَّقْصِيرِ فِيهِ .