فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ

باب تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ
[ سـ :4927 ... بـ :2654]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ الْمُقْرِئِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ) هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ، وَفِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا : أَحَدُهُمَا الْإِيمَانُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلٍ وَلَا لِمَعْرِفَةِ الْمَعْنَى ، بَلْ يُؤْمَنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ ، وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَالثَّانِي يُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا ، فَعَلَى هَذَا ، الْمُرَادُ الْمَجَازُ كَمَا يُقَالُ : فُلَانٌ فِي قَبْضَتِي ، وَفِي كَفِّي ، لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَالٌّ فِي كَفِّهِ ، بَلِ الْمُرَادُ تَحْتَ قُدْرَتِي . وَيُقَالُ : فُلَانٌ بَيْنَ إِصْبَعِي أُقَلِّبُهُ كَيْفَ شِئْتُ أَيْ أَنَّهُ مِنِّي عَلَى قَهْرِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ كَيْفَ شِئْتُ . فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَصَرِّفٌ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ وَغَيْرِهَا كَيْفَ شَاءَ ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ ، وَلَا يَفُوتُهُ مَا أَرَادَهُ ، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا كَانَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ . فَخَاطَبَ الْعَرَبَ بِمَا يَفْهَمُونَهُ ، وَمَثَّلَهُ بِالْمَعَانِي الْحِسِّيَّةِ تَأْكِيدًا لَهُ فِي نُفُوسِهِمْ . فَإِنَّ قِيلَ : فَقُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدَةٌ ، وَالْإِصْبَعَانِ لِلتَّثْنِيَةِ ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ ، فَوَقَعَ التَّمْثِيلُ بِحَسَبِ مَا اعْتَادُوا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ التَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .