فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَبَيَانِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ ،

باب تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَبَيَانِ أَنَّهَا تَكُونُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَمِنْ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ وَالزَّبِيبِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُسْكِرُ
[ سـ :3774 ... بـ :1979]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَارِفًا أُخْرَى فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ فَقَالَتْ
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قُلْتُ لِابْنِ شِهَابٍ وَمِنْ السَّنَامِ قَالَ قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عَلِيٌّ فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ فَقَالَ هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِآبَائِي فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( أَصَبْتُ شَارِفًا ) هِيَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُسِنَّةُ ، وَجَمْعُهَا : شُرُفٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا . قَوْلُهُ : ( أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهَا إِذْخِرًا لِأَبِيعَهُ ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، فَأَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ )

أَمَّا ( قَيْنُقَاعُ ) فَبِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ ، فَيَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْحَيِّ ، وَتَرْكُ صَرْفِهِ عَلَى إِرَادَةِ الْقَبِيلَةِ أَوِ الطَّائِفَةِ .

وَفِيهِ اتِّخَاذُ الْوَلِيمَةِ لِلْعُرْسِ ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ ، وَمَنْ دُونَهُ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ، وَفِيهِ : جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالِاكْتِسَابِ بِالْيَهُودِيِّ ، وَفِيهِ : جَوَازُ الِاحْتِشَاشِ لِلتَّكَسُّبِ وَبَيْعِهِ ، وَأَنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْمُرُوءَةَ ، وَفِيهِ : جَوَازُ بَيْعِ الْوَقُودِ لِلصَّوَّاغِينَ وَمُعَامَلَتِهِمْ .

قَوْلُهُ : ( مَعَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّيهِ ) الْقَيْنَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ الْجَارِيَةُ الْمُغَنِّيَةُ . قَوْلُهُ : (
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ )
الشُّرُفُ بِضَمِّ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَتَسْكِينِ الرَّاءِ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ جَمْعُ شَارِفٍ ، وَالنِّوَاءُ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ أَيِ السِّمَانُ ، جَمْعُ نَاوِيَةٍ بِالتَّخْفِيفِ ، وَهِيَ السَّمِينَةُ ، وَقَدْ نَوَتِ النَّاقَةُ تَنْوِي ، كَرَمَتْ تَرْمِي ، يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِذَا سَمِنَتْ ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي النِّوَاءِ أَنَّهَا بِكَسْرِ النُّونِ ، وَبِالْمَدِّ هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ النَّوَى بِالْيَاءِ ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ : ( ذَا الشَّرَفِ النَّوَى ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ وَبِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورًا قَالَ : وَفَسَّرَهُ بِالْبُعْدِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ ، قَالَ : وَهُوَ غَلَطٌ فِي الرِّوَايَةِ وَالتَّفْسِيرِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَمَامُ هَذَا الشِّعْرِ :


أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفَنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا وَضَرِّجْهُنَّ حَمْزَةُ بِالدِّمَاءِ
وَعَجِّلْ مِنْ أَطَايِبِهَا لِشُرْبٍ قَدِيدًا مِنْ طَبِيخٍ أَوْ شِوَاءِ
قَوْلُهُ : ( فَجَبَّ أَسْنِمَتَهَمَا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( اجْتَبَّ ) ، وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ : ( أَجَبَّ ) وَهَذِهِ غَرِيبَةٌ فِي اللُّغَةِ ، وَالْمَعْنَى : قَطَعَ .

قَوْلُهُ : ( وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا ) أَيْ شَقَّهَا ، وَهَذَا الْفِعْلُ الَّذِي جَرَى مِنْ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ شُرْبِهِ الْخَمْرَ وَقَطْعِ أَسْنِمَةِ النَّاقَتَيْنِ ، وَبَقْرِ خَوَاصِرِهِمَا وَأَكْلِ لَحْمِهِمَا ، وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .

