فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ

باب قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ
[ سـ :3298 ... بـ :1688]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رُمْحٍ إِنَّمَا هَلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

ذَكَرَ مُسْلِمٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبَابِ الْأَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ سَبَبُ هَلَاكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى الْإِمَامِ ، لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَعَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّشْفِيعُ فِيهِ ، فَأَمَّا قَبْلَ بُلُوغِهِ إِلَى الْإِمَامِ فَقَدْ أَجَازَ الشَّفَاعَةَ فِيهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ شَرٍّ وَأَذًى لِلنَّاسِ ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُشْفَعْ فِيهِ . وَأَمَّا الْمَعَاصِي الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا وَوَاجِبُهَا التَّعْزِيرُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ وَالتَّشْفِيعُ فِيهَا سَوَاءٌ بَلَغَتِ الْإِمَامَ أَمْ لَا ; لِأَنَّهَا أَهْوَنُ ، ثُمَّ الشَّفَاعَةُ فِيهَا مُسْتَحَبَّةٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ فِيهِ صَاحِبَ أَذًى وَنَحْوِهِ .

قَوْلُهُ : ( وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) هُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ ، وَمَعْنَى يَجْتَرِئُ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِدْلَالِ ، وَفِي هَذَا مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَايْمِ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ فِيهِ تَفْخِيمٌ لِأَمْرٍ مَطْلُوبٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ ، وَقَدْ كَثُرَتْ نَظَائِرُهُ فِي الْحَدِيثِ ، وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَلِفِ بِاسْمِ اللَّهِ .




[ سـ :3299 ... بـ :1688]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَلَّمُوهُ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ اللَّيْثِ وَيُونُسَ

قَوْلُهُ : ( كَانَتِ امْرَأَةٌ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا فَأَتَى أَهْلُهَا أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ ) الْحَدِيثَ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْمُرَادُ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِالسَّرِقَةِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ تَعْرِيفًا لَهَا وَوَصْفًا لَهَا ، لَا أَنَّهَا سَبَبُ الْقَطْعِ . وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهَا سَرَقَتْ وَقُطِعَتْ بِسَبَبِ السَّرِقَةِ ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ، فَإِنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ ، مَعَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالُوا : هَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةٌ فَإِنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ ، وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ السَّرِقَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا عِنْدَ الرَّاوِي ذِكْرُ مَنْعِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ ، لَا الْإِخْبَارُ عَنِ السَّرِقَةِ . قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ : لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ جَحَدَ الْعَارِيَةَ ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ : يَجِبُ الْقَطْعُ فِي ذَلِكَ .