فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ


[ سـ :455 ... بـ :280]
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعَ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ الْمُغَفَّلِ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ وَقَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ وَحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الْغَنَمِ وَالصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَلَيْسَ ذَكَرَ الزَّرْعَ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرُ يَحْيَى

بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ

فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ )

وفي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( لَا يَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ )

( نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ )

الرِّوَايَةُ ( يَغْتَسِلُ ) مَرْفُوعٌ أَيْ : لَا تَبُلْ ثُمَّ أَنْتَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ ، وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْضًا جَزْمُهُ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ ( يَبُولَنَّ ) ، وَنَصْبُهُ بِإِضْمَارِ ( أَنْ ) وَإِعْطَاءِ ( ثُمَّ ) حُكْمَ ( وَاوِ ) الْجَمْعِ ، فَأَمَّا الْجَزْمُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا دُونَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ ; بَلِ الْبَوْلُ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، سَوَاءٌ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ أَمْ لَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا ( الدَّائِمُ ) فَهُوَ الرَّاكِدُ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( الَّذِي لَا يَجْرِي ) ، تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ رَاكِدٍ لَا يَجْرِي بَعْضُهُ كَالْبِرَكِ وَنَحْوِهَا ، وَهَذَا النَّهْيُ فِي بَعْضِ الْمِيَاهِ لِلتَّحْرِيمِ ، وَفِي بَعْضِهَا لِلْكَرَاهَةِ ، وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا جَارِيًا لَمْ يَحْرُمِ الْبَوْلُ فِيهِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَارِيًا فَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ ; لِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيُنَجِّسُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَيَغُرُّ غَيْرَهُ فَيَسْتَعْمِلُهُ مَعَ أَنَّهُ نَجِسٌ . وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا رَاكِدًا ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ ، وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا ، فَإِنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ . وَفِيهِ مِنَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ ، وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى تَنْجِيسِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَغَيُّرِهِ أَوْ إِلَى تَنْجِيسِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّ الْغَدِيرَ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِ طَرَفِهِ الْآخَرِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ نَجَسٍ فِيهِ .

وَأَمَّا ( الرَّاكِدُ ) الْقَلِيلُ فَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ ، وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ : وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ وَأَقْبَحُ ، وَكَذَلِكَ إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ . وَكَذَا إِذَا بَالَ بِقُرْبِ النَّهَرِ بِحَيْثُ يَجْرِي إِلَيْهِ الْبَوْلُ فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ الظَّاهِرِيِّ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ ، وَأَنَّ الْغَائِطَ لَيْسَ كَالْبَوْلِ وَكَذَا إِذَا بَالَ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ الْمَاءِ . وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ خِلَافَ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَقْبَحُ مَا نُقِلَ عَنْهُ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَيُكْرَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ ، وَلِمَا يُخَافُ مِنْ وُصُولِهِ إِلَى الْمَاءِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا انْغِمَاسُ مَنْ لَمْ يَسْتَنْجِ فِي الْمَاءِ لِيَسْتَنْجِيَ فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا بِحَيْثُ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ ; لِمَا فِيهِ مِنْ تَلَطُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَتَنْجِيسِ الْمَاءِ ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ ، وَلَوِ اجْتَنَبَ الْإِنْسَانُ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

باب النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