أَمَّا أَصْلُ الشُّرْبِ وَالسُّكْرِ فَكَانَ مُبَاحًا ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ، وَأَمَّا مَا قَدْ يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ لَهُ : إِنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ ، وَلَا يُعْرَفُ أَصْلًا ، وَأَمَّا بَاقِي الْأُمُورِ فَجَرَتْ مِنْهُ فِي حَالِ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيهَا ؛ كَمَنْ شَرِبَ دَوَاءً لِحَاجَةٍ فَزَالَ بِهِ عَقْلُهُ ، أَوْ شَرِبَ شَيْئًا يَظُنُّهُ خَلًّا فَكَانَ خَمْرًا ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ فَشَرِبَهَا وَسَكِرَ فَهُوَ فِي حَالِ السُّكْرِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَقَعُ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ ، وَأَمَّا غَرَامَةُ مَا أَتْلَفَهُ فَيَجِبُ فِي مَالِهِ ، فَلَعَلَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَبْرَأَهُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ ، أَوْ أَنَّهُ أَدَّاهُ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ، أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّاهُ عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ عِنْدَهُ ، وَكَمَالِ حَقِّهِ وَمَحَبَّتِهِ إِيَّاهُ وَقَرَابَتِهِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّمَ حَمْزَةَ النَّاقَتَيْنِ .

وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ السَّكْرَانُ مِنَ الْأَمْوَالِ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ كَالْمَجْنُونِ ، فَإِنَّ الضَّمَانَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْلِيفُ ، وَلِهَذَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ ، وَأَمَّا هَذَا السَّنَامُ الْمَقْطُوعُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ نَحْرُهُمَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيْتٌ ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ذَكَّاهُمَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الشِّعْرُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ، فَإِنْ كَانَ ذَكَّاهُمَا فَلَحْمُهُمَا حَلَالٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا ذَبَحَهُ سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ أَوْ مُتَعَدٍّ ، وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ حِلُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَّاهُمَا وَثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَكْلٌ فِي حَالَةِ السُّكْرِ الْمُبَاحِ وَلَا إِثْمَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَهْقِرُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى ) قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ : الْقَهْقَرَى : الرُّجُوعُ إِلَى وَرَاءُ ، وَوَجْهُهُ إِلَيْكَ إِذَا ذَهَبَ عَنْكَ ، وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ الْإِحْضَارُ فِي الرُّجُوعِ ، أَيِ الْإِسْرَاعُ ؛ فَعَلَى هَذَا مَعْنَاهُ : خَرَجَ مُسْرِعًا ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ ، وَإِنَّمَا رَجَعَ الْقَهْقَرَى خَوْفًا مِنْ أَنْ يَبْدُوَ مِنْ حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمْرٌ يَكْرَهُهُ لَوْ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ لِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا بِالسُّكْرِ .




[ سـ :3775 ... بـ :1979]
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ أَبُو عُثْمَانَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ يَرْتَحِلُ مَعِيَ فَنَأْتِي بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنْ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ قَدْ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا قُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا قَالُوا فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الْأَنْصَارِ غَنَّتْهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابَهُ فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا
أَلَا يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ فَقَامَ حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا فَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَقَالَ عَلِيٌّ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَالَ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِيَ الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَاجْتَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَاهُ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَابَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُ فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فَقَالَ حَمْزَةُ وَهَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ، وَفِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ مِنَ الْبُخَارِيِّ ( مِنَ الصَّوَّاغِينَ ) فَفِيهِ دَلِيلٌ لِصِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ فِي قَوْلِهِمْ : بِعْتُ مِنْهُ ثَوْبًا ، وَزَوَّجْتُ مِنْهُ ، وَوَهَبْتُ مِنْهُ جَارِيَةً ، وَشِبْهِ ذَلِكَ ، وَالْفَصِيحُ حَذْفُ ( مِنْ ) فَإِنَّ الْفِعْلَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ ( مِنْ ) فِي هَذَا صَحِيحٌ ، وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْ ذَلِكَ نَظَائِرَ كَثِيرَةً فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ فِي حَرْفِ الْمِيمِ مَعَ النُّونِ ، وَتَكُونُ ( مِنْ ) زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي زِيَادَتِهَا فِي الْوَاجِبِ .

قَوْلُهُ ( وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ ) هَكَذَا فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ ( مُنَاخَانِ ) وَفِي بَعْضِهَا ( مُنَاخَتَانِ ) بِزِيَادَةِ التَّاءِ ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ نُسَخُ الْبُخَارِيِّ ، وَهُمَا صَحِيحَانِ ، فَأَنَّثَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ .

قَوْلُهُ : ( فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الْأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَجَمَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ ، فَإِذَا شَارِفَيَّ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا ) هَكَذَا فِي بَعْضَ نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَكْثَرِ نُسَخِهِمْ ، وَسَقَطَتْ لَفْظَةُ : ( وَجَمَعْتُ ) الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ : ( رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ) مِنْ أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( حَتَّى جَمَعْتُ ) مَكَانَ ( حِينَ جَمَعْتُ ) . قَوْلُهُ : ( فَإِذَا شَارِفَيَّ قَدِ اجْتُبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ ( فَإِذَا شَارِفَيَّ ) وَفِي بَعْضِهَا ( فَإِذَا شَارِفَايَ ) وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، أَوْ يَقُولُ : فَإِذَا شَارِفَتَايَ ، إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ : فَإِذَا شَارِفِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - عَلَى لَفْظِ الْإِفْرَادِ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ جِنْسَ الشَّارِفِ ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الشَّارِفَانِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا ) هَذَا الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الَّذِي أَصَابَهُ سَبَبُهُ مَا خَافَهُ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي حَقِّ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَجِهَازِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهَا ، تَقْصِيرُهُ أَيْضًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ يَكُنْ لِمُجَرَّدِ الشَّارِفَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُمَا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا ، بَلْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( هُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الْأَنْصَارِ ) وَالشَّرْبُ - بِفَتْحِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ - وَهُمُ الْجَمَاعَةُ الشَّارِبُونَ .

قَوْلُهُ : ( فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ فَارْتَدَاهُ ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا ( فَارْتَدَاهُ ) وَفِيهِ : جَوَازُ لِبَاسِ الرِّدَاءِ ، وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابًا ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ تَجَمَّلَ بِثِيَابِهِ ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي خَلْوَتِهِ فِي بَيْتِهِ ، وَهَذَا مِنَ الْمُرُوءَاتِ وَالْآدَابِ الْمَحْبُوبَةِ .

قَوْلُهُ : ( فَطَفِقَ يَلُومُ حَمْزَةَ ) أَيْ جَعَلَ يَلُومُهُ ، يُقَالُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا ، حَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَالْمَشْهُورُ الْكَسْرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ . قَوْلُهُ : ( إِنَّهُ ثَمِلٌ ) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ سَكْرَانُ .




[ سـ :3776 ... بـ :1980]
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا فَقَالُوا أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ قُتِلَ فُلَانٌ قُتِلَ فُلَانٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ قَالَ فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قَوْلُهُ : ( وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ ) قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : الْفَضِيخُ أَنْ يَفْضَخَ الْبُسْرِ وَيَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَيَتْرُكَهُ حَتَّى يَغْلِيَ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مَا فُضِخَ مِنَ الْبُسْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمَسَّهُ نَارٌ ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ تَمْرٌ فَهُوَ خَلِيطٌ .

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ ، وَأَنَّهَا كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَضِيخُ ، وَنَبِيذُ التَّمْرِ ، وَالرُّطَبُ ، وَالْبُسْرُ ، وَالزَّبِيبُ ، وَالشَّعِيرُ ، وَالذُّرَةُ ، وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهَا ، وَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ ، وَتُسَمَّى خَمْرًا ، هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ : إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ الْعِنَبِ ، وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ النِّيءُ ، فَأَمَّا الْمَطْبُوخُ مِنْهُمَا ، وَالنِّيءُ وَالْمَطْبُوخُ مِمَّا سِوَاهُمَا فَحَلَالٌ مَا لَمْ يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إِنَّمَا يَحْرُمُ عَصِيرُ ثَمَرَاتِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ ، قَالَ : فَسُلَافَةُ الْعِنَبِ يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا إِلَّا أَنْ يُطْبَخَ حَتَّى يَنْقُصَ ثُلُثَاهَا .

وَأَمَّا نَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ : تَحِلُّ مَطْبُوخُهُمَا وَإِنْ مَسَّتْهُ النَّارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِحَدٍّ كَمَا اعْتُبِرَ فِي سُلَافَةِ الْعِنَبِ ، قَالَ : وَالنِّيءُ مِنْهُ حَرَامٌ ، قَالَ : وَلَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ شَارِبُهُ ، هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يُشْرَبْ وَيُسْكِرْ ، فَإِنْ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، أَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ كَوْنُهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِي جَمِيعِ الْمُسْكِرَاتِ ، فَوَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ ، فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِسْكَارِ ، وَذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ ، قُلْنَا : قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ ، وَقَدْ عَلَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَهُ كَمَا سَبَقَ ، فَإِذَا كَانَ مَا سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ وَجَبَ طَرْدُ الْحُكْمِ فِي الْجَمِيعِ ، وَيَكُونُ التَّحْرِيمُ لِلْجِنْسِ الْمُسْكِرِ ، وَعُلِّلَ بِمَا يَحْصُلُ مِنَ الْجِنْسِ فِي الْعَادَةِ ، قَالَ الْمَازِنِيُّ : هَذَا الِاسْتِدْلَالُ آكَدُ مِنْ كُلِّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، قَالَ : وَلَنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ طَرِيقٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ : إِذَا شَرِبَ سُلَافَةَ الْعِنَبِ عِنْدَ اعْتِصَارِهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ لَمْ تُسْكِرْ فَهِيَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَإِنِ اشْتَدَّتْ وَأَسْكَرَتْ حَرُمَتْ بِالْإِجْمَاعِ ، فَإِنْ تَخَلَّلَتْ مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلِ آدَمِيٍّ حَلَّتْ ، فَنَظَرْنَا إِلَى مُسْتَبْدَلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَتَجَدُّدِهَا عِنْدَ تَجَدُّدِ الصِّفَاتِ وَتَبَدُّلِهَا ، فَأَشْعَرَنَا ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَقَامَ مَقَامَ ذَلِكَ مِنَ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِالنُّطْقِ ، فَوَجَبَ جَعْلُ الْجَمِيعِ سَوَاءً فِي الْحُكْمِ ، وَأَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ ، هَذِهِ إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ . وَالثَّانِيَةُ : الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ " وَقَوْلِهِ : " نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ " وَحَدِيثُ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ " وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ هُنَا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ أَسْكَرَ عَنِ الصَّلَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3777 ... بـ :1980]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَأَلُوا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ الْفَضِيخِ فَقَالَ مَا كَانَتْ لَنَا خَمْرٌ غَيْرَ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهَا أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا أَيُّوبَ وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِنَا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ هَلْ بَلَغَكُمْ الْخَبَرُ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ يَا أَنَسُ أَرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ قَالَ فَمَا رَاجَعُوهَا وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ : ( إِنَّهُمْ أَرَاقُوهَا بِخَبَرِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ ) فِيهِ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ .

قَوْلُهُ : ( فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ ) أَيْ طَرَفِهَا .

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَفِيهِ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا ، وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ .




[ سـ :3778 ... بـ :1980]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ إِنِّي لَقَائِمٌ عَلَى الْحَيِّ عَلَى عُمُومَتِي أَسْقِيهِمْ مِنْ فَضِيخٍ لَهُمْ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ سِنًّا فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّهَا قَدْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فَقَالُوا اكْفِئْهَا يَا أَنَسُ فَكَفَأْتُهَا قَالَ قُلْتُ لِأَنَسٍ مَا هُوَ قَالَ بُسْرٌ وَرُطَبٌ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ سُلَيْمَانُ وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَنَسٌ كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَأَنَسٌ شَاهِدٌ فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ ذَاكَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنِي بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ كَانَ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ

قَوْلُهُ : ( إِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِيهِمْ وَأَنَا أَصْغَرُهُمْ ) فِيهِ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِصَغِيرِ السِّنِّ خِدْمَةُ الْكِبَارِ ، هَذَا إِذَا تَسَاوَوْا فِي الْفَضْلِ أَوْ تَقَارَبُوا .




[ سـ :3781 ... بـ :1980]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَتَمْرٍ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ

قَوْلُهُ : ( فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَتْ ) الْمِهْرَاسُ : بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ ، وَهَذَا الْكَسْرُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُهَا وَإِتْلَافُهَا كَمَا يَجِبُ إِتْلَافُ الْخَمْرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَذَا وَاجِبًا ، فَلَمَّا ظَنُّوهُ كَسَرُوهَا ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَذَرَهُمْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمُ الْحُكْمَ ، وَهُوَ غَسْلُهَا مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ الْيَوْمَ فِي أَوَانِي الْخَمْرِ وَجَمِيعِ ظُرُوفِهِ ، سَوَاءٌ الْفَخَّارُ وَالزُّجَاجُ وَالنُّحَاسُ وَالْحَدِيدُ وَالْخَشَبُ وَالْجُلُودُ فَكُلُّهَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ، وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهَا .